Share

الفصل 821

Author: سيد أحمد
حسبت سارة في نفسها، لقد مضى ما يزيد على نصف عام وهي تعيش مع حسني، منذ البداية حيث كان بينهما شيء من الحذر، إلى أن صار الآن أشبه بأبٍ بديل يتكفّل برعاية طفلتها دون أن يُبدي أي تذمّر، ومع مرور الوقت أزالت ما كان في قلبها من ريبة نحوه.

قالت مترددة: "أنا…" ثم سكتت، فالأمر طويل جدًا، ولا تدري من أين تبدأ.

ابتسم حسني وقال بهدوء: "لا بأس، أنا أمين في حفظ الأسرار، لن يخرج مني شيء إلى أحد."

نظرت سارة نحو طفلتها ثم قالت: "دعنا نؤجل الحديث قليلًا."

قال: "كما تشائين."

لم يكن في عجلة من أمره، فقد قضى أكثر من نصف عام حتى قبلت سارة أن تفتح له قلبها، فما الضرر في الانتظار بعض الوقت بعد؟

حين نامت الطفلة في القيلولة، كان أحمد جالسًا عند حافة الحديقة منتظرًا.

وما إن خرجت سارة حتى نهض واقفًا فورًا وقال: "سيدتي."

قالت بهدوء: "لسنا بحاجة إلى هذا، لنجلس ونتحدث."

أجابها: "حسنًا."

أعدّ أحمد لها كأسًا من العصير، وجلسا تحت مظلة تحجب عنهما الشمس، والنسيم البحري العليل يهبّ من حولهما فيزيد الجو دفئًا وهدوءًا.

ارتشفت سارة رشفة، فإذا هو عصير طازج من الليمون والبرتقال، طعمه منعش يختلط فيه حلاوة خفيفة مع لمسة من الحمو
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 824

    كان فم الرجل محشورًا بجورب نتن لا يدري لمن يعود، وقد غطّى الرعب ملامحه كلها.كان قد صعد إلى السفينة فقط بحثًا عن بعض الإثارة، ولأن قوام تلك المرأة وافق هواه، لم يرَ ضررًا في أن يطرح عليها اقتراحًا، فهل يستحق الأمر كل هذه القسوة؟أليست هذه السفينة مليئة بأناس قذرين مثله أو أشد قذارة؟ فما الذي يجعلهم يتظاهرون بالطهر؟حين نزع أحمد الجورب من فمه، هرع الرجل يتوسل قائلًا: "أخي، كنت أمزح معك فقط، انظر كيف أخذت الأمر بجدية، ألا يكفي أنني لن أكررها؟"أطلق أحمد ضحكة باردة، ثم مد يده وانتزع قناعه: "دعني ألعب معك على طريقتي."فالقناع لم يكن سوى ورقة التوت التي تستر عوراتهم، وبمجرد نزعه، بدا الأمر كما لو أنهم عُرّوا تمامًا وألقي بهم في الشارع.لقد كان وجهًا يعرفه أحمد، إنه أحد رجال الأعمال المشهورين في مدينة الشمال.رجلٌ لطالما روّجت له وسائل الإعلام على أنه زوج محب وأب مثالي، وأبناؤه ناجحون ومبشرون.لكن خلف هذا الواجهة كان يخفي قذارةً مقيتة، وما يفعله في الظلام كفيل بإثارة الغثيان.صرخ الرجل في هلع: "قناعي! أعده إليّ."إلا أن القناع انزلق من بين أصابع أحمد وسقط أرضًا، ثم سحقه بحذائه حتى صار شظايا.

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 823

    هذا الطريق كان أكثر توافقًا مع شخصية حسني، فلن يثير شكوك سارة.قالت سارة بقلق: "سفينة غير مشروعة؟ وهل هي آمنة؟"أجابها: "لقد رتّبت الأمر مع صديقي مسبقًا، ما دُمنا باقين في الغرفة ولا نستفز أحدًا فلن يحدث شيء، نحن لن نشارك في أي نشاط على متن السفينة غير المشروعة، فقط نستقلها كرحلة مرور."في أعماقها لم تكن سارة تميل إلى ركوب مثل تلك السفن، فقد كانت تخشى المخاطر، غير أن هذا كان واحدًا من السبل القليلة للعودة.قالت بهدوء: "حسنًا."قال حسني: "لا تقلقي يا سيدتي، سأحميكما."أومأت سارة برأسها، وكانت ثقتها به تتعاظم شيئًا فشيئًا.قضوا الأيام الثلاثة الأخيرة على الجزيرة، وخلالها أعدّ أحمد لسارة شعراً مستعارًا وقناعًا.قال لها: "يا سيدتي، معظم من يصعدون إلى السفينة ليسوا أناسًا طيبين، وإن ظهرنا بملامحنا العادية فسنثير الريبة، لذا علينا التظاهر بأننا زوجان، وأما الآنسة مارية، فستضطر هي الأخرى إلى مواجهة بعض المعاناة."توقف أحمد قليلًا ثم أضاف بنبرة ثقيلة: "في مثل تلك السفن لا يُرى الأطفال من العائلات العادية، إلا إذا كانوا... كسلعة مستخدمة."اشتدّت ملامح سارة، وقد خمنت بعض ما يقصد، ففي الزوايا الم

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 822

    لم يكن صوت سارة مرتفعًا، غير أن كل كلمة خرجت من فمها كانت كالصاعقة تصمّ الآذان، حتى أخرست أحمد فلم يجد ما يردّ به.نعم، لقد آذاها في الماضي أيّما أذى، فكيف لها أن تعود إليه أو تلين بعد كل ما جرى؟، كان حقًا كمن يلهث وراء حلم مستحيل.وحين رأت سارة صمته، بدا على وجهها شيء من الاضطراب وقالت: "أعتذر، لقد فقدتُ أعصابي قليلًا."قال حسني بصرامة: "لا، رجل مثل زوجكِ السابق، لو مات مئة مرة لما كفّى ليمحو ما سببه لكِ من ألم."أجابت سارة بنبرة قاطعة: "كل ما أريده ألا نلتقي ثانيةً، وأن نعيش عمرنا حتى الموت غرباء لا صلة بيننا تجمعنا."أخذ أحمد نفسًا عميقًا ليستعيد رباطة جأشه وقال: "أتفهم شعوركِ، أذن ما علينا الآن هو أن نتسلل سرًا إلى مدينة الشمال دون أن يكتشف أمرنا، أليس كذلك؟"قالت سارة: "نعم، ولهذا السبب عدتُ مع القائد حسين خلسة، ووقوعنا في أيدي القراصنة لم يكن إلا أمرًا خارجًا عن إرادتي، فبانسداد هذه الطريق لم يعد أمامنا إلا البحث عن غيرها."قال حسني باطمئنان: "اطمئني يا سيدتي، اتركي هذا الأمر لي."ارتسمت الدهشة في عيني سارة، فما كانت تنتظر منه أكثر من مشورة فقالت: "أتقصد أنك تستطيع فعلًا؟"ابتسم

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 821

    حسبت سارة في نفسها، لقد مضى ما يزيد على نصف عام وهي تعيش مع حسني، منذ البداية حيث كان بينهما شيء من الحذر، إلى أن صار الآن أشبه بأبٍ بديل يتكفّل برعاية طفلتها دون أن يُبدي أي تذمّر، ومع مرور الوقت أزالت ما كان في قلبها من ريبة نحوه.قالت مترددة: "أنا…" ثم سكتت، فالأمر طويل جدًا، ولا تدري من أين تبدأ.ابتسم حسني وقال بهدوء: "لا بأس، أنا أمين في حفظ الأسرار، لن يخرج مني شيء إلى أحد."نظرت سارة نحو طفلتها ثم قالت: "دعنا نؤجل الحديث قليلًا."قال: "كما تشائين."لم يكن في عجلة من أمره، فقد قضى أكثر من نصف عام حتى قبلت سارة أن تفتح له قلبها، فما الضرر في الانتظار بعض الوقت بعد؟حين نامت الطفلة في القيلولة، كان أحمد جالسًا عند حافة الحديقة منتظرًا.وما إن خرجت سارة حتى نهض واقفًا فورًا وقال: "سيدتي."قالت بهدوء: "لسنا بحاجة إلى هذا، لنجلس ونتحدث."أجابها: "حسنًا."أعدّ أحمد لها كأسًا من العصير، وجلسا تحت مظلة تحجب عنهما الشمس، والنسيم البحري العليل يهبّ من حولهما فيزيد الجو دفئًا وهدوءًا.ارتشفت سارة رشفة، فإذا هو عصير طازج من الليمون والبرتقال، طعمه منعش يختلط فيه حلاوة خفيفة مع لمسة من الحمو

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 820

    غسلت سارة وجهها وتهيّأت، ومع ذلك أخذ مزاجها يتدرج نحو الهدوء.راودها خاطر أنها قد طلّقت أحمد منذ زمن بعيد، فحتى لو تزوجت الآن مرة أخرى فما شأنه بها، مجرد اقترابها قليلًا من رجل آخر ما الضرر فيه؟ هل يُعقل أن تظلّ طوال حياتها حبيسة وفاءٍ ميتٍ له؟اصطحبت سارة طفلتها لتغادر، لكن خطوات مارية توقفت فجأة، ثم أشارت بإصبعها نحو بضع قطرات من سائل أزرق مائل إلى البنفسجي على الأرض قائلة: "مامي، انظري."خفضت سارة رأسها تنظر، ما هذا؟ يشبه عصير التوت البري، لكنهما لم تتناولا توتًا اليوم.والمكان كان قد نُظِّف منذ الصباح، فكيف ظهرت هذه الآثار الواضحة عند الباب؟دفعت الباب قليلًا فوجدت أرضية المدخل وكأنها قد مُسحت حديثًا، ما تزال عليها بقع ماء، حتى إن أحد العاملين حذرها قائلًا إن الأرضية زلقة ويجب الحذر عند السير.سألت سارة بدهشة: "أليست النظافة تتم عادة صباحًا ومساءً؟ لماذا اليوم في وقت الظهيرة؟"ابتسم العامل بأدب وقال: "الأمر هكذا يا سيدة سارة، لقد سقط أحد موصلي الطعام قبل قليل، فبعثر محتويات الأكياس على الأرض، فاضطررنا لإعادة تنظيف المكان."قالت بهدوء: "حسنًا، فهمت."حدثت نفسها أن الأمر لا يعدو كون

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 819

    كانت سارة تظنّ أن نهايتها قد حانت، فالمكان مسبح خاص، لا يوجد فيه مدرّب ولا منقذ، وإن حدث شيء فلن ينتبه أحد.لكن فجأة، لا تعلم من أين ظهر أحمد، فقد رفع بيدٍ واحدة الطفلة مارية، وباليد الأخرى أحاط خصر سارة.وضع الطفلة على حافة المسبح، ثم التفت إليها قائلًا: "آنسة، هل أنتِ بخير؟"قالت وهي تلهث: "رجلي... رجلي تشنجت، دعني أهدأ قليلًا."قال بهدوء: "حسنًا، تمسكي بي."في تلك اللحظة، لم تعد سارة تفكّر في أي فارق بين رجل وامرأة، بل شدّت ذراعيها حول عنقه تنتظر حتى يزول الألم من ساقها.لم يتعجل أحمد، وبعد أن تأكد من سلامة الطفلة، ظلّ ساكنًا ينتظرها بهدوء.وبعد نحو عشر ثوانٍ، بدأ التشنّج في ساقها يزول شيئًا فشيئًا.تنفست بارتياح، لكنها ما لبثت أن أدركت أنّ جسدها يلتصق بجسده تمامًا، ومع شدّة الألم قبل لحظات، كانت قد تمسكت به بقوة دون وعي.والأدهى أن وضعهما كان وجهًا لوجه، وصدرها الناعم التصق به التصاقًا محرجًا.وحين ضغطت عليه لا إراديًا، شكّل جسدها مشهدًا مثيرًا للنظر.أما هو، فخشية أن تنزلق، أبقى يدًا ممسكة بالحافة، والأخرى مسنودة على خصرها.وكانت حرارة جسده تنتقل إليها بلا انقطاع.هذا القرب الشديد

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status