Share

ضباب حالم
ضباب حالم
Penulis: سفينة الحلم

الفصل 1

Penulis: سفينة الحلم
لم تتوقع نيرة أنها سترى باهر مرة أخرى.

في هذا اليوم، ذهبت مع ابنتها البالغة من العمر ست سنوات إلى المستشفى للعلاج.

ابنتها تعاني من مرض قلبي خلقي، وكانت تذهب بانتظام للفحص الدوري.

لكن في اللحظة التي دفعت فيها باب العيادة، وقفت هناك في ذهول.

كان الرجل جالسًا هناك، أمام الكمبيوتر، نظارة بدون إطار على أنفه الشامخ.

يرتدي معطفًا أبيض ناصعًا كالثلج، يبدو باردًا ومتباعدًا.

وكانت هيئته بأسرها مشبعة بوقارٍ متعالٍ وأناقةٍ باردة.

شحب وجه نيرة في لحظة.

اليوم، كانت حجزت موعدًا مع الخبير الدكتور سعيد، لكن الدكتور سعيد كان في استشارة خارجية، فغيرت رقم حجزها بناءً على نصيحة الممرضة.

قالت الممرضة: هذا الطبيب باهر، حاصل على الدكتوراه من الخارج، وهو التلميذ المفضل للطبيب سعيد، في عيادة جراحة القلب رقم 8.

في هذه اللحظة، وقفت نيرة متصلبة عند الباب، أصابعها النحيلة تمسك بمقبض الباب بشدة، وأسرعت بوضع الكمامة على وجهها.

في لحظة، كان هناك فكرة واحدة فقط في رأسها، وهي أن تغادر مع ابنتها.

سبع سنوات.

متى عاد إلى البلاد؟

حياة نيرة كانت هادئة ومستقرة، لم تتوقع أبدًا أن ترى باهر مرة أخرى.

الآن، شعرت كما لو أن جسدها قد تجمد بالكامل، لا تعرف كيف تتعامل.

غريزتها الجسدية جعلتها تمسك يد ابنتها.

راحة يدها مبتلة بالعرق، بينما ظهرها يرتعش بسبب التوتر.

في هذه اللحظة، جاء صوت الرجل عميقًا وواضحًا.

"ادخل..."

رفع باهر رأسه، ونظر نحو الباب.

من خلال عدسات النظارة، عيناه تحملان برودة خفيفة.

في تلك اللحظة من التقاء النظرات، أصبح تنفس نيرة مضطربًا.

بدت صورته في الثامنة والعشرين وكأنها تتقاطع ثم تنفصل عن صورة الشاب ذي القميص الأبيض في الحادية والعشرين من عمره؛ ذاك الذي كان في جامعة المستقبل يُشبَّه بالزهرة البعيدة المنال، لكنه مع ذلك دخل في علاقة خفية مع فتاة بدينة تزن خمسة وثمانين إلى تسعين كيلوغرامًا.

نظرت إليه بهدوء، وهي تضغط على أسنانها الخلفية بشدة، حتى يدها الممسكة بابنتها لتغادر تجمّدت في مكانها.

كانت عينا باهر سوداء هادئة، وأصابعه تضرب الطاولة برفق.

"سارة، أليس كذلك؟ دعيني أرى ملفكِ الطبي."

استعادت نيرة مظهرها المعتاد، وإن ظلّ وجهها شاحبًا. رفعت يدها ولمست وجهها، فأحست بالكمامة، وكأنها صارت وسيلتها للتماسك، لتستعيد هدوءًا زائفًا مؤقتًا.

لم يعرفها.

لأنها الآن تسمى نيرة، لم تعد صفاء راشد منذ سبع سنوات.

لم تكن تلك الفتاة البدينة السابقة، فهي الآن طولها متر وسبعون سنتيمترًا، وزنها حوالي خمسين كيلوغرامًا.

تقدمت ابنتها وجلست على الكرسي ليفحصها.

وعندما اقترب، كانت نيرة تحدّق فيه، وإحساس بارد رقيق يتسرب في صدرها، مزيج من الألفة والغرابة، جعلها تضغط لا شعوريًا على كتف ابنتها النحيل.

وقع طرف عينها على وجه الرجل.

كان يرتدي نظارات بدون إطار، يبدو باردًا بالكامل.

تحت المعطف الأبيض قميص أبيض، لكن نسيج القميص ممتاز، كان يفحص ابنتها بجدية، وبين الحين والآخر يعقد حاجبيه قليلًا، ثم قال لها: "انتبهوا أكثر في الحياة اليومية، وحاولوا قدر الإمكان أن تستعدوا للجراحة خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. أظن أنكم اطّلعتم على التكاليف."

نظر باهر إلى الحقيبة السوداء من الجلد الطبيعي على ذراع المرأة، مقبضها متآكل ومتقشر، ثم على الحذاء الرياضي الأبيض في قدميها، وعلى البنطال الجينز الباهت من كثرة الغسيل. كانت ملبسها بسيطًا عاديًا، بينما تكلفة الجراحة الباهظة بدت أمرًا يصعب عليها تحمّله.

هذا النوع من الأمور شائع جدًا في المستشفى.

لكن اليوم، لم يستطع باهر إلا أن ينظر إليها نظرات إضافية.

نحيلة، طويلة القامة، بشرتها بيضاء، ترتدي كمامة وتضفر شعرها على شكل ذيل حصان منخفض، للوهلة الأولى تبدو شابة صغيرة، لكن ابنتها في السادسة من عمرها.

عنقها طويل، خصلات قليلة من الشعر الأسود تتدلى بلطف على عنقها، تبدو ناعمة ورقيقة.

كانت المرأة تنظر إلى الأسفل، لم تواجهه بنظرها.

واقفة خلف ابنتها مثل تمثال، وكأنها حارس لها.

كانت الكمامة كبيرة لدرجة أنها أخفت معظم وجهها، فلم يظهر سوى عينيها المتهدلتين.

منذ دخولها لم تتفوه سوى ببضع كلمات، قطب باهر حاجبيه قليلًا، معتقدًا أنها حجزت موعدًا عند الدكتور سعيد لكنها وجدته شابًا أكثر مما ينبغي فكانت غير راضية، فقال: "إذا كانت لديكِ اعتراضات على تشخيصي، يمكنني تحويل موعدكِ إلى قسم الأطفال، مدير قسم الأطفال الدكتور مجدي موجود الآن، يمكنكِ أخذ ابنتكِ لاستشارته."

أومأت المرأة برأسها بصمت، وقد غطى شعر غرتها حاجبيها وعينيها.

همست بصوت منخفض: "عذرًا على الإزعاج".

ثم جمعت الملف الطبي المبعثر على الطاولة، وخرجت بصحبة ابنتها.

نظر باهر إلى ظهرها، وازداد تجعيد جبينه، بعد مغادرة نيرة، دفع نظارته على جسر أنفه، واستمر في العمل.

كشف على مريضين متتاليين.

ثم أخد باهر استراحة قصيرة لبضع دقائق، غلى إبريق ماء، وتلقى مكالمة من زميله في الثانوية وممثل الفصل فارس اسماعيل.

"في العشرين من هذا الشهر، سيكون هناك لقاء لصفنا الثالث، كل من في مجموعة فصلنا في مدينة الزهور أكدوا حضورهم، في السنوات السابقة كنت في الخارج، هذه السنة عدت أخيرًا، فلا يصح أن تتغيب."

"حسنًا." قال باهر: "سأرى الوقت لاحقًا، جدول المناوبات لم يصدر بعد."

"مشغول دائمًا، نظمنا العديد من حفلات لقاء الزملاء، فقط أنت وصفاء راشد تغيبان كل مرة، هل تتذكر صفاء؟ تلك الزميلة الأكثر سمنة في فصلنا، بعد التخرج من الجامعة اختفت كما لو تبخرت، هل تتذكرها؟"

"ألو، ألو، باهر هل تسمعني؟"

"يا للعجب، لماذا لا تتكلم."

"هل الإشارة ضعيفة؟ لا أسمع صوتك."

غلى إبريق الماء على الطاولة وأصدر طنينًا، فاض الماء الساخن، وبللت عدة أوراق على الطاولة.

باهر الجالس في مكانه لم يتحرك، حافظ على وضعية الاتصال، ملامحه الوسيمة هادئة، لكن تحت النظارات كانت عيناه مضطربتين.

باب العيادة مفتوح.

دخلت الممرضة المارة مسرعة تقول: "يا إلهي! الماء انسكب تمامًا، دكتور باهر هل أنت بخير؟"

استجمع باهر أفكاره.

وقف على قدميه، لكنه لم يجب الممرضة، بل مشى بضع خطوات نحو النافذة، وأصابع يده التي تمسك بالهاتف بدت مشدودة قليلًا.

"هل لم تشارك في حفلات لقاء الزملاء مطلقًا؟"

نبرة الرجل كانت هادئة، لكن عينيه أصبحتا أعمق.

"من تقصد؟ هل الإشارة ضعيفة عندك؟" قال ممثل الفصل مرة أخرى: "آلو، صفاء؟ لا، لا نعرف كيف نتواصل معها." واصل ممثل الصف حديثه، لكن باهر لم يعد يُصغي.

الممرضة الشابة ذات الوجه الأحمر ساعدته في ترتيب الطاولة، أرادت أن تحدثه، لكنها لاحظت أنه يبدو شاردًا، وكأنه يفكر في شيء، ولا يرغب في الحديث، فاضطرت للمغادرة.

بدا باهر وكأنه غارق في عالمه الخاص.

بقيَت له ثلاثةُ مرضى آخرين في الصباح، ولكن لم يكُن في حالَتِه الطبيعيّة، حاوَلَ ضبطَ نفسِه بِصُعوبة، حتى أنهى عمله أخيرًا.

فتح الدرج، فأخرج علبة مخملية زرقاء طويلة، بداخلها قلم حبر أسود.

هذا القلم معه منذ ست أو سبع سنوات، آثار الاستعمال ظاهرة على هيكله الأسود الذي تقشّر منه الطلاء.

فقبل أيام، وبعد أن سقط القلم، صار الحبر يتسرب منه بشدة، فأرسله ليُصلَح، ومنذ عودته وهو يحتفظ به بعناية في الدرج دون أن يستخدمه.

دلك باهر حاجبيه، شعر فجأة بإرهاق وتعب شديد.

ركبت نيرة وابنتها الحافلة.

كانت أفكارها تتسارع، وبغير إرادتها تذكرت ذلك اللقاء قبل سبع سنوات.

كان عيد ميلاد باهر.

حينها أيضًا جاءت نيرة إلى باب القاعة الخاصة، مفعمة بالبهجة.

الضجة في الداخل كانت صاخبة ومزعجة.

"يا للهول! ما هذا على رقبة باهر؟ أثر قبلة! يا باهر، هل نمت مع تلك الفتاة السمينة؟"

"مستحيل يا رجل؟ هل تلك الفتاة السمينة حقًا حبيبتك؟"

"ماذا تقولون؟ الظلام يستوي فيه كل شيء هاهاهاها."

"هل أنت جاد يا باهر؟ عندما رأيت هذه الإشاعة في المنتدى صُدمت، هل حقًا تواعد تلك الفتاة السمينة؟"

"أليس كل ذلك بسبب تلك السمينة التي لم تتورّع عن استخدام أساليب دنيئة، وهدّدت باهر بقصّة يسرا؟ وإلا، كيف لرجل مثله أن يُقيم علاقة مع حقيرة كهذه؟!"

ثم جاء صوت باهر.

ذلك الصوت الذي لن تنساه صفاء ما حييت.

ربما لأن نبرته العميقة المميّزة كانت آسرة إلى حد أنّ أصوات الغناء في القاعة، والسخرية اللاذعة الموجّهة إليها، لم تستطع أن تطغى عليها.

"نعم، مجرد لهو لا أكثر، سأسافر للخارج الشهر المقبل."

وقفت خارج الغرفة، احمرت عيناها، وشعرت بألم في قلبها يكاد يخنقها.

كان باهر ينحدر من عائلة ثرية جدًا، خلفية عائلية متميزة، ونيرة لم تطمع أبدًا في أن يكون لهما مستقبل معًا، وكانت تعلم دائمًا أنه سيسافر للخارج، اليوم هو عيد ميلاد باهر الحادي والعشرين، كانت نيرة تخطط لإنهاء هذه العلاقة بعد تهنئته بعيد ميلاده.

لكن ذلك الحب القصير، الذي لم يُكتب له أي نهاية، تحوّل تحت وقع الكلمات القاسية إلى رمادٍ متطاير.

أما هديتها له فكانت قلم حبر أسود.

ادّخرت من أجله مائتي دولار، من عملٍ جزئي استمر شهرين كاملين.

سخر أصدقاؤه قائلين: "من أين هذه السلعة الرخيصة؟ هل تلك الفتاة السمينة أهدتك إياها؟ هل ستستخدم مثل هذا القلم؟"

"متى كان باهر يستخدم مثل هذه الماركات الرديئة؟ هذا يقلل من قيمتك."

"ماما..."

فجأة، أمسكت ابنتها بيدها وهزتها.

استفاقت نيرة من الذكريات الخانقة، واحتضنت ابنتها.

تأملت وجهها الصغير، ذلك الوجه الذي يحمل ملامح قريبة من ملامح باهر. ومع كل يوم يكبر فيه جسدها، تزداد ملامحها شبهًا به.

"ماما، هل الطبيب الذي فحصني اليوم هو أبي؟"

Lanjutkan membaca buku ini secara gratis
Pindai kode untuk mengunduh Aplikasi

Bab terbaru

  • ضباب حالم   الفصل 100

    لكن على الشرفة، بدا وكأنّ هناك خطًّا خفيًا يفصل بين الضوء والظلّ.ظلّ الرجل الطويل ارتسم على الأرض في تلك العتمة المتقطّعة بالضوء.لا أحد يعلم، أنه كان جادًّا تمامًا عندما أجاب عن ذلك السؤال.وصلت نيرة اليوم إلى مكتبها متأخرة قليلًا، صحيح أن مكتب تصميم إل أند إم يعتمد نظام العمل المرن، لكن مع اقتراب نهاية السنة وتقييم الأداء السنوي، تحوّل الجميع إلى حالة من المنافسة المحمومة.ما إن جلست على مكتبها حتى تذكّرت أن حاسوبها تعرّض لعطل قبل أيام، ولم يتمكن الفنيّ من إصلاحه بعد، فاضطرت أن تخرج جهازها اللوحي من الحقيبة.لم يكد يمضي دقيقتان على جلوسها، ولم تتح لها الفرصة حتى لخلع معطفها، حتى بدأ اجتماع الصباح المعتاد.انتهى الاجتماع، فأوقفتها لينا قبل أن تغادر، وطلبت منها أن تتسلّم عملًا جانبيًا خاصًا؛ كان عبارة عن تصميم فستان سهرة، والموعد النهائي بعد نصف شهر.قدّمت لينا عرضًا ماليًا مناسبًا، فأومأت نيرة موافقة.قالت لها، "حسنًا، سأرسل لكِ تفاصيل المطلوب لاحقًا".عادت نيرة إلى مكتبها وجلست، لكن هاتفها رنّ بعد دقيقتين فقط، كان السيد منير يطلبها إلى مكتبه.في المكتب، جاء مسؤول العلامة التجارية من

  • ضباب حالم   الفصل 99

    "كيف تقولين هذا عن شقيقك؟ ألا تتمنين له الخير؟"لم تنتظر السيدة هويدا رد شيماء ثم تابعت قائلة، "أنا أعرف، أليس ابن عم سليم هو منير؟ وجدّه أستاذ محترم في جامعة النهضة، على الأرجح لن يتقبل مثل هذا الوضع بسهولة".لم تحصل شيماء على جواب واضح، وشعرت بالارتباك.سارت وهي تسند والدتها إلى الحديقة الصغيرة في الخارج، تمشيان معًا بهدوء.تبدو هويدا كعجوز لطيفة مرحة، لكن من يعرف تاريخها يدرك أنّها قضت سنوات طويلة إلى جانب زوجها سالم في عالم المال والأعمال، فاكتسبت خبرة ونظرة ثاقبة لا يستهان بهما.حاولت شيماء أن تدافع عن نفسها للمرة الأخيرة، "كنت أتحدث على سبيل الافتراض فقط...!"فقالت لها والدتها، "حتى على سبيل الافتراض لا يجوز، هذا الكلام لا يقال إلا أمامي. لو سمعه والدكِ، لأصابته نوبة من شدة الغضب وارتفع ضغطه إلى السماء".عاد باهر إلى المنزل.كان نيمو ممددًا على الأريكة، رفع رأسه ونظر إليه بكسل ثم أعاد إغلاق عينيه واستلقى من جديد.كلب مسنّ، لم يعد حيويًا كما كان في البداية.فالكلاب من نوع جولدن ريتريفر معروفة بحماسها الشديد، وخاصة نيمو، فهو خليط بين سامويد وجولدن ريتريفر.في صغره كان سببًا في الكث

  • ضباب حالم   الفصل 98

    قفز عرق خفيف في جبين باهر.أطرق رأسه وقضم قضمة من التفاحة بين يديه.خارج النافذة كان الليل حالك السواد، لا يقطعه سوى وهج مصابيح الشارع وظلال المارة وعجلات السيارات العابرة.انعكس الضوء على وجهه، فبدا عميق الملامح، بارد القسمات.وعلى التفاحة التي في يده، الحمراء القانية كأنها حبة مصقولة.كانت سارة قد أعطته إياها بنفسها، أكبر تفاحة وأكثرها حمرة.لكن كلما أكل منها، ازدادت حموضتها في فمه.قال أخيرًا ببرود، "أخبري أمي أنني الأسبوع القادم مشغول، والذي يليه مشغول أيضًا، ولا داعي لأن تقلق بشأن تلك الأمور، أما الشابات اللواتي رتبت لرؤيتهن فلن ألتقي بأي منهن".أما شيماء فكانت ترى أن المسألة الطارئة الآن ليست حضور أو عدم حضور لقاءات تعارف، بل إنّ شقيقها الأصغر، ابن أرقى عائلات مدينة الزهور، يفكر باقتحام حياة امرأة متزوجة.فسألته، "باهر، هل تدرك أنه إن علم والدانا بما يجول في رأسك، فستكون كارثة؟"ردّ بهدوء، وصوته خالٍ من الانفعال، "ألم أقل إنني لم أفعل شيئًا بعد؟"ثم أطرق يتأمل التفاحة في يده وقد بدأ لونها يتغير مع الأكسدة.صرخت شيماء وهي تمسك قلبها بيدها، "لو عرفا أنك تنوي أن تصبح رجلًا يقتحم زوا

  • ضباب حالم   الفصل 97

    رمشت سوسو بعينيها "هممم".فسألتها نيرة، "وهل تحبين العم وائل؟"أجابتها سوسو، "أجل، أحبه".كانت والدة وائل على معرفة وطيدة بالسيدة شكرية، فهما من سكان الحي نفسه. ولأن السيدة شكرية تعيش بمفردها، كلما تعطّل الدش أو انطفأ الضوء كان يأتي وائل في أوقات فراغه ليصلح ما تعطل.وهكذا رأته سوسو عدة مرات.ظنّت نيرة أنها ستسمع من الطفلة إجابة عفوية واضحة، فالأطفال في هذا العمر لا يعانون من تعقيدات الكبار. غير أنها لم تتوقع أن ترى في وجه سوسو لمحة تردّد وتفكير.فقالت سوسو، "العم وائل طيّب، لكن العم باهر أطيب بكثير".وحين لاحظت سوسو صمت والدتها، تابعت ببراءة، "أمي، هل يمكن أن يأتي العم باهر مع مهند في عيد ميلادي؟"كان عيد ميلاد سارة بعد أسبوع واحد.ربتت نيرة على شعر ابنتها برفق وقالت، "سوسو، ذلك اليوم يصادف يوم السبت، وسنذهب لرؤية جدتكِ الكبرى"."آه" بدت على الطفلة مسحة من الخيبة، لكنها ما لبثت أن ابتسمت وقفزت إلى حضن نيرة بفرح وقالت، "إذن سنرى جدتي الكبرى ذلك اليوم! لدي الكثير لأقوله لها، وقد رسمت لها لوحة جميلة!"استقل باهر سيارة أجرة عائدًا.وفي الطريق، فتح تطبيق الواتساب.وجد أن شيماء أرسلت إليه ر

  • ضباب حالم   الفصل 96

    جلس باهر على الأريكة.كانت الأريكة صغيرة، لكنها مريحة للغاية، تعلوها وسائد باللون البيج.لم تكن غرفة المعيشة واسعة، ومع ذلك، تنبض بدفء مألوف.وُضع على الطاولة مزهرية شفافة تحتضن أزهارًا نضرة، وعلى حافة النافذة اصطفّت بضع أصص صغيرة من نباتات الزينة.التلفاز قديم الطراز وصغير الحجم، وعلى الطاولة تحيط به ملصقات ملوّنة اختارتها سوسو بحب.رائحة الهواء عذبة، تبعث على الطمأنينة.بدا سطح الطاولة فوضويًا قليلًا، إذ تراكمت فوقه كتب الفتاة، ولوحة يدوية مرسومة بعناية، وأقلام ألوان مائية مبعثرة.سوسو ما إن تعود إلى البيت حتى تجلس هنا، مستغرقة في الرسم بكل تركيزها.ظلّ باهر يتأملها.رفعت الصغيرة رأسها وقالت ببراءة، "عمو باهر، تحب تاكل فاكهة؟"كان يريد أن يجيب، "لا أريد".لكنه أومأ برأسه موافقًا.قفزت الصغيرة واقفة، وركضت نحو الثلاجة بخفة، شعرها المربوط على شكل ذيل حصان يتمايل مع كل خطوة، في مشهد يفيض براءة.وقفت على أطراف أصابعها تنادي أمها.اقتربت نيرة بهدوء، وساعدتها في إخراج تفاحة.وهكذا، وجد باهر نفسه يتلقى التفاحة الصغيرة من يدي سوسو.كل هذه التفاصيل كانت لحظات عابرة لكنها دافئة، غير أنها بالنس

  • ضباب حالم   الفصل 95

    داخل المجمع السكني، لم يكن كثيرون يعرفون أنّ نيرة تزوجت من خالد ثم انفصلت عنه، وأنّ زواجهما كان زواج مصلحة لا أكثر. مثل هذه الأمور ليست مما يفاخر به المرء أو يتحدث عنه علنًا، خصوصًا أمام كبار السن، فهؤلاء لا يفهمون مثل هذه التعقيدات.ولم يكن من المجدي أن تضيّع وقتها في الشرح أو الدفاع عن نفسها، فالذي لا يريد أن يفهم، لن يقتنع مهما شرحت. ماذا يفيد أن تفسر لسيدة مسنّة في السبعين أو الثمانين؟ لن تصدّقك على أي حال.بمرور الوقت، لم تعد نيرة تهتم إلا بأن تعيش حياتها بهدوء. أما الكلمات الجارحة، فقد صارت تتجاهلها عمدًا، وكأنها لم تسمع شيئًا.عندما وصلوا إلى باب بيتها، التفتت سوسو إليها فجأة وابتسمت ابتسامة واسعة، وكأنها ترى في ما حدث قبل قليل لعبة ممتعة.ففي عالم الطفلة البريء والنقي، بدا الأمر وكأن والدتها كانت تدفع باهر إلى الأمام لتلعب معه لعبة ما.ابتسمت نيرة بدورها، ومدّت إصبعها لتداعب أنف ابنتها برفق وقالت لها، "هيا، انزلي".أمام ابنتها، كانت دائمًا تشعر بأنها تملك قوة لا حدود لها، قادرة على تبديد أي حزن أو كدر.أنزل باهر سوسو عن كتفيه.صعد ستة طوابق كاملة على قدميه، ومع ذلك لم يتغيّر لو

Bab Lainnya
Jelajahi dan baca novel bagus secara gratis
Akses gratis ke berbagai novel bagus di aplikasi GoodNovel. Unduh buku yang kamu suka dan baca di mana saja & kapan saja.
Baca buku gratis di Aplikasi
Pindai kode untuk membaca di Aplikasi
DMCA.com Protection Status