Compartir

الفصل 6‬‬‬‬

Autor: البرتقالي
في اليوم الخامس من العدّ التنازلي، قدّمت استقالتي إلى المستشفى.

كنتُ قد تخلّيت عن فرصة متابعة دراساتي الطبية لأجل أن أكون مع دانتي، واخترت أن أسير على خُطاه، فأصبحت طبيبةً مشرفة في أحد مستشفيات المنطقة المركزية في مدينة الشروق، وبقيت في هذه المدينة التي كانت يومًا ما تزدهر بالحياة.

عندما علم زملائي باستقالتي، بدت الدهشة واضحة على وجوههم.

قال أحدهم: "لماذا قرّرتِ الاستقالة فجأة يا نينا؟"

وأضاف آخر ممازحًا: "قبل أيام فقط كنتِ توزّعين علينا حلوى الزواج، هل قرّرتِ أن تصبحي ربّة منزل متفرغة؟"

احتضنتُ الملف بين ذراعيّ وابتسمتُ بهدوء وهززت رأسي.

"لا، تمّ إلغاء الزفاف."

وحين عدتُ إلى المنزل وفتحت الباب، رأيت دانتي وإيزوبيل يجلسان على الأريكة يتحدثان بصوتٍ منخفض، ولم أره منذ أسبوع.

نظر دانتي إلى الملف في يدي وسألني دون تفكير: "لماذا تحملين هذه الأوراق؟"

فأجبته عفويًا: "بعض الملفات غير الضرورية، أحضرتها لأتخلّص منها."

أومأ دانتي برأسه وألقى نظرة في أرجاء المنزل، وقال بنبرةٍ متسائلة: "لم أغب سوى أسبوع، لكن يبدو أن أشياء كثيرة اختفت من هنا."

وضعتُ الملف في غرفة النوم وأجبت بهدوء: "فقط رتّبت بعض الأشياء التي لم أعد بحاجة إليها."

كان دانتي على وشك أن يقول شيئًا، لكن إيزوبيل قاطعته قائلة:

"أختي نينا، دانتي كان متعبًا خلال رحلتنا في الأيام الماضية، شكرًا لأنك سمحتِ له بمرافقتي لتصوير صور الزفاف، لقد حققتِ لي حلمًا."

كانت نبرتها تحمل شيئًا من الفخر.

"ما رأيك أن أدعوكما إلى العشاء شكرًا على لطفكما معي؟ ربما سأحتاج إلى مساعدتكما في الأيام المقبلة، وأتمنى ألا تكرَهيني يا أختي نينا."

لم أرغب في الدخول في أي جدالٍ لا طائل منه، فبعد خمسة أيام سأغادر دانتي إلى الأبد. كل ما أردته الآن هو إنهاء كل شيء بهدوء تمهيدًا لرحيلي.

ولما لم أُبدِ أي ردّ، احمرّت عينا إيزوبيل فجأة وبدت على وشك البكاء وقالت:

"دانتي، هل أختي نينا غاضبة؟ أعلم أنكما على وشك الزواج، لكن..."

ما إن سمعتُ كلماتها حتى عقد دانتي حاجبيه وقال بلهجةٍ غاضبة: "إيزوبيل أرادت أن تشكرنا بصدق، فلماذا هذا الوجه المتجهّم؟ إنها مجرد وجبة عشاء، لن تضع لك السُمّ فيها!"

لم أكن قد نطقت بعد، لكن كلماته جعلتني أبدو وكأنني "المذنبة الغاضبة".

وفي النهاية، أخذني دانتي معه إلى المطعم.

في المطعم، جاء النادل يسألنا عن طلباتنا.

وما إن فتحتُ القائمة حتى قال دانتي: "من فضلك، لا نريد أطباقًا دسمة أو حارة، ولا تضعوا الكزبرة في أي طبق."

وبعد أن وصلت الأطباق، بدأ دانتي يقدّم الطعام لإيزوبيل بعناية، ثم دفع صحنًا كبيرًا من الجمبري نحوي قائلا:

"إيزوبيل لا تستطيع تناول المأكولات البحرية، طلبتُ هذا الطبق خصيصًا لكِ."

نظرتُ إلى الجمبري وفقدت شهيتي تمامًا، وضعتُ عيداني الأكل وقلت بهدوء:

"أنا مصابة بحساسية من المأكولات البحرية."

لقد نسي دانتي أنني أعاني من الحساسية، لكنه يتذكّر كل تفاصيل تفضيلات إيزوبيل، حتى كرهها للكزبرة.

تجمّد وجه دانتي للحظة، ثمّ حين نظر إليّ لمعت في عينيه لمحة خجل عابرة، قبل أن يُضيف بضع أطباق أخرى.

لكنني لم ألمس الطعام، اكتفيت بشرب الماء بصمت.

بعد العشاء، وبينما كنا ننزل الدرج، تلقيت اتصالا من أختي الكبرى في المختبر.

قالت: "نينا، الأستاذ يريد أن يتأكد منكِ، هل قررتِ المشاركة في التجربة وفق الجدول المعتاد؟ المشروع سري، وقد لا تتمكنين من التواصل مع العالم الخارجي لعامٍ أو عامين."

نظرتُ نحو دانتي وإيزوبيل أمامي، كانا ينزلان الدرج جنبًا إلى جنب، وذراعه تحيط بخصرها بحذر.

أجبتها بنبرةٍ هادئة: "نعم، متأكدة."

سمعتُها تتنفس بارتياح وقالت: "جيد، كان الأستاذ يخشى أنكِ لا تستطيعين ترك زوجك."

سحبتُ نظري، ثم استدرت وسرت نحو الجهة الأخرى وقلت:

"الزفاف أُلغي."

"لقد استعددتُ للرحيل."

وما إن أنهيت كلماتي حتى جاءني صوت خلفي يحمل شيئًا من الدهشة:

"من الذي سيرحل؟"‬
Continúa leyendo este libro gratis
Escanea el código para descargar la App

Último capítulo

  • الزفاف الذي لن يكتمل أبدا   ‫الفصل 17‬‬‬‬

    لقد وافقت، وفي المساء أُرسلت إليه بطاقة الدعوة مع حلوى الزفاف.أخذ دانتي قطعة من الحلوى، أزال غلافها ببطء ووضعها في فمه، كأنه يتذوق طعم الحلاوة لأول مرة منذ زمن طويل.في يوم الزفاف، امتلأ المكان بالمدعوين الذين توافدوا بلا انقطاع.كان تيم يرتدي بدلة سوداء أنيقة، يفيض منها حضور قوي وهيبة لافتة.نظرتُ إلى هذا الرجل الذي بجانبي، وشعرتُ براحة وسعادة لم أعرفهما من قبل.بعد لقائي بتيم، أدركتُ أخيرًا معنى الحب الحقيقي، حبّ لا يحتاج إلى تظاهر ولا إلى شك.بدأت مراسم الزفاف، أمسكتُ بذراع والدي وسرتُ معه ببطء نحو تيم.سلّم والدي يدي إلى كفّ تيم قائلا بوقار: "ابنتي، أستودعك إياها."فأجابه تيم بجدية: "اطمئن، سأحميها بحياتي."ثم تبادلنا العهود والخواتم، وتوّجنا اللحظة بقبلة دافئة.انفجر الحضور بالتصفيق والهتافات، وامتلأ المكان بفرح صادق ودعوات مباركة للعروسين.في زاوية القاعة، كان دانتي يصفّق بهدوء، وعيناه مثبتتان عليّ.تذكّر فجأة حفل الزفاف الذي لم يكتمل قبل عامين.حينها كنتُ بلا شك أستعد لكل تفصيل بحماس: الزينة، الفستان، المأدبة...يا له من ألم لا يُحتمل حين قررتُ إلغاء ذلك الزفاف.لقد أخطأ في حقي

  • الزفاف الذي لن يكتمل أبدا   ‫الفصل 16‬‬‬‬

    الطعنة التي توقعتها لم تصبني.استدرت بسرعة، فرأيت دانتي يقف أمامي، يضغط بيده على بطنه والدم يتدفق بغزارة. ترنّح قليلا ثم سقط بثقل في حضني.صرختُ: "دانتي!"، وأسرعتُ أُمسكه بيدي، وباليد الأخرى اتصلتُ بالإسعاف. لم يبقَ في رأسي سوى فكرة واحدة: أوقِف النزيف، بسرعة!قلتُ بانفعال وأنا أضغط على جرحه: "هل جننت؟!"، فتشبعت أصابعي بدفء دمه.كان دانتي شبه فاقد للوعي، وجهه شاحب، ومع ذلك حاول فتح عينيه لينظر إليّ، وارتسم على شفتيه ابتسامة باهتة: "اتضح أن الطعنة تؤلم هكذا... هل كنتِ تتألمين هكذا حينها؟"اختنق صدري، وشعرتُ بحرارة الدموع عند أنفي.وفي اللحظة الأخيرة قبل وصول سيارة الإسعاف، سمع صوت الصافرة الحاد، ثم غاب عن الوعي تمامًا.استمرت العملية ثلاث ساعات. قال الطبيب إن السكين لم تصب الأعضاء الحيوية، لكنها سببت نزيفا حادا.تنفستُ الصعداء وجلست منهارة على الكرسي البارد، أحدّق في دانتي الممدد على السرير فاقد الوعي، ومشاعري متشابكة.لقد... حماني بجسده.وصلت عائلة دانتي إلى المستشفى، وما إن رأت والدته ابنها غائب الوعي حتى انهارت تمامًا، وصاحت في وجهي: "ما الذي تريدينه بالضبط؟! هل يدين لك بشيء؟ يوم زفا

  • الزفاف الذي لن يكتمل أبدا   ‫الفصل 15‬‬‬‬

    لم أكن قد فتحت فمي بعد، حتى كانت ملامحه قد خرجت عن السيطرة.قال بصوت متقطع: "أستطيع أن أشرح! في البداية ظننت أن إيزوبيل هي من أنقذتني. لم يكن بيننا أي مشاعر من الأساس."كان صوته مبحوحًا، وعيناه تلمعان بحمرة من الدموع المكبوتة."حتى بعد رحيلك... أدركت أن من أنقذني في تلك الليلة قبل ست سنوات كانت أنتِ. لقد ظللت أخلط بينكما يا نينا..."كان في عيني دانتي ندم عميق، يختلط ببريق من الرجاء، وكان يظن أن قول الحقيقة سيجعلني أغفر له.لكنه كان مخطئًا.تلك الليلة كنت أنا من أنقذه، أنا من خاط جرحه بالرصاص، وأوقفت النزيف تحت ضوء المصباح المعقم. لكنني لم أذكر ذلك قط، فقد كان ذلك ماضيا نتجنّبه كلانا عن قصد.أما دانتي، فقد خلط بيني وبين غيري، خطأ واحدًا امتدّ لعمر كامل.سألني بصوت خافت: "ذلك الطفل حينها، لم أسمح لإيزوبيل أن تُكمل حمله... الآن عرفت الحقيقة يا نينا، هل يمكن أن نعود كما كنّا؟"هززت رأسي دون تردد:"هذا مستحيل."تجمّد مكانه، وبهت وجهه حتى صار شاحبًا كالأوراق. انتظرني لعامين، لكنه لم يجد النهاية التي كان يحلم بها."لماذا؟" تمتم بصوت مرتجف، "أنا أحبكِ."نظرت إليه، وكان صوتي باردًا حدّ القسوة:

  • الزفاف الذي لن يكتمل أبدا   ‫الفصل 14‬‬‬‬

    في البداية كنتُ أبذل قصارى جهدي لأكسب رضاه، لكنه كان باردا كالجليد، كأن قلبه حجر لا يمكن تدفئته أبدا.حتى ظهرت إيزوبيل، عندها فقط أدركتُ أنه لم يكن بلا مشاعر، بل بلا حبّ نحوي.قبل عامين، مزّقتُ بيدي عقد الخطوبة، وانسحبتُ لأمنحهما الطريق.والآن وقد انفصل عن إيزوبيل، يظهر أمامي وكأنه ما زال يحمل لي كل ذلك الحب؟قلتُ ببرود: "عذرا، تيم هو خطيبي، وسنتزوج في الثامن عشر، أي بعد عشرة أيام."شحب وجه دانتي فجأة، واحمرّت عيناه، وكأنه لا يستطيع تصديق أنني سأتزوج بغيره فعلا.لكن لم يكن لديّ رغبة في الجدال معه، فغيّرتُ المكان مع الجميع، وحين مررتُ بجانبه، أمسك بطرف ثوبي دون وعي.سحبتُ يدي بلا تردّد، وأمسكتُ بيد تيم وغادرنا، تاركة دانتي واقفا جامدا في مكانه.في السيارة، ترك تيم يدي فجأة، وأصدر صوتا متبرّما وهو يطوي ذراعيه وينظر من النافذة.ابتسمتُ بخفة، فاكتشفت أنه يغار.دانتي لم يكن يعرف الغيرة أبدا، حتى عندما كنتُ أقترب عمدا من شباب آخرين، كان يكتفي ببرود قائلا: "لا يهمّني."أما الآن، فبمجرد ظهور دانتي، غمرت الغيرة قلب تيم.الحبّ واللا حبّ، هكذا يكون الفرق بينهما.ضممتُ تيم برفق وقلتُ بصوت ناعم: "ل

  • الزفاف الذي لن يكتمل أبدا   ‫الفصل 13‬‬‬‬

    بعد عامين، في مطار الشروق الدولي.دفعت حقيبتي وخرجت من صالة الوصول، فاستقبلتني نسمة الهواء المألوفة.في اليوم الذي غادرت فيه المنطقة المركزية في مدينة الشروق، كنت وحدي؛ أما اليوم، بعد عامين، فأعود مع تيم.انتهت المرحلة الأولى من بحثي، ووافق المستشفى على منحي إجازة لمدة شهرين. قررت أن أعود، فهنا أمر واحد عليّ إنهاؤه... وداع رسمي لماضيّ.قال تيم وهو يمسك بيدي ويبدأ بالجري: "أختي، إن لم نسرع سنتأخر!"أخبرتني ليندا منذ الصباح أنها ستقيم حفلا ترحيبيا بعودتي، وفكرت أنني لم أرَ أصدقائي منذ عامين، فوافقت.وأنا أصعد السلالم مسرعة، لمحت من بعيد ظلا مألوفا، لكنني لم أعره اهتماما.ما إن فُتح باب القاعة الخاصة في المطعم، حتى تساقطت الشرائط الملوّنة من الأعلى.صرخت ليندا وهي ترتمي عليّ بعفويتها المعتادة: "عامان بلا أي خبر منك! كنت على وشك إبلاغ الشرطة عن اختفائك!"ثم أحاط بي الجميع بترحيب حار."تتأخرين عن حفلك الترحيبي؟ ثلاث كؤوس عقوبة!"ابتسمت وأنا أنظر إلى تيم الواقف بجانبي، بدا متوترا قليلا، فهي المرة الأولى التي يلتقي فيها بأصدقائي القدامى، ولا يدري إن كانوا سيقبلونه أم لا. أمسكت بيده برفق، فاست

  • الزفاف الذي لن يكتمل أبدا   الفصل 12

    جلس دانتي على الكرسي الجلدي، عيناه محمرّتان، وفي كفه تقرير جاءه للتو."إيزوبيل... من أنقذني قبل ست سنوات لم تكن أنتِ."تجمّدت ملامحها للحظة، لكنها حاولت أن ترسم ابتسامة لطيفة وهي تمسك بيده."دانتي، ما الذي تقوله؟ هل أنت متعب؟ ..."لكن قبل أن تكمل، سحب يده بعنف وصاح بغضب مكتوم:"كفى تمثيلا! لقد شاهدت تسجيلات المراقبة. كانت هي — نينا! هي من أنقذتني، وهي من بقيت بجانبي في تلك الأيام القاسية!"شحب وجه إيزوبيل في لحظة.كانت قد مرّت بالمستشفى صدفة ورأته يفيق من غيبوبته، فظنّ أنها من أنقذته. كان عليها أن توضح الحقيقة، لكنها انجرفت وراء مشاعرها، فسكتت. ثم أُرسلت إلى الخارج من قبل عائلتها، وانقطعت الصلة. وعندما عادت مصابة بالسرطان، أرادت فقط أن تترك أثرًا في حياته، فاقتربت منه بالكذب.قالت بارتباك: "كنتُ متهوّرة فقط، أردت أن أكون قريبة منك، فاختلقت تلك الكذبة."لكن صوته جاء باردًا كفوهة مسدس: "أنهي الحمل. فورًا."ارتجفت وقالت بخوف: "لا! هذا الطفل هو حياتي، هو آخر ما يمكن أن أتركه لعائلتي! كيف يمكنك أن تفعل هذا؟"صرخت بصوت حاد: "نينا تعرف أنني حامل! أليست هي من ألغت زفافكما بسبب ذلك؟"أغمض عينيه

Más capítulos
Explora y lee buenas novelas gratis
Acceso gratuito a una gran cantidad de buenas novelas en la app GoodNovel. Descarga los libros que te gusten y léelos donde y cuando quieras.
Lee libros gratis en la app
ESCANEA EL CÓDIGO PARA LEER EN LA APP
DMCA.com Protection Status