LOGINانتظرت الممرضات حتى غادرت نيرة.ثم أطللن برؤوسهن إلى الداخل."لو كانت لديّ حبيبة مثلها وتريد تركي، كنت سأفقد صوابي أيضاً."وصلت نيرة إلى جناح المرضى.فلمحت القلادة الموضوعة على منضدة السرير، وكانت شمس الصباح صافية، فانساب الضوء عبر الماسات المرصعة فوق القلادة، فتلألأت بوميضٍ حاد انعكس في عيني نيرة، فتنهدت في سرّها…حين اتصلت بها الممرضة قبل قليل، كانت تخشى أن يكون باهر قد أقدم على شيءٍ متهوّر ثانية.أخذت القلادة ووضعتها في حقيبتها.ثم ألقت بالكيس الذي كانت تحمله فوق منضدة السرير.وراحت تضبط تنقيط المحلول.كان باهر مستيقظا وقتها.لكنه مغمضٌ عينيه من التعب.وقد شعر بنيرة حين دخلت.فرائحتها تختلف عن الجميع.وصوت خطواتها لا مثيل له.مع هذا لم يجرؤ على فتح عينيه، لكنه عندما سمع ارتطام ذلك الشيء بمنضدة السرير، ارتجف جفناه الرقيقان قليلا.أحضرت نيرة حاسوبها المحمول.ولما رأته لا يزال نائما.جلست على كرسي المرافق ووضعت الحاسوب على ركبتيها.تذكّرت أن دفتر الرسم خاصتها ما زال هنا.مرّت الدقائق ونيرة مركزة على شاشة الحاسوب، وأصابعها ممسكة بقلم الرسم. وبعد لحظات، تململ باهر في السرير، فرفعت بصرها ن
شعر باهر بثِقل يجذب جفنيه، كأنها آلية حماية يلجأ إليها الجسد حين ينهكه التعب. كان منهكًا فقبض على يد نيرة بحركة لا إرادية، وأغلق عينيه ببطء وخلد إلى الراحة.اشتدت قبضته على يدها، ثم ما لبثت أن تراخت تدريجيًا بعدما غلبه النوم.انتظرت نيرة حتى تأكدت أنه نام، ثم غادرت.عادت إلى منزلها، اغتسلت وبدلت ثيابها ثم فتحت علبة طعام لكلبها توتو، فتذكرت نيمو الذي تُرك وحيدًا في البيت.فتحت باب منزل باهر ووضعت طعام لنيمو وقالت له: "صاحبك بخير الآن."فهم نيمو كلامها، وما إن فرغ من طعامه حتى استلقى على الأريكة ونام.توجهت نيرة إلى غرفة نوم باهر وأخذت منها بيجامة نظيفة وضعتها في كيس ورقي لتأخذها إلى المستشفى.فتحت حاسوبها المحمول وراجعت ملخص الاجتماع الذي أرسلته لها ميرا في الصباح.وحينئذ تلقت اتصالًا من شهيرة.تستفسر فيه عما جرى.شرحت لها نيرة الأمر بإيجاز، فلم يكن بوسعها اختزال كل ما حدث الليلة الماضية في بضع كلمات فقط.صمتت شهيرة لثوان ثم قالت: "هل جُنَ باهر؟"قالت نيرة: "ربما." فما إن تتذكر طريقة ابتلاعه لتلك القلادة حتى يقشعر بدنها، وفجأة تذكرت القلادة التي تركتها على منضدة السرير، فإذا استيقظ ولم
لم تكن تبغضه...لم تكن تنوي أن تقضي حياتها في سجن كراهيته!وهو بدوره لم يكن يريدها أن تكرهه، لكن ما أضناه خوفًا، هو أن تنساه تمامًا.في حدود التاسعة صباحًا، جاء الطبيب ليتفقّد حالته. لم يكن هو ذاته طبيب الأمس، بل كان شابًا هذه المرة. أوصى نيرة ببضع ملاحظات: "لقد تضرّر الحلق والمريء، وبسبب وجود التهاب حاد في المعدة، تقرح غشاؤها المخاطي، كما أن حنجرته متورّمة، ومن الطبيعي أن يعاني خلال الأيام القادمة من عسر في البلع وألم وبحة في الصوت."طلب الطبيب من نيرة أن تراقب وضعه باستمرار، وأن تستدعي الطبيب المتواجد فورًا إذا ظهرت عليه أيّ علامات صعوبة في التنفّس.جلست نيرة عند حافة السرير، خفضت رأسها وألقت نظرة على ما كانت ترتديه...ما زالت ترتدي بيجامتها الوردية المنزلية، ولحسن الحظ أن تصميمها بسيط وغير متكلّف؛ فهي أحيانًا ما كانت ترتديها خارج البيت عندما تنزل لالتقاط طردٍ ما، أو لتمشية الكلب أسفل المبنى.لم تحضر شاحن هاتفها معها، وكانت نسبة البطارية 25%.نظرت إلى باهر وهو مستلق أمامها على السرير.كانت شفتاه متشققتين وجافتين، فتذكرت ما قالته الممرضة عن إمكانية شرب القليل من الماء الدافئ بعد ست ساعا
لم يتوقع باهر أيضًا أن تدخل الممرضة في هذه اللحظة.استند على ذراعيه وجلس.قالت له نيرة: "اطلب من مساعدك أن يأتي، أنا راحلة."شهق باهر فجأة وكأنه سيختنق، ثم انطرح مجددًا على السرير، وغطى نفسه بالبطانية وتكور تحتها.نظرت إليه نيرة، وفورا أخرجت هاتفها واتصلت بالرقم الذي اتصل بها بالأمس.أجابها كرم على الناحية الأخرى."أهلا يا آنسة نيرة، لقد اضطررت إلى السفر فجأة لظروف العمل، أنا في طريقي إلى المطار الآن، سأكون على متن أول رحلة متجهة إلى مدينة الزهور."كانت نيرة قد سافرت في السابق على متن أول رحلة متجهة من مدينة الذهب إلى مدينة الزهور؛ بل إنها خاضت تلك الرحلة عدة مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي تعرف أن كرم يتلقى أوامره فقط من الشخص الراقد أمامها على سرير المستشفى، فعن أي رحلة يتحدث؟! قالت له عبر الهاتف بنبرة هادئة وهي تكتم غضبها: "إذن يا سيد كرم أنت في المطار الآن، وهذا يعني أنك ستنتظر ثلاث ساعات أخرى حتى موعد الرحلة."سكت كرم تمامًا، فقد أدرك أن حيلته قد انكشفت.أنهت نيرة المكالمة ونظرت إلى باهر.شعر باهر بالارتباك من نظراتها، لكنه ظل ممسكًا ببطنه وهو يتنفس بصعوبة وعينيه نصف مغمضتين
اتكأت نيرة على ذراعها لتنهض. كانت وجنتاها باردتين؛ فقد جاءت إلى المستشفى مرتدية بيجامة وردية خفيفة ذات أكمام طويلة وسروال طويل. بحث باهر عن ثوب يلقيه على كتفيها.لكن لم يكن في الغرفة سوى البطانية الثقيلة التي تغطي جسده.فخلع باهر قميص بيجامته السوداء ووضعه على كتفيها.ثم استلقى على جانبه، وكان لا يزال يشعر ببعض الألم في معدته، فقبض بيده على بطنه وانتظر ريثما يهدأ الألم، لكنه لما نظر إليها وهي نائمة، زال عنه العطش والألم أيضًا.كان يمد يده بين الحين والآخر، يزيح خصلات شعرها المتدلية على خدها، برفقٍ خلف أذنها.كانت تبدو هادئة مطيعة وهي نائمة.تتنفس بسلاسة هدوء.ورموشها الطويلة ترتجف بخفة بين الحين والآخر.سقطت خصلة صغيرة على خدها مرة أخرى، فمد باهر يده ليزيحها إلى الخلف، ففتحت نيرة عينيها.كانت الشمس قد أشرقت.دعكت نيرة رقبتها المتألمة من التعب، ونظرت إلى باهر وهو مستلق على سرير المستشفى، ثم جلست فسقط القميص عن كتفيها.كانت بيجامتها حريرية ملساء، وملابس باهر كذلك.لذا عندما جلست، انزلق عنها قميص البيجامة الرجالية.مدت نيرة يدها –بحركة لا إرادية- لالتقاطه.ثم تجمدت لوهلة، ونظرت مرة أخرى إ
انحنى باهر برأسه، وأسند حاجبيه على جبينها، غير مكترث بالألم الذي يعتصر جسده وروحه، كان كل ما يشغله وقتها، أن يتمسك بالمرأة التي يتوق إلى امتلاكها.كان يخشى أن تكرهه.ويخشى أيضًا ألا تشعر بشيء تجاهه...حتى ولو ببعض الكراهية!أو أن تنساه تمامًا.أو ربما بعد ثلاث سنوات، أو حتى عشر سنوات، يقف بجانبها رجل آخر، فتنسى الألم الذي سببه لها.ويصبح في عالمها مجرد عابر سبيل.عندما فكر باهر في كل هذا، اجتاح صدره ألم شديد، فوضع يده على صدره وانحنى ببطء ووجهه شاحب والعرق يتصبب من جبينه. مدت نيرة يدها لتسند ظهره.وما إن لمست عظام عموده الفقري البارزة النحيلة.هوى على الأرض كما كان من ساعتين بالضبط.استدعت الممرضة الطبيب على الفور.حاولت نيرة أن تسنده وهو راكع على الأرض وترفعه، وهي تقول: "باهر."قال باهر: "لقد تناولت مثلجات القلقاس مع الفاصوليا الحمراء التي كنتِ تُعدينها، طلبتها عبر خدمة التوصيل عدة مرات، وفي كل مرة كنت أكتب في الملاحظات عند إتمام الطلب، أن تصنعيها أنتِ بنفسكِ، ومنذ أن تركتِ العمل في ذلك المطعم، لم أعد أتناولها. وتناولت أيضًا ثمار الكرز المجففة التي أرسلتِها لي، قلتِ إنها من ثمار الشجرة






