اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي

اخترتَ حبَّك الأوّل… وأنا اخترتُ نفسي

By:  سروUpdated just now
Language: Arab
goodnovel4goodnovel
Not enough ratings
30Chapters
50views
Read
Add to library

Share:  

Report
Overview
Catalog
SCAN CODE TO READ ON APP

ابنةُ بيتٍ من علية القوم يارا، خالفت أهلها حتى قطعت صلتها بهم، وأصرّت على الزواج من شادي المنير، الأعزب الذي يربّي ابنةً وابنًا، وكان عملُه يومئذٍ في انحدار. ستّ سنواتٍ من الزواج، رعت الطفلين كأولادٍ لها، وأسندت زوجها حتى نهضت شركته ونجحت في الإدراج في السوق. لكن، وفي حفل الاحتفاء بصعوده إلى دوائر النخبة، ظهرت فجأةً الأمُّ البيولوجية للتوأم ليان. شادي الرصين عادةً استمات في استبقائها، حتى جعل يارا أضحوكة المدينة. تلك الليلة لم يرجع، وقضاها مع حبيبته الأولى والتوأم. ثم قرّر الطلاق قائلًا: "شكرًا على ما بذلتِه في هذه السنين، لكنّ الطفلين أحوج إلى أمّهما البيولوجية." وقالت أمُّ الطفلين: "شكرًا لتعبكِ في رعاية طفلَيّ هذه السنين، لكن زوجة الأب تبقى زوجة أب، ولن تُشبه الأمَّ أبدًا." أيعني هذا أن فضلَ التربية أدنى من فضلِ الولادة؟ إذا كان كذلك، فلن تبقى يارا زوجةَ أب! لكن المفاجأة أنّ الابنة والابن لم يقبلا الأمَّ البيولوجية، بل رفضا حتى أبيهما، وهتفا: "ليس لنا في هذه الحياة إلا ماما يارا واحدة! إن تطلّقتم، سنبقى مع ماما، وسننتقل معها إذا تزوّجت من جديد!"

View More

Chapter 1

الفصل1

مدينة أزلان.

ليلًا، الساعة الثامنة.

في حفل الاحتفاء بمجموعة المنير، كان الجميع يتبادلون الكؤوس ويتجاذبون أطراف الحديث ببهجة.

أُحيط صاحب المناسبة شادي المنير بالناس؛ فمنذ سنواتٍ خَلَت عصفت بأسرته الشدائد، ثم نهض من الصفر حتى أعاد إدراج مجموعة المنير المنهارة في السوق، وكان لزامًا أن تُقدَّم له التهاني.

قال أحدهم: "مبارك يا سيد شادي، حقًّا أنت شابّ مميّز."

وقال آخر: "فلنُكثِر التعاون في الأيام القادمة."

وقال ثالث: "ليس عملك وحده مزدهرًا، أسرتك كذلك سعيدة يا سيد شادي. زوجتي دائمًا تقول: من رُزق بزوجةٍ صالحة كُفي همومه. حقًّا نحسدك على زوجةٍ كهذه."

وكانت الغِبطة مفهومة؛ فالسيدة يارا، وهي في مقتبل العمر، ارتضت أن تكون أمًّا بديلة وربّت الطفلين على أحسن وجه، فأيّ رجل لا يغبط؟

وما إن ذُكرت يارا حتى مسح شادي المنير القاعة بعينيه.

هناك، بين الناس، كانت المرأة الأنيقة بثوبٍ أسود للمساء وحديثٍ رصين، وهي السيدة يارا زوجته.

كان هذا الحفل قد تولّت يارا تنظيمه منذ شهر، وعلى انشغالها لم تُغفل رعاية الطفلين.

كبر الطفلان اليوم بصحة، واستقر عمل شادي، وليارا فضلٌ لا يُنكر.

وقد أقرّ شادي بهذا في نفسه.

أقبلت يارا بالصغيرين، وشبكت ذراعها بذراع شادي.

وسارع الحضور يثنون: "السيد شادي والسيدة يارا ومعهما الصغيران اللطيفان، أسرةٌ سعيدة حقًّا."

وقال آخرون: "كُلكم أهلُ حظّ."

ابتسمت يارا وقالت: "تُحسنون الظنّ، والشكر لكم على دعمكم لشادي هذه السنين، ونأمل لاحقًا…"

قبل أن تُتمّ عبارتها، ارتفع صوتٌ عند المدخل: "ليان؟ أنتِ ليان زهران؟"

قال الحارس: "يا سيدة لاميا درويش، لقد بقيت تتخفّى هنا وقتًا. أتعرِفينها؟"

لم يكن الصوت خافتًا، فوصل إلى أسماع الجميع في لحظة.

وما إن سمعت يارا اسم "ليان" حتى خفق قلبها فجأة.

وقبل أن تُفيق، أفلت ذراعها من يد شادي.

انطلق شادي مسرعًا نحو الباب، وملامحه بين قلقٍ وترقّب.

"ليان؟" كم ليان في هذا العالم أصلًا؟ وأيٌّ منهن قد تظهر هنا؟

عند المدخل كان الحارس يمسك بذراع امرأة ويقول: "من تكونين؟ أمعكِ بطاقة دعوة؟"

فقال شادي بحزم: "اترك يدها!"

وتبِعهم الحضور.

وليس اسم "ليان" بغريبٍ على أحد؛ فهي صديقة شادي منذ الصغر، وكانت بينهما خطبة، وهي أمّ الطفلين البيولوجية اللذين ربّتهما السيدة يارا.

قال شادي وهو يقترب ممسكًا بذراعها وكأنه لا يصدّق: "ليان؟ حقًّا أنتِ؟"

وكان توتره واهتمامه بادِيَين ليارا، فاشتد وجيب قلبها.

قالت ليان: "شادي، أنا… أنا اشتقتُ كثيرًا للصغيرين، فجئتُ أنظر إليهما فحسب. لم أرد إزعاجكم… عذرًا، عذرًا…"

كانت ترتدي ثوبًا بسيطًا، وعيناها محمرّتان، تتعلّقان بالصغيرين قرب يارا تعلقًا لا يخلو من الفراق.

نظر إليها شادي فأحس بطعنةٍ في صدره؛ كانت ليان قديمًا منطلقة باسمة واثقة، لا كهذه الحذِرة المنكسِرة الآن.

حدّق فيها يخشى أن تتلاشى ثانية بلا سبب، وقال: "أين كنتِ طوال هذه السنين؟"

وخيم الصمت على المكان.

همس بعضهم: "من تلك التي يمسك السيد شادي بذراعها؟ عشيقة؟"

وقال آخر: "تلك ليان، كبرى بنات عائلة زهران. العاصفة المالية يومها أطاحت بعائلتَي المنير وزهران. كانا مخطوبَين منذ الصغر، ثم لا ندري كيف أنجبت ليان توأمًا ذكرًا وأنثى، ثم اختفت، ولم يتم الزواج."

وقال ثالث: "إذًا هي أمّ توأم السيد شادي البيولوجية؟ فماذا عن السيدة يارا…"

وتحوّلت الأنظار إلى يارا.

كانت يارا تمسك بيدَي الصغيرين وتشهد زوجها وهو يُبدي عنايته علنًا بامرأةٍ أخرى.

قالت ليان بعينين فيهما عجزٌ ورجاء: "أُصِبتُ بمرضٍ بعد الولادة، وكانت أحوالنا صعبة، فلم أشأ أن أكون عبئًا عليك. أعلم أن رحيلي بلا وداع خطأ، لكن الطفلين لا ذنب لهما. والآن وقد نجحتَ، أرجوك أحسن إلى طفلينا."

بدت عبارتها للغريب كأنها تُلمِّح إلى أن زوجة الأب قد تُسيء للصغيرين.

قطّب شادي حاجبيه وقال في نفسه: أكانت مريضةً بعد الولادة؟ أتركتْه كل هذه السنين كي لا تُثقله؟

قالت ليان وهي تتململ: "يجدر بي أن أرحل الآن، شادي… دع يدي…"

قال شادي: "لا ترحلي الآن."

وتباينت خواطر الحاضرين، لكن أكثرهم رمق يارا.

وأيّ شيءٍ بوسع يارا أن تفعله لإيقاف هذا المشهد؟ فكون ليان أمًّا بيولوجية حقيقةٌ لا تُمحى.

سألت الأخت رُبى المنير وهي ترفع رأسها نحو يارا: "ماما، من هي الخالة التي يحتضنها أبي؟"

وقال الأخ حازم المنير ببساطة: "ولماذا يحتضن أبي خالةً أخرى؟"

وكان المكان ساكنًا، فانتشرت كلمات الصغيرين بين الجميع.

تنبّه شادي كأنه تذكّر شيئًا وقال: "أعتذر منكم جميعًا، الوقت متأخر. سأدعوكم إلى بيتنا في يومٍ آخر."

فأجابوا: "تفضّل يا سيد شادي."

وتفرّق الحضور على عجل.

وحين سكن المكان، مسح شادي دموع ليان المتدفّقة بيده وقال: "كفى بكاءً. إن كنتِ تشتاقين للصغيرين فابقَي الليلة ورافقيهما."

رفعت ليان رأسها بدهشةٍ وفيها شيءٌ من التردد وقالت: "أ… أيمكن ذلك؟"

ثم التفتت إلى يارا وقالت: "عذرًا يا سيدة يارا، أردتُ أن أرى طفلَيّ لا أكثر، وأرجو ألّا تمانعي."

وبعد هذا القول، كيف لِيَارا أن تُبدي امتعاضًا؟ أمٌّ تزور أبناءها أمرٌ طبيعي.

أطرقت يارا وقالت: "لا أمانع."

وحين رأى شادي موافقتها، لمعت في عينيه لمحة ارتياح، وقال للقيّم على البيت: "أعدّوا غرفة الضيوف من جديد، ولتكن نظيفة تمامًا، فليان شديدة الحرص على النظافة."

ولما أدركت ليان أنه ما زال يذكر هذه العادة عنها، تلألأ الامتنان والسرور في عينيها.

أما يارا فخفضت نظرها وبقيت صامتة.

دخلت ليان وجثت تنظر إلى الصغيرين، وقد تملّكها الشوق لتداعب وجنتيهما.

لكن رُبى وحازم نفرا منها تلقائيًا وتراجعا خطوات.

بدت ليان يائسة وقالت: "شادي، أهما يكرهانني؟"

سارع شادي يقول للصغيرين: "رُبى، حازم، هذه أمّكما الوحيدة، هيا قولا لها: ماما."

وانقبض قلب يارا وقالت في نفسها: "الأمّ الوحيدة؟ فماذا أكون أنا إذن؟"

حتى خَدَمُ البيت عقدوا حواجبهم عند سماع ذلك؛ فالسيدة يارا وإن لم تكن أمًّا بيولوجية، فهي منذ أشهرهما الأولى ترعاهما. بدا كلام السيد جارحًا.

قال حازم غاضبًا: "لا، ليست أمَّنا، أمُّنا هنا!"

ثم تشبّث بذراع يارا واحتمى خلفها.

كيف، في ظنه، لا تكون يارا أمَّه وأمَّ أخته؟ لا بد أن أباهما يضلّلهما.

شرح لهما شادي بصبر: "يارا ليست أمّكما البيولوجية، بل ليان. هي أكثر من يحبّكما في هذا العالم، ولا يعادل الأمَّ أحد. أهذه قلّةُ أدبٍ منكما؟"

رفعت يارا رأسها تحدّق في شادي. لا تُنكر أن أمًّا تحبّ أبناءها، لكن كلامه بدا كأنه يُقصيها. لقد رأت في الصغيرين وديعة قلبها، وحتى لا تُقصّر في رعايتهما لم تطلب ولدًا لنفسها.

قالت رُبى محتدّة: "لا يعنيني هذا! التي أحبّتنا حقًّا أمُّنا، والتي ترعانا أمُّنا! إنها يارا، لا امرأة أخرى!"

Expand
Next Chapter
Download

Latest chapter

More Chapters

Comments

No Comments
30 Chapters
الفصل1
مدينة أزلان. ليلًا، الساعة الثامنة. في حفل الاحتفاء بمجموعة المنير، كان الجميع يتبادلون الكؤوس ويتجاذبون أطراف الحديث ببهجة. أُحيط صاحب المناسبة شادي المنير بالناس؛ فمنذ سنواتٍ خَلَت عصفت بأسرته الشدائد، ثم نهض من الصفر حتى أعاد إدراج مجموعة المنير المنهارة في السوق، وكان لزامًا أن تُقدَّم له التهاني. قال أحدهم: "مبارك يا سيد شادي، حقًّا أنت شابّ مميّز." وقال آخر: "فلنُكثِر التعاون في الأيام القادمة." وقال ثالث: "ليس عملك وحده مزدهرًا، أسرتك كذلك سعيدة يا سيد شادي. زوجتي دائمًا تقول: من رُزق بزوجةٍ صالحة كُفي همومه. حقًّا نحسدك على زوجةٍ كهذه." وكانت الغِبطة مفهومة؛ فالسيدة يارا، وهي في مقتبل العمر، ارتضت أن تكون أمًّا بديلة وربّت الطفلين على أحسن وجه، فأيّ رجل لا يغبط؟ وما إن ذُكرت يارا حتى مسح شادي المنير القاعة بعينيه. هناك، بين الناس، كانت المرأة الأنيقة بثوبٍ أسود للمساء وحديثٍ رصين، وهي السيدة يارا زوجته. كان هذا الحفل قد تولّت يارا تنظيمه منذ شهر، وعلى انشغالها لم تُغفل رعاية الطفلين. كبر الطفلان اليوم بصحة، واستقر عمل شادي، وليارا فضلٌ لا يُنكر. وقد أقرّ شادي بهذا ف
Read more
الفصل2
لم يخطر لشادي المنير أن يكون الأطفالُ على هذا القدر من النُّفور من ليان. انفجرت ليان باكيةً بحرقة، وكادت تخرّ: "كلُّه ذنبي، كلُّه ذنبي… الخطأ خطئي أنا، لم يعرفاني منذ صغرهما…" ولم يبالِ شادي المنير بوجود يارا، فطوّق كتف ليان مواسياً: "كيف يُمكن أن نلومكِ؟ لقد كنتِ مُكرهة." "كُفّي عن الحزن، اصعدي إلى الطابق العلوي واغتسلي ورتّبي نفسك أولاً." وكانت هيئتها في تلك اللحظة بائسة تُثير الشفقة. ولما بدا على ليان من وهنٍ شديد، لم يسع شادي إلا أن يُمسك بها بنفسه إلى غرفة الضيوف. ومرّا بمحاذاة يارا كأن لا أحدَ سواهما، غير عابئَيْن بمشاعرها. لكن يارا كبحت ما خامرها من ضيق، وأقنعت نفسها بأن ليان إنما تشتاق إلى أولادها وتريد رؤيتهما، وأن شادي لا يفعل سوى واجب الأب وحفظ الموقف. وحاولت أن ترسم ابتسامة: "يا أحبابي، هيا… آنَ وقتُ الغسل والنوم." "حاضر يا ماما!" ومضى الطفلان وراء يارا في سعادة. في غرفة الضيوف. اغتسلت ليان على عَجَل، وبدّلت ثيابها مؤقتًا، وقلبها غير مُطمئن: "شادي، هل أوشك الأولادُ على النوم؟" شادي المنير: "نعم، الوقتُ متأخر." ولولا حفلةُ الاحتفاء هذا اليوم لكان الأطفالُ قد نام
Read more
الفصل3
ليان بدت كمن فُزِعَت، غير مصدّقة وقالت: "يا ابنتي… كيف تتّهمين أمَّك بهذا الافتراء؟" ولمّا رأى شادي المنير الجرحَ في عيني ليان، ظنّ أن ابنته تكذب. رأى أنها تفعل ذلك لتُدافع عن يارا، فتعمّدت الإساءة إلى ليان. فهل تؤذي أمٌّ أولادها؟ قال شادي مؤنّبًا: "ربى، لا يجوز للصغار أن يكذبوا. ثم إنها ليست امرأةً غريبة، هي أمُّكِ البيولوجية وأمُّ أخيكِ، ولولاها لما وُجدتما." قالت ربى: "لم أكذب!" وابتسمت ليان بين الدموع تُهدّئ شادي: "لا بأس. الأطفال لا يكذبون، وإنما يحتمون بمن يألفون. لا مشكلة، حبُّهما للسيدة يارا دليلٌ على أنها تُحسن إليهما، وهذا يُسعدني." نعم، الأطفال لا يكذبون… إذن فَيَارا هي التي حرّضت ابنتها على هذا القول. ولمّا رأى شادي في عيني ليان مرارةً ومظلوميةً ازداد غضبُه وقال: "أين الخادمات؟" فدخلت المُربّية على عَجَل. حدّق شادي في يارا وقال: "خُذي الطفلين وابتعدي بهما." أي إنه يريد إبعاد الطفلين عن يارا! وبعد أن حملت المُربّية الصغيرَين، خرج شادي غاضبًا مع ليان. وبقيت يارا واقفةً وحدها في مكانها. هما: أبٌ بيولوجي وأمٌّ بيولوجية. فبأيّ حقٍّ تتكلّم هي؟ نظرت إلى أعواد القطن ال
Read more
الفصل4
مستشفى الأطفال، قسم الطوارئ. قالت يارا وهي تلهث جريًا: "ما الأمر؟!" قال شادي المنير بلهفة: "حازم تناول شيئًا خاطئًا وأصيب بحساسية." اشتعل قلب يارا قلقًا: "حساسية؟ ألم أكتب لكم الأطعمة الممنوعة بوضوح؟ ألم تنتبهوا؟" قالت ليان معتذرة على عَجَل: "الخطأ خطئي. لم أتوقّع أن يأكل بعض المانجو فيتحسّس. آسفة… آسفة…" قال شادي: "ليان كانت حسنة النيّة. ثم إن الورقة التي كتبتِها ضاعت من غير قصد، وربما لم تكتبيها بوضوح أصلًا." قالت يارا وقد فاض غضبها: "لم أكتبها بوضوح؟!" كان كلُّ ما لا يجوز للطفلين من طعام حاضرًا في ذهنها، وقد راجعت القائمة قبل تسليمها لهم. كيف لا تكون واضحة؟! ثم فوق ذلك ضاعت؟! قال شادي وقد شمّ رائحةً خفيفة: "هل شربتِ؟ الطفل على هذه الحال وما زال عندك متّسعٌ للشرب؟" قالت يارا بحرقة: "الأطفال خرجوا معكما، والآن تلوم…" قال شادي بصوتٍ حادّ: "يارا!" ثم رماها بنظرةٍ غائرة وقال: "ما يجب أن تفعليه الآن هو الاطمئنان على الطفل، لا التهرّب من المسؤولية. زوجة الأب تبقى زوجة أب." خفق قلب يارا خفقةً موجعة. لم تُصدّق أن هذه الجملة خرجت من فم شادي. هي لا تدّعي الكمال، لكنها أفرغت قلبها
Read more
الفصل5
شدّت يارا شفتيها وقالت وهي تعضّ على أسنانها: "اذهب إذن." وقضت ليلتها كلّها في المستشفى مع ابنتها، ترعى ابنها، لا تبرحهما خطوةً واحدة. أمّا شادي المنير وليان، اللذان قالا إنهما "سيعودان سريعًا" فلم يُرَ لهما أثر.تجرّعت يارا مرارةً لا توصف. كانت صورُ رسائل الواتساب بين شادي وليان تُظهر أنه في البيت، يسألها عن كلّ غرضٍ واحدًا واحدًا أهو الصحيح. لم يعد هذا تعاملَ مضيفٍ مع ضيفةٍ، ولا تعاملَ والدٍ مع أمٍّ بيولوجية فحسب… أترى، هل ما زال قلبُه معلّقًا بليان؟ بادئ الأمر ظنّت أن شادي يُعوّض ليان لأنها أنجبت له توأمًا، وقد قال ذلك بلسانه، لكن نبرته اليوم: "زوجة الأب تبقى زوجة أب"، جعلتها ترى ستّ السنوات كأنها عقدُ تشغيل: صلاحُها وذمُّها مشروطان بالطفلين، ووظيفتها لا تعدو "رعاية الطفلين". إن أحسنا كانت زوجةً صالحة، وإن حصل خللٌ صارت "زوجةَ أبٍ تهرب من المسؤولية". ومهما بلغتْ كفاءتها، لا تُداني صفة "الأمّ البيولوجية" التي تحوزها ليان ولو لم تفعل شيئًا.الساعة التاسعة والنصف مساءً. قال حازم بعد أن أنهى المصل الوريدي: "ماما، أنا بخير، هيا نعود إلى البيت؟" فكّرت يارا وقالت: "حسنًا. سأُنجز إجراء
Read more
الفصل6
"ماذا؟" خُيّل إليه أنه سمع خطأ. أدرك شادي المنير أيضًا أنّه قصّر فعلًا في حق يارا خلال اليومين الماضيين. لكن كيف تُلوّح بالطلاق بهذه السهولة؟ قال مُبرّرًا: "ليان لا أبَ لها ولا أمّ ولا أهل، ولم يبقَ لها غير هذَين الطفلين. هي الآن في مأزق، ولا أجد مبرّرًا لأن أقف متفرّجًا." ابتسمت يارا بسخرية: "إذًا لا بُدّ أن تُساعِدها أنت بنفسك؟ الخدم كثيرون والحُرّاس جماعة، تبكي فتضمّها. والأهم أنت… في قلبك مكانٌ لها. فماذا أكون أنا؟" أدار شادي ظهره: "أسأتِ الفهم. قلتُ إننا زوجان. كلمة الطلاق لا تُردَّد مجدّدًا. نامي باكرًا." "زوجان" مرةً أخرى… أفيكون الزواجُ إذن جوازًا لتجاهل الطرف الآخر؟ قال ذلك ثم مضى، ولم يُتح ليارا فرصةً لتُكمل. في الأسفل. كان العم ليث قد فرغ للتوّ من ترتيب السفرة. قال: "سيدي." فكّر شادي قليلًا: "مُر الطاهي غدًا بطبق سمكٍ مطهوٍّ على البخار." تحبّه يارا، لكنه لا يحبّ المطهوّ على البخار، لذا نادرًا ما أُعدّ في هذه السنين. في الغد. خرج شادي باكرًا إلى الشركة؛ عمله مزدحم، ولا يمكنه المكث في البيت كل يوم. لمّا نزلت يارا من غرفتها، رأت ليان بثوب نومٍ جديد اشترته حديثًا،
Read more
الفصل7
انطلقت السيارة سريعًا. ركب شادي المنير وليان سيارتهما. قال ماهر نصّار وهو يقترب: "السيد شادي." ظنّ شادي أنه يحمل خبر تعاون، فابتسم: "تفضّل يا سيد ماهر." قال ماهر بضيق: "عذرًا يا سيد شادي، شركات مدينة جلان تبدو غير راضية عن مجموعة المنير." استغرب شادي: "وما وجه عدم الرضا؟ نحن في أزلان والأقاليم الثلاثة أكبر مورّد للأجهزة الطبية." لولا أنّ مجموعة صفوان احتكرت التصدير في سنوات سابقة لما خشيهم شادي. نظر ماهر من دون قصد إلى ليان داخل السيارة. كان مغتاظًا، فقد ظنّ أنه سيصل شادي بالعاصمة فيربح هو أيضًا. لكن ما دامت تلك الجهتان لم تنظرًا حتى إلى مجموعة المنير، فغيرهما أولى بالرفض، لقد ضاع كل شيء. فقال بلهجة أشد: "السيد سليم قال إنك حضرت بصحبة امرأة أخرى إلى مناسبة كهذه وادّعيت أنها زوجتك، فلا ضمان للصدق. ثم إن قرب هذه السيدة منك طوال الوقت غير لائق. التجارة تقوم على الأمانة، والأمانة هي الواجهة." سوءُ السمعة وعدم اللياقة يسيئان إلى صورة الشركة. والجملتان الأخيرتان أضافهما ماهر من عنده. ارتبكت نظرات ليان، أتراه بسببها. غادر ماهر غاضبًا. ساد الصمت في السيارة، وثقُل مزاج شادي. همس
Read more
الفصل8
"هذه الكلمات جعلت شادي المنير يتجمّد قليلًا، وقال: "ليان، أنتِ…" قالت ليان مسرعة: "شادي، لا تسئ الظن، قلتُ لهم الحمد لله أنّ يارا ليست مثل زوجة الأب الشريرة في قصة بياض الثلج، وكلّما زاد مَن يحبّ طفليَّ فرحتُ أكثر، كيف يمكن أن أقول غير ذلك؟" ثم نظرت إلى الطفلين وقالت: "أعرف أنّكما تحبّان ماما يارا، لكن لا يصحّ أن تفتريا على أمّكما." كان شادي يعلم أنّ الأطفال لا يكذبون، لكن قد يقولون كلامًا مُلتبسًا بمنتهى الجِد، فلا يؤخذ بقولهم كلّه. وربما وقع سوء فهم، غير أنّ حمل ربى للمقص أمرٌ لا خلاف فيه. انهمرت دموع ليان وقالت: "أعرف أنّ غيابي عنهم هذه السنين جعلهم لا يألفونني، لكن لم أظنّ أنّ مَن حملتهم عشرة أشهر سأفشل معهم هكذا…" تذكّر شادي ما قاستْه ليان في الحمل، فقال معتذرًا: "لا تُعاتبي الصغار، ومع الوقت سيتقبّلونك." رفع بصره فرأى يارا تغادر وفي يدها الطفلان، فشعر بوخزةٍ في صدره. لقد دفع ابنته فسقطت قبل قليل، وكان ذلك خطأه. قال: "ارتاحي قليلًا، سأذهب إلى الطفلين." ولمّا همّ بالمغادرة، التفت قائلًا: "ليان، يارا أدّت واجبها مع الطفلين على أكمل وجه، فلا تذكري كلمة زوجة الأب أمامهما."
Read more
الفصل9
"أمتأكدة أنّكِ ستبيتين عندي الليلة ولن تعودي؟" استغربت جمانة. كانت يارا، التي طالما اعتبرت التوأم حدقتَي عينيها، قادرةً على تركهما هكذا هذه المرّة. جلستا أمام طاولة صغيرة، أعدّت جمانة صنوفًا من العشاء المتأخر، لكن يارا كادت لا تأكل، واكتفت بمصافحة الكؤوس مع جمانة بصمت. لا تدري منذ متى صارت تتّكل على الخمر لتسكين الهمّ. تعلم أنّه ليس حسنًا، لكنها لا تقوى على الكفّ. وما إن تصحو حتى يقفز إلى ذهنها وجه شادي المنير الذي غدا غريبًا عنها. "أفكّر في الطلاق." قالتها يارا بصوت منخفض. صُدمت جمانة: "حقًا؟ أهذا قرار نهائي؟ لستِ تمزحين؟ لا تعودي بعد يومين لتندمي." هزّت يارا رأسها وابتسمت ابتسامة خفيفة: "لا أندم على زواجي منه. ولن أندم على قراري بالطلاق." بادرتها جمانة بمصافحة الكأس: "أضعتِ أجمل سنينك، لكن عقلك باقٍ، اخرجي من هذا الزواج واعملي كما ينبغي، ستتألّقين." يقال دائمًا: انصح بالصلح لا بالفراق. لكن جمانة، وهي صديقة يارا، كانت ترى أنّ ما يحدث لا يستحقّ. لو كان بينهما حبّ لكان الأمر مختلفًا، لكن الحقيقة غير ذلك. "أنتِ ابنة بيتٍ عريق، وحيدة والديك المدللة، كان يمكنكِ أن تعيشي في بحب
Read more
الفصل10
"قال وائل صفوان كاذبًا: أخوكِ هنا أيضًا، ولذلك طلب منّي أن أحمل لكِ بعض الأشياء." حين علمت يارا أنّ أخاها يهتمّ بأمرها، كتمت دموعها. تأمّلها وائل، وشعر أنّ هذه الفتاة تغيّرت. كانت قديـمًا حدّةُ العزم والثقة في عينيها لافتتين. "سأبقى في أزلان هذه الفترة، إن احتجتِ شيئًا فاتصلي في أيّ وقت." أطرقت يارا قائلة: "شكرًا لك، وائل." نزلت يارا من السيارة وودّعت وائل صفوان، ثم حملت الأغراض وحدها ورجعت إلى البيت. كان جسدها الرقيق يرفع ذلك كلّه بسهولةٍ مدهشة. قال السائق بعد أن صعد إلى السيارة: "الآنسة يارا قوية فعلًا." وما درى أنّ يارا منذ ستّ سنوات تحمل طفلًا على كلّ ذراع. وتلك الأغراض لا تزيد على عشرات الكيلوغرامات، فلا مشقّة فيها. ثم إنها هدية من أخيها، فلا ترضى أن يلمسها غيرها. ظلّ وائل ينظر إلى ظهرها وهي تمضي. وكلّ هذا لا يستطيع أن يخبر به سليم. فذاك الذي يعشق أخته، إن اندفع غضبُه لا يُدرى ما يفعل، وعاقبتُه ربما لا تطيقها هذه الفتاة. "هيا نذهب إلى مجموعة الهاشمي." فمع أنّه لم يستثمر في مجموعة المنير في المرة السابقة، فقد اختار مجموعة الهاشمي. وهي الخصم اللدود لشادي المنير. ..
Read more
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status