Share

الفصل3

Author: ياسمين علي
بالفعل......

ابتسمت لنفسي بأسى.

ونظرت إلى جثتي الباردة، وتحركت عيناي حتى توقفت عند بطني التي بالكاد ظهر عليها أي بروز.

لقد علمت بأمر الطفل منذ يومين أو ثلاثة،

يومها كنت في قمة سعادتي وأنا أخبر يوسف، لكنه لم يبدو سعيدًا كما توقعت أن يكون،

بل على العكس، فبمجرد أن أخبرته بالأمر حتى تجهم وجهه.

صرخ يوسف بوجهي حينها: "ألم أخبرك أن تأخذي الاحتياطات اللازمة؟ هل تجاهلت كلامي؟ من سمح لكِ بحمل طفلي؟"

كانت تعبيرات وجهه حينها مليئة بمزيج من الكراهية والقسوة، وكأنه طعنني في قلبي وجعله ينزف.

لم يحدث أن رأيته يفقد السيطرة هكذا من قبل طوال سنوات زواجنا.

بينما كنت أقف في ذهول، بدا كأن يوسف قد أدرك فجأة ما قاله.

"يا نور...... ما أعنيه هو...... أنني لست مستعدًا لإنجاب طفلٍ بعد......"

شعرت بالقلق بداخلي، لكن حين قال ذلك، لم أجرؤ على التعمق في هذا الأمر.

الآن عندما أفكر بالأمر، فقد كرهني للغاية بسبب اعتقاده أنني آذيت ميار،

فكيف إذًا سيتطلع لقدوم ذلك الطفل؟

وعندما كان يبذل جهده لعلاجي من السرطان، اعتقد أنه يبادلني الحب الذي أكنه له،

لكن بالتفكير في الأمر الآن،

إن لم تلائم كليتي ميار، وإن لم يعتقد أني مدينة لها،

لكنت قد مت بالفعل منذ عامٍ مضى.

شاهدت أمي تشيب بين عشيةٍ وضحاها وهي تتعثر بمفردها لتدبير أمور جنازتي.

بدت أكبر سنًا بكثير بعد أن مت.

كان يوم تدبير جنازتي هذا يومًا غائمًا،

وعند خروجها من المنزل، التقت بميار التي كانت في غيبوبة منذ أكثر من عام.

وبالمقارنة مع حالها في الماضي، بدت أفضل بكثير مما كانت عليه.

في هذه الأيام، كانت والدتي تحاول دون كلل التواصل مع يوسف لاسترجاع أغراضي لتبقى ذكرى.

وعندما قابلت ميار، اندفعت والدتي إليها بحماسة مختلطة بالتردد، ونادت بصوت مرتجف: "ميار...... يا آنسة ميار...… هل ما زلتِ تذكرينني؟ أنا والدة نور......"

وعندما أدركت ميار هويتها، ظهر على وجهها الكراهية، فقالت بلهجة حادة:

"من أنتِ إذًا؟ ألا تعلمين من أنا؟ هل تظنين أنني أعرف كل الجميع؟"

ثم طأطأت والدتي رأسها بخجل واضطراب، وتوسلت قائلة: "يا آنسة ميار، أرجوكِ، أنتِ بالتأكيد تستطيعين إقناع السيد يوسف، أليس كذلك؟ ساعديني في إبلاغه أنني لا أريد سوى استرجاع أغراض نور...…"

"فقط لأجل نور...... التى تبرعت لكِ بكليتها......"

عندما سمعت ميار ذلك، قالت ساخرةً: "وما الخطب في ذلك؟ فهي كانت مدينة لي بهذا على أي حال"

وبمجرد أن أنهت حديثها، دفعت أمي إلى الأمام وعلت وجهها نظرةٌ قاسية.

دوى صوت ارتطامٍ عالٍ حين سقطت أمي بقوةٍ على الأرض، وسقطت منها جرة الرفات التي كانت تحملها.

كانت عينا أمي ملتهبتان بالغضب، وهرعت لتلتقط تلك الجرة.

كانت ميار حادة البصر، فعندما رأت بوضوحٍ جرة الرفات، تغير وجهها وامتعض، وداست على يد أمي بقوةٍ عندما كانت على وشك لمس شهادة الوفاة.

"آه!"

أخذت أمي تصرخ من شدة الألم، وحاولت أن أدفع ميار بعيدًا عنها، لكنني كنت أخترق جسدها مرارًا وتكرارًا بلا فائدة.

بدت ملامح ميار أكثر قسوة، وضغطت بقوةٍ أكبر بحذائها على يد أمي، لدرجة أن الحذاء غرز في لحمها، وأخذت تنزف بغزارة.

كانت أمي تتصبب عرقًا من شدة الألم، لكنها رفضت أن ترك يدها.

كبحت أمي آلامها، وقالت بصوتٍ مرتجف: "يا أنتِ...... لا تلمسي صغيرتي نور......"

وفجأة، بدت ميار كمن لاحظ شيئًا.

وفجأة، أزاحت ميار قدمها، وتعثرت وسقطت على الأرض، وأخذت تبكي بحرقة وهي تقول: "يا عمتي، أعرف أنكِ حزينة لتبرع نور لي بكليتها، لكنني الآن ضعيفة للغاية، فلا تعامليني بتلك القسوة"

وما إن أنهت حديثها، حتى دفع يوسف أمي بعنفٍ مما جعل جسدها يطير ويرتطم بأنبوبٍ حديديٍ بالقرب منها.

اخترق الأنبوب ذراعها، وأخذت تنزف بشدة.

شعرت بألمٍ لا يحتمل، وكأنني كنت أختنق.

كنت أرتجف وأنا أنظر لهذا الشخص الذي أحببته لسنوات.

كيف أمكنه أن يكون بتلك القسوة مع أمي؟

كانت أمي عاجزة عن النطق من شدة الألم، وكان وجهها شاحبًا وهي تحاول جاهدةً سحب ذراعها لتزحف باتجاه جرة الرفات.

جذب يوسف ميار برفقٍ وقال بحنان: "ميار، هل أنت بخير؟"

كان القلق والاهتمام متجليان في عينيه.

توقفت لحظة في ذهول، وشعرت بغصة في قلبي، فقد كنت أحيانًا أتذمر منه لأنه لا يهتم بالتفاصيل ولا يظهر لي اهتمامه،

وكنت أعتقد أنه فقط لا يحسن التعبير عن مشاعره،

لكن الحقيقة كانت أنني ببساطة، لم أكن الشخص الذي يستحق اهتمامه.

Patuloy na basahin ang aklat na ito nang libre
I-scan ang code upang i-download ang App

Pinakabagong kabanata

  • بعد أن أصابني السرطان، تبرع زوجي بكليتي إلى حبيبته   الفصل9

    وبعد هذه الحادثة، بدأ يوسف في الانهيار تدريجيًا؛فلم يعد يهتم بشوؤن الشركة، وقضى أيامه في شرب الخمر،وكان يرفض تناول الطعام، ولا يقابل أي شخصٍ يزوره.كانت هذه هي أول مرةٍ أراه فيها بتلك الحالة الرثة، على عكس الصورة اللامعة التي كان يظهر بها في السابق.راقبته روحي وهو في تلك الحالة المزرية، فما كان لي إلا أن شعرت بمزيجٍ من الكراهية والشفقة.لو أنه وثق بي قليلًا، لما آلت الامور لهذا الوضع.جلس يوسف على الأرض، وأخذ يبكي بشدة.وفجأة، بدا وكأنه رأى شيئًا في الهواء.ترنح على قدميه وقال مرتجفًا: "نور، أهذه أنتِ؟ هل أنتِ هنا؟"لكن لم يكن هناك من يجيبه.تعثر في الزجاجات المتناثرة على الأرض وهو يحاول التقدم.سقط بقوةٍ على الأرض، وأخذ ينزف.ظل بمكانه لفترة، ثم بدأ يتقبل ببطءٍ حقيقة أنني مت بالفعل.فقال والبكاء يخنقه:"نور......أنا ...... أنا حقًا آسف......""في الحقيقة، كانت ميار محقة فيما قالته......فقد أحببتك فعلًا ذلك الصيف......""لكن كبريائي...... لم يسمح لي بأن أترك الموهوبة ميار، وأحبكِ أنتِ......""كان من الممكن أن يكون لدينا طفل، وأن نعيش حياةً سعيدةً معًا...... لكن كل ش

  • بعد أن أصابني السرطان، تبرع زوجي بكليتي إلى حبيبته   الفصل8

    تجمد يوسف في مكانه، ثم التفت لها بصعوبةٍ وكان صوته يرتجف من شدة الذعر وهو يقول:"عمتي فاتن، ما الذي تعنينه بهذا؟......"وقبل أن يكمل حديثه، انفتحت أبواب الغرفة فجأة.رأى علي يوسف بها، فمضى مباشرةً نحوه،ثم أخرجت هاتفه، وقام بتشغيل مقطع فيديو."هذا هو تسجيل كاميرات المراقبة الذي طلبت مني العمة فاتن مساعدتها في الحصول عليه، كانت تريد مني أن أساعدها في كشف الحقيقة"نظر يوسف إلى الفيديو في حيرة، لكن تعبيراته ازدادت جديةً شيئًا فشيئًا.فحين اطلع على الفيديو، وجد أنه فيديو للفيضان الذي اجتاح البلاد في ذلك العام.أظهر الفيديو بوضوحٍ أن ميار هي من أفلتت يدي في اللحظة التي تم إنقاذي بها وسحبي لقارب النجاة.وقد علت وجهها ابتسامة نصرٍ لحظة أن جرفها الفيضان.كم هذا سخيف! في الواقع، كل هذا كان مسرحية أخرجتها ومثلتها ميار.وكنت أنا وطفلي ضحايا تلك المسرحية التي أودت بحياتنا.أصبح وجه يوسف شاحبًا تمامًا، علا وجهه الذهول.تنهد علي قائلًا: "لم تفكر السيدة نور أبدًا في التخلي عن الآنسة ميار، بل بالعكس، فقد أرادت إنقاذها......"أجابه بصوتٍ متهدج: "لكن كيف...... كيف يمكن ذلك؟ ما النفع الذي

  • بعد أن أصابني السرطان، تبرع زوجي بكليتي إلى حبيبته   الفصل7

    انهار يوسف تمامًا.وفجأة، تذكر حالة أمي البائسة.أخرج هاتفه مرتجفًا، واتصل بعلي، قائلًا: "يا علي! أين العمة فاتن؟ في أي غرفةٍ هي؟"وبعد أن أجابه علي، لم يتمهل لحظةً قبل أن يهرع لغرفة أمي.لكنه عندما وصل إلى الباب، توقف فجأة عن السير.كان يقف بثبات أمام غرفة أمي، ويرفع يده عدة مراتٍ ثم ينزلها مجددًا.وبعد وقتٍ طويلٍ من محاولته لتهدئة نفسه، دفع يوسف الباب أخيرًا ودخل.وقعت عينا والدتي عليه على الفور، وما إن رأت حتى أدارت وجهها بعيدًا بجفاء."ما الذي جاء بك إلى هنا؟"أحكم يوسف قبضتي يده، وقال بصعوبة: "عمتي فاتن...... نور...... أين جثتها......؟"لم يكمل بعد حديثه، بدا وكأن والدتي قد فقدت السيطرة على غضبها ما إن سمعت اسمي، فأمسكت بمزهريةٍ كانت على الطاولة بجوار السرير، وألقتها عليه.وما فاجأني هو أن يوسف لم يحاول حتى تفادي تلك الضربة، بل تحملها فقط.انساب الدم على جبهته، لكنه بدا وكأنه لا يشعر بالألم، ووقف ثابتًا في مكانه."كيف تجرؤ على سؤالي عن جثتها؟ ألم تلقي برمادها بلا رحمة؟ ألم يكن هذا كافيًا؟ ما الذي ستفعله بها أكثر من ذلك؟"انهال اللوم والاتهامات كالمطر على يوسف، وكان ق

  • بعد أن أصابني السرطان، تبرع زوجي بكليتي إلى حبيبته   الفصل6

    ارتبك يوسف قليلًا، ثم قال بجفاء: "ماذا تعنين؟"أخرجت حماتي شهادة الوفاة، وأعطتها ليوسف ويداها ترتجفان."إذا كنت لا تصدقني، فعليك تصديق شهادة وفاة نور، أليس كذلك؟"تمسمر يوسف بمكانه لا إراديًا فور أن رأى الكلمات المكتوبة على شهادة الوفاة.حتى أن الأمر أفزعه لدرجة أن يتصبب عرقًا رغم الجو الحار.وبدأ وجهه في الشحوب تدريجيًا، وتساقطت قطرات العرق على جبينه.لاحظت ميار تغير تعبيرات وجهه، فأسرعت بالقول: "يوسف...... قد لا يكون الأمر صحيحًا، أليس كذلك؟ ربما تكون تلك مجرد خدعة من نور......"لكن لسوء الحظ، اختار يوسف الذي لطالما كان يصدقها دفع يدها بعيدًا هذه المرة،ولم تكن ميار تتوقع ذلك، فسقطت بعنفٍ على الأرض، وجرحت يدها، مما جعلها تصرخ من شدة الألم.لكن يوسف لم يعد يعبأ بها.كان وجهه شاحب وهو يردد: "مستحيل، هذا مستحيل...... لن يصيبها مكروه......"وسارع بارتداء معطفه، والتقط مفاتيحه من على الطاولة، ثم هرع إلى المستشفى.......وصل يوسف إلى المستشفى، وركض متعثرًا تجاه غرفتي.كانت تلك أول مرة أراه في مثل تلك الحالة البائسة طوال هذه السنوات.عندما وصل إلى باب غرفتي، لم يكلف نفسه عناء

  • بعد أن أصابني السرطان، تبرع زوجي بكليتي إلى حبيبته   الفصل5

    أصبح وجه حماتي شاحبًا، وعادت للمنزل بخطى متعثرة.وعندما وصلت إلى المنزل، كان يوسف يُطعم ميار الحساء.انقضت حماتي عليه، وأسقطت الحساء من يده، وكانت عيناها حمراوين وجسدها لا يكف عن الارتجاف، وقالت بصوتٍ غلب عليه البكاء: "هل أنت إنسان؟ لما أجبرتها على التبرع بكليتها لميار بينما لا تزال مريضة؟ أتدرك أنك......أنك تسببت في قتلها؟"نظر لها يوسف ببرودٍ وقال وهو يرفع وعاء الحساء من على الأرض: "أمي، يبدو أنك أيضًا قد خُدعتِ، في الحقيقة، هذا ما كانت نور مدينة به لميار، ولا تظني أنني لست على دراية بالأمر، فقد أخبرني الأطباء أن هذه العملية لا تؤدي للمشاكل""أتستمتع بمشاركتها في تلك الكذبة؟"كانت حماتي في أوج غضبها، وانتهى بها الأمر بصفعه بكل ما أوتيت به من قوة."خلال تلك الأيام، هل سألت ولو لمرة عن حالة نور الصحية؟"كانت صفعتها قوية لدرجة أن مال وجه يوسف للجانب وتورم واحمرّ بشدة.تحسس يوسف وجهه، ثم ابتسم ببرودٍ وقال: "لم يصبها أي مكروه، فلما يجب علي أن أطمأن على صحتها؟ لقد استمرت بالعيش بفضل ما دفعته من أموال، فما المشكلة حتى لو ماتت؟"أمسكت حماتي بياقة يوسف، وقالت ويدها ترتجف بشدة: "أتعرف

  • بعد أن أصابني السرطان، تبرع زوجي بكليتي إلى حبيبته   الفصل4

    استدار يوسف، وقال بتجهمٍ ونبرةٍ حادة: "أيتها العمة فاتن! كيف تجرؤين على معاملة ميار بتلك الطريقة؟ ألم يكفِ ما فعلته ابنتكِ بها؟""إذا لم تتوقفي عن تلك التصرفات، فلا تتوقعي أنني سأساعد في نفقات علاج نور، فهي مدينة لميار بهذا ولدرجة أن تستحق الموت!"بكت أمي وهي تهز رأسها زاحفةً باتجاه الجرة، وقالت: "لقد ماتت نور، هذه الجرة بها رفاتها، وأريد أن آخذها معي للمنزل......"اعتصر قلبي من الألم، وأردت لو أعانقها وأقول لها: لا تؤذي نفسكِ هكذا يا أمي، إنها مجرد جرة!كم يؤلمني رؤيتك هكذا!عندما رأى يوسف حالة أمي تلك، نظر إلى جرة رفاتي.كان وجهه ممتعضًا، وقال بسخرية: "أتتظاهر بالموت؟ أتريدين أن تشاركيها في تلك المسرحية؟ إذًا سأدمر أدواتك المسرحية"وفجأة، تغيرت تعبيرات وجهه، والتقط الجرة وألقاها بقوة نحو حافة الجسر.شحب وجه أمي فجأةً وهي تراقب جرة الرفات تسقط من ارتفاع مئات الأمتار.في تلك اللحظة، بدا وكأن الوقت قد توقف، وأن أمي لم تعد تسمع شيئًا، وبدا وكأن الجرة تهوي على الأرض بالتصوير البطيء.تحطمت الجرة إلى قطعٍ صغيرةٍ ما إن اصطدمت بالأرض.وفي تلك اللحظة، هب نسيمٍ حمل معه الرماد المتن

Higit pang Kabanata
Galugarin at basahin ang magagandang nobela
Libreng basahin ang magagandang nobela sa GoodNovel app. I-download ang mga librong gusto mo at basahin kahit saan at anumang oras.
Libreng basahin ang mga aklat sa app
I-scan ang code para mabasa sa App
DMCA.com Protection Status