Share

الفصل 892

Author: سيد أحمد
وقف أحمد مكتوف اليدين، وبين حاجبيه ظلّ من القلق والحزن، وقال: "أخشى أنه لا يريد أن يأخذ مارية وحدها، بل يريد أن يصطحب سارة أيضًا، فهي لطالما بحثت عن فرصة للرحيل عنّي، وهذه أفضل فرصة لها."

قال محمود باضطراب: "فماذا نفعل إذن؟ هل نمنعه الآن؟ وإلا فبقدراته تلك، إن أخذ السيدة فعلًا، فسيصعُب علينا العثور عليها."

كان جلال رجلًا يعيش في الظل، يعرف طرقًا كثيرة لا يجرؤ أحد على ذكرها، وبإمكانه أن يتوارى عن الأنظار بلا أثر.

وكيف يجهل أحمد ذلك؟ لقد كان قلبه مضطربًا مترددًا.

فهو من ترك في نفس سارة جرحًا غائرًا لا يندمل، جرحًا يحتاج عمرًا كاملًا لتلتئم آثاره.

وإن أصرّ على إعادتها بالقوة، فلن يزيد الأمر إلا سوءًا، وسيجعل العلاقة المتصدّعة بينهما أكثر هشاشة.

لكن أن يتركها بهذه البساطة؟ ذلك هو أقصى ما يطيقه قلبه.

إن لم يرَ سارة، ولم يعرف إن كانت بخير أم في خطر، سيظلّ نهاره وليلُه عذابًا لا يُطاق.

قال في النهاية: "لتعد، لكن ليس بيدنا نحن."

تردّد محمود قائلًا: "السيدة الآن قد عقدت العزم، إن لم نستخدم القوة، فبأي وسيلة نستطيع إعادتها؟"

سأل أحمد: "ما الشيء الأهم عند سارة؟"

لم يحتج محمود إلى تفكير طويل، فأجا
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 894

    جلال لم يكن موجودًا فتمتعت سارة وآدم بوقتٍ مفرح، ومرحُ آدم اللفظيُّ أطْوَرُ كثيرًا من مارية، فهو قادر على أن يقول جملة أو اثنتين بسهولةٍ أكبر.تعايَشا معًا بانسجام، ونظرت سارة إلى وجه الطفل البريء فتسلّل إليها أملٌ بمستقبلٍ أجمل.حينها رنَّ هاتفُ ليلي، فأجابَتْ سارة على الفور.وصلَ صوتُ ليلي مضطربًا، وقالتْ: "يا سارة، أنقِذِينِي".ردّت سارة وقد قبضَ قلبُها: "ماذا حدثُ لكِ، يا ليلي؟"أجابتْ ليلي بنبرةٍ متقطعة: "الأمرُ معقّد، لِنَلتقِ وسأخبركِ".تردّدت سارة قائلةً: "لكن.."تسرّعت ليلي بالسؤال: "ما الأمر؟ أأنتِ غير متاحةٍ الآن؟ جسدي منهكٌ، أحتاجُ مَن يساعدُني..".سمعت سارة صوتَ ليلي المنهك، وهي تعرف أحوالَها جيدًا، فليلي هنا بلا أهل وتشكو قلّةَ الأصدقاء، وكانت حالتها بعد الإجهاض بالأمس بالغةُ الضعف.تذكَّرتْ مشاهدَ اعتنتْ فيها ليلي بها سابقًا، فكتمَتْ ترددَها وأجابتْ بسرعةٍ: "أينَ أنتِ؟ سأحضُر إليكِ".يبدو أن ليلي قد هربتْ من بيتِ السيد فؤاد، وأرسلتْ موقعًا جديدًا إلى سارة، فرأَتْ سارة خارجه سيارةً رباعية الدفع متوقفةً، رثةً بعض الشيء لكنها قابلةٌ للسير.تركت رسالةً إلى جلال وكتبت فيها مع

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 893

    حدّقت ليلي فيه بامتعاض وقالت بحدة: "ما الذي تخفيه يا أحمد؟ ما الذي تخبّئه في جُعبتك؟"أجابها مباشرة: "سارة تريد أن ترحل عنّي."قالت بسخرية: "أنتَ شيطان، ولو كنتُ مكانها لهربتُ بعيدًا عنك."تنفّس بعمق وقال: "لا أنكر أنني اقترفت الكثير من الحماقات في الماضي، أمّا الآن فلا أريد سوى أن أكفّر عمّا فعلتُ وأن أحميها، ليس بدافع الامتلاك، بل لأنّ هناك عدوًّا قويًّا يترصّدها في الخارج."سألته وقد ارتسم القلق في عينيها: "إلى أي حدّ قويّ؟"قبض أحمد يده بشدّة وقال: "حتى اليوم لم أستطع معرفة هويتها، لكنها مرارًا دفعت بالقتلة لاستهداف سارة، ومنذ أكثر من عامين، في ليلة ولادتها المبكرة، أرسلت مئاتٍ من القتلة، وكادت سارة أن تفارق الحياة في تلك الليلة الماطرة."كانت سارة قد مرّت على ذلك الأمر بعبارات عابرة، دون أن تدخل في التفاصيل.لكن عندما سمعت ليلي الحقيقة من فم أحمد، اتّسعت عيناها من شدّة الذهول، فهي لم تتصوّر أن صديقتها عاشت خلال فترة انقطاع تواصلهما كلّ تلك الأخطار.قال أحمد بصوت خافت: "حين تظاهرت بالموت، أدركت الأمر في قرارة نفسي، وكنتُ ممزّقًا بين رغبتي في أسرها من جديد أو تركها حرة، لكنني في ذلك

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 892

    وقف أحمد مكتوف اليدين، وبين حاجبيه ظلّ من القلق والحزن، وقال: "أخشى أنه لا يريد أن يأخذ مارية وحدها، بل يريد أن يصطحب سارة أيضًا، فهي لطالما بحثت عن فرصة للرحيل عنّي، وهذه أفضل فرصة لها."قال محمود باضطراب: "فماذا نفعل إذن؟ هل نمنعه الآن؟ وإلا فبقدراته تلك، إن أخذ السيدة فعلًا، فسيصعُب علينا العثور عليها."كان جلال رجلًا يعيش في الظل، يعرف طرقًا كثيرة لا يجرؤ أحد على ذكرها، وبإمكانه أن يتوارى عن الأنظار بلا أثر.وكيف يجهل أحمد ذلك؟ لقد كان قلبه مضطربًا مترددًا.فهو من ترك في نفس سارة جرحًا غائرًا لا يندمل، جرحًا يحتاج عمرًا كاملًا لتلتئم آثاره.وإن أصرّ على إعادتها بالقوة، فلن يزيد الأمر إلا سوءًا، وسيجعل العلاقة المتصدّعة بينهما أكثر هشاشة.لكن أن يتركها بهذه البساطة؟ ذلك هو أقصى ما يطيقه قلبه.إن لم يرَ سارة، ولم يعرف إن كانت بخير أم في خطر، سيظلّ نهاره وليلُه عذابًا لا يُطاق.قال في النهاية: "لتعد، لكن ليس بيدنا نحن."تردّد محمود قائلًا: "السيدة الآن قد عقدت العزم، إن لم نستخدم القوة، فبأي وسيلة نستطيع إعادتها؟"سأل أحمد: "ما الشيء الأهم عند سارة؟"لم يحتج محمود إلى تفكير طويل، فأجا

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 891

    قال جلال بهدوء: "انظري إلى الأمام، ماذا ترَين؟"خطت سارة بضع خطوات حتى وصلت إلى حافة الجرف، وبعد أن تجاوزت الأشجار، انكشف أمامها مشهد الجبال المترامية، والقمم المغطاة بالثلوج المتواصلة بلا نهاية، فتجلّى المشهد عظيمًا مهيبًا.همست: "الحرية."قال: "نعم، إذا عبرتِ هذه الهوة، فإن ما ينتظرك هناك هو الحرية."لكن بعد أن منعها أحمد مرات عديدة، لم تعد سارة تملك الشجاعة.كانت تخشى، تخشى أن تقع أسيرة من جديد وتُلقى في ظلام لا قرار له.سألها جلال: "هل ما زلتِ متعلّقة به؟"هزّت رأسها: "لا... إنني فقط... خائفة."قال: "خائفة من ماذا؟"قالت بصوت مرتجف: "أخاف أن أفشل فأجرّك معي، أخاف أن يجرّني المستقبل إلى مجهول مظلم، كلما أغمضت عيني أرى موت فاتن."قال جلال بنبرة رقيقة: "لا شيء يستحق الخوف، أقسى ما في الطريق قد اجتزتِه، والإنسان لا ينبغي أن يظل أسير الحاضر، إلا إذا كان راضيًا بأن يعيش ما مضى من بؤس."قالت سارة بعزم: "لا، لا أريد ذلك، أريد أن أتغير، أن أصبح أقوى، وأن أُثأر لفاتن."مدّت كفها لتلتقط ندفة ثلج، وما إن استقرت في راحة يدها حتى ذابت وتحولت إلى قطرة ماء باردة.كانت تلك الندفة تعرف أنّ مصيرها ال

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 890

    انقضت الليلة سريعاً، وكان الجو في الغرفة بارداً، فغطاء واحد لا يكفي لصدّ البرد.كانت سارة تظن أنّ النوم سيعاندها، غير أنّها حين ضمّت الطفل إلى صدرها غمرها شعور عميق بالطمأنينة، حتى استسلمت سريعاً للنوم.كان آدم أشبه بموقد صغير، التصق بجسدها يمنحها دفئاً لا ينقطع.رأت سارة حلماً جميلاً؛ إذ وجدت نفسها في سهول خضراء شاسعة، تمسك بيدَي طفلين وتجري معهما بحرية وسعادة.وعند نهاية الطريق وقف أحمد، مدّ يده نحوها وهو ينادي: "سارة حبيبتي..."فزعت سارة من نومها، وقد أشرق النهار منذ وقت، أما جلال فلم يكن في الغرفة.ومن النافذة الخالية من الستائر، بدا المشهد واضحاً؛ الثلج انهمر طوال الليل حتى غطّى كل شيء برداء أبيض ناصع.غادرت سارة السرير بهدوء لتتفادى إيقاظ آدم، ثم فتحت الباب، فاندفعت موجة من البرودة القارسة نحوها.لقد شاهدت الثلج كثيراً في حياتها، لكن ما وقع أمام عينيها الآن كان آية في الجمال.يا له من مشهد بديع!امتدّ البياض بلا نهاية، يغمر الأرض والسماء، يغسل ما علق بهما من شوائب، فلا يبقى سوى الصفاء والنقاء.وفي عمق الثلوج، ظهرت آثار أقدام صغيرة تركتها حيوانات الغابة، وعلى الأغصان برزت رأسا سنج

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 889

    إن مسعد قد فتح مكبّر الصوت، لذلك سمع أحمد ما قيل بوضوح، فجاء صوت سارة عبر الهاتف طبيعيًا، إلا أنّه مشوب بالحذر، فهي لم ترغب أن تُخبر حتى مسعد بمكانها.قال أحمد: "بهذه الفترة القصيرة انتقلت إلى الضاحية الغربية، من الواضح أنّ أحدهم أخذها معه، لكنها لم تطلب النجدة عبر الهاتف، ما يعني أنّ هذا الشخص لا يُشكّل عليها أي تهديد، بل لعلّه هو من تخلّص من أولئك القتلة".ارتسمت الحيرة على وجه خالد وقال: "من آثار الجروح يتبيّن أنّ كلّ قتيل سقط بضربة واحدة قاضية، واحدًا في مواجهة ثلاثة... مهارة إطلاق النار عند هذا الشخص فائقة، متى تعرّفت السيّدة على رجل بهذه القدرة؟"قال أحمد بلهجة قاطعة: "دقّة التصويب، الحسم في القتل، ومع ذلك لا يُشكّل خطرًا على سارة حبيبتي، ليس هناك سوى شخص واحد".في ذهنه طفا مشهد لقائه على السفينة منذ وقت قريب."إنه جلال!"لقد عادت سارة إلى مدينة الشمال أصلًا من أجل اللقاء بجلال، وبعد هذه الأيام الكثيرة فلا بد أنّ الإشارة التي تركتها قد التقت بإشاراته.قال أحدهم متردّدًا: "بما أنّ السيدة مع جلال فهي ليست في خطر، لكن ماذا نفعل الآن؟ هل نعيدها إلينا؟ ففي النهاية، رجل وامرأة وحيدان..

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status