تذكر تلك الليلة حين طلبت منه الطلاق لأول مرة، كانت عيد ميلاده، وقد أعدت له مائدة كاملة من الأطعمة تنتظره بها.ما لم يكترث له في الماضي، افتقده الآن، فشعر قلبه بالفراغ ووخز مؤلم، ربما هو شعور الفقد حين لا يقدر المرء ما كان يملكه.رفع كمال كوبا وارتشف جرعة ماء دافئ بصمت.انتشر الماء في فمه، ثم انساب مع حركة حلقه اللامبالية إلى جوفه.لم يكن يعرف من قبل أنها هي الدكتور ليان، فلماذا اقتربت منه إذن؟في هارفارد، كانت التقطت صورة مع صورته.وحين صار في حالة الغيبوبة، تخلت عن كل شيء في أوج مجدها لتتزوجه وتعتني به بنفسها، كم كانت تحبه؟فتش كمال في ذاكرته كلها فلم يجد لقاء واحدا بها، لم يكن يعرفها.فمتى أحبته إذن؟ وما سبب ذلك الحب؟لقد تمنى لو سألها بنفسه.ظل يشعر أن بينهما قصة قديمة لكنه نسي تفاصيلها.خيم حزن شاحب على قامة كمال الشامخة ووجهه الوسيم....كانت ليلى تتناول العشاء وسألها خالد: "ليلى، ماذا أراد السيد كمال منك للتو؟"وضعت ليلى جمبري في فمها وقالت: "لا أعلم."قالت سعاد: "يا سيد خالد، لا تهتم بالسيد كمال، فعدا جميلة، النساء يلتففن حوله بكثرة لو أراد ذلك. ليبتعد عن ليلى فقط."وأضافت روان
رن جرس الباب.دق الجرس.فتح باب الشقة سريعا، وظهرت ليلى بهيئتها الرقيقة أمامه وقالت: "من هناك... السيد كمال؟"رأت ليلى كمال واقفا عند الباب.أمعن كمال النظر إليها، فقد ارتدت ليلى ثوبا منزليا فضفاضا وخلعت زينتها، فكشفت وجها طبيعيا جميلا، وتحولت من بريق الحفل إلى بساطة آسرة.سألها كمال: "ليلى، هل لديك وقت الآن؟"رفت رموش ليلى الطويلة وقالت: "سيد كمال، إن كان لديك أمر فقل مباشرة."قال كمال: "أنا..."لكن قبل أن يكمل، سمع صوت رجل من الداخل يقول: "من هناك يا ليلى؟"رفع كمال رأسه فرأى خالد بالداخل.كان خالد في شقة ليلى ينتعل حذاء منزليا ويمسك تفاحة يأكل منها، وقال: "سيد كمال؟ لماذا أنت هنا؟"تجمدت الكلمات في حلق كمال، لم يتوقع أن يكون خالد موجودا.قالت ليلى: "سيد كمال، هل لديك أمر؟ إن لم يكن فسأدخل."ضغط كمال شفتيه وحدق في وجهها قائلا: "هل أنتما فقط، أنت وخالد، بالداخل؟"ردت ليلى: "وما المشكلة في ذلك؟"تبدل وجه كمال المتجهم فجأة، وغامت نظراته.وفي لحظة الصمت أطلت روان من الداخل برأسها قائلة: "ليلى، هل انتهيت؟ الطعام على وشك أن يحترق."ثم سمع صوت سعاد من الداخل وهي تقول: "ليلى، أسرعي."لم يكن
أومأت جميلة وقالت: "حسنا يا أبي، لا بد أن تساعدني.""حسنا يا جميلة، عودي إلى غرفتك واستريحي الآن، فوالدك سيقف إلى جانبك حتى لو انهار العالم.""حسنا." فدخلت جميلة غرفتها.عاد حازم ونسرين إلى الغرفة، استحمت نسرين واستلقت على السرير أولا، ثم استحم حازم وصعد إلى الفراش، فقالت نسرين: "يا حازم، لا بد أن تساعد جميلة."سأل حازم: "بأي طريقة سأساعدها؟"أجابت نسرين: "بالطبع نتصل بتلك الشخصية الكبيرة في العاصمة، إن تواصلنا معه تحل كل هذه الأمور، فمهما كانت قدرة ليلى فهي كالنملة تداس بسهولة أمام تلك الشخصية."تردد حازم وقال: "لكن والدة جميلة البيولوجية لا تريد كشف نسبها ولا عودة جميلة إلى العاصمة."توترت نسرين وقالت: "لكن جميلة في ورطة كبيرة الآن ولا تحل إلا بقوة ذلك الشخص المهم في العاصمة. وما المشكلة أن تعود إلى العاصمة؟ أليس من الجيد أن تعود إلى موقع أعلى من الجميع؟ فهي من طبقة عليا."احتاج حازم وقتا للتفكير، لم ينس وصية والدتها البيولوجية قبل وفاتها، ومع ذلك كانت عائلة منصور محاصرة اليوم بسبب ليلى ولا سبيل للفرار.لقد كانت ضغوط ليلى قاسية وسريعة جدا.نظر حازم إلى نسرين بامتعاض وقال: "انظري من أ
انصدمت جميلة ورنا، لم تكونا تعرفان هذا الماضي الخفي، وحين علمتا أن سليم قتل بتآمر هذه العائلة، شحب وجهاهما.لم يكن الأمر شفقة على سليم، فلم يكن لهما أي مشاعر نحوه، بل شعرتا بالخطر يقترب منهما.قالت رنا: "أنتم من قتلوا سليم، فماذا نفعل الآن؟ ليلى تريد الانتقام له وتطلب منكم تسليم القاتل، وهكذا ستنتهي عائلتنا!"جلست جميلة منهارة على الأريكة وقالت: "لماذا يحدث هذا؟ ليلى لا تتركنا، وأنتم جميعا متورطون، هل ستقضي على العائلة كلها؟"قالت رنا: "ليلى الآن هي الدكتور ليان، لم تعد تلك المرأة الريفية البسيطة كربة المنزل، صارت قوية حقا."قالت جميلة: "فماذا أفعل يا ترى؟ ومرضي القلبي، إن لم تعالجني ليلى، هل سأنتظر الموت؟"كان هم جميلة ورنا الأول مصالحهما الخاصة، لم تفكرا بغير ذلك.ليلى هي الدكتور ليان، وإجبارها لرنا على الركوع علنا أصاب رنا بإذلال يجعل وجهها شاحبا كالميت.أما جميلة فازدادت أوجاع قلبها، وليلى سلبت آخر أمل لها.سادت حالة من الصمت العائلة كلها، لم يتوقع أحد أن تمتلك ليلى كل هذه القوة.كيف صارت ليلى هي الدكتور ليان؟نظرت السيدة منصور الكبيرة إلى جميلة وقالت: "يا جميلة، علينا أن نلجأ إلى
نظرت جميلة إلى كمال بعينين دامعتين وهي تنتظر أن يواسيها.لكن كمال ظل بلا تعبير وقال متسائلا: "كيف مات والد ليلى؟ ومن القاتل من عائلتكم؟"صمتت السيدة منصور الكبيرة ونسرين معا.ولم يضف كمال كلمة، فجاء السكرتير يوسف بالسيارة الفاخرة، فركب كمال وغادر....قصر عائلة منصور القديم.ساد الصمت الموحش القصر هذه الليلة، وجلست السيدة منصور الكبيرة على الأريكة وحطمت ما كان فوق الطاولة.تحطمت المزهريات والتحف الثمينة على الأرض، وكانت أغلى ما تملك السيدة منصور الكبيرة، وكان الجميع يتعامل معها بحذر شديد.عمت الفوضى المكان، ووقفت الخادمات في الزوايا صامتات.حضر جميع أفراد عائلة جميلة وعائلة رنا، منهم حازم ونسرين وجميلة، ووجيه وفاطمة ورنا بلا استثناء.وبينما الحطام يملأ الأرض، صاحت السيدة منصور الكبيرة غاضبة: "أنتم جميعا بلا قيمة، ولا أحد منكم يساوي ليلى.""ليلى نشأت في الريف، لكنها صارت عبقرية في هارفارد وصارت الدكتور ليان. لو كانت حفيدتي لرفعت رأسي بها في مدينة البحر كلها.""أما الآن فهي تسحق كرامتنا جميعا ونحن عاجزون، وأنتم جميعا بلا جدوى!"عاد حازم ووجيه مسرعين من الشركة، وما زالا غير مصدقين أن ليلى
يا إلهي.شهقت جميلة مذعورة، وكادت لا تصدق ما سمعته، فقد طلب كمال منها أن تركع أمام ليلى.تراجعت جميلة خطوتين وكادت تسقط، فأمسكتها نسرين وقالت: "سيد كمال، كيف تعامل جميلة هكذا؟ إنك تساعد ليلى على إذلالها الآن."رمقها كمال بنظرة باردة وقال: "وأنت؟ أليست ليلى ابنتك الحقيقية؟ فماذا فعلت لها؟"فوجئت نسرين بالسؤال وصمتت عاجزة.حدقت ليلى في جميلة بعينيها الصافيتين وقالت: "جميلة، هل ستركعين أم لا؟ وقتي ثمين ولا أريد أن أضيعه معك."ابتسمت روان وقالت: "جميلة، إن لم تركعي الآن، فحتى لو أردت الركوع لليلى لاحقا، ستنتظرين دورك."قد ازداد وجه جميلة الشاحب بياضا.لم تنتظرها ليلى وقالت: "جميلة، يبدو أنك لم تحسمي أمرك، سأرحل.""ليلى، فلنذهب."شبكت روان ذراعها بذراع ليلى وغادرتا معا.شدت جميلة قبضتيها بجانبها ثم صاحت من الخلف: "حسنا يا ليلى، سأركع!"توقفت ليلى واستدارت نحو جميلة.فجأة سقطت على ركبتيها.قد ركعت جميلة.ركعت جميلة أمام ليلى أمام نخب مدينة البحر.احمرت عينا جميلة، وكان ذلك أعظم إذلال في حياتها، وقالت: "ليلى، أرجوك أنقذيني."قد ركعت جميلة للتوسل إليها.رؤية جميلة راكعة جعلت قلب نسرين يتحطم، و