Share

الفصل 839

Author: سيد أحمد
كان أحمد يعرف جيدًا طبع سارة، فبعد ما جرى بينهما، هي لن تسمح له بالبقاء إلى جوارها.

لقد أدرك منذ زمن أن هذه اللحظة ستأتي، وكل ما فعله في الأيام الماضية من تجنّب وابتعاد، لم يكن إلا محاولةً لتأجيلها قدر المستطاع.

سكبت سارة له كأسًا من الماء، ثم جلست على الكرسي المجاور.

قالت بهدوء: "مع أنَّك اعتنيتَ بنا كل هذه الفترة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي أقدّم لك فيها كأس ماء."

ضغط أحمد قبضته على شفتيه وسعل قليلًا ثم مال برأسه، وقال بصوت منخفض: "شكرًا."

قالت بقلق: "أتريد أن تتناول بعض الدواء؟"

أجابها: "لا بأس، مجرد سعالٍ متبقٍ، لكنه أفضل بكثير من قبل."

قالت سارة بصدق: "لقد ساعدتني كثيرًا في هذه الرحلة، وأنا ممتنة لك، فأنت رجل طيب، مجتهد وكفؤ، لكن رعايتك للأطفال أمر يفوق قدراتك الحقيقية، فأنت ما زلت شابًا، وينبغي أن تخرج لتواجه الحياة."

كانت كلماتها رقيقة، أما أحمد فكان يمسك الكوب بكلتا يديه، وأصابعه تتحرك ببطء على الزجاج الأملس، وعيناه منخفضتان كأنه غارق في أفكاره.

وبعد صمتٍ طويل، قال أخيرًا: "هل يزعجكِ أنني أحبكِ؟"

طرحه المفاجئ أربك سارة، ولم تعرف كيف ترد.

كانت تظن أن طبعه الصارم سيجعله، مثل
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1078

    "لا تذهبي، سأُعالج، وسأسمع كلامكِ".نظرت صفاء نحو سمر وقالت: "تعالي وضَعي لي الدواء".نظرت سمر إلى قدميها المملوءتين بفقاعات مائية لامعة، وتلعثمت قائلةً: "أنا… لا أجرؤ، الأفضل أن يتولى السيد توفيق ذلك".تدخل الجد رائف من تلقاء نفسه دون أن يعرف ما يحدث: "صحيح، ليتولَّ توفيق الأمر، فهو جريء ودقيق".في نظر الجد، كان توفيق أخًا عطوفًا، ورغم أنّ صفاء ليست أخته من الدم، إلا أنّه كما يراه الجد كان يحسن إليها أكثر من أخته الحقيقية.ومنذ أن تولّى شؤون العائلة، لم يُقصّر معها بسبب أصلها، بل كان يعاملها بزيادة من اللطف والرعاية.ولهذا كان الجد رائف مطمئنًا إليه كل الاطمئنان.عضّت صفاء شفتها دون أن تدري كيف تعبّر، بينما كانت سارة تراقبهما بعين خبيرة، وكأنها ترى مشهدًا مسليًا، وقد أدركت أن الأيام المقبلة لن تكون مملة على الإطلاق.كانت الفقاعات على قدمي صفاء مؤلمة من مجرد لمسها، فكيف والأمر يتطلب تفجيرها قبل وضع الدواء كما أمرت سارة؟حتى توفيق نفسه بدا مترددًا، ثم قال بصوت خافت: "تحمّلي قليلًا".أقدم على الأمر بحزم، فانفجرت صفاء بالبكاء من شدة الألم.وبعد معاناة، تفجّرت الفقاعات جميعها، ثم دهن موضعه

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1077

    كانت تدرك تمامًا أنّ "الفحص" الذي قصده أحمد ليس فحصًا بالمعنى الحرفي، فزفرت في سرّها بغيظٍ مكتوم، بينما حافظت على ثبات ملامحها، وقالت ببرودٍ مدروس: "الوقت أوشك على النفاد، سأدخل الآن لأُعالج ساق الآنسة صفاء".هربت بخطواتٍ سريعة كأنّها تفرّ من ساحة معركة، الأمر الذي جعل ابتسامة أحمد تتسع، سارة… وأنا الذي أحبك بهذا القدر، إلى أين تظنين أنّك ستهربين؟كانت قدم صفاء قد تحوّلت إلى اللون الأحمر القاني بعد أن أُخرجت من الماء المغلي، وامتلأت ببثورٍ كثيرة، حتى إنها لم تعد قادرة على حبس دموعها.قال توفيق محاولًا تهدئتها وقد بدا عليه التأثر رغم كل شيء: "اصبري يا أختي، ستهدأ الآلام قريبًا".لكن صفاء لم تُعره أي اهتمام، وحدّقت بدموعٍ متواصلة نحو أحمد: "أحمد… أنا أتألّم كثيرًا".كان كلامها هذا كصفعةٍ قاسية على وجه توفيق، فشحَبَت ملامحه، وازدادت نظرته سوادًا وحقدًا.كانت سارة تراقب المشهد بنظرة العارف بكل التفاصيل، ورغم قسوته فقد وجدته جانبًا مثيرًا للسخرية.فهي ابنة السيد رشيد والسيدة نور، وقد ورثت منهما أفضل ما فيهما، وكان جمالها حقيقة لا جدال فيها، عيناها تشبهان عيني والدها حدّ التطابق، أما شفتيها

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1076

    صفاء كانت تصرخ من شدّة الحرق وهي تلعن بلا توقف، لكنها لم تكن قادرة على تحريك قدميها بنفسها، فلم يكن أمامها إلا أن تبكي وتسبّ في آنٍ واحد، وكأن ما تعانيه لا يكفي، ليضاف إليه هذا العذاب فوق عذابها.تنهد الجد رائف بمرارة وقال بصوت يفيض صبرًا: "يا ابنتي، تحمّلي قليلًا، فالوقوف على قدميكِ من جديد له ثمن لا بد من دفعه."صرخت صفاء وهي تبكي: "جدي، إنني أحترق، أشعر أن جلدي سينفجر من شدة الحرارة."قالت وهي ترتجف: "لا أريد هذا… سيحرقونني حتى أموت."ثم صاحت بيأس: "من أي أرض خرجتِ أنتِ أيتها الطبيبة؟ ما بيني وبينكِ عداوة؟ لماذا تفعلين هذا بي؟"وصل صوتها باكيًا إلى الخارج: "أحمد… أنقذني."كانت صرخات صفاء تتردد بلا توقف من داخل الغرفة، بينما كان أحمد وسارة يجلسان في الخارج يتناولان الشاي ويتأملان تساقط الثلج.منزل عائلة الجد رائف كان كبيت عائلة سارة؛ كلاهما على الطراز القديم، ومع نزول الثلج يصبح المشهد ساحرًا يسرّ العين.اجتمع أهل عائلة الجد رائف جميعًا حول صفاء محاولين تهدئتها، فخلا الخارج لوهلة من الجميع، ولم يبق سوى سارة وأحمد وحدهما.كان قلب أحمد ونظره وكل كيانه متعلقًا بسارة، حتى إنه لم يعد يسمع

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1075

    كان أحمد يبدو وكأنه يستمتع بهذا الحديث، فقال بنبرة هادئة تحمل شيئًا من السخرية: "وهل تُعدّين يا فانيسا شابة ناجحة تستحق الزواج؟".نظرت إليه سارة بنظرة سريعة وقالت: "العاقل لا يقع أسير الحب".تجمدت صفاء في مكانها، فهي لم تستوعب بعد… هل جاء أحمد من أجل رؤيتها أم من أجل الاهتمام بطبيبة غريبة لا يعرفها؟.ولأن أحمد أهملها طويلًا، والفرصة الآن لا تُعوّض، لم تجرؤ على قول شيء قد يثير ضيقه، فتمتمت بحذر: "أحمد…".عندها فقط تذكّر أحمد أنه جاء بحجة الاطمئنان علي صفاء، فحوّل بصره إليها.كانت صفاء وقد صارت أضعف كثيرًا مما كانت عليه في الماضي، وجهها شاحب يشبه المرضى، وعيناها دامعتان وهي جالسة على كرسيها.لو كان هذا في الماضي، لربما رقّ قلبه قليلًا مراعاةً لوجود سالم، لكن حين يتذكر ما عانته سارة بسبب هذه المرأة، لا يجد في نفسه مثقال ذرة من الرحمة، فاكتفى بسؤاله البارد: "لقد مرّ زمن طويل، كيف حالكِ؟".حالها؟ حياتها كانت كالعتمة، اليوم يمر أطول من عام.لكنها لم تستطع إلا أن تهمس والدموع في عينيها: "أ… أنا بخير".قال توفيق بنبرة مصطنعة: "لا تقلق يا سيد أحمد، أنا أعتني بأختي جيدًا".لفت هذا الكلام انتباه

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1074

    جاء أحمد سريعًا، بينما كانت سارة قد قررت أن تأتي في يومٍ آخر لأنها شعرت أن لقاءه في مثل هذه الظروف أمرٌ يثير الارتباك قليلًا.لكنها لم تكن قد ودّعت الجد رائف بعد، حين اندفع أحمد داخل المكان على عجل.ففي الماضي ارتكبت صفاء أفعالًا كثيرة أدّت إلى موت والدي سارة، وكان الجد رائف عاجزًا أمام الأمر، ولم يجد مفرًا سوى قبول أن يُفسخ زواج أحمد منها.وعلى مدى تلك السنوات كانت صفاء تحاول إصلاح ما انكسر، لكن أحمد حظرها من كل مكان ولم يعد بإمكانها الوصول إليه.واليوم كانت فرصتها الوحيدة لرؤيته، حتى الجد رائف كان يتطلع لهذا اللقاء.ولو لم يكن أحمد رافضًا، لكان هو الوريث الأنسب لعائلة الجد رائف.وعندما أخبرهم الخادم بقدومه مسبقًا، اضطربت صفاء بشدة، ووضعت طبقة رقيقة من المسحوق على وجهها؛ فقد كانت تخشى أن يعرف جدّها حقيقة ما يحدث.لقد قتلت والديها وسبّبت الخراب لأسرتها، ولم تكن تريد أن تجرّ الدمار إلى الرجل الوحيد الذي بقي يعاملها بحنان.لكن توفيق كان يعرف تمامًا ما يجول في خاطرها، ولذلك فعل بها طوال هذه السنوات ما شاء.أما سمر، فكانت الوحيدة التي على علم بما يجري، لكنها لم تستطع فعل شيء.قالت صفاء بقل

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 1073

    حين سمع أفراد عائلة صفاء أنّ سارة ستغادر، ارتبكوا في الحال وتملكهم القلق."لا يجوز يا ابنتي، لا يجوز، لقد عانيت كثيرًا حتى وجدتكِ، لا يمكن أن ترحلي، فشفاء ساق حفيدتي معتمد عليكِ". قال الجد رائف بانفعال."نعم يا دكتورة، من الأفضل أن تفحصي ساقها أولًا، يا آنسة، هذه هي فانيسا التي حدثتُك عنها من قبل، مهارتها الطبية ممتازة، وهي متبحرة في مجالات كثيرة، وقد قالت إنها تستطيع أن تجعلك تقفين من جديد".عندها أشرقت عينا صفاء وهي تنظر إلى سارة، "حقًا؟ هل تستطيعين فعلًا أن تجعليني أقف؟""الأمر يتوقف على تعاونكِ". قالت سارة بنبرة هادئة.لم يُعرف ما الذي تبادر إلى ذهن صفاء حينها، لكنها لم تعد تبالي بما فعلته سارة معها منذ قليل، وأخذت تهز رأسها بسرعة وقالت: "حسنًا، سأعاونكِ، سأبذل كل جهدي".قالت سارة: "على السيدة صفاء أن تتذكّر ما قالته اليوم، وألّا ستندمي"."كيف أندم؟ طالما أنكِ ستُعالجين ساقي، فأنا على استعداد لفعل أي شيء"."جيد، سأُجري لكِ فحصًا مبدئيًا، استلقي على السرير".تحدّث توفيق قائلًا: "دعيني أتولى الأمر".ثم اقترب من صفاء وانحنى ليساعدها على النهوض.كان وجه صفاء مليئًا بالاشمئزاز والخوف من

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status