Share

الفصل 359

Author: سيد أحمد
"الأمر بسيط جدًا، تجربة دواء".

شعر أحمد بشيء من الانزعاج، وبحركة لا واعية مدّ يده نحو جيبه بحثًا عن سيجارة، لكن عندما تذكّر وجود سارة تراجع على الفور، ثم مسّ أنفه في حرج خفيف، وأكمل الحديث.

"كل دولة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، تحظر بشدة بعض أنواع الأبحاث الخاصة، فهذه التجارب تُعتبر ضد الإنسانية، ومع رفض المجتمع لها، بدأ بعض الباحثين المتطرفين يتجمعون معًا".

"ذلك المكان هو جنتهم، يمكنهم إجراء أي تجربة يريدونها دون أن يُعيروا أدنى اهتمام لما قد تسببه من ضرر للآخرين، إنهم يعيشون فقط لتحقيق نجاح تجاربهم".

قالت سارة بنبرة خافتة: "حتى لو كانت نتائج هذه التجارب كارثية على المجتمع البشري، فهم لا يترددون؟"

"نعم، إذا لم يجدوا من يُجربون عليه الدواء، فإنهم يلقونه مباشرة في أوساط الناس، ويحوّلون البشر إلى حاضنات طبيعية للتجربة، بينما يقفون على قمة الجبل يسجّلون البيانات بجنون، ويواصلون تعديل تركيباتهم، حياة الإنسان بالنسبة إليهم لا تساوي أكثر من فأر تجارب، أو رقم بارد يظهر في شاشة الحاسوب".

ضمّ أحمد شفتيه قائلًا: "لا أنكر أنهم طوّروا بالفعل العديد من الأدوية وساهموا ببعض النتائج المفيدة، لكن
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 658

    كان أمام سارة وجهٌ غريب لفتاة لم ترها من قبل، ملامحها دقيقة وعينيها ناعمتان، لكنها لم تحمل أي شعور مألوف، فمن الواضح أنها لم تكن تعرفها.غير أنّ الطرف الآخر حين وقعت عيناها عليها أبدت تعبيرًا يوحي وكأنها تعرفها منذ زمن.قالت سارة مبادرة: "هل تعرفينني؟"عاد الهدوء إلى ملامح الفتاة، وارتسمت على وجهها ابتسامة رقيقة وقالت: "يمكن القول إنني أعرفكِ". ثم نهضت بخطوات واثقة ومدّت يدها إليها قائلة: "تشرفت بلقائكِ، اسمي سالي رشيد".هذا الاسم... جعل سارة تتساءل في دهشة: "أأنتِ من عائلة سيف رشيد؟"بطاقـة الأعمال التي أعطاها إياها سيف رشيد ما زالت في حقيبتها، ولم تتوقع أنه خلال وقت قصير ستصادف شخصًا آخر من هذه العائلة.ابتسمت سالي وأجابت: "نعم، أخي ذكرنا بكِ ذات مرة، وقال إنه لولاكِ لما تمكنّا أبدًا من العثور على جثمان أختي، وقد كنتُ دائمًا أود أن أزوركِ وأشكركِ، لم أتوقع أن ألتقيكِ هنا بالصدفة، والحقيقة أن مظهركِ أجمل بكثير مما رأيته على الإنترنت".ابتسمت سالي بخفة، وكانت في وجنتها اليسرى غمازة صغيرة تضفي على ابتسامتها دفئًا كنسيم الربيع.كانت سارة قد سألت أحمد من قبل عن تلك الحكاية، فأوضح لها ال

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 657

    كان في الأمر شيء دافئ غريب، سارة ولأول مرة في حياتها تتسوق مع حماتها، ذلك الإحساس المرهف الذي لم تجربه من قبل جعلها مترددةً بين الارتباك والبهجة. وما إن بدأت الجولة حتى أدركت سارة معنى كلمة الثراء، فبينما ما تزال خزائنها تمتلئ بثياب لم تزل بطاقاتها معلقة، رفعت السيدة يدها في لحظة وابتاعت المزيد دون أن يرف لها جفن، كأن المال لم يكن في حساباتها يومًا.أما سارة فقد شعرت بوخزةٍ في قلبها كلما رأت الأرقام على الملصقات، لم تعلم إن كانت قد أسرفت في حياتها الماضية، لكنها في حاضرها هذا لم تعد قادرة على التغاضي عن ثِقَل تلك الأثمان.التفتت إليها السيدة بابتسامة هادئة وقالت: "اصرفي يا ابنتي، وإن لم تصرفيه بنفسكِ فهل تتركينه للعشيقات لينفقنه؟ لا تقلقي، فأكثر ما لا ينقص عائلة أحمد هو المال."ابتسمت سارة ابتسامةً محرجة، غير أن السيدة لم تمهلها حتى أضافت: "وحتى عائلتي لا ينقصها شيء."كانت سارة قد سمعت شيئًا من قبل عن بيت عائلة ناريمان صابر، عرفت أنها كانت في شبابها، قد تحدّت العائلة بأسرها لأجل رجل يُدعى السيد سامر، تركت لأجله رفيق طفولتها وكسرت قلب والدها العجوز الذي لم يسامحها يومًا.حاولت عائلة صا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 656

    يدًا؟!تجمدت فيفي مندهشة، حتى ظنت أنّ أذنيها توهمتا ما سمعتاه، كيف يمكن أن تصدر مثل هذه الكلمة عن امرأة كبيرة في السن؟قالت بصوت مرتجف والدموع تتساقط من عينيها: "خالة ناريمان، هل تكرهينني إلى هذا الحد؟ لكنكِ في العامين الماضيين كنتِ تعاملينني بلطف ظاهر، بل بدوتِ وكأنكِ تحبينني."كانت دموعها الكبيرة المتساقطة على وجنتيها تشبه تمامًا دموع الحسنوات في الروايات القديمة.لكنها لم تكن تدري أنّ ذلك التصرف زاد من استفزاز السيدة ناريمان، التي تجمد وجهها ببرود وقالت بنبرة قاسية: "لا تمثلي أمامي هذا المشهد، لستُ رجلًا ساذجًا، وأكثر ما أكرهه في هذه الدنيا هو ألاعيبكِ الرخيصة."ازدادت دهشة فيفي، فقد كانت تظن أنّ كل ما قدمته من اهتمام وسؤال دائم عن حال السيدة ناريمان في العامين الماضيين قد لامس قلبها.لكنها الآن اكتشفت أنّ ما اعتقدته لم يكن سوى أوهام وأكاذيب تواسي بها نفسها."خالة ناريمان، إن كنتِ تكرهينني إلى هذا الحد، فلن أعود لإزعاجكِ بعد اليوم، فقط أرجوكِ أن تتذكري تناول دواءكِ في مواعيده..."تمتمت محاولة التراجع لاستدرار تعاطفها.لكن السيدة ناريمان ما إن رأت مظهرها الباكي المتذلل حتى تذكرت ف

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 655

    كلمات سارة ما إن خرجت من فمها حتى تغيّر وجه فيفي في الحال، فالتفتت بتذمّر إلى السيدة ناريمان تتدلّل قائلة: "خالة ناريمان، أنظري إليها! كيف يمكنها أن تكون بلا تهذيب هكذا؟ أنا كنتُ فقط حسنة النية..."كانت السيدة ناريمان منذ البداية تراقب الموقف وكأنها تستمتع بصراع النمور من بعيد، ولم يخطر ببالها أنّ النار ستلتهمها هي أيضًا.قالت باستهزاء وهي تضع عيدان الطعام جانبًا وتمسح شفتيها برشاقة: "حسنة النية؟" ثم أكملت قائلة: "لم أرَ شيئًا من حُسن نيتكِ، كل ما فعلتِه هو التحدُث عن عائلة شخصٍ آخر."توسّعت عينا فيفي من الذهول، لم تتوقّع أنّ السيدة ناريمان، التي رافقتها بخضوع طوال هذه الفترة، ستقف الآن في صفّ سارة.قالت فيفي في غصّة: "خالة ناريمان، إنني فقط أدافع عنكِ، كيف يمكن وهي ككنّة أن لا تخدمكِ حقّ الخدمة، تنام حتى وقت متأخّر وكأنّكِ غير موجودة أصلًا؟"خفضت السيدة ناريمان عينيها وقالت ببرود: "إن لم تضعني في عين الاعتبار، فمَن سيفعل إذًا؟"احمرّ وجه فيفي وأخذت تتردّد بخجل: "خالة ناريمان، أنتِ تعرفين أنّ قلبي معلق بأحمد منذ زمن..."ضحكت السيدة ناريمان بخفّة، ثم مدّت يدها المزدانة بأظافر قرمزية ور

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 654

    هذا الاحتمال لم يكن غائبًا عن ذهن أحمد، ففي أعماق قلبه كان يخشى أكثر ما يخشاه أن يحدث ذلك بالفعل.قال بصوت بارد: "مفعول هذا الدواء ثابت، ولن أترك لها أي فرصة كي تستعيد ذاكرتها".ردّ الجد وجدي بهدوء: "في هذه الدنيا لا يوجد شيء مطلق، على كل حال، عليك أولًا أن تُنهي مسألة صفاء، فلا تدعها تخرج لتثير المتاعب، وبما أن الأمر قد وصل إلى هذا الحد فلا بد من تقليل الخسائر قدر الإمكان، ثم عليك أن تُسارع بجعل سارة تحمل بطفل".انعقدت حواجب أحمد وهو يقول: "سارة أنجبت مرتين بولادة مبكرة، وقد أضر ذلك بجسدها، واحتمال أن تحمل مجددًا ضعيف للغاية".قال الجد بنبرة حاسمة: "إن كان جسدها ضعيفًا فعليكم معالجته، فالنساء بطبيعتهن كائنات عاطفية، ألم تفكر ماذا سيحدث لو أنها استرجعت يومًا ما كل ما فعلته أنت بها؟".غاص أحمد في التفكير، وهو يتذكر أن سارة، رغم فقدانها الذاكرة، لا تزال تُبدي حذرًا منه، فما بالك إن استعادت كل شيء؟قال بمرارة: "إنها ستختار الرحيل بلا تردد".أومأ الجد وجدي قائلاً: "بالضبط، ستغادر، في قلبها، فارس هو الطفل الذي وُلد بعد خيانتك مع صفاء، ولهذا السبب تحتاجان إلى طفل يخصكما وحدكما، طفلكما الشرعي

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 653

    قال الجد وجدي وهو يقترب بخطواته الهادئة كأنّه خرج من العدم: "أنظرا إليكما، ما إن أغيب لحظة حتى أراكما غارقين في هذا الدلال."احمرّ وجه سارة خجلًا، فقفزت مبتعدة قليلًا، محافظة على مسافةٍ بينها وبين أحمد، بدت كطالبة مراهقة ضُبطت وهي تعيش حبّها الأوّل.ابتسم الجد وهو يلوّح بيده: "حسنًا حسنًا، لقد مضى على زواجكما زمن طويل، فلماذا ما زلتِ تتصرّفين كفتاة صغيرة خجولة؟ لن أُحرجكما بعد الآن، لقد اطمأن قلبي حين رأيت انسجامكما، ولو أنّ جدتكما علمت بذلك وهي ترقد في تربتها، فلا شكّ أنّها سترتاح، هيا أيها الفتى، تعال واجلس معي لألعب معك بعض جولات الشطرنج."قال أحمد بخضوع: "حسنًا يا جدي."انفصل الاثنان، وتبع أحمد جده بخطوات ثابتة، وما إن ابتعدا عن أعين الآخرين حتى تغيّرت ملامح الجد، وألقى عليه بنظرة حادّة قائلاً: "أخبرني بصراحة، ما الذي يحدث بينك وبين سارة؟"قال أحمد: "لا شيء."رد الجد قائلًا: "لا شيء؟! قد يخونني عقلي أحيانًا، لكن بصري ما زال نافذًا، لماذا حين أذكر بعض الأمور لا تُبدي أي رد فعل؟ ولماذا لم تُرزقا بطفل طوال هذا الوقت؟ لقد كانت منذ ثلاث سنوات تتلهّف لأن تنجب لك، فكيف بعد هذه السنوات ترا

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status