مشاركة

الفصل 8

مؤلف: حلوى متوهجة
لم يمضِ على قيام ياسمين بحظر رنا وسامي سوى بضع دقائق، حتى بدأ هاتفها يهتز.

كان رقم محلي غريب، ما إن لمحته ياسمين بعينيها، فخمنت فورًا من المتصل.

لم تختَر الرد، بل وضعت الهاتف جانبًا وانتظرت بصمت.

انقطع الاتصال تلقائيًا، لكن الطرف الآخر لم يكلّ، وأعاد الاتصال مرة ثانية.

ثم جاء الاتصال الثالث على الفور.

انتظرت ياسمين بصبر، لكن الطرف الآخر سرعان ما فقد صبره، فجمع بين إرسال المكالمات والرسائل معًا.

"ياسمين، أتتظاهرين بعدم السماع! أجيبي على الهاتف!"

"كيف تجرؤين على حظري أنا ورنا؟ ما الذي تحاولين فعله بالضبط؟"

"أجيبي على الهاتف فورًا! وإلا فلا تلومي إلا نفسك على ما سأفعله!"

بقيت ياسمين صامتة تراقب سامي وهو يفقد صوابه، ولم ترد على الهاتف إلا بعد أن أجرى مكالمته الثلاثين.

كان سامي على الطرف الآخر من الخط وقد نفد صبره تمامًا، وامتزج صوته ببعض العجز قائلًا: "ياسمين، إلى متى ستستمرين في هذا العناد؟"

ضحكت ياسمين بسخرية وقالت: "إذًا تبيّن أنك تستطيع التحدث بلطف أيضًا!"

شعر سامي وكأن شيئًا عالقًا في حلقه، لا يستطيع ابتلاعه ولا لفظه، وكان شعورًا خانقًا للغاية.

فقال بضيق: "لصبرِي حدود! إن كنتِ تريدين العناد معي فلا يهم، لكن لماذا حظرتِ رنا؟ هل تعلمين أنها تبكي حتى الآن لأنكِ حظرتِها؟ إنها أختكِ، كيف يطاوعك قلبك أن تعامليها هكذا؟!"

كانت ياسمين تتمنى لو استطاعت أن تفتح رأس سامي لترى أيّ هراء يفكر فيه!

فسألته: "أخذتها إلى مطعم القمّة، أليس كذلك؟"

سامي، الذي كان يزداد غضبًا في الجهة الأخرى من الهاتف، خمد فجأة وكأن أحدًا خنق صوته، ثم خيّم الصمت على الخط.

"أنا…"

تردد قليلًا، محاولًا أن يجد تفسيرًا مناسبًا.

فكشفت ياسمين سرّ رنا مباشرة وقالت: "لقد أرسلت لي رنا مئات الصور، يبدو أنّكما استمتعتما كثيرًا هناك."

"لقد دخلتُ المستشفى بسببك، لكن أنتما الاثنان كان لديكما وقت كافٍ للاستمتاع وتناول العشاء! وبما أنك لا تكترث للطفل الذي في بطني، فسأحدد موعدًا للإجهاض."

"أتجرئين؟!"

"ياسمين، كيف لك أن تكوني بهذه القسوة؟ أليس هذا طفلك؟!"

رفعت ياسمين حاجبها وسألت بنبرة باردة وقاسية: "أحقًّا هو كذلك؟"

صُدم سامي وصمت للحظة.

وبعد وقت طويل، استعاد صوته ليسأل بتوتر مع شعور بالذنب: "مـ… ماذا تقصدين بهذا الكلام؟"

"إن لم يكن طفلكِ… فلِمَن يكون إذن؟"

صمتت ياسمين ولم تتكلم.

أما سامي فاهتزت ثقته وتغيّر موقفه تمامًا، وقال: "حسنًا، حسنًا، نحن في النهاية عائلة واحدة، فلماذا كل هذا التصعيد؟ أخرجيني أنا ورنا من قائمة الحظر فورًا، أتريدين معاندتنا طوال حياتك؟ أليس هذا تصرفًا طفوليًا؟"

"في أي مستشفى أنتِ الآن؟ أرسلي لي موقعك وسآتي لأراك."

"لا أدري ماذا أفعل معك، أصبحتِ امرأة بالغة وما زلتِ تغارين من أختكِ وتتنافسين على اهتمامي."

استمعت ياسمين لثرثرة سامي المتواصلة دون أن يظهر في عينيها أدنى أثرٍ لأيّ مشاعر.

كان سامي دائمًا هكذا، كلما شعر بالذنب يغازلها بكلمات لطيفة، ظنًّا منه أن الأمور ستعود طبيعية.

في الماضي، كانت ياسمين تحب سامي حبًا عميقًا، وكانت تُقنع نفسها بأن بعض الكلمات اللطيفة منه تكفي طالما كان يبذل قليلًا من الاهتمام.

أما الآن، بعد أن تخلصت من ذلك الوهم الذي كانت تخدع به نفسها، باتت أخيرًا قادرة على النظر بوضوح إلى علاقتهما.

وأدركت أخيرًا أن سامي لم يحبها قط.

فإن كان هو بلا وفاء، فلن أتشبث به، على أي حال، في هذا العالم لم يكن أحد يومًا عاجزًا عن العيش دون الآخر.

لم تعد ياسمين تشعر اليوم إلا بالامتنان؛ لأن الطفل الذي في بطنها ليس ابن سامي، وإلا لما استطاعت أن تتخلّص من ثقل الماضي أبدًا.

"ياسمين؟ ياسمين، هل تسمعينني؟"

"ما بالكِ صامتة؟"
استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • بعدما تم طلاقي واستقالتي في اليوم ذاته، اشتعل ندم طليقي   الفصل 30

    بالمقارنة مع غضب سامي، كانت ردّة فعل ياسمين باردة بشكل ملحوظ.فقد استهلك سامي تدريجيًا كل ما تبقى من مشاعر ياسمين تجاهه بأفعاله، والآن، مهما ثار غضبه، لم تُبْدِ ياسمين أيّ تأثر عاطفي.قالت ببرود: "ألا تفهم لغة البشر؟ أريد استعادة هاتفي، ما المشكلة في ذلك؟""أنتِ…!" شعر سامي وكأن دلوًا من الماء البارد قد سُكب على رأسه، فانطفأت نيران غضبه، ولم يبقَ سوى خيطٍ من الدخان الأسود.امتلأت عيناه بالحيرة والارتباك: "ياسمين، ماذا تفعلين بالضبط؟"في نظر سامي، فإن كل ما حدث سابقًا كان خطأ ياسمين، وهو فقط فعل ما كان يجب عليه فعله.ولم يكن الأمر مبالغًا فيه على الإطلاق.فلماذا تغيرت فجأة وكأنها شخص آخر تمامًا؟قال سامي: "فهمت، أنتِ غاضبة لأنني حبستكِ في الحمام الليلة الماضية، أليس كذلك؟""أجدكِ لا تقدّرين المعروف، ألا تعلمين لماذا حبستُكِ؟ لو لم تضربي رنا أولًا، فلماذا كنت سأحبسكِ إلا لأجعلكِ تهدئي؟""كيف يمكن لشخص في عمركِ أن لا يفهم شيئًا بسيطًا كهذا؟""في تلك الليلة كان هناك الكثير من الأصدقاء، ورنا فتاة صغيرة، وبصفتكِ أختها الكبرى، لو لم تتعظي قليلًا، هل كنتِ تظنين أنكِ ستخرجين من الموقف بسلام؟""

  • بعدما تم طلاقي واستقالتي في اليوم ذاته، اشتعل ندم طليقي   الفصل 29

    فمنذ عودتها لمنزل عائلة الهلالي، عاشت ياسمين دائمًا وكأنها غريبة بينهم.وحتى بعد ارتباطها بسامي، ظلت تتنازل له بلا أي حدود.حتى اعتادت فعل كل شيء بنفسها، لدرجة أنها كادت تنسى شعور أن يساندها أحد.إلى أن التقت بيونس، فأدركت أخيرًا معنى أن تحظى بالرعاية الحقيقية.حين أُسِّست مجموعة العلياء، لم يكن الكثيرون يعترفون بها، وزاد احتقارهم لها حين عرفوا أنها حبيبة سامي.اعتقد الجميع أنها امرأة انتهازية تستغل الرجال، وتنتظر نجاح حبيبها لتجني الثمار دون جهد.فبذلت جهودًا كبيرة، وسهرت ليالٍ عديدة، حتى نزعت أخيرًا تلك الوصمة عنها.والآن، وقد ظهرت فجأة بصفتها "زوجة السيد يونس"، بل وهي حامل أيضًا، فلو كان الأمر عند رجال سامي لقالوا إنها ماكرة، وتريد استغلال حملها لكسب مكانة اجتماعية مرموقة بأي وسيلة.لكن رجال يونس جميعهم يكنّون لها احترامًا شديدًا.لم يكترثوا لبسبب زواجها من يونس، كل ما عرفوه أنها زوجته التي اختارها، وأنها حامل بالحفيد الأكبر لعائلة المهدي.اتكأت ياسمين على الوسادة، وشعرت وكأنها انتقلت إلى عالم آخر.ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها، وشعرت أن الأمر ليس سيئًا أبدًا.على الأقل ابتعدت عن

  • بعدما تم طلاقي واستقالتي في اليوم ذاته، اشتعل ندم طليقي   الفصل 28

    كان المكان خاليًا تمامًا.اتسعت عينا سامي فجأة، وقال: "أين هي؟""أين ياسمين؟"لما سمع المدير بوصول سامي أسرع إلى المكان، وعندما رأى الحمام فارغًا، انتابته الحيرة أيضًا، وقال: "أين هي؟ لقد كانت هنا البارحة!""بعد مغادرتكم لم يمسّ أحد الجناح، لقد أغلقناه ورحلنا مباشرة."ضيّق سامي عينيه بشكّ واضح، وشعر أن الأمر غريب، وطلب من المدير مراجعة كاميرات المراقبة.عاد المدير سريعًا بوجه شاحب وقال: "التسجيلات اختفت.""ماذا؟"صُدم سامي وقال: "كيف اختفت؟"ارتبك المدير أيضًا وقال: "نحن أيضًا في حيرة، فمنطقيًا، ما كان ينبغي حذف تسجيلات كاميرات المراقبة من الليلة الماضية، ولقد تحققنا من جميع الفترات الزمنية، ولكن لا توجد تسجيلات لياسمين أثناء احتجازها، أو تسجيلات لمغادرتها."تذكر سامي فجأة: "ألم يحضر رئيس مجموعة المهدي البارحة؟""ألم تره في التسجيلات؟"أدرك المدير فجأة، وصاح قائلًا: "حقًا لم أره، يبدو أن المسؤولين، بناءً على تعليمات السيد يونس، حذفوا تسجيل زيارته للنادي، وبالمصادفة حُذِفَت معها أجزاء تسجيل ياسمين."فضرب سامي الجدار بقبضته غاضبًا.اقترح المدير قائلًا: "لماذا لا تتصل بياسمين يا سيد سامي؟

  • بعدما تم طلاقي واستقالتي في اليوم ذاته، اشتعل ندم طليقي   الفصل 27

    سقطت فرشاة الأسنان من يد سامي على الأرض محدثةً صوت ارتطام.وفجأة عادت إليه ذكرياته المفقودة، وتذكر سامي كل شيء.سأل سامي: "هل أنت متأكد من أن الإشعار وصل؟"أجاب المساعد بحزم: "أنا متأكد أنه وصل…"تغيرت تعابير وجه سامي، وقال: "حسنًا، سنتحدث عندما أعود للشركة."ثم أنهى المكالمة فورًا.أما المساعد على الطرف الآخر من الهاتف لم يملك إلا أن يرفع عينيه بضجر.بصفتهم موظفين في الشركة، فهم يعلمون يقينًا من الذي أوصل الشركة إلى ما هي عليه اليوم.لم يمضِ على غياب ياسمين عن الشركة سوى بضعة أيام، وقد حدثت بالفعل فوضى عارمة؛ من يدري ما قد يحدث لاحقًا؟هز المساعد رأسه، مستخدمًا عذر أن سامي سيصل للشركة قريبًا، لصرف الموظفين الفضوليين بعيدًا، وبدأ يفكر بقلق في تغيير وظيفته.غسل سامي وجهه وخرج من الحمام، وكانت رنا لا تزالُ نائمةً على السرير.اقترب منها بتعبيرٍ مُعقد، وربت على وجهها برفق."رنا، استيقظي."تنهدت رنا بطريقة لطيفة، واحتضنت سامي، متشبثةً بخصره، وقالت: "متعبة جدًا يا سامي، دعني أنام قليلًا، حسنًا؟"رقّ قلب سامي، لكنه تذكر أمر الشركة، فقسى قلبه وربت على وجهها بقوة، قائلًا: "رنا، استيقظي!"استيقظ

  • بعدما تم طلاقي واستقالتي في اليوم ذاته، اشتعل ندم طليقي   الفصل 26

    كان سامي قد شرب كثيرًا الليلة الماضية، فاستيقظ فجأةً وهو يعاني من صداع شديد.فرك صدغيه بضيق وسأل بانفعال: "ماذا حدث؟"جاءه صوت المساعد على الهاتف قائلًا: "هل نسيت يا سيد سامي؟ اليوم عند الساعة التاسعة والنصف صباحًا، كان الشريك التجاري سيأتي لشركتنا لتوقيع العقد، لكننا لم نستطع الاتصال بكَ مسبقًا، فانتظر الشريك حتى الساعة العاشرة ثم غادر غاضبًا، حاول نائب المدير الاتصال فورًا للاعتذار لكن الطرف الآخر أغلق الهاتف، وقبل خمس دقائق، أبلغنا الشريك التجاري إن توقيع العقد سيؤجل.""سيد سامي، من الواضح أنهم لا ينوون مواصلة العمل معنا، فماذا نفعل؟"كان هذا أكبر مشروع لمجموعة العلياء هذا العام، وكان فريق المشروع يعمل عليه بجهد لمدة ستة أشهر كاملة ليتمكنوا أخيرًا من إتمام التعاون.وبالكاد وافق شريك العمل على توقيع العقد، ثم انهار كل شيء بسبب تأخر مسؤول مجموعة العلياء، وإذا انتشر الخبر سيسخر الجميع!وهذه خسارة فادحة لمجموعة العلياء.قال سامي بغضب: "كيف لي أن أعلم أن توقيع العقد عند التاسعة والنصف؟""هل أنتم جميعًا أموات؟ ألم يكن بإمكانكم إخباري قبلها بيوم؟"بدا على المساعد استياء شديد، وقال: "لقد فع

  • بعدما تم طلاقي واستقالتي في اليوم ذاته، اشتعل ندم طليقي   الفصل 25

    قال سامي بنبرة ساخرة: "يبدو أنكِ تدركين مكانتكِ جيدًا."ثم ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: "لكن للأسف، عائلة المهدي ليست من ذلك النوع القاسي.""طالما أن الأمر في حدود إمكانيات عائلة المهدي، فسنلبي أي احتياجات لكِ.""فالمرأة تعاني كثيرًا طوال فترة الحمل، ولن تكون عائلة المهدي قاسيةً إلى هذا الحد."أصيبت ياسمين بالذهول.كانت تظن أن علاقتها بيونس مجرد علاقة تعاون بسيطة.فبالنظر إلى سلوك يونس عندما التقيا لأول مرة، افترضت بطبيعة الحال أنه لا يريد سوى الطفل الذي في بطنها؛ وأن الزواج لم يكن سوى عقد ورقي لا قيمة له.لكن الآن يقول يونس إن عائلة المهدي لن تكون قاسيةً إلى هذا الحد.فهل يعني هذا أنه لا ينفر منها؟تذكرت ياسمين ما قاله طارق عن الملابس.فأدركت فجأة أن يونس قام بالكثير من الأمور في الخفاء.لكنها كانت غارقة في ألم الخيانة فلم تنتبه."إذن..." حرّكت ياسمين عينيها بتردد، ثم ذكرت طلبها بحذر: "أريد إعادة إحياء شركة الهلالي، وأحتاج لأيدي عاملة، فهل يمكنكَ مساعدتي؟"لم تكن ياسمين لتجرأ على قول هذه الكلمات في الماضي.لكن ربما لأن يونس أنقذها اليوم كبطل، وطمأنها بكلامه، فشعرت ياسمين بجرأة أكبر.وبال

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status