Share

الفصل3

Author: سرو
ليان بدت كمن فُزِعَت، غير مصدّقة وقالت: "يا ابنتي… كيف تتّهمين أمَّك بهذا الافتراء؟"

ولمّا رأى شادي المنير الجرحَ في عيني ليان، ظنّ أن ابنته تكذب. رأى أنها تفعل ذلك لتُدافع عن يارا، فتعمّدت الإساءة إلى ليان. فهل تؤذي أمٌّ أولادها؟

قال شادي مؤنّبًا: "ربى، لا يجوز للصغار أن يكذبوا. ثم إنها ليست امرأةً غريبة، هي أمُّكِ البيولوجية وأمُّ أخيكِ، ولولاها لما وُجدتما."

قالت ربى: "لم أكذب!"

وابتسمت ليان بين الدموع تُهدّئ شادي: "لا بأس. الأطفال لا يكذبون، وإنما يحتمون بمن يألفون. لا مشكلة، حبُّهما للسيدة يارا دليلٌ على أنها تُحسن إليهما، وهذا يُسعدني."

نعم، الأطفال لا يكذبون… إذن فَيَارا هي التي حرّضت ابنتها على هذا القول.

ولمّا رأى شادي في عيني ليان مرارةً ومظلوميةً ازداد غضبُه وقال: "أين الخادمات؟"

فدخلت المُربّية على عَجَل.

حدّق شادي في يارا وقال: "خُذي الطفلين وابتعدي بهما."

أي إنه يريد إبعاد الطفلين عن يارا!

وبعد أن حملت المُربّية الصغيرَين، خرج شادي غاضبًا مع ليان.

وبقيت يارا واقفةً وحدها في مكانها.

هما: أبٌ بيولوجي وأمٌّ بيولوجية. فبأيّ حقٍّ تتكلّم هي؟

نظرت إلى أعواد القطن الملطّخة بالدم إلى جوارها، فاعتصرها الألم… لكن الخيبة كان لها النصيب الأكبر.

ستّ سنواتٍ من الزواج، تُدبّر له البيت والطفلين ليواصل عمله مطمئنًا. كانت تظنّ أنها له موضعٌ خاص، إذ لم يكن شادي طوال تلك السنين مُتقلبًا بين القلوب، وكان لطيفًا أدّى ما يلزم الزوجَ من واجب.

لكن كلّ ذلك كان قبل ظهور ليان.

في ليلةٍ واحدة، كانت حمايةُ شادي لليان أشدّ ممّا أولاها إيّاه في ستّ سنوات. فبدت تلك اللطافة التي نالَتها منه من قبل… أقرب إلى السخرية.

في آخر الليل.

اغتسلت يارا واضطجعت. وبعد قليلٍ جاء وقعُ خطوات.

كان شادي قد اغتسل أيضًا، فتمدّد على الطرف الآخر، وولّى كلٌّ منهما ظهرَه للآخر.

وبعد لحظاتٍ قال شادي: "ليان اشتاقت إلى الطفلين وجاءت لتنظرَ إليهما، فلا داعي لنفوركِ منها ولا لتحريض الأطفال على الكذب. ما حدث اليوم، لا تُعيديه."

لا تُعيديه؟

عضّت يارا شفتها وقالت: "لقد رعيتُهما ستّ سنوات، من أيّام الرَّضاعة وأنا أعتني بهما، ولا أحد يتمنّى لهما السلامةَ والأدبَ أكثر منّي. على أيّ أساسٍ تتّهمني بالتحريض؟"

قال شادي ببرود: "إن لم تكوني أنتِ، أفَتكون ليان؟ هل أُذكّركِ؟ ليان هي أمُّهما البيولوجية."

سقطت كلماته… وسقط معها قلب يارا كأنه نُخِسَ بألفِ سَهم!

ستّ سنواتٍ من العطاء لا تُساوي عنده دموعَ ليان في ليلة.

فما قيمةُ هذه السنين إذن؟

ومضت ليلةٌ بلا كلام.

صباح اليوم التالي.

لمّا نهضت يارا لم تجد شادي.

اليوم عطلة نهاية الأسبوع، يومٌ للأسرة، وشادي لن يذهب إلى العمل، بل سيبقى مع الطفلين.

نزلت الدَّرج.

قال القيّم على البيت، العمّ ليث عمران، متردّدًا: "سيّدتي، الفطور… جاهز."

ولمّا اقتربت يارا من غرفة الطعام، فهمت الأمر.

كانت ليان قد أعدّت فطورًا وفيرًا.

قالت ليان بابتسامةٍ رقيقة: "أفقتِ يا سيدة يارا؟ تفضّلي إلى الفطور."

لكن هذا بدا في عينَي شادي كأنه تودّدٌ من ليان إلى يارا.

فتضايق وقال: "لا حاجة إلى ذلك. هذا بيتُ طفليكِ، ووجودكِ فيه حقٌّ لكِ."

توقّفت يارا، وأحسّت بحرارةٍ تصفع خدَّيها.

ابتسمت ليان: "حسنًا."

ولمّا جلست يارا قالت لها ليان: "تذوّقي هذا. هذه الفطائر على البخار المحشوة بالمرق كنتُ أتقنها من قبل، وشادي يحبّها، فقلتُ أصنعُ لكم طبخةً تُسعدكِ وتُسعد الطفلين."

وكان شادي يحبّها حقًّا.

قال شادي غير بخيلٍ بالثناء: "مهارتكِ صارت أفضل من السابق. شكرًا لكِ. لاحقًا لا تتعبي نفسكِ. يارا تتقنها أيضًا."

"شكرًا لكِ"… و"يارا تتقنها أيضًا"…

أي إن ليان لا يلزمها الطبخ، وعلى يارا أن تتولّى ذلك؟

حدّقت يارا في صحن العصيدة أمامها. كانت قد سهرت ليلتَين تُمرّض حازم حتى احمرّت عيناها، ومع ذلك، لم تسمع من شادي يومًا "شكرًا لكِ".

كتمت رغبتها في الردّ، وافترضت أنه يُعامل ليان كضيفةٍ فحسب.

قالت يارا: "نعم، أعرف إعدادها. لكن ربى لديها حساسيةٌ من السلطعون، فلا يمكنها أكل هذا."

قالت ليان بدهشة: "حساسية؟ شادي، طبائعُ الحساسية لدى الأطفال تأتي من قِلّة العناية بهم صغارًا. لا ينبغي فرطُ الحماية، بل تعريضهم لأنواعٍ مختلفة من الجراثيم لرفع المناعة."

توقّف شادي لحظةً، ونظر إلى يارا.

وفي الحقّ، لا مأخذَ على يارا في عنايتها بالطفلين طوال هذه السنين.

لهذا لم يُساير كلامَ ليان هذه المرّة.

وأدركت ليان صمتَه فغيّرت الحديث: "أفكّر أن آخذ الطفلين في نُزهة. ترافقنا يا شادي؟"

ثم التفتت إلى يارا: "سيدة يارا، هل تُرافقيننا أنتِ أيضًا؟"

قال شادي فجأة: "نادِها باسمها: يارا وكفى."

فأطاعت ليان وقالت: "حسنًا، يارا."

تبادلا القول… ولم يسألا يارا رأيَها أصلًا.

قالت يارا وهي تدفع الصحن قليلًا: "اذهبا أنتما. لن أخرج اليوم. لديّ موعدٌ مع صديقة."

سألها شادي من فوره: "وأين لكِ صديقات؟"

قالت: "صديقةٌ قديمة انتقلت إلى مدينة أزلان. سأمرّ بها."

وليارا صديقات كثيرات، لكن مذ تزوّجت وانتقلت إلى أزلان قلّ تواصلُها؛ فمعظمهنّ في العاصمة مدينة جلان.

لم يُطل شادي الحديث وقال: "عودي مبكرًا، وانتبهِي لسلامتك."

ثم صعدت يارا إلى الطابق العلوي.

ولمّا ذهبت، مدّ شادي إلى ليان بعضَ الطعام وقال: "تعافتِ صحّتكِ تمامًا؟"

فهزّت رأسها مبتسمة: "كلّه على ما يُرام. لا تقلق."

قال: "حسنًا. لا بدّ أنكِ قاسيتِ كثيرًا."

خفضت ليان عينيها وفي ملامحها حُزنٌ خفيف: "لا بأس. ها قد انقضت الشدّة…"

والحقيقة أنها لم تقاسِ، بل عاشت حياةً لا بأس بها. لكن الماضي… لا يُذكَر.

لمّا استيقظ الطفلان، كانت يارا تُحضّر لهما ما قد يحتاجانه للخروج: أكواب الماء، مناديل مُبلّلة، كاميرا للأطفال، ثيابٌ احتياطية.

قالت وهي تربّت ثيابهما جاثيةً على الأرض: "لن أخرج معكما اليوم. اسمعا كلام أبيكما، ولا تبتعدا."

قال حازم وهو يضمّ شفتَه: "ومن سيرافقنا؟"

قالت يارا بعد تردّدٍ قصير: "أبوكما، و… أمُّكما البيولوجية."

قالت ربى وقد نفد صبرُها: "لا نريد! كيف لا تكونين أمَّنا؟ تلك المرأة تكذب. لم نرَها في حياتنا!"

قالت يارا: "هي أمُّكما البيولوجية فعلًا. ونفورُكما منها سيُغضب أباكما."

لم يكونا مسرورَين، لكنهما أطاعا يارا.

كان من العسير عليهما قبولُ أن يارا ليست أمَّهُما البيولوجية، فازداد نفورهما من ليان.

ثم نزلت يارا إلى الأسفل، ووضعت ورقةً على المائدة: "كتبتُ فيها عاداتِ الأكل عند الطفلين وما يتحسّسان منه." ثم ارتدت معطفها وغادرت بلا إطالة.

وبقيت حتى قُبيل المساء في "البار الهادئ" الذي تملكه صديقتها جمانة سمير.

قالت جمانة وهي تُقدّم طبقَ فاكهة: "إنه يومُ الأسرة، غريبٌ أن تمكثي عندي نصفَ اليوم."

ابتسمت يارا وفي ابتسامتها شجنٌ خفيّ: "هم ذهبوا نُزهةً كأسرةٍ من أربعة… ماذا أفعل أنا؟"

قالت جمانة: "بوسعكِ أن تعودي إلى عملك."

هزّت يارا رأسها ببطء: "عملي… ليس في أزلان."

كانت قد تخصّصت في رأس المال المخاطر، وشركاتُ التصنيع المتوسطة في أزلان لا مشاريعَ فيها من طراز المليارات لتجاذبها وتضمّها. وأرجى ما يُنتظر توسّعُه هو شركةُ شادي.

فمجموعة المنير أقوى لاعبٍ محلّي في الأقاليم الثلاثة المجاورة.

لكن يارا لا تتدخّل في عمله.

قالت جمانة متحسّرة: "تُهدِرين موهبتكِ."

فمنذ الصغر تأثّرت يارا بأهلها، وابتداءً من السابعة عشرة كانت ترافق أباها في الاستثمار، وببصيرةٍ نافذة أعانت أسرتها على أرباحٍ طائلة.

ولهذا، حين قرّرت تلك الفتاة المُدلّلة ذات الأصل العريق أن تتزوّج شاديًا غير متزوّجٍ ومعه توأم، عارضتها أسرتها حتى كادوا يقطعونها.

لكن الفتى الذي أحبّتْه سرًّا في أيّام الدراسة صار اليوم زوجًا، فوهبتْه قلبَها، ولم يكن لجمانة أن تُعنّفها على اختيارها.

على أن شاديًا يجهل كلّ ذلك. يظنّ يارا من أسرةٍ عاديّة، وأن بلد أهلها بعيدٌ ناءٍ، لذا لم يظهَر والداها طوال تلك السنين.

قالت يارا وقد أدارت رأسها قليلًا: "يكفيني… سأعود…"

"زز…"

رنّ الهاتف فقطع كلامها.

إنه اتصال من شادي.

خمّنت أن شيئًا يخصّ الطفلين قد حدث؛ إذ قلّما يتّصل شادي بها، وغالبًا ما يكتفي برسائل الواتساب.

أجابت: "ألو؟"

قال شادي بلهجةٍ باردة: "تعالي فورًا إلى مستشفى الأطفال!"

ولم تُسعفها لحظاتٌ لِتُودّع جمانة، فاندفعت راكضةً إلى الخارج.

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي   الفصل30

    كل هذه المنعطفات والخصومات في البيت مؤخرًا إذن منسوبة إلى يارا. طاقة يارا تتصادم مع طاقة شادي، لذا حدث كل هذا. قالت ليان: "دعنا من هذا الآن، يا ياسر خليل، كيف نُعدّل طاقة المكان في البيت؟" تلفّت ياسر خليل حوله وقال: "اطّلعتُ قبل قليل. بعض القطع يجب رميها. مثل صورة الزفاف تلك؛ يغلب عليها الأبيض والأسود وموضوعة في الجهة الغربية، وهذا يضرّ وئام صاحبي البيت. وكذلك كل غرف النوم التي تتجه أبوابها شرقًا يجب تبديل ساكنيها بمن يَمنحك الازدهار. عندها تظهر النتيجة فورًا." أبواب تتجه شرقًا؟ تذكّر ليث عمران أن كل غرف النوم في هذا البيت أبوابها شرقًا على صف واحد. وغرف الضيوف فارغة أصلًا. إن كان لا بدّ من تبديل الساكن، فالمقصود جناح النوم الرئيسي. قالت ليان: "لا أحد هنا يطابق سنة ميلادك غيري يا شادي." انعقد حاجبا ليث. هل يعني ذلك أن على ليان أن تنتقل إلى غرفة النوم الرئيسية؟ قال شادي بصرامة: "يا ليث، أنزل صورة الزفاف." قال ليث: "سيدي، هذا…" قاطعت أمينة: "ألا تُنفَّذ كلمة صاحب البيت؟" ضاق صدر ليث، لكنه لم يستطع الرفض. وأثناء انشغال الخدم بإنزال الصورة التي يتجاوز طولها مترين، تلقّى شادي

  • اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي   الفصل29

    رغم أن يارا لا تعرف ذلك المدعو ياسر خليل، فإن هيئته تكفي لتخمين عمله. "أنا من مواليد سنة النمر، ما المشكلة؟" ليان تفاجأت: "إذًا يا يارا أنتِ من مواليد النمر؟" ثم التفتت إلى شادي قائلة: "شادي، هذا…" لم تمكث يارا، واستدارت إلى المطبخ. بدت كالغريبة، تدخل وتخرج ثم تصعد إلى الطابق العلوي. رنّ الجرس. ليان كانت الأقرب إلى الباب ففتحته، "جدّتي؟" دخلت أمينة زهران على كرسي متحرك يدفعه أحدهم، وسألت بلهفة: "كيف الحال يا ياسر خليل؟" كان ياسر خليل بدعوة من أمينة. قال ياسر خليل: "يا سيدة أمينة، طاقة المكان هنا غير مستقرة، ولإعادتها للاتّزان يجب إبعاد كل شخص أو شيء يتنافر مع البيت. وقد تأكدتُ أن هنا ثلاثة أشخاص لا يصلحون للبقاء طويلًا. أما الأشياء فيمكن ترتيبها لاحقًا." قالت أمينة بجدية: "شادي، خيرٌ أن نأخذ بالحيطة. هذا يخصّ الطفلين ومسارك المهني. أذكر أن والديك في حياتهما كانا يثقان بطاقة المكان، وكذلك أهل ليان." كانت أمينة من عائلة زهران، ووالدا ليان من العائلة نفسها. نظر ليث عمران إلى أمينة. إن كانوا يؤمنون بطاقة المكان ويستدعون الخبراء، فكيف انهارت أسرة زهران سابقًا؟ دنت أمينة وهي ت

  • اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي   الفصل28

    بدت ليان متفاجئة وقالت: "لقد أصبتَ في كل شيء يا أستاذ." لم يُبدِ شادي رأيًا فورًا، وسأل: "إذًا كيف نعالج الأمر؟" صرّح ياسر خليل بحزم: "هناك من يضرب انسجام هذا البيت. مواليد النمر، ومعهم مواليد الكلب، يجب إبعادهم." قالت ليان: "مواليد الكلب والنمر؟ هل في البيت خدم من مواليد النمر أو البقر؟" استدعى ليث جميع الخدم. أخذ الجميع يذكرون أبراجهم. وكان اثنان منهم من مواليد الكلب، هما ليث والمربية. حدّقت ليان طويلًا في هذين الاثنين. فولاؤهما ليارا يزعجها كثيرًا. تظاهرت ليان بالبحث وقالت: "أنتما من مواليد الكلب؟ وأين مواليد النمر؟" تجهم شادي. يارا من مواليد النمر، وهي أصغر منه بعام. سألت ليان: "بالمناسبة، ما برج يارا؟" كان ليث يعرف، لكنه لزم الصمت. قال شادي: "تفضل يا أستاذ، أكمل." قال ياسر: "إن كنت من مواليد الثور فلا انسجام مع مواليد النمر، وسيكثر الشجار. أما مواليد الكلب فقد يضرّون بصحّة الأطفال." شجار؟ غاص شادي في التفكير، ففي الآونة الأخيرة ما إن يلتقي يارا حتى يحتدم الخلاف. تبادل ليث والمربية نظرة قلقة. أيعني هذا الأستاذ أنهم يضرّون بصحة الصغيرين؟ تابع ياسر بنبرة ثقيلة: "م

  • اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي   الفصل27

    ربى ابتسمت وقالت: "لا يؤلمني يا ماما." كانت تتظاهر بأنها بخير خوفًا من أن تقلق أمها. دموع يارا اليوم لا تسيل إلا من أجل هذين الطفلين. احتضنتهما بجسدها النحيل وقالت: "تتناولان الطعام؟" "نعم نعم." كانت رُبى تُطوِّق عنقها بذراعيها ولا تفلتها، ومشهد التعلّق هذا كان يزعج ليان. حملتْهما يارا إلى غرفة الطعام وجلست. قالت ليان: "يارا، ربى قالت قبل قليل إنها تريد من يطعمها. في هذا العمر عليها أن تتعلّم الاعتماد على نفسها." رفعت ربى رأسها فورًا وقالت: "كنتُ أقصد حين أكون مريضة، لقد فهمتِ خطأ." احمرّ وجه ليان قليلًا وقالت: "أوه، نعم." لَزِمت يارا الصمت ومدّت يدها لتناول الملعقة كي تُطعِم ابنتها. لكن ربى خطفتها وقالت: "سأتناول طعامي بنفسي يا ماما." عَبَس شادي. فلماذا أصرت قبل قليل أن يُطعمها هو؟ وللحظة عاد إليه ظنّه بأن يارا دلّلت ربى أكثر مما ينبغي. كانت ربى لا ترفع لقمةً إلى فمها إلا وتنظر إلى يارا كأنها تخشى أن ترحل. قرأت يارا ذلك وابتسمت: "اطمئني، لن أغادر. كُلي على مهل، فالشبع يعطيكِ قوةً لهزيمة الجراثيم." "حسنًا." وأخذت ربى تُدخل الطعام في فمها. في تلك اللحظة ارتسمت الابتسام

  • اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي   الفصل26

    أيُّ طفلٍ يُتحدَّث عن حظّه أصلًا؟ لكن أهل التجارة يهتمون بما يسمّى طاقة المكان. وخاصةً حين يتعلّق الأمر بطفلين. لم يكن شادي المنير دقيقًا كالنساء ولا بارعًا في التعبير ككثيرٍ من الآباء. لكنّه في الحقيقة يحبّ الطفلين. حُبّه صامت؛ وهو من الذين يظنون أنّ توفير بيئة نموّ جيّدة للأولاد هو أداء واجب الأب. قال شادي: "حسنًا." ففي الآونة الأخيرة تراكمت أمور غير موفّقة. ابتسمت ليان زهران وقالت: "سمعتُ أنّ بعض الأطفال يكثر لديهم الشغب وتعلو حدّة مزاجهم بسبب طاقة المكان. وأعرف خبيرًا في هذا المجال، أأدعوه إذًا؟" كان شادي ما يزال مُتعَبًا فقال: "شكرًا لتكلّفك." عند الظهر. قالت المربية: "سيدي، الآنسة الصغيرة لا تأكل." كان شادي في غرفة المكتب وقد أنهى لتوّه أمرًا يخصّ الشركة. قطّب حاجبيه وذهب إلى غرفة الطعام. ربى لا تزال مريضة، والمربيات يعتنين بها ويُطعمنها بأنفسهنّ. لكنّها لم تقبل أن تُطعِمها المربية. تقدّمت ليان من تلقاء نفسها، فمَنَعها حازم من الاقتراب من أخته. قال شادي بضيقٍ بدأ ينفد صبره: "ما الأمر هذه المرّة؟" لمعت عينا ربى بالدموع وقالت: "بابا، أطعمْني أنت." قال: "لقد صرتِ

  • اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي   الفصل25

    لكن هذا ذكّرها بشيء ما... أخرجت ليان زهران هاتفها واتصلت قائلة: "جدتي، هل أزعجت راحتك؟" ... داخل غرفة المستشفى. جلس شادي المنير عند حافة السرير وقال: "رُبى، حازم. بابا ليس منحازًا إلى أمكما البيولوجية، لكن عليكما التحلي بالأدب، وإن كان لديكما شيء فقولاها بهدوء." "لكننا لا نحبها، نحن نريد أمّنا فقط." ومهما يكن، فهو والدهما، فكيف لا يقلق؟ زفر نفسًا، وامتلأت عيناه بضيق. "قبل قليل ارتفع صوت بابا." احتضن حازم وقال: "بابا يعتذر منك، آسف. لا تغضب من بابا، حسنًا؟" شعر حازم بظلم وكتم دموعه ثم قال: "نريد أمّنا أن تعود." أمي... يارا... الأطفال يعتمدون عليها إلى هذا الحد. "إن لم تكن الأم موجودة، أليس بابا هنا؟" تذكّر شادي مجددًا جملة يارا: "هؤلاء أولادك." رحلت بهذه اللامبالاة، قالت وتوارت. عاد الغضب يعلو صدره؛ لم يصدق أن من دونها لا يستطيع رعاية الطفلين. سأل حازم مرة أخرى: "أبي، قلت إن أمّنا تخلّت عنا، أهذا صحيح؟" لم يُرِد شادي جرح قلب طفليه، لكن من تركهما أصلًا هي يارا. قال: "سيرافقكما بابا في الأيام القادمة، ما رأيكما؟" هذا الجواب جعل الشقيقين يشعران وكأن أمّهما حقًا لم تعد تري

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status