Share

الفصل 7

Author: صائد الأحلام
كان يوسف قد أوصل ميار إلى السيارة حين سمع آخر بضع كلمات.

أدركتُ أنه لم يسمع ما قيل في البداية، فاختلقتُ عذرًا.

"ستغادر صديقتي قريبًا."

أومأ يوسف برأسه دون أن يسأل المزيد.

قبل العد التنازلي بأربعة أيام، أحضر يوسف صور الزفاف التي التقطها مع ميار.

كان يمسك الهاتف بيد وهو يُجري مكالمة فيديو مع ميار، وباليد الأخرى يرفع الإطار ليُريها الصور، وعيناه مليئتان بالدفء والحنان.

"ظهرت صور الزفاف خاصتنا يا ميار، وعندما ذهبتُ لاستلامها، قال موظفو الاستوديو إن الصور رائعة."

كنتُ قد خرجتُ لتوي لشرب الماء حين قال ذلك.

ارتسمت على عيني يوسف لمحة من الإحراج، ونظر إليّ كأنه يريد قول شيء.

ألقيت نظرةً على الصورة، وقلت بجدية: "إنها حقًا جميلة."

كنتُ قد دفعتُ مبلغًا مرتفعًا لأستأجر هذا المصوّر فقط لأوثّق أجمل لحظاتنا أنا ويوسف.

ظننت أنني حين أرى الصور النهائية سأشعر بسعادة غير مسبوقة.

بدا يوسف وسيمًا بالبدلة الرسمية، تمامًا كما تخيلته.

الفرق الوحيد هو أن العروس التي بجانبه لم تكن أنا.

لم يعد هذا يؤثر على قلبي.

منذ أن علمت بحمل ميار، تبددت كل مشاعري تجاه يوسف.

على العكس، بدا يوسف مذهولًا.

أدرك فجأة أنه لم يحدّثني بصدق منذ وقتٍ طويل، حتى أنه لم يراسلني أبدًا خلال أسبوع السفر الذي أمضاه مع ميار.

جعله هذا يشعر ببعض الغرابة.

كان لا يزال يحادث ميار في مكالمة الفيديو، فهز رأسه مبعدًا تلك الأفكار، وافترض أنني منهكة جدًا من التحضير للزفاف.

في اليوم قبل الأخير، كنتُ ذاهبة إلى المستشفى لآخذ بعض الأدوية تحسبًا.

لم أتوقع أن أصادف يوسف وميار وهما يخرجان للتو من فحص الحمل.

ارتبك يوسف، وفتح فمه ليقول شيئًا، لكن ميار سبقته.

اقتربت مني وأمسكت يدي وكادت تجثو على ركبتيها، وصوتها يختنق من شدة البكاء.

"عزيزتي نادية، أعلم أنك لم توافقي بعد على أن أنجب طفلًا من يوسف، لكنني حقًا لم أعد أحتمل الانتظار، قال الطبيب إن أمامي سنة واحدة فقط لأعيشها، وأنا أريد حقًا أن ألد طفلًا."

"وحين يولد الطفل، سأبتعد فورًا عن يوسف، ولن أؤثر أبدًا على علاقتكما."

قبل أن أنطق بكلمة، كان يوسف قد أسرع إليها بعينين مليئتين بالشفقة، وساعدها على الوقوف.

"جسدك ضعيف، كيف تفعلين هذا؟"

ثم نظر إليّ مجددًا، وقال:

"بما أنك عرفتِ، فلن أخفي الأمر عنك أكثر من هذا."

"اطمئني، هذا لن يؤثر على زفافنا."

لو كان هذا قبل شهر، لغضبتُ، وانهرت، ويأسْتُ، وبدأت أشكّ في نفسي.

كنتُ سأتساءل ما إن قصّرت كحبيبة، وأن هذا ما دفع يوسف للإنجاب من امرأة أخرى.

لكن بعد ما مررتُ به، أدركتُ الحقيقة.

المشكلة ليست في أنني لم أكن جيدة بما فيه الكفاية، بل لأنه لا يحبني.

ولأنه لا يحبني، استطاع أن يفعل ذلك دون أي اعتبار لمشاعري.

الآن، وقد علمتُ منذ زمن بحمل ميار، وتخلّيتُ عن أي شعور تجاه يوسف، لم يعد هناك داعٍ لأن يتصرّفا وكأنني سأحاول التفريق بينهما.

نظرتُ إليهما بصمت ثم أشحت بنظري بعيدًا.

"فهمت."

ثم أخذتُ الدواء وعدتُ إلى البيت، فموعد رحيلي قد اقترب، وما زلت بحاجة لحزم أمتعتي.

كان واضحًا أن كليهما لم يتوقعا ردة فعلي الهادئة.

خصوصًا يوسف الذي نظر إليّ بحيرةٍ وظل يراقبني وأنا أغادر.

فقد كنتُ أثير الضجة حول مسألة الحمل لشهر كامل، لكنني الآن حين علمت بالخبر، لم أُبدِ أي رد فعل.

شعر يوسف بشيء من القلق، وكأن هناك ما تغير بدون علمه.

حين وصلتُ إلى الدرج، كانت ميار قد لحقت بي، وأمسكت بكمّي.

كان يوسف لا يزال بعيدًا، فكشفت ميار عن وجهها الحقيقي.

"ما هو شعورك يا نادية وأنتِ ترين خطيبك ينجب من امرأة أخرى أمام عينيك؟"

لم أرغب في الدخول في جدالٍ لا طائل منه، فسحبتُ يدي من قبضتها لأغادر.

لكنها فقدت توازنها فجأة، ومال جسدها للأسفل.

أمسكت يدها تلقائيًا ومنعتها من السقوط.

لكن قبل أن أحرر يدي، سمعت صوتًا مليئًا بالغضب يقول من خلفي:

"ماذا تفعلين؟"

كان يوسف مرتابًا من هدوئي قبل قليل، لكنه الآن ظن أنه وجد التفسير، وهو أنني كنتُ أتصنع الهدوء فحسب، بينما لا زلت غير قادرة على تقبل الأمر بداخلي.

ما إن رأته ميار، حتى بدلت ملامحها إلى مظهر المظلومة، وبدأت عيناها تدمعان وهي تمسك بطنها.

"كنتُ فقط أريد أن أشكر نادية على كرمها يا يوسف، لكنني لم أكن أتوقع أنها..."

احمر وجه يوسف ما إن سمع كلماتها.

"لم أعتقد أنكِ قد تفعلين ذلك يا نادية!"

"اعتذري لميار فورًا!"

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 26

    وافقت، وأرسلت له مساءً دعوة الزفاف وعلبة حلوى الزفاف.أخذ قطعة حلوى ووضعها ببطء في فمه.بدا وكأنه لم يتذوق طعمًا حلوًا منذ وقتٍ طويل.في يوم الزفاف، توافد الكثير من الحضور، بما في ذلك الأساتذة وزملاء المختبر.ربّت أستاذي على كتف زيدان مبتسمًا."أحسنت! لم أتوقع أن تظفر بزميلتك الأكبر في المختبر، يا لك من محظوظ!"وانهمرت التعليقات المازحة من الزملاء.نظرت إلى الرجل الواقف بجانبي ببدلته السوداء، وامتلأ قلبي بالسعادة والرضا.عرفت معنى الحب الحقيقي أخيرًا مع زيدان.بدأت المراسم، فأمسكت بيد والدي وتقدمنا نحو زيدان.وضع والدي يدي في يد زيدان، وقال:"ابنتي أمانة لديك."أجاب زيدان بثقة:"اطمئن، سأحميها طوال حياتي."ثم تبادلنا العهود، وارتدينا الخواتم، وقبلنا بعضنا.انفجر الحضور بالتصفيق والهتاف بحرارة.كان الجميع يهنئ العروسين.في زاوية القاعة، كان يوسف يصفّق، وعيناه مثبتتان عليّ بدون أن يرمش بهما.بدا وكأنه تذكّر حفل الزفاف الذي لم يكتمل قبل عامين.كان يدرك كم كنتُ حينها أعد كل التفاصيل بحماس.بدايةً من الحفل، وصور الزفاف، والمأدبة... قارنت بين الكثير من القاعات قبل أن أستقر على واحدة.كم كان

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 25

    ابتسم يوسف ابتسامة واهنة."نعم، تستحقين.""لا بد أنك شعرت بنفس هذا الألم حين أنقذتني، أليس كذلك؟"وحين رأيته يتحدث بصعوبة، طلبت منه أن يستريح وألا يجهد نفسه بالكلام.لكن يوسف هز رأسه ببطء، وبدأ يتحدث بإصرار:"لم أكن أنوي ملاحقتك، لكنني فكرت جيدًا فيما قلتِه لي البارحة، والآن بت أفهم جيدًا.""لقد أخطأت في حقك سابقًا، واستغللت مشاعرك تجاهي بحماقة.""أريد اليوم فقط أن أخبرك أنني نادمٌ على ذلك.""كنت مترددًا، ولم أعرف كيف أبدأ، لكن حين رأيت اللص خلفك يخرج سكينًا، لم يخطر ببالي سوى شيءٍ واحد، وهو ألا أدعك تتأذين."لم يخطر ببالي يومًا أنني سأسمع تلك الكلمات من يوسف.كنت سأتأثر بهذا التغيير لو أنه حدث قبل سنوات.لكن الأمور اختلفت الآن.لم أعد تلك التي كانت تحبه بعمق.لم أعد أشعر تجاهه سوى بالامتنان ولا أكثر.أدرك يوسف موقفي الحالي حين رآني صامتةً.لكنه حاول للمرة الأخيرة، قائلًا:"هل كنا لنستمر لولا ميار؟"هززت رأسي."لا."لم تكن ميار سوى القشة التي قسمت ظهر البعير.كانت مشاعري تُستنزَف خلال الخمس سنوات بسبب بروده، وعجّل ظهور ميار من استنزافها بالكامل.حتى لو لم تظهر ميار، وتزوجنا بسلاسة، لما

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 24

    لكنني لم أشعر بالألم الذي توقعته.استدرت بسرعة، فرأيت يوسف واقفًا خلفه، ممسكًا بطنه بيده، ووجهه شاحب كالأموات.استمر بالنزيف من الموضع الذي كان يغطيه بيده.وحين رأيته على وشك أن يفقد توازنه ويسقط أرضًا، أسرعتُ للإمساك به، واتصلت بالطوارئ على الفور.بدأ يوسف يفقد وعيه، وأخذ الألم يستحوذ عليه.هذا هو إذًا ألم الطعن.لا بد أن نادية أيضًا شعرت بهذا الألم حينها.حاول فتح عينيه بصعوبة، وحين رأى القلق على وجهي، لم يتمالك نفسه عن الابتسام.لكن الابتسامة زادت من ألم جرح بطنه.لم أفكر حينها إلا في إيقاف النزيف، فوضعت يدي على الجرح بسرعة.أخذت أصرخ وأنا أراه يغلق عينيه شيئًا فشيئًا."تمالك نفسك يا يوسف، ولا تغمض عينيك!""سيصل الطبيب قريبًا، عليك أن تصمد!"وقبل أن يفقد وعيه بلحظة، سمع صوت صفارة سيارة الإسعاف.سارع المسعفون بحمله إلى السيارة وأوقفوا نزيفه، وأبلغوا المستشفى بالاستعداد للعملية.كان آخر ما رآه يوسف هو وجهي المذعور بجانبه، ثم فقد وعيه تمامًا.وبعد ثلاث ساعات من الجراحة الطارئة، استقرت علاماته الحيوية.قال الطبيب إن الطعنة لم تصب عضوًا حيويًا، لكنها كانت عميقة وتسببت في نزيف حاد.تنفست

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 23

    لم يفهم يوسف الغرض من سؤالي.فأكملت حديثي:"إن كنت تحبني، فلماذا لم تبادر قط بشراء هدية عيد ميلاد لي؟ إن كنت تحبني، فلماذا لا ترغب في السفر معي؟ إن كنت تحبني، فلماذا جعلت امرأة أخرى تحمل منك، بل والتقطتَ معها صور الزفاف؟""أنا أيضًا لي قلبٌ وأتألم.""إن كنت تحبني بتلك الطريقة، فمعذرةً، لكنني لا أقبل بهذا الحب."كان وجه يوسف يزداد شحوبًا مع كل جملة أقولها.أخذت ذكريات الماضي تتدفق بعقله.أراد أن يدحض كلامي، لكنه اكتشف أن ذكرياته تطابق ما قلته تمامًا.أخذ يفكر بكل شيءٍ حدث، وكل ما فعله في الماضي، ولم يجد سبيلًا لدحض ما قلته.وفي النهاية، لم يجد ما يقوله سوى أن يعيد الحديث عن ميار بتلعثم."السبب الوحيد في معاملتي الجيدة لميار هي أنني أخطأت كونها منقذتي، لو كنت أعرف أنك من أنقذتني منذ البداية، لما...""كفى!"قاطعت حديث يوسف.هل كان يظن أن أكبر مشكلةٍ بيننا هي مشكلة ميار؟لم يكتشف أكبر مشكلةٍ بيننا بعد، رغم مرور عامين على ذلك."حتى لو لم تكن ميار موجودة، فقد كان هناك ياسمين ونغم.""بل وحتى لو كانت هي حقًا من أنقذت حياتك، فهناك العديد من طرق رد الجميل، فلماذا أصررت على أن تقوم بكل شيء بنفسك؟

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 22

    انفعل فجأة قبل حتى أن أجيبه."يمكنني أن أشرح لك الأمر: في البداية، اعتقدت أن ميار هي من أنقذتني، ولم يكن لدي أي مشاعر تجاهها أبدًا، ولم يحدث بيننا أي شيء على الإطلاق.""وبعد رحيلك... بعد رحيلك فقط أدركت أنني..."بدأ يوسف في النحيب، وانهمرت الدموع من عينيه.استطاع أن يهدأ بعد لحظات، وأكمل حديثه:"أدركت أنك أنت من أنقذني في ليلة رأس السنة قبل ست سنوات، وقد كنت مخطئًا طوال تلك الفترة."نظر إليّ بعينين حمراوين يملؤهما مزيجٌ من الندم والذنب والغيظ، وكذلك بصيصٌ من الأمل.كان يأمل أن أسامحه بعد أن عرفت الحقيقة، وأن نعود كما كنا.لكنه للأسف كان مخطئًا.لقد تفاجأت حقًا حين سمعت أن تلك المنقذة التي يتحدث يوسف عنها أنقذته قبل ست سنواتٍ في ليلة رأس السنة.فعندما قدم لي يوسف ميار لأول مرة، لم يخبرني بوقت إنقاذها له بالتحديد.وبعد أن استفقت في المستشفى بذلك الوقت، رفضت ذكر تلك الليلة مجددًا أمام يوسف.وهكذا حدث سوء الفهم.وها أنا اليوم قد طويت صفحة الماضي منذ وقتٍ طويل، لا أستطيع إلا أن أتعجب من سخرية القدر.سأل يوسف بتوجسٍ حين لم أنطق بكلمة:"لم أدع ميار تنجب هذا الطفل يا نادية، لقد أجهضته. الآن بت

  • جن جنون خطيبي حين كرست حياتي للبحث العلمي   الفصل 21

    جلس والداي، السيد فؤاد والسيدة علا بالجوار بوجوه حائرة.حين قررت إلغاء حفل الزفاف قبل عامين، لم أخبرهما بالسبب الحقيقي، واكتفيت بإخبارهما إنني أريد الاستمرار في أبحاثي العلمية.لذلك كانوا يعتقدون أننا المسؤولون عن إلغاء الزفاف.حتى وإن كانا يريان دائمًا أن مشاعر يوسف تجاهي لم تكن عميقة، إلا أنهما ما زالا يشعران بأننا قد قصرنا في حقه.رغم عدم عودتي إلى المنزل طوال العامين الماضيين، إلا أن يوسف كان يأتي من حينٍ إلى آخر، ويتردد على الطابق السفلي.ورغم أنه لم يصعد أبدًا لزيارتهما، إلا أن والديّ كانا يشعران بأنه جاء بحثًا عني.خصوصًا منذ نصف عام، إذ أصبح يأتي كل يومين تقريبًا.حاول والداي ثنيه عن المجيء مجددًا.فعلى أي حال، كانت ابنتهما حازمة للغاية حين قررت إلغاء الزفاف.كما أنني حينها كنت بالمختبر ولم أكن بالمنزل أصلًا، ولذا فلا جدوى من مجيئه.لكنهما رغم ذلك قد شهدا على إصراره طوال العامين الماضيين، حتى أن انطباعهما عنه في السابق بكونه شخصًا باردًا قد تحسن.حتى أنهما ناقشا سرًا محاولة إقناعي بالعودة إليه مجددًا حين أعود من المختبر، فقد أمضيت مع يوسف خمس سنوات، ولم يتبق لنا إلا أن نتزوج.ل

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status