LOGINكانت الباروكة التي ترتديها سارة قد فسد شكلها بين يدي أحمد وهو يعبث بها مبتسمًا: "ما زال شعركِ الحقيقي أجمل، ناعمٌ وعاطر."قالت بضجر: " أنت مزعج." ثم أصدرت همهمة وهي تمضي خلفه لتضع الدواء على جرحه، وبعدها أعادت لفّه وربطه بعناية.ساورها شعور قوي أن أحمد يخطط لأمر جلل، ولهذا أراد منها أن تغادر بسرعة.لقد انفصلا، ولم يعد ملزمًا بأن يخبرها بما ينوي فعله.صحيح أن الطفل نجا، لكن الجراح التي تركها في نفسها كانت حقيقية أيضًا.لقد جازى دَينًا في عنقه بأن ألقى بآلامه فوق كتفيها، وذلك في جوهره ظلم كبير لها.لن يعيد وجود هذا الطفل العلاقة بينهما، فالرابط الوحيد الباقي لم يعد سوى كونهما والدين له.بقاؤها سبعة أيام إلى جانبه للعناية به ما هو إلا سداد لجميل إنقاذه حياتها في تلك المرة.ومن الآن فصاعدًا، كلٌّ يسلك طريقه الخاص، أما سارة فقد حسمت أمرها بالطريق الذي تريد أن تمضي فيه.الأيام التالية كانت أشبه بأكثر اللحظات هدوءًا بينهما منذ سنوات، لا صراع فيها ولا جراح قاسية.هي تولّت رعايته بعناية وصبر، فلم تغفل عن مأكله ومشربه ولا عن تفاصيل يومه.ولم تعرف سارة ما الذي أوكله أحمد خفية إلى خالد ومحمود، إذ
كانت تلك دموع الفرح التي انهمرت من عيني سارة، إذ غمرها السرور والانفعال حتى عجزت عن إيجاد الكلمات المناسبة، وكل ما كان يدور في ذهنها هو ملامح وجه فارس البريئة اللطيفة.لقد كانت حقًا حمقاء، فلو عرفت منذ البداية، لكانت أمضت وقتًا أطول مع ذلك الطفل.قال أحمد: "حبيبتي سارة، لا تبكِ، فأنا أعلم أن الخطأ كلّه خطئي أنا."رفعت سارة يدها وضربته بخفة على كتفه قائلة: "بالطبع هو خطؤك."ومع أنها تجنبت موضع جرحه، إلا أن الحركة أثارت الألم، فقبض أحمد على أسنانه متألمًا.لقد حلمت غير مرة من قبل، لو أنّ فارس كان ابنها، كم كان ذلك سيكون رائعًا، أما الآن فالأمر لم يعد مجرد حلم، بل صار واقعًا، ففارس حقًا ابنها.شعرت سارة أن السعادة هبطت عليها بسرعة تفوق ما توقعت، وأدركت أن صبرها الطويل لم يكن عبثًا.وأخيرًا، تجلّى القمر بعد انقشاع الغيوم.قال أحمد: "لقد تنازلت مرارًا وتكرارًا مراعاةً لسالم، لكن صفاء ما فتئت تتجاوز الحدود وتثير المتاعب، لقد استنزفت كل ما لها من جميلٍ في عنق سالم، ولهذا أنهيت خطبتي بها، وما أستطيع فعله من أجلها الآن لا يتعدى أن أتركها تعيش بقية حياتها بسلام، وما عدا ذلك فلا شيء."كانت سارة ت
قالت سارة بارتباك شديد: "أعد الشرح بوضوح أكثر، إنني لا أفهم."قال أحمد: "الأمر وما فيه هو أن سالم نشأ معي وتدرّب بجانبي، ولأن ملامحه تشبهني، كان أحد بدائل شخصيتي، خضنا معًا الكثير من المعارك، لكنه ارتكب أكبر خطأ حين أحبّ صفاء، ثم بعد أن حملت منه، تلقّى عني ضربة قاتلة في إحدى المهمات، وقبل موته، لم يطمئن قلبه على صفاء، فطلب مني أن أعتني بها وبالطفلة."أردف قائلًا: "بدافع امتناني لسالم، استجبتُ لكل طلبات صفاء، وصادف ذلك أنني كنت أسيء الظنّ بعائلتكِ وبأختي، تداخل الأمران معًا، فأخذتُ أنتقم من عائلتكِ من ناحية، وأهتم بها في فترة حملها من ناحية أخرى، مما جعلكِ تظنين أنني قد ملت عنها إليكِ، وعندما واجهتني بالسؤال، لم أقدّم لكِ أي تفسير."تابع: "صفاء أصرّت، قائلة إنها لا تريد أن يولد طفلها في كنف عائلة بلا أب، وظلّت ترجوني أن أمنحها بيتًا."شعرت سارة بمرارة في قلبها وقالت: "ولهذا أعطيتها ما أرادت؟"قال أحمد: "هي وضعت حياتي في كفّة، ووصية سالم في الأخرى، فاضطررت أن أوافق، ولم يكن أمامي سوى أن أطلب الطلاق منكِ، لكن لاحقًا اكتشفت أنّ أطماعها لم تتوقف عند هذا الحد، المستشفى، الفساتين، ومنزل لؤلؤة
سارة كانت تتعلّم بجدّ من الممرضة خطوات تبديل الضماد، انتظرت حتى لم يبقَ في الغرفة سوى شخصين.عندها فقط انفجرت غاضبة: "زوجتك؟"قال أحمد: "لو لم أنادِكِ هكذا، لظلت تلاحقني بلا توقف."ردّت سارة ببرود: "يبدو أن الرئيس أحمد تحيط به الكثير من العلاقات النسائية."ثم رفعت الغطاء لتكشف عن ظهره الملفوف بالضمادات.فسّر أحمد قائلاً: "سارة حبيبتي، هي لم تبدّل لي الضماد إلا مرة واحدة، وكانت على الذراع فقط، لا أكثر."قالت سارة ببرود: "نحن مطلّقان، ما تفعله معك لا شأن لي به، ولا أريد التدخل."كانت تقصّ الضماد وهي تتحدث، بحذر شديد كي لا تمسّ الجرح.قال أحمد متنهدًا: "سارة حبيبتي، من البداية وحتى الآن، لم يلمس جسدي أحد غيركِ، لم تكن هناك أي امرأة أخرى."كانت سارة تريد أن تسخر منه، لكن الجروح تحت الضماد انكشفت فجأة أمام عينيها.لقد توقّعت منذ الليلة الماضية أن يكون الأمر خطيرًا، لكن التوقّع شيء، ورؤيته بالعين شيء آخر.لم يبقَ في ظهره قطعة جلد سليمة تقريبًا.شعرت سارة بوخزة ألم في قلبها.كان أحمد مستلقيًا على بطنه، لا يرى وجهها، ولا يعرف ما يدور في خاطرها.قال أحمد: "سارة حبيبتي، أظن أنّه من الضروري أن أش
قال محمود بوجهٍ جاد: "هوية السيد قد كُشفت، وجميع القوى التي كانت تكن له العداء في الماضي ستنقضّ عليه كما تنقضّ الذئاب الجائعة، كما جرى ليلة أمس، فالأشخاص الذين ظهروا وراءهم التنظيمات التي كانت منذ عشرة أعوام في قلب المنطقة س، أرسلوا محاربين لا يخشون الموت، غايتهم الوحيدة أن يجرّوا السيد معهم إلى الهاوية ولو على حساب حياتهم."ارتجفت سارة خوفًا وقالت: "أفلن يكون في غاية الخطر الآن؟"أجابها محمود: "هنا ما زال يُعدّ آمنًا، لكن ما إن يغادر نطاق المنطقة العسكرية حتى يغدو كل مكان مشبعًا بالمخاطر، وقد اكتشفتُ عبر الإنترنت المظلم في العالم السفلي أن هناك من نشر إعلانًا بمكافأة مجهولة الاسم، من يقتل السيد يحصل على مئة مليون، مثل هذا الثمن الباهظ لا بد أن يجذب القتلة المحترفين والمرتزقة، فالجوائز السخية دائمًا ما تجتذب المغامرين."أما أحمد فقد بدا وكأن الأمر لا يعنيه، ونصح سارة قائلًا: "في الماضي أبقيتكِ بجانبي لأنني كنت قادرًا على حمايتكِ، أما الآن فأنا نفسي صرتُ أخطر مكانٍ عليكِ، لذلك يجب أن ترحلي."كان يسدّ عنها الخطر بحياته، ومع ذلك يريد إقناعها بالرحيل.لكن سارة حسمت أمرها في قلبها وقالت: "س
لم يتكلم أحمد بعد، لكن ما إن نطق بهذه الكلمات حتى تغيّر وجه سارة فجأة.قالت بحدة: "إلى متى ستظل تختبئ خلف شعار أنّك تفعل هذا من أجلي بينما أنت في الحقيقة أناني؟"فجّرت سارة كل ما في صدرها من غضب، وقالت: "في الماضي كنتُ أحبك بجنون، وتخلّيتُ عن كل شيء من أجلك، طبيعة عملك الغامضة لم أسألك عنها، وسفرك المتكرر لم أستفسر عنه، كنتُ أظن أنّ هذا هو حبي لك، لكن ما الذي جنيتُه في النهاية؟"قال: "سارة حبيبتي." ومدّ يده ليجذبها نحوه، لكن سارة ابتعدت بسرعة.قالت: "أنت تعرف عني كل شيء، حين تكون راضيًا تغدق عليّ الهدايا وتدللني حتى السماء، وحين تغضب تسترد كل شيء وتقطع أمامي كل السبل للعودة، وتزجّ بي في الجحيم، أما أنا؟ من البداية وحتى النهاية، غير أنّي أعرف أنّك اسمك أحمد، فماذا تتوقع أن اعرف عنك أكثر من ذلك حقًا؟"قالت بمرارة: "في البداية كنتَ تعاملني كما يُعامَل الحيوان الأليف، تقول إنّ هذا لمصلحتي وذاك أيضًا لمصلحتي، لكن ما آل إليه أمري الآن، أليس كله بفضل وهمك وغرورك؟"ظلّ أحمد صامتًا يحدّق في سارة الغاضبة، ولم يدرك إلا الآن كم كانت تحمل في قلبها من استياء.قال بصوت خافت: "سارة حبيبتي... كان لي عذ







