Share

الفصل3

Aвтор: ون يان نوان يو
حملت لينا حقيبتها واتجهت إلى منزل صديقتها المقرَّبة مريم.

رفعت يدها بخفَّة وطرقت الباب مرة واحدة، ثم وقفت بجانبه تنتظر بهدوء.

كانت لينا ومريم يتيمتين، تربّيا معًا في دار الأيتام، فكانتا كالأخوات.

تذكّرت لينا كلمات مريم عندما أخذها أنس بعيدًا: "لينا، إذا ما تخلى عنكِ يومًا، اذكري أن لكِ بيتًا هنا."

كانت هذه الكلمات هي ما منحتها القوة لرفض منزل أنس.

فتحت مريم الباب سريعًا، وما أن رأتها حتى ارتسمت على شفتيها ابتسامة دافئة تلامس عينيها.

"لينا، ما الذي أتى بكِ؟"

شدَّت لينا قبضتها على مقبض الحقيبة، ثم قالت بخجل: "مريم، جئتُ لألوذ بكِ."

لم تلاحظ مريم الحقيبة إلا الآن، فتبددت ابتسامتُها فجأةً، "ماذا حدث؟"

تظاهرت لينا بالهدوء وضحكت ضحكة خفيفة: "انفصلنا."

تجمّدت مريم للحظة، بينما كانت عيناها تراقبانِ لينا التي تحاول إخفاء حزنِها خلف ابتسامة متكلَّفة.

كان تلك الوجه الصغير بحجم كفّ اليد، نحيلًا إلى حدّ غور العينين، وبشرة شاحبةً.

أما جسدها الواقف في مهبّ الرياح، فبدا رقيقًا كالورقة التي تكاد تتمزق.

أمام صديقتها المهشمة، شعرت مريم فجأةً بألم يعصر قلبها.

أسرعت نحوها تحتضنها بقوة، همست في أذنها: "لا تحزني أختكِ هنا بجواركِ."

عند سماع هذه الكلمات، احمرّت عينا لينا من شدة كتم البكاء.

أحاطت ذراعيها حول مريم، تربّت على ظهرِها برفق: "أنا بخير لا تقلقي."

لكن مريم علمت جيدًا أنها تتظاهر بالصلابة فقط.

فقد رأت بأم عينها كم أحبّت لينا أنس بجنون.

خمس سنوات كاملة، عملت لينا دون توقف كي تجمع مليونا لتسدّدها له، ظنًّا منها بسذاجة أن المال قد يُغيّر نظرتهُ إليها.

لكن في النهاية، انتهى الأمر بها مهجورةً بقسوة.

تذكّرت مريم فجأة تلك الليلة الممطرة قبل خمس سنوات.

لو لم تذهب لينا لتبيع نفسها من أجل وليد، لما التقت بأنس أساسًا.

لكانت لينا عاشت حياة مشرقة.

لكنَّ الأقدار لا تعيدُ ما فات.

أبت لينا أن تُشاركها مريم أحزانها، فدفعتها برفق وارتفعت على شفتيها ابتسامة دافئة: "ألا تريدين أن تُضيفيني؟ تركتني أتجمد على عتبة بابِكِ!"

لمحَت مريم في عيني صديقتها إرادة صلبة، فهدأَت مخاوفها.

كانت تعلم أن لينا ستتخطى المحنةَ سريعًا، فالهجر بالنسبة لأمثالِهما – أيتام بلا مأوى – أمر اعتادو عليه.

ما دام القلب ينبض، فلن يُقهرَهم حزن.

بينما كانتْ هذه الأفكار تهدئ من روعِها، أخذت الحقائب من يد صديقتها وسحبتها بلطفٍ نحو الداخل: "كفى حديثًايثاً عن الضيافة! هذا بيتُكِ منذ اليوم، فَأقري فيه ما شئتِ!"

ثم ولَّت مسرعة لتُحضر لها لباس نوم نظيف: "استحمي الآن، سأعدُّ لكِ طعامًا شهيًاً ثم ترتاحي قليلاً. لا تُفكري في شيءٍ آخر، اتفقنا؟"

أومأت لينا برأسِها طيعةً: "حسنًا."

دائِمًا ما كانت مريم هكذا... تعطيها كل الحب دون شروط، كشُعاع ضوءٍ دَفَّأَ حياتها.

لكنَّ فشل القلبِ في مراحلهِ الأخيرةِ وسرعانَ ما سينتزعُ حياتَها.

لو علمت مريم بأنّ رفيقتها ستغادر هذا العالم قريبًا، لَانهارت باكيةً.

كيفَ لقلب رقيق مثل قلبِها أن يتحمَّل هذا الخبر؟

بينما كانتْ تُراقبُ ظلَّ مريم يتحرَّكُ في المطبخِ، توجَّهتْ إليها بهدوءٍ: "مريم.. أريدُ أن أستقيلَ من عملي."

أومأتْ مريم موافقةً : " بالفعلِ حانَ وقت راحتِكِ! لقد أنهكتِ نفسكِ سنينَ طويلةً، استقيلي فورًا وتفرَّغي للراحة، دعِي أمور العمل عليَّ."

احتضن الدفء قلب لينا، فأجابت بصوتٍ خافت: "حسنًا"، قبلَ أن تبتعد نحو الحمَّام، وتلمع الدموع في عينيها.

لم تنصفْها الحياةُ يومًا.

وإذا كانَ الفراق حتميًا، فلتقضِ الأشهر الثلاثةَ الأخيرةَ بجوار مَن أحبَّت.

في صباح اليوم التالي، أخفتْ مساحيقُ التجميلِ شحوب وجهِها، ثمَّ انطلقتْ إلى الشركة لتقديم استقالتِها.

ما كادت تجلس في مكان عملها حتَّى اقتربت منها زميلتُها رنا على بكرسيها.

"لينا، هل اطلعتِ على البريد الإلكترونيّ؟"

هزَّت لينا رأسها بالنفي؛ فقد قضتْ عطلةَ الأسبوع مع أنس، فمتى كان لديها وقت للبريد؟

أكملت رنا بحماس: "أرسلت لنا فريدة بريدًا تُعلن فيه أنَّ ابنة رئيس مجلسِ الإدارة ستستلم منصب المدير التنفيذيّ اليومَ!"

لم تكن لينا تهتمُّ كثيرًا؛ ففي النهايةِ هي مغادرة، فما يُهمُّها مَن سيأتي؟

لكنَّ رنا كانتْ متحمسةً للنميمة: "يُقالُ إنها عادت حديثًا من الخارج، رغم حصولِها على دكتوراه في إدارة الأعمال، لكنَّها تفتقر للخبرة العملية! كيف ستتولى المنصب بهذه السهولة؟"

سخرت فرح الجالسة بجوارها: "ومن يجرؤ على انتقادِها؟ ألستِ تعلمين أنها الحبيبة القديمة لأنس؟"

عندما سمعت اسم عائلة الفاروق، تجمدت أصابع لينا على فأرة الحاسوب للحظة.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 150

    لم تجد منى ما ترد به على هذا الكلام، فاكتفت بابتسامة خفيفة وهي تنظر إلى مريم، مما جعل الأخيرة تشعر بعدم الارتياح.اتجهت إلى غرفة النوم الصغيرة وطرقت الباب، وذلك بعد أن دعتها للجلوس على الأريكة مع السيد باسل."لينا، هناك من يريد مقابلتك."كانت لينا في الداخل، كانت قد استيقظت بالفعل عندما فتح أحدهم الباب. وقد سمعت حديثهم في الخارج، لكنها لم تكن تملك الطاقة للنهوض.اندفعت مريم إلى الداخل حينما رأت أن لينا كانت تحاول أن تنهض بصعوبة."لينا، ما بكِ؟"سمع السيد باسل ومنى ما جرى، فهرعا إلى الداخل. حاول السيد باسل التقدم، لكن منى سبقته بقولها، "أنت رجل أعمال، أما أنا فطبيبة، دعني أتولى الأمر."دفعته منى جانبًا، وتقدمت بسرعة نحو السرير، وضعت يدها على جبين لينا، ثم أخرجت مقياس الحرارة لقياس حرارتها."هل خرجتِ والسماء تمطر؟"لم تكن درجة الحرارة مرتفعة جدًا، لكن بالنسبة للينا، فإن القليل من الحرارة قد يكلفها حياتها.ويبدو أنها تبللت حين غادرت فيلا أنس الفاروق، ورغم أن السيد باسل حاول تغطيتها بمعطفه، إلا أن ذلك لم يمنع البلل.امتلأت ملامح السيد باسل بالندم، وحاول أن يمسك يدها، لكنها تجنبت لمسته. لم

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 149

    طرقت منى الباب، لكن لم يكن هناك رد.خمّنت أن لينا ربما غارقة في النوم العميق، وبينما كانت تفكر في كيفية فتح الباب، حينها دوى صوت غاضب خلفها،"من أنتم؟ لماذا تقفون أمام باب شقتي؟"كانت مريم قد أرسلت إلى لينا عدة رسائل في الأيام الماضية دون رد، ولكن حتى المكالمات لم تُجب عليها، فقلقت عليها وقررت زيارتها لتطمئن. لكنها ما إن خرجت من المصعد، حتى رأت مجموعة من الرجال ببدلات سوداء، وكان كل من باسل أبو الذهب ومنى محاصرين بهم، لكنها لم تنتبه لهما، وظنت أن هناك عملية سطو، فخطفت المكنسة التي تركها حارس المبنى في الممر واندفعت نحوهم وهي تصرخ.كانت تأمل أن تفرض هيبتها بصفتها مالكة للشقة على هؤلاء، لكنهم لم يلتفتوا لها سوى بنظرة باردة لا مبالية.مريم...حين سمع باسل أبو الذهب صوت مريم، أشار لحراسه بالتنحي جانبًا. وحين أفسحوا الطريق، رأت مريم باسل أبو الذهب وسألته بحدة،"لماذا أتيت مع هذا العدد كله وتحجب باب بيتي؟"رمقته بنظرة حادة، حيث تذكرت الركلتين اللتين وجههما إلى لينا، وتساءلت في نفسها، هل أتى ليزيد الطين بلة؟أخفض باسل أبو الذهب رأسه، واعتذر بصوت مملوء بالأسف، "آسف، مريم، أتيت من أجل شيء ما."

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 148

    إذا عثر على قلب مناسب، يمكنكِ أخذها مباشرة لإجراء عملية الزرع، ولا حاجة لأن تخبرني بأي شيء يتعلق بها بعد ذلك."كلمات باردة قاطعت أفكار منى. لو كان يهتم حقًا، ما كان ليقول ذلك بهذا البرود.كان واضحًا أنه أنهى علاقته بها، وفي النهاية فقط أراد أن يقدم لها معروفًا أخيرًا.فلم يكن يهتم إطلاقًا ما إذا كان الدكتور جورج سيعثر على قلب مناسب، وما إن كانت السيدة لينا ستنجو.وإلا لما أوصى بألا تُبلّغه بأي شيء يخصها بعد الآن.هذا اللامبالاة لا تعني إلا أن العلاقة قد انقطعت تمامًا.لكن السيد أنس على الأرجح يبذل مجهودًا لا جدوى منه، فحالة السيدة لينا الآن قد لا تتحمل انتظار قلب مناسب.أخذت منى تفكر، وبما أن السيد أنس لا يبالي، فلم ترَ أن هناك داعيًا للكلام، واكتفت بالرد، "حسنًا" ثم أخذت الأشياء وغادرت.بعد مغادرتها، لم يستطع أنس كبح نفسه، فقبض على يده وقد بدت عظام يده البارزة فوق الحاسوب المحمول.تذكرت منى وهي في طريقها للخروج أنها نسيت أن تسأل عن العنوان، لكنها لم تجرؤ على العودة، فسألت سامح الذي كان واقفًا عند الباب، "أخي، هل تعرف أين تسكن السيدة لينا؟"أومأ سامح برأسه، فقد كان هو من يذهب ليأخذها

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 147

    كانت لينا تعلم أن باسل أبو الذهب لا يزال واقفًا خارج الباب، لكنها لم تطلب منه المغادرة، لأنها كانت تعرف أن عائلة أبو الذهب لن تسمح له بإضاعة الوقت في هذه المدينة لفترة طويلة، ولن يمر وقت طويل حتى يُعاد بالقوة.عادت إلى منزلها، واغتسلت، ثم فتحت الدرج وتناولت الأدوية التي وُصفت لها في المستشفى.لقد نسيت إخراج الدواء الخاص الذي أعطتها لها منى، وكذلك هاتفها المحمول وأشياء أخرى. لقد كانوا في عجلة من أمرهم في ذلك الوقت، لذلك ارتدت ملابس أنس الفاروق وساعدوا باسل أبو الذهب على الخروج من الفيلا. أمسكت بذلك المعطف المشبع برائحة عطره، رفعت يدها ولمسته، ولم ترد أن تتركه.لكن حين تذكرت تلك الجملة التي قالها لها في أذنها، تلاشى الحنان من عينيها فجأة.كانت الوصية لا تزال محفوظة في الدرج دون أن تمسّ، أخرجتها، ثم وجدت تلك الورقة التي كتبت عليها اسم "أنس الفاروق ".ثم أمسكت بالقلم وكتبت تحتها سطرًا.قال، "لا تأملي أن أحبك، واتضح أنه لا يحبني."ربما لأن الأيام الماضية كانت مرهقة جدًا، فبمجرد أن لامست السرير، فسرعان ما دخلت في سبات عميق.فمرضى المراحل المتقدمة يغرقون في النوم سريعًا.أما الرجل الواقف خا

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 146

    وليد، هل تعرف لماذا أتيت لاستقبالك؟ لأن تاليا أجبرتني، وإلا لما كنت سأراك مرة أخرى أبدًا.""أنا نسيتك تمامًا، وأتمنى أن تنساني أنت أيضًا، عد إلى العاصمة واهتم بشؤون شركة أبو الذهب، فهذا هو بيتك الحقيقي."قالت لينا ذلك دفعةً واحدة، ثم همّت بفتح الباب للنزول، لكن السيد باسل أمسك بها من الخلف وعانقها.أسند رأسه المتعب إلى عنقها وقال بصوت مبحوح يختنق بالبكاء، "لينا، لا أستطيع نسيانك، ولن أنساك مدى حياتي. أرجوك، لا تتركيني."باسل أبو الذهب، بطبيعته عنيد ومهووس، ليس مثل أنس الفاروق المتغطرس والبارد، لا يرحل لمجرد سماع بضع كلمات قاسية. وإن أرادت أن تقطع علاقتها به نهائيًا، فعليها أن تكون أكثر قسوة من ذلك.تنهدت لينا بعمق، واستدارت نحوه قائلة بحدة وهي تعض شفتيها، "سيد باسل، اسمعني جيدًا. لا يهم إن كنت تستطيع نسياني أم لا، المهم أنني لم أعد أحبك. وتمسُّكك بي الآن يجعلني فقط أحتقرك، بل وأكرهك أيضًا."بدأت تفك أصابعه التي كانت تطوّق خصرها واحدة تلو الأخرى، وقالت بصوت بارد، "تظن أنني سأعود إليك وكأن شيئًا لم يكن بعد أن ركلني أخوك مرتين؟ دعني أخبرك أن هذا مستحيل. تلك الركلات جعلتني أكرهك أكثر، وكون

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 145

    كان وليد قد شعر بالفعل بذلك منذ البداية، لكنه لم يتوقع أن تعترف به أمامه بهذه الصراحة.لقد قالتها، دون مراعاةٍ لمشاعره، لأنها ببساطة لم تعُد تحبه.كان من الطبيعي أن يحدث ذلك، فهو قد غاب عن حياتها خمس سنوات، بطريقة لم تكن أقلّ من قاسية. أن تحب شخصًا آخر خلال هذه الفترة، ليس غريبًا.لكن... لماذا الألم كان بهذه الوحشية؟وضع يده على صدره، وانحنى بجسده إلى الأمام، كمن يحاول التقاط أنفاسه بصعوبة.كان الهواء يدخل رئتيه بصعوبة بالغة، وشعور خانق قبض على قلبه، يكاد يخنقه، ولا يترك له مجالًا للنجاة.سال من جبينه عرق، أم دموع؟ هو نفسه لم يعد يعلم.كل ما استطاع قوله أخيرًا بصوت مرتجف،"وماذا أفعل الآن...؟"ماذا يفعل؟حياته بأكملها لم تكن إلا من أجل لينا.والآن هي تحب أنس الفاروق... فماذا يبقى له في هذه الحياة؟نظرت لينا إلى انهياره أمامها، وشعرت بذنب عميق، وهمست بنبرة نادمة،"آسفة..."لكن وليد رفع عينيه المحمرتين من شدة البكاء، وبدا في عينيه انعكاس لوجه لينا الحزين،"أنا لا أريد أسفك، أريدك أنتِ. لينا، توقفي عن حبه، وعودي إليّ من جديد، أرجوكِ."أمسك يدها الباردة بقوة، وقرّبها من صدره بحرارة،"أعدك،

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status