Share

الفصل 6

Author: ثلاثية الخريف
"كفى، توقفي عن هذا الجنون!"

غطّى رامي فمي بيده وسحبني خارج المكتب، كانت قبضته القوية على فمي وأنفي كأنها تريد أن تخنقني حتى أفقد أنفاسي.

ثم سمعتُ سامية تبتسم لزملائنا في المكتب وتقول بسخاء: "بما أننا وجدنا الأغراض، فلا خسارة لي، فنحن زملاء في النهاية، ولن أتابع الأمر! بعد الظهر سأطلب شايًا للجميع، شكرًا لتعاونكم!"

كان رامي خائفًا من أن أفضح علاقتنا أمام الجميع، فسحبني إلى غرفة المشروبات.

"تحدثي، ماذا تريدين بالضبط؟ حتى الغضب له حدود."

كان يتحدث وهو يمسك جبهته، وكأن الأمر يسبب له صداعًا شديدًا.

كنت أتنفس بصعوبة، وعلى وجهي آثار زُرقة من قبضته القاسية.

"متى أصبحتِ هكذا؟ لحسن الحظ أن سامية كانت متسامحة وغفرت لكِ، الآن اذهبي واعتذري لها فورًا!"

"لن أعتذر، لم أفعل شيئًا، فلماذا أعترف بما لم أفعله؟"

نظرتُ إليه ببرود، يسألني متى تغيرت، وأنا أريد أن أعرف متى أصبح هو شخصًا غريبًا عني إلى هذا الحد.

دخلت سامية إلى غرفة المشروبات، وملأت كوبًا من الماء الساخن وقدّمته لي قائلة بلطف مصطنع:

"أختي ريما، اشربي بعض الماء واهدئي. أعلم أنك غاضبة مني، لكن لا تفعلي هذا مجددًا."

لم أمد يدي لأتناول الكوب، لكن سامية احترقت بالماء المغلي في داخله، فاهتزت يدها وسكبت الماء على ذراعي. صرخت

"آه! ساخن جدًا..."

كانت أصابعها قد لامست الماء المغلي، فسارع رامي إلى الإمساك بها وسحبها نحو الصنبور ليغسل يدها بالماء البارد.

أما أنا، فكنت أرتدي قميصًا خفيفًا من الشيفون، وقد تبلل تمامًا بالماء المغلي. شعرت بحرارة تحرق جلدي، وبدأ البخار يتصاعد من ذراعي.

ذهبت وحدي إلى الحمام لأعالج الحرق، وسرعان ما ظهرت فقاعات حمراء على معصمي الأيسر.

عندما عدت إلى مكتبي وأنا أتحمل الألم لأجمع أغراضي، خرج رامي وأمسك بيدي.

"آه!" صرخت من شدة الألم، فتوقف فجأة وأفلت يدي.

سألني بصوت متردد: "هل أنت بخير؟"

شعرتُ بشيء من الطرافة، فآثار الصفعة على وجهي من فعله، والحرق على معصمي من فعل سامية، والآن يتظاهر بالقلق!

نظرت إليه باشمئزاز، سحبت يدي بقوة، وجمعت كل ما كان على الأرض ورميته في سلة المهملات.

بدا أنه يريد أن يقول شيئًا، لكنه تراجع في النهاية وقال فقط:

"لقد كنتِ متهوّرة اليوم."

بعد أن أنهيت تنظيف الفوضى، ذهبت إلى غرفة المراقبة في الشركة. لم أكن لأسمح لهم بتشويه سمعتي دون دليل.

لكن الموظف هناك رفض طلبي حين طلبت مشاهدة تسجيلات المكتب صباح اليوم، وقال إن فقط موظفي الشركة المخوّلين يمكنهم الوصول إلى التسجيلات.

نظرت إلى حسابي الداخلي في النظام، فوجدته محذوفًا ومحظورًا. عندها أدركت أن هذا من تدبير رامي.

فقط هو من يملك السلطة لتنفيذ ذلك بهذه السرعة. لقد اختار بوضوح الوقوف إلى جانب سامية، مقتنعًا أنني أنا من سرق القلادة.

لكنني تذكّرت أن هذه الشركة التقنية مملوكة لعائلة العتيبي، فقررت العودة إلى المنزل لمقابلة وريث عائلة العتيبي، سليم العتيبي.

عدت إلى الشقة التي عشت فيها ست سنوات. جمعت كل أغراضي، ومعها هذه العلاقة التي قررت التخلص منها كما أتخلص من القمامة.

في المساء، جاء عامل توصيل يحمل كيسًا من الصيدلية، بداخله مرهم للحروق.

وضعت المرهم على الطاولة، ونظرت للمرة الأخيرة إلى هذا المنزل الفارغ قبل أن أغادره.

في اليوم التالي، حجزت تذكرة عودتي إلى العاصمة، وأنهيت تسليم كل أعمالي للشخص الذي سيحلّ مكاني.

وفي اليوم الثالث، سرت في المطار وحيدة، أجرّ حقيبتي، وقبل صعودي إلى الطائرة أرسلت إلى الحساب الخفي لرامي رسالة واحدة: رسالة الانفصال.‬
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 12

    بعد أن اختفى أثر الجرح تمامًا من معصمي، اصطحبني سليم لاختيار فستان الزفاف.وأمام متجر الفساتين، وبعد كل هذا الوقت، ظهر رامي من جديد أمامي حاملاً باقة من زهور الكرز.قال لي: "ريما، لن أتزوج سامية، لقد أدركت أخيرًا ما في قلبي، والآن لا أحب سوى أنتِ!"أدرت وجهي عنه باشمئزاز، فبمجرد أن رأيته، تذكرت بوضوح مشهد يوم ميلادي حين ركع على الأرض وطلب يد سامية للزواج.أما الآن، فهو يستخدم شفاهًا قبّلت امرأة أخرى ليقول إنه يحبني! يا للسخرية!لم أرغب حتى بالنظر إليه، فملامحه المهملة ولحيته الكثيفة لا تساوي شيئًا أمام سليم.تشبثت بذراع سليم وسرنا متجاوزين إياه، لكنه أسرع وأمسك بمعصمي.رفع أمامي ملفات طبية صفحة بعد صفحة وقال: "سامية لا تعاني من سرطان العظام، لقد خدعتنا! لو علمتُ أنها ليست مريضة لما خطبتها أبدًا!""ريما، أرجوكِ، انظري! فقط انظري! لم أكذب عليكِ!"كانت عيناه محمرتين من الدموع، يتوسل إليّ بمرارة، فخشِي سليم أن أضعف أمامه، فسارع إلى إبعاده عني.قال له سليم بصرامة: "رامي، أرجو أن تحترم نفسك، وأن تكف عن هذه الأفكار تجاه زوجتي!"ثم رفعت يدي وأبعدت تلك الأوراق عديمة القيمة التي وضعها أمامي.وما

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 11

    لم نقم بحفل الزفاف بعد، لكن والداي استعجلا الأمر ودفعاني إلى الزواج من سليم، وكأنهما يخشيان أن أتراجع، حتى يدرجان اسمي رسميا ضمن سجل عائلة العتيبي.أما بالنسبة لسليم، فقد صارحته بكل صدق عن علاقتي الأولى مع رامي.وحين انتهيت من الحديث، أخذ سليم يلامس الندبة الخفيفة على معصمي، ثم طبع عليها قبلة مليئة بالحنان والألم.قال لي برقة: "سأتولى موضوع المراقبة بنفسي، لا تشغلي بالك، وعندما يشفى معصمك تمامًا، سأصطحبك لاختيار فستان الزفاف."أومأت برأسي وأنا أراقبه ينهمك في التحضير لحفل خطوبتنا، وقد بدا عليه السرور والحماس.خلال السنوات الست الماضية، كنت أنا من تدور حول رامي ، أما الآن، وقد قطعت علاقتي به نهائيًا، شعرت بخفة غريبة، وكأن حملاً ثقيلاً أزيح عن صدري.رأيت سليم يختار المكان بنفسه، ويستورد الزهور من الخارج، ويكتب الدعوات بخط يده، ويستعين بفريق محترف لتصميم إطلالتي في الزفاف، فشعرت حقًا بما يعنيه أن تكون محبوبًا بصدق.أدركت حينها أن الحب علاقة متبادلة، لا يمكن أن تكون طرفًا يعطي والآخر يأخذ بلا حدود.لقد قدمت كل ما أستطيع لرامي خلال تلك السنوات، وحان الوقت لأبدأ علاقة جديدة، صحية وإيجابية.ب

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 10

    بعد أن استقلت من عملي، لم أعد مضطرة لقضاء وقت إضافي كل يوم في دراسة علوم الحاسوب التي لا أحبها.كنت قد درست تصميم المجوهرات في الجامعة، وها أنا أعود من جديد إلى الرسومات والأقلام، أمارس المهنة التي أعشقها.في فترة بعد الظهر، كنت أرسم في غرفة الزهور في منزلي، فإذا بسليم يزورني فجأة.أحضر لي تاجًا مرصعًا باللؤلؤ والألماس، وقد تعرفت عليه فورًا، فهو قطعة أثرية تعود إلى القرن الماضي كنت قد رأيتها في أحد الكتب.أحببت كثيرًا تصميم العقد المتشابك على التاج، كما أن اللآلئ كانت متلألئة ومكتنزة، تتدرج في الحجم بانسجام مع ترتيبها، وتمتزج بالألماس بطريقة فنية رائعة، كأنها دموع حب متلألئة تتدلى على التاج.أهداني سليم هذا التاج المرصع باللؤلؤ والألماس، فقلت له إنني لا أستحق هدية كهذه بلا مقابل، لكنه أجاب بأنها هدية كان قد اشتراها منذ زمن لخطيبته، والآن عادت الهدية إلى صاحبتها الحقيقية.عندها انكشف لي سر كنت أتساءل عنه منذ زمن، فقلت له: “أتذكر أنني في عيد ميلادي الثامن عشر كنت معجبة بهذا التاج، لكن أحدهم دفع ثمنًا باهظًا وفاز به قبلي.”فاتضح أن ذلك الشخص كان سليم.لكن في ذلك الوقت، كيف كان متأكدًا أنن

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 9

    بعد أن أنهيت حديثي، شعرت أمي وأبي بألم شديد من أجلي.قال أبي بلهجة صارمة: "هذا ما تستحقينه، كان لا بد أن تتذوقي مرارة الحب لتدركي كم كنا نحميك طوال الوقت."لكنني رأيت بوضوح أن عروق يده كانت مشدودة، ووجهه متجهم كأنه على وشك أن يذهب ليبرح رامي ضربًا.اقتربت أمي وعانقتني قائلة بلطف: "كفى يا ابنتي، عندما نعود إلى البيت لا نريد التفكير في هذه الأمور المحزنة. إنها مجرد قلادة من الألماس، غدًا سأشتري لك غيرها، بل عدة قطع، لتبدّلي بينها كل يوم."تبدّد الحزن الذي كان يثقل صدري، وابتسمت من بين دموعي، ثم نمت تلك الليلة بسلام.في صباح اليوم التالي، وجدت على هاتفي عشرات المكالمات الفائتة من رقم غريب.ولأنني أعتدت أن أضع هاتفي على وضع الطيران أثناء النوم، فبمجرد أن غيرته، انهالت الإشعارات كأنها إنذار طارئ.وفي اللحظة التالية، رنّ الهاتف، فترددت قليلاً ثم قررت الرد، فصاحب الرقم بدا مصممًا جدًا."مرحبًا؟" قلت بتردد.وجاءني صوت مألوف من الطرف الآخر: "ريما، إلى متى ستستمرين بهذا العبث؟ هل غادرتِ الشقة؟ أين تسكنين الآن؟"ثم تابع: "سامية تجاوزت عنك، ولن أطلب منك الاعتذار منها بعد الآن، فقط عودي إلى الشركة،

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 8

    "ريما، سليم هذا الشاب صادق في مشاعره تجاهك، لقد اختاره والدك ووالدتك لكِ بنفسيهما، فكيف يمكن أن يخطئا؟"أومأتُ برأسي، فقد كنت أرى بعينيّ كيف كان سليم يهتم بي طوال الطريق ويعاملني بلطف شديد.لكن ما إن خطر ببالي أن رامي وسامية قد أعلنا اليوم خطوبتهما وسط التهاني والمديح من الجميع، بينما أنا أُتَّهَم ظلماً بسرقة القلادة، حتى شعرتُ بمرارة في قلبي.وفي النهاية قررت أن أفتح قلبي أمام والديّ وأخبرهما بكل ما يخص هذه العلاقة.رامي بدأ بملاحقتي منذ أيام الجامعة، ولم نكن قد تخرجنا بعد حين قررنا أن نكون معاً.كنت قد سمعت أنه لديه صديقة طفولة مقربة، لكنني لم أرَ سامية يوماً قربه، فلم أُولِ الأمر اهتماماً.على مكتبه كان هناك مجسم زجاجي صغير، وفي إحدى المرات حين كنت أنظف غرفته لمستُه عن غير قصد، فانتفض واقفاً ودفعني جانباً."لا تدخلي مكتبي بعد اليوم، ولا تلمسي أي شيء هنا!"كان وجهه متجهماً وهو يكلمني، لكنه ما إن التفت نحو ذلك المجسم الزجاجي وحمله بين يديه، حتى رأيت في عينيه حناناً عجيباً.سقطتُ على الأرض، ورفعت رأسي أنظر إليه، لألمح صدفةً نقشاً على قاعدة المجسم كتب عليه: "هدية من سامية".تذكرت حينها

  • زهور الجرس بلا ربيع   الفصل 7

    بالطبع، مثل باقي زملائي في الشركة، هنّأته على خطوبته من سامية العنزية، ثم حذفت كل وسائل التواصل الخاصة برامي.عندما هبطت الطائرة، كان والداي بانتظاري في المطار.أمسكت أمي بيدي بعاطفة وقالت بوجه مليء بالشفقة:"يا ابنتي الغالية، درستِ وعملتِ بعيدًا عن البيت، انظري إليكِ، كم نحفتِ!"ربّت أبي على كتفي مبتسمًا وقال:"الحمد لله على عودتكِ!"وبجانبهما كان يقف رجل طويل القامة، عريض الكتفين، ضيّق الخصر.يبدو أنه أكبر مني سنًا قليلًا، يرتدي بدلة أنيقة من ثلاث قطع، ملامحه عميقة ونظراته دافئة، وفي عينيه بريق ابتسامة هادئة وهو ينظر إليّ بصمت.كانت نظرته حارّة لدرجة أن وجهي احمرّ دون إرادة، وقد خمّنت فورًا من يكون.سارع والداي بالتعريف قائلين:"ريما، هذا هو سليم."مددت يدي لمصافحته، فمدّ هو أيضًا كفه العريض وأمسك بأطراف أصابعي بلطف.قال مبتسمًا وهو ينظر إليّ بعينيه المنحنيتين:"مرحبًا بعودتكِ إلى البيت، يا خطيبتي."احمرّ وجهي على الفور من كلماته، بينما كان والداي يبتسمان ويدفعانني بخفة نحوه.تولى سليم حقيبة السفر من يدي، ولاحظ فورًا الحرق على معصمي.سألني:"ما الذي حدث لمعصمكِ؟"لم أرد أن أذكر ما حد

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status