Share

الفصل3

Author: محبة الليتشي
كانت لين تشعر ببعض الرهبة تجاه ابن خالتها، لذا بعد أن صعدت إلى السيارة بهدوء، لم تنطق بكلمة واحدة.

ساد السيارة صمت غريب، كان الجو هادئًا إلي حد غريب.

لكن نظرات نورا سقطت على مسبحةٍ من الخرز البني حول معصم فادي، شعرت أنها مألوفة لها بطريقة ما، لكنها لم تتمكن من التذكّر، ففكرها كان مشوشا تحت تأثير الخمر.

ومع ذلك، لمعت في ذهنها صورة قديمة، اللحظة الأولى التي التقت فيها بفادي.

مرّت سنوات، لكنه ما زال يحتفظ بكامل وسامته وأناقته.

كان منزل لين قريبًا.

أوصلها فادي أولًا، ثم انطلق بسيارته ليأخذ نورا إلى الفندق.

لم يتبقّ في السيارة سواهما.

وفجأة، قال بنبرة عابره بلا اكتراث:

"هل تنوين البقاء في مدينة الشمال؟"

"نعم."

أجابت نورا بعد لحظة صمت، وأومأت برأسها.

لم تكن على معرفة وثيقة به، لذا بعد سؤاله، عاد الصمت يخيم من جديد.

كان مكيف السيارة يعمل بقوة، ومع الوقت، غلبها النعاس.

لا تدري كم مرّ من الوقت حتى أيقظها صوته العميق.

"نورا، استيقظي."

فتحت عينيها، فالتقت بنظراته العميقة.

في تلك اللحظة تلاقت أعينهم وشعرت بالذهول، قالت: "فادي؟"

نطقت اسمه بصوت كسول.

انفتح باب السيارة، وانحنى جسده نحو الداخل، فكان وجهه الجذاب قريب منها للغاية.

انخفضت عيناه، وبدت ملامحه باردة هادئة كأنها مضاءة بضوء القمر.

كان يفوح من جسده عبق خشب الأرز، ناعمة ومنعشة.

تداخلت ملامحه الحالية مع صورته القديمة في ذاكرة نورا، تلك الصورة التي بقيت محفورة في ذهنها منذ سنوات المراهقة.

ابتسمت بشفتيها الحمراء وهي تقول: ""أنت وسيم جدًا."

تصاعد أثر الخمر في جسدها، فرفّت بعينيها ومدّت يدها لتطوّق عنقه فجأة.

"تريد أن نكون معًا الليلة؟"

قالتها ببطء، وبصوت مفعم بالدلال.

نبرة صوتها كانت مثيرة بشكل واضح.

تجمّد فادي للحظة، ثم أزاح خصلة شعر عن وجهها، وقال بنبرة هادئة: "أنتِ ثملة."

شعرت بدغدغة خفيفة حيث لامست أصابعه وجهها، لكنها لم تتراجع: "لست كذلك."

كانت قد شربت الكثير، وكان عقلها يطوف بين ما مضى من سنواتها مع سامي، وبين حياتها في عائلة الهاشمي.

لطالما كانت متمردة وجريئة.

لكنها تخلّت عن كل ذلك لأجل سامي، تظاهرت بالهدوء والطاعة، ثم بسبب ذلك الرهان انتهي بها المطاف مقيّدة داخل حدود العائلة.

شعرت أن هذه الليلة ربما تكون الفرصة الأخيرة لها لتتصرّف على سجيتها.

"فادي، ألا تريد ذلك؟"

اقتربت منه أكثر، وخصلات شعرها السوداء الناعمة مرّت قرب أنفه.

ذلك الشعور اللطيف بدأ ينتشر، كأن شيئًا غريبًا تسلل إليه.

وفي اللحظة التالية، انخفضت شفتاه الباردتان نحوها.

ضمّها من خصرها، ومرّ أنفاسه على وجهها.

"نورا، لا تندمي لاحقًا."

عضّ طرف لسانها بخفة، بلمسة ناعمة تحمل قسوة مخفية.

كانت أنفاسهما تزداد سخونة، وكانت نظراته مشتعلة، فرأت في عينيه انعكاسها، وتلك اللمحة من الاستسلام التي تشدها للغرق.

تلاشى البرود، وحلّ مكانه تيار دافئ مشحون.

شعرت فجأة بالعطش، فتجاوبت معه، وازدادت قُبلتها عمقًا.

وفي السيارة، تصاعدت الرغبة كموجة صامتة لا ترد.

تكرر صوت الماء مرارًا داخل السيارة.

ذلك النوع من العلاقة، في لحظات معينة، يتحوّل إلى إدمان.

ومن السيارة... إلى السرير.

حين انتهى كل شيء، بدا جسد نورا وكأن موجات دافئة اجتاحته، فقدت معها الإحساس بكل شيء.

وحين فتحت عينيها، كانت أشبه بجسد منهك، كل أطرافها متعبة.

ومع عودتها للوعي، تتابعت مشاهد الليل الماضي في ذاكرتها، فتصلّبت فجأة.

هل أقامت علاقة مع فادي؟

حتى الأرنب لا يأكل من العشب القريب من عشّه...

تذكّرت كارما، وأحسّت بشيء من العبثية في داخلها.

وفي تلك اللحظة، انقطع صوت الماء القادم من الحمّام.

"استيقظت؟"

رفعت نورا نظرها، فرأت فادي يخرج مرتديًا رداء الاستحمام، جسده مشدود، قطرات الماء تتدفق على خصره، وهيئته رشيقة وقوية.

احمرّ وجهها بلا سبب واضح.

"عذرًا، لقد شربت كثيرًا البارحة."

قالت ذلك كأنها تبرر، فتوقف قليلًا، وضاقت عيناه الهادئتان.

وصوته أصبح أبرد قليلًا: "وماذا بعد؟"

"وماذا بعد؟"

انحنت والتقطت ملابسها عن الأرض، كانت آثار الأمس لا تزال واضحة على بشرتها، لكنها لم تتجنّب نظراته، بل ابتسمت بخفة: "أنا ولين ما زلنا صديقتين، لذا... ما حدث الليلة الماضية، لن تعتبره مشكلة يا أخ فادي، أليس كذلك؟"

قالت ذلك بصوت ناعم، وهي تشدد على كلمة أخ.

لكن كانت حساسة أكثر من اللازم.

شعرت دائمًا أن ملامحه تزداد جمودًا ما أنهت كلامها.

أشعل سيجارة، وعيناه الداكنتان تحدّقان فيها، ثم سأل بنبرة غير مبالية: "هل تتصرّفين بهذه الطريقة مع باقي الإخوة أيضًا؟ مثل... سامي، مثلًا؟"

Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • حينما ساعدت العاشق الخائن في استعادة حبيبته القديمة، أعلنت الآنسة نورا ارتباطها بشخصٍ آخر   الفصل 300

    قاطعت نورا كلام كريم ببرود: "لم آت اليوم لأتحدث معك عن هذه الأمور، وأنت تعرف ذلك."أراد كريم أن يغيّر الموضوع لكن هدف نورا كان واضحًا فلم تمنحه أي فرصة.اضطرّ كريم أن يعترف بالحقيقة."نورا، أردت فقط أن أصلح علاقتي بك، فما الخطأ في ذلك؟"شعرت نورا بالعجز عن الكلام بعد سماع ذلك."ماذا تقصد بلا خطأ؟ هل تظن أنك بلا ذنب؟"أجاب كريم بثقة: "وأي خطأٍ عندي؟"سعى كريم وراء من أحب وفعل ذلك لمصلحته فقط.كل إنسان يخطط لنفسه، فأين الخطأ؟لم يخطئ كريم شيئًا!ازداد كريم ثقة بعدما فكر في ذلك.لم تعرف نورا ماذا تقول حين رأته هكذا.كان هذا الرجل ميؤوسًا منه، فكيف يبقى واثقًا حتى الآن؟"ولماذا أصلح علاقتي بك؟"تجمد كريم في مكانه أمام نظرة نورا الساخرة ولم يعرف ماذا يقول.ماذا يعني لماذا؟تفاجأ كريم لحظة ثم أدرك بسرعة أن نورا تخشى كارما."نورا، أعرف قلقك، لا تخافي ولا تفكري كثيرًا، دعي الأمر لي."ارتبكت نورا بعد سماع ذلك، فما معنى أن تدع الأمر له؟ضاعت نورا في حيرتها ولم تستوعب للحظة."لم أعد أفهم كلامك أكثر فأكثر."شعرت نورا أنها فهمت مقصده لكنها لم تجرؤ أن تفكر في ذلك الاتجاه.فبينهما كارما على أي حال.ظ

  • حينما ساعدت العاشق الخائن في استعادة حبيبته القديمة، أعلنت الآنسة نورا ارتباطها بشخصٍ آخر   الفصل 299

    في مطعم الفرحة.حجز كريم غرفة خاصة وزيّن نفسه اليوم خصيصًا.كان كريم وسيمًا أصلًا، فبدت ملامحه البارزة أكثر دقة.بدا كريم أكثر عناية من المعتاد.لاحظت نورا ذلك حين وصلت.أرادت نورا أن تغادر بعد أن التقت نظرات كريم الموحية.تصرف كريم لم يكن طبيعيًا.ندمت نورا في سرّها لأنها جاءت وحدها إلى هذا الموعد.تلألأت عينا كريم حين رأى نورا."نورا، لقد جئتِ!"ظهر الفرح في نبرة كريم فسمعته نورا بوضوح.قالت بعدم الارتياح: "نعم، لماذا طلبت أن أجيء؟""لنتناول طعامًا."أراد كريم أن يمسك يد نورا، لكنها تراجعت بسرعة وحدّقت فيه بنظرة تحذير."ماذا تريد؟"تنحنح كريم محرجًا: "لا شيء، أردت فقط أن تجدي مقعدك.""سأفعل ذلك بنفسي."مشت نورا مباشرة إلى داخل الغرفة بعد أن قالت ذلك.لو لم ترغب في معرفة مقصده، لما جاءت أصلًا.كان هذا إضاعة للوقت حقًا.استعاد كريم هدوءه وحاول أن يخفف الجو: "لماذا كل هذا التوتر؟ نحن فقط نتناول طعامًا، وقد فعلنا ذلك من قبل.""قلت بنفسك إنه كان في السابق، هل هذا يُقارن؟"ذبلت ابتسامة كريم قليلًا.لم يتوقع كريم ألا تمنحه نورا أي فرصة وأن تتحدث بهذه القسوة والوضوح.هل يستمر بعد ذلك؟تردد ك

  • حينما ساعدت العاشق الخائن في استعادة حبيبته القديمة، أعلنت الآنسة نورا ارتباطها بشخصٍ آخر   الفصل 298

    كان أي شخص عادي سيفعل ردًا منذ وقت طويل.انتقل كريم من الخوف في البداية إلى الهدوء التام.فكر كريم أن يجد وقتًا ليدعو نورا للخروج.فهذا كان فرصة جيدة في النهاية.بما أن سامي لم ينجح، أراد كريم أن يستغل الفرصة ويدخل منها.أراد كريم أن يكسب نورا حين تكون في فترة صعودها المهني.أراد كريم أن يحصل على المال والمرأة معًا فلا يبقى ضعيفًا في بيته.أما أمره مع كارما فكان لمواجهة والديه فقط.شدّ كريم قبضته على المقود وأدرك بوضوح ما أراد.كان المال أمرًا، لكن لا بد له أن يملكها هي أيضًا فيما بعد.تخيل كريم وجه نورا الجميل البديع فاضطرب قلبه.تفوقت نورا في جمالها على كارما بأشواط.استغرب كريم كيف أن نورا كانت أدق ملامح وأكثر ذكاء رغم أنهما من أم واحدة.لكن ذلك كله لم يكن مهمًا، بل الأهم أنه يستطيع أن ينال نورا.أرسل كريم رسالة إلى نورا بعد أن فكر بذلك.دعاها أن تلتقيه في اليوم التالي في مطعم الفرحة ليتناول معها طعامًا.رأت نورا الرسالة وهي تتحدث مع جون عن تفاصيل المشروع.لم تهتم نورا بالمحتوى أولًا، لكنها نشطت حين عرفت أنه من كريم.لماذا أرسل رسالة في هذا الوقت؟شعرت نورا بالفضول ولم تعرف هل كان ك

  • حينما ساعدت العاشق الخائن في استعادة حبيبته القديمة، أعلنت الآنسة نورا ارتباطها بشخصٍ آخر   الفصل 297

    لم تتوقع نورا أن يكتفي فادي باحتضانها بهدوء من غير أن يفعل شيئًا.فكرت نورا في ذلك وشعرت بخيبة أمل غريبة لا تدري سببها.هزّت نورا رأسها محاولة أن تطرد هذه الفكرة الغريبة.استيقظت نورا مرة أخرى فوجدت فادي ما زال نائمًا هذه المرة.أغمض فادي عينيه وبدت ملامحه هادئة في نومه.غابت قسوته المعتادة وزاد وجهه رقة.رفعت نورا يدها لترسم ملامحه، من حاجبيه العميقين إلى أنفه البارز ثم إلى شفتيه الرقيقتين.طابقت كل ملامح فادي ذوقها تمامًا.اضطرت نورا أن تعترف أن فادي ينشر رجولته حتى وهو نائم دائمًا.شعرت نورا في قلبها بغيرة خفيفة ولم تعرف أي ضعف منحه القدر لهذا الرجل.مررت نورا أصابعها الطويلة بخفة على وجه فادي لترسم ملامحه.ظنت نورا أن فادي غارق في نومه ففعلت ذلك بلا خوف.لكن يدَين كبيرتين أمسكتا يدها فجأة."جميل؟"تبع ذلك صوت فادي العميق المليء بالإغراء وفيه أثر الكسل بعد النوم.ارتبكت نورا لأنها ضُبطت أمامه فلم تعرف كيف تجيب."جميل... جميل."تفاجأ فادي بجواب نورا بعد أن كان يريد فقط مداعبتها، ثم ارتسمت ابتسامة على شفتيه شيئًا فشيئًا."يكفي أن أكون جميلًا، فأنا ملكك يا نورا."احمر وجه نورا فجأة بعد

  • حينما ساعدت العاشق الخائن في استعادة حبيبته القديمة، أعلنت الآنسة نورا ارتباطها بشخصٍ آخر   الفصل 296

    أومأ فادي برأسه قليلًا، فعرف مجموعة عمر الصغيرة طبعًا."وماذا بعد؟"اتسعت عينا نورا وازداد شكها في داخلها أكثر.من يكون هذا الرجل في الحقيقة؟لم تعرف نورا ماذا تقول بعدما سمعت سؤال فادي العكسي."لا شيء، سأذهب لأنام الآن."حاولت نورا أن تفلت من قبضة فادي وهي تقول ذلك.تقلصت حدقة فادي، فبعد كل هذا الحديث، كيف ما زالت تريد أن تذهب لتنام في غرفة الضيوف؟"نورا، ابقي هنا معي، ممكن؟"حملت عينا فادي مسحة من البراءة والرجاء.لم يُظهر فادي هذا الوجه إلا أمام نورا.كان فادي حاسمًا صارمًا في الشركة دائمًا.لكن أمام نورا وحدها كان يبدو بريئًا هكذا.واحمر وجه نورا الصغير حين رأت تلك الملامح الفاتنة.كيف لرجل يحمل هذا الوجه الساحر أن يقول مثل هذا الكلام الممنوع؟رأى فادي ترددها فزاد إصرارًا: "حقًا، نورا، أحتاج إليكِ، ابقي بجانبي، ممكن؟""حسنًا..."سمعت نورا صوتها يخرج بلا مبدأ.وعندما أفاقت رأت بريق الفرح يعبر في عيني فادي.رأت نورا ذلك المشهد فلم يعد بوسعها أن تندم.وظلت نورا تندم في قلبها لأنها قالت تلك الكلمة بلا تحكم حتى الآن.كانت قادرة على الرفض، لكنها أمام وجه فادي لم تستطع أن تقول كلمة رفض.ر

  • حينما ساعدت العاشق الخائن في استعادة حبيبته القديمة، أعلنت الآنسة نورا ارتباطها بشخصٍ آخر   الفصل 295

    لم تُعر نورا الأمر اهتمامًا: "هذه حريتي.""حتى لو تزوجت، فلا بد أن أبقى نفسي."غيّر فادي الموضوع فجأة: "نورا، أنا لا أفهم ما الخطأ الذي ارتكبته؟""لماذا تتعاملين معي دائمًا بهذه القسوة؟ هل يمكن أن نتحدث بهدوء؟"لم يرد فادي أن يواصل الشجار مع نورا بعد كل هذا الوقت.كانت شهادة زواجهما حقيقية فعلاً بعد كل شيء. لم يتحمل فادي أن سامي ضايق نورا مرة أخرى اليوم أيضًا.لم تعرف نورا ماذا تقول حين سمعت "نتحدث بهدوء".لم تعرف نورا بماذا تجيب."لا يوجد ما نتحدث عنه الآن."أحبت نورا هذا الوضع واعتادت هذه الطمأنينة الآن.لذلك لم ترَ نورا ما يستحق الحديث في نظرها حقًا.فكرت نورا قليلًا ثم قالت: "لنُبقِ الأمور كما هي الآن، فهذا جيد ولا حاجة إلى تغيير.""هل الأمر ما زال بسبب ندى؟"تواصل فادي مع إبراهيم لكن جوابه كان أن أخته كبرت ولم يعد قادرًا على التحكم بها الآن.رفضت ندى أن ترحل في النهاية.وقع فادي في حيرة ولم يعرف ما يفعل بعدها.كانت صداقة فادي مع إبراهيم قديمة جدًا ولم يكن ممكنًا أن تتغير بسرعة.لم يرد فادي أن يضعه في موقف صعب أيضًا.لكن بقاء ندى هنا منع فادي ونورا من العودة إلى ما كانا عليه من قب

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status