Share

زهور الجرس بلا ربيع
زهور الجرس بلا ربيع
Author: ثلاثية الخريف

الفصل 1

Author: ثلاثية الخريف
‫##الفصل 1

في السنة السادسة من علاقتي العاطفية، وجدت في جيب معطف صديقي رامي التميمي علبة صغيرة بداخلها خاتم خطوبة.

في يوم عيد ميلادي، كنت أنتظر مفاجأته بشوق، لكني رأيت في منشورات الأصدقاء على واتساب صورًا له مع فتاة أخرى يدخلان مطعمًا فاخرًا مخصصًا للعشاق.

استقليت سيارة أجرة على عجل إلى ذلك المطعم، وهناك رأيته يجثو على ركبة واحدة ليطلب يدها، والجميع من حولهما يهتفون ويشجعونهما على الارتباط.

بعد أن امتلأ قلبي خيبةً، لم أصرخ أو أتشاجر كما كنت أفعل سابقًا، بل رفعت هاتفي بهدوء واتصلت بوالدي.

قلت له: "أبي، أوافق على الزواج من وريث عائلة العتيبي، فلنبدأ التحضيرات لحفل الزفاف."

ـ

حين سمع والدي كلامي، صمت لحظة ثم غمر صوته الفرح قائلًا:

"يا ابنتي العاقلة، أخيرًا فهمتِ. الزواج الناجح يقوم على التكافؤ بين العائلتين، أما الخبز البسيط خارج البيت فجربيه مرة أو مرتين، لكن لا يمكننا أن نعيش على الخبز الأبيض فقط طوال العمر!"

أجبت بهدوء: "نعم يا أبي."

وقفت وحدي في بهو المطعم، أراقب رامي التميمي وهو يعانق تلك الفتاة وسط تصفيق الحاضرين.

الجميع كان يحتفل بهما، أما أنا فكنت كدمية خشبية متصلبة لا أستطيع الحركة.

سمع أبي الضجيج من حولي عبر الهاتف، فقال مستعجلًا:

"ومتى ستعودين إلى البيت لتقابلي وريث عائلة العتيبي؟ فهم ينتظرون تحديد موعد الخطوبة منذ فترة."

قلت: "بعد ثلاثة أيام، عندما أنهي أموري هنا سأعود فورًا."

بعد أن أغلقت الهاتف، ربما لأنني كنت غريبة تمامًا عن أجواء الفرح التي حولي، رأيته وهو يضع الخاتم في إصبعها بيد مرتجفة، ثم نهض والتقت عيناه بعينيّ عبر الزحام.

بدا عليه الذهول، قطّب حاجبيه قليلًا، ثم أمسك بيدها وعاد إلى مقعده.

الورود، الشمبانيا، موسيقى البيانو الرومانسية، والعشاء على ضوء الشموع... ست سنوات قضيتها معه ولم يسبق أن أخذني إلى مكان كهذا.

استدرت وغادرت المطعم، كان جميع أصدقائه هناك، ومن حساب أحدهم على واتساب رأيت الصور التي أشعلت قلبي.

قبل أن أخرج، سمعتهم يصفقون ويهتفون:

"أنتم حقًا الثنائي المثالي! بعد كل هذه السنوات أخيرًا اجتمعتم!"

"هيا، لنشرب نخب العروسين! مبروك للعاشقين!"

ابتسمت في داخلي بسخرية مريرة. طوال ست سنوات بجانبه، لم يكن أحد من أصدقائه يعلم عن علاقتنا، لكنهم جميعًا يعرفون حبه لتلك الفتاة.

شعرت بمرارة تخنق صدري.

في يوم ميلادي، تلك السعادة التي غمرتني حين وجدت الخاتم في جيبه تحولت الآن إلى سمٍّ يتغلغل في عروقي.

استقليت سيارة أجرة وعدت إلى المنزل، فرأيت عامل التوصيل يقف أمام الباب يحمل كعكة عيد ميلادي، وعلى البطاقة خط رامي التميمي: "عيد ميلاد سعيد يا حبيبتي، أتمنى لك كل الخير."

ابتسم عامل التوصيل بإعجاب وقال:

"آنسة، صديقك يحبك كثيرًا! لقد طلب أغلى كعكة لدينا بنفسه، بل كتب البطاقة بيده!"

فتحت الباب، وضعت الكعكة على الطاولة بلا اهتمام.

تذكّر عيد ميلادي، نعم، لكنه في اليوم نفسه طلب يد امرأة أخرى.

ألقيت جسدي المنهك على الأريكة، والدموع تملأ عينيّ وأنا أحدّق في الغرفة الخالية.

كل زاوية هنا تحمل أثر حياتنا المشتركة، ومع ذلك، اشترى خاتم الخطوبة ليقدمه لامرأة غيري.

الآن، مجرد النظر إلى تلك الكعكة يجعلني أشعر بالغثيان.

جلست على الأريكة طويلًا حتى فقدت الإحساس بالوقت، وفجأة فُتح باب الشقة.‬
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 12

    بعد أن اختفى أثر الجرح تمامًا من معصمي، اصطحبني سليم لاختيار فستان الزفاف.وأمام متجر الفساتين، وبعد كل هذا الوقت، ظهر رامي من جديد أمامي حاملاً باقة من زهور الكرز.قال لي: "ريما، لن أتزوج سامية، لقد أدركت أخيرًا ما في قلبي، والآن لا أحب سوى أنتِ!"أدرت وجهي عنه باشمئزاز، فبمجرد أن رأيته، تذكرت بوضوح مشهد يوم ميلادي حين ركع على الأرض وطلب يد سامية للزواج.أما الآن، فهو يستخدم شفاهًا قبّلت امرأة أخرى ليقول إنه يحبني! يا للسخرية!لم أرغب حتى بالنظر إليه، فملامحه المهملة ولحيته الكثيفة لا تساوي شيئًا أمام سليم.تشبثت بذراع سليم وسرنا متجاوزين إياه، لكنه أسرع وأمسك بمعصمي.رفع أمامي ملفات طبية صفحة بعد صفحة وقال: "سامية لا تعاني من سرطان العظام، لقد خدعتنا! لو علمتُ أنها ليست مريضة لما خطبتها أبدًا!""ريما، أرجوكِ، انظري! فقط انظري! لم أكذب عليكِ!"كانت عيناه محمرتين من الدموع، يتوسل إليّ بمرارة، فخشِي سليم أن أضعف أمامه، فسارع إلى إبعاده عني.قال له سليم بصرامة: "رامي، أرجو أن تحترم نفسك، وأن تكف عن هذه الأفكار تجاه زوجتي!"ثم رفعت يدي وأبعدت تلك الأوراق عديمة القيمة التي وضعها أمامي.وما

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 11

    لم نقم بحفل الزفاف بعد، لكن والداي استعجلا الأمر ودفعاني إلى الزواج من سليم، وكأنهما يخشيان أن أتراجع، حتى يدرجان اسمي رسميا ضمن سجل عائلة العتيبي.أما بالنسبة لسليم، فقد صارحته بكل صدق عن علاقتي الأولى مع رامي.وحين انتهيت من الحديث، أخذ سليم يلامس الندبة الخفيفة على معصمي، ثم طبع عليها قبلة مليئة بالحنان والألم.قال لي برقة: "سأتولى موضوع المراقبة بنفسي، لا تشغلي بالك، وعندما يشفى معصمك تمامًا، سأصطحبك لاختيار فستان الزفاف."أومأت برأسي وأنا أراقبه ينهمك في التحضير لحفل خطوبتنا، وقد بدا عليه السرور والحماس.خلال السنوات الست الماضية، كنت أنا من تدور حول رامي ، أما الآن، وقد قطعت علاقتي به نهائيًا، شعرت بخفة غريبة، وكأن حملاً ثقيلاً أزيح عن صدري.رأيت سليم يختار المكان بنفسه، ويستورد الزهور من الخارج، ويكتب الدعوات بخط يده، ويستعين بفريق محترف لتصميم إطلالتي في الزفاف، فشعرت حقًا بما يعنيه أن تكون محبوبًا بصدق.أدركت حينها أن الحب علاقة متبادلة، لا يمكن أن تكون طرفًا يعطي والآخر يأخذ بلا حدود.لقد قدمت كل ما أستطيع لرامي خلال تلك السنوات، وحان الوقت لأبدأ علاقة جديدة، صحية وإيجابية.ب

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 10

    بعد أن استقلت من عملي، لم أعد مضطرة لقضاء وقت إضافي كل يوم في دراسة علوم الحاسوب التي لا أحبها.كنت قد درست تصميم المجوهرات في الجامعة، وها أنا أعود من جديد إلى الرسومات والأقلام، أمارس المهنة التي أعشقها.في فترة بعد الظهر، كنت أرسم في غرفة الزهور في منزلي، فإذا بسليم يزورني فجأة.أحضر لي تاجًا مرصعًا باللؤلؤ والألماس، وقد تعرفت عليه فورًا، فهو قطعة أثرية تعود إلى القرن الماضي كنت قد رأيتها في أحد الكتب.أحببت كثيرًا تصميم العقد المتشابك على التاج، كما أن اللآلئ كانت متلألئة ومكتنزة، تتدرج في الحجم بانسجام مع ترتيبها، وتمتزج بالألماس بطريقة فنية رائعة، كأنها دموع حب متلألئة تتدلى على التاج.أهداني سليم هذا التاج المرصع باللؤلؤ والألماس، فقلت له إنني لا أستحق هدية كهذه بلا مقابل، لكنه أجاب بأنها هدية كان قد اشتراها منذ زمن لخطيبته، والآن عادت الهدية إلى صاحبتها الحقيقية.عندها انكشف لي سر كنت أتساءل عنه منذ زمن، فقلت له: “أتذكر أنني في عيد ميلادي الثامن عشر كنت معجبة بهذا التاج، لكن أحدهم دفع ثمنًا باهظًا وفاز به قبلي.”فاتضح أن ذلك الشخص كان سليم.لكن في ذلك الوقت، كيف كان متأكدًا أنن

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 9

    بعد أن أنهيت حديثي، شعرت أمي وأبي بألم شديد من أجلي.قال أبي بلهجة صارمة: "هذا ما تستحقينه، كان لا بد أن تتذوقي مرارة الحب لتدركي كم كنا نحميك طوال الوقت."لكنني رأيت بوضوح أن عروق يده كانت مشدودة، ووجهه متجهم كأنه على وشك أن يذهب ليبرح رامي ضربًا.اقتربت أمي وعانقتني قائلة بلطف: "كفى يا ابنتي، عندما نعود إلى البيت لا نريد التفكير في هذه الأمور المحزنة. إنها مجرد قلادة من الألماس، غدًا سأشتري لك غيرها، بل عدة قطع، لتبدّلي بينها كل يوم."تبدّد الحزن الذي كان يثقل صدري، وابتسمت من بين دموعي، ثم نمت تلك الليلة بسلام.في صباح اليوم التالي، وجدت على هاتفي عشرات المكالمات الفائتة من رقم غريب.ولأنني أعتدت أن أضع هاتفي على وضع الطيران أثناء النوم، فبمجرد أن غيرته، انهالت الإشعارات كأنها إنذار طارئ.وفي اللحظة التالية، رنّ الهاتف، فترددت قليلاً ثم قررت الرد، فصاحب الرقم بدا مصممًا جدًا."مرحبًا؟" قلت بتردد.وجاءني صوت مألوف من الطرف الآخر: "ريما، إلى متى ستستمرين بهذا العبث؟ هل غادرتِ الشقة؟ أين تسكنين الآن؟"ثم تابع: "سامية تجاوزت عنك، ولن أطلب منك الاعتذار منها بعد الآن، فقط عودي إلى الشركة،

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 8

    "ريما، سليم هذا الشاب صادق في مشاعره تجاهك، لقد اختاره والدك ووالدتك لكِ بنفسيهما، فكيف يمكن أن يخطئا؟"أومأتُ برأسي، فقد كنت أرى بعينيّ كيف كان سليم يهتم بي طوال الطريق ويعاملني بلطف شديد.لكن ما إن خطر ببالي أن رامي وسامية قد أعلنا اليوم خطوبتهما وسط التهاني والمديح من الجميع، بينما أنا أُتَّهَم ظلماً بسرقة القلادة، حتى شعرتُ بمرارة في قلبي.وفي النهاية قررت أن أفتح قلبي أمام والديّ وأخبرهما بكل ما يخص هذه العلاقة.رامي بدأ بملاحقتي منذ أيام الجامعة، ولم نكن قد تخرجنا بعد حين قررنا أن نكون معاً.كنت قد سمعت أنه لديه صديقة طفولة مقربة، لكنني لم أرَ سامية يوماً قربه، فلم أُولِ الأمر اهتماماً.على مكتبه كان هناك مجسم زجاجي صغير، وفي إحدى المرات حين كنت أنظف غرفته لمستُه عن غير قصد، فانتفض واقفاً ودفعني جانباً."لا تدخلي مكتبي بعد اليوم، ولا تلمسي أي شيء هنا!"كان وجهه متجهماً وهو يكلمني، لكنه ما إن التفت نحو ذلك المجسم الزجاجي وحمله بين يديه، حتى رأيت في عينيه حناناً عجيباً.سقطتُ على الأرض، ورفعت رأسي أنظر إليه، لألمح صدفةً نقشاً على قاعدة المجسم كتب عليه: "هدية من سامية".تذكرت حينها

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 7

    بالطبع، مثل باقي زملائي في الشركة، هنّأته على خطوبته من سامية العنزية، ثم حذفت كل وسائل التواصل الخاصة برامي.عندما هبطت الطائرة، كان والداي بانتظاري في المطار.أمسكت أمي بيدي بعاطفة وقالت بوجه مليء بالشفقة:"يا ابنتي الغالية، درستِ وعملتِ بعيدًا عن البيت، انظري إليكِ، كم نحفتِ!"ربّت أبي على كتفي مبتسمًا وقال:"الحمد لله على عودتكِ!"وبجانبهما كان يقف رجل طويل القامة، عريض الكتفين، ضيّق الخصر.يبدو أنه أكبر مني سنًا قليلًا، يرتدي بدلة أنيقة من ثلاث قطع، ملامحه عميقة ونظراته دافئة، وفي عينيه بريق ابتسامة هادئة وهو ينظر إليّ بصمت.كانت نظرته حارّة لدرجة أن وجهي احمرّ دون إرادة، وقد خمّنت فورًا من يكون.سارع والداي بالتعريف قائلين:"ريما، هذا هو سليم."مددت يدي لمصافحته، فمدّ هو أيضًا كفه العريض وأمسك بأطراف أصابعي بلطف.قال مبتسمًا وهو ينظر إليّ بعينيه المنحنيتين:"مرحبًا بعودتكِ إلى البيت، يا خطيبتي."احمرّ وجهي على الفور من كلماته، بينما كان والداي يبتسمان ويدفعانني بخفة نحوه.تولى سليم حقيبة السفر من يدي، ولاحظ فورًا الحرق على معصمي.سألني:"ما الذي حدث لمعصمكِ؟"لم أرد أن أذكر ما حد

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status