Share

الفصل5

Author: ون يان نوان يو
بعد أن قدمت تاليا نفسها بإيجاز، وتبادلت بعض عبارات المجاملة، تشابكت بذراعِها مع أنس وتبعتهما فريدة نحو مكتب الرئيس التنفيذي.

مدت رنا عنقَها وهي تتابع اختفاءهما بنظرات مليئة بالحسد، ثم همست: "في يومِها الأولِ بالمنصب، يأتي السيد أنس بنفسه لمرافقتها! أهذه حقًا زوجة الرئيس المدللة التي نسمع عنها في القصص؟"

وضعت فرح يدها على كتفها وقالت بنبرة خبيرة: "ألا تفهمين؟ لقد عادت للبلاد للتو لتتولى منصب الرئيسِ التنفيذي، ولن يقبل المساهمون القدامى في شركة المستقبل الدولية ذلك بسهولة. حضور السيد أنس في يومها الأول رسالة واضحة بأنّ عائلة الفاروق تقف خلفها!"

وضعت رنا يديها الصغيرتين تحت ذقنها وقالت بحسد: "كم هو رومانسيّ! لقد مهد الطريق لزوجته بهذه السرعة!"

ردت فرح وعيناها تلمعان بالغيرة: "لو لم تكن ابنة رئيس مجلس الإدارة، هل تعتقدين أنّ رجلاً بهذه القوة والنفوذ في مدينة اللؤلؤة سيهتم بها ؟"

هزت رنا رأسها غير موافقة: "الرئيسة تاليا مميزة بحدّ ذاتها، متعلمة وجميلة... ولكن بالحديث عن الجمال..."

نظرتْ نحو لينا، "أجد تشابهًا بينها وبين رئيستنا الجديدة!"

اقتربت فرح لتلقي نظرة: "بالفعل! ولكن أعتقد أنّ لينا أجمل!"

قالت لينا بوجه شاحب: "كفّوا عن الثرثرة!" ثم نهضت متجهة إلى دورة المياه.

راقبت رنا ظهر لينا النحيل بقلق، وتساءلت: "ما الذي أصاب لينا؟"

قهقهت فرح بسخرية: "ربما تشعر بالحسد لأنها تشبه الرئيسة الجديدة دون أن يكون لها نفس حظها!"

لم تُجب رنا، ففرح معروفة بازدواجية الشخصية، تجيد التلون حسب المواقف، والأفضل عدم مجاراتها في كلامها.

وصلت لينا إلى الحمام، وأخرجت بسرعة دواء تثبيط ألم القلب، وبلعته دون ماء.

بعد مدة من الهدوء، فتحت حنفية الماء، وغسلت وجهها بالماء البارد، ثم رفعت رأسها نحو انعكاسها في المرآة.

كان مظهرها يعاني من آثار المرض: شحوبًا وضعفًا واضحًا، بينما تاليا.

وبينما هي غارقة في أفكارها، فتح باب الحمام، ودخلت تاليا بحذائها ذي الكعب العالي.

كانت بشرتها ناعمةً مشرقة، تتدفق منها الحيوية، وتنبعث منها أناقةٌ وثقةٌ في كل حركة.

وما زاد الطين بلة أنها كانت متعلمة، تجمع بين الجمال والذكاء، وهو ما لم تستطع لينا منافستها فيه.

عندما التقت عيناها بنظرات تاليا، شعرت فجأة ً بالدونية، فأسرعت بخفض رأسها، وانتزعت منديلًااً ورقيًا بعجلة، ثم التفتت لتهرب.

"انتظري لحظة."

نادتها تاليا فجأة.

خفق قلب لينا بقوة، وكأنها ارتكبت شيئًا خاطئًا، فتجمدت في مكانها.

بالرغم من أنها الضحية التي تم استغلالها كبديل، وبالرغم من أنها لم تفعل شيئًاً، إلا أنها ما زالت تشعر بالخجل أمام الشخصية الأصلية.

اقتربت منها تاليا، وابتسمت لها بلطف: "أنتِ مساعدة مكتب الرئيس التنفيذي، أليس كذلك؟"

حاولت لينا كبح الفوضى العارمة بداخلها، فأطرقت رأسها وأومأت: "نعم."

رفعت تاليا ساعتها، ونظرت إلى الوقت، ثم قالت: "بقي نصف ساعة فقط قبل اجتماعي مع المساهمين. هل يمكنكِ تحضير فنجان قهوة وتقديمه لي في مكتب الرئيس؟ أحتاج إلى شيء يُنعشني."

علمت لينا أن أنس ما زال في المكتب، فشعرت ببعض التردد.

لكنها ما زالت موظفة ولم تستقل بعد، لذا كان عليها تنفيذ المهام المطلوبة.

اضطرت للموافقة، مع تفكيرها في أن تطلب من رنا أو غيرها إيصال القهوة لاحقًا.

شكرتها تاليا بمجاملة، ثم غادرت برأسٍ مرفوع ووقفة تليق بمديرة تنفيذية واثقة.

كانت ثقتُها بنفسها وأناقتها الباهرة تشكِّل تناقضًا صارخًا مع لينا.

لينا المريضة بدت كنسخة مقلَّدة من تاليا، ما جعلها تشعر بأنها بلا قيمة.

وقفت لينا مكانها للحظةٍ في صمت، ثم كتمت مشاعرها وخرجت من الحمّام متجهةً مباشرةً إلى غرفة الشاي.

حضّرت القهوة حسب ذوق الرئيسة، وحاولت إقناع رنا بتوصيلها لمكتب الرئيس التنفيذي، لكن الجميع كانوا منشغلين بتحضير قاعة الاجتماعات، لذلك اضطرت أخيرًا للذهاب بنفسها.

"ادخل."

صوت تاليا الناعم خرج من الداخل.

علمت لينا أن الدخول سيكون محرِجًا لها.

ترددت قليلًا لكنها تمكنت من تجميع شجاعتها ودفعت الباب.

في اللحظة التي فتحت فيها الباب، رأت تاليا جالسة بحضن أنس.

على الرغم من استعدادها ذهنيًا لهذا، ولكن برؤيتها لهذا المشهد، بدأت يدها التي تحمل القهوة ترتجف.

وخوفًا أن يلاحظا شيئًا غريبًا، أخفضت عينيها فورًا وقالت كأن شيئًا لم يكن: "رئيس تاليا، القهوة جاهزة."

شعرت تاليا بالحرج قليلًا وقالت للينا: "ضعِيها هناك رجاء."

أومأت لينا برأسها، ووضعت القهوة على الطاولة، ثم غادرت دون أن تلقى نظرة واحدة على أنس.

ما إن خرجت من مكتب الرئيس حتى بدت ساقاها ترتعش، فاضطرت إلى التمسك بالحائط لاستعادة توازنها.

تلك الطريقة التي كان يجلس بها بجانبها، كانت وضعيته المفضلة أثناء جلوسهما معًا.

رغم أنهما لم يفعلا شيئًا، إلا أن ذكريات لقاءاتهم السابقة غمرت فكرها فجأة.

الحركات والعادات التي اعتاد أن يفعلها معها، لابد أنه يكررها الآن مع تاليا.

بل الأصح أن ما فعله معها كان مجرد إعادة لما كان يفعله مع تاليا من قبل.

وجودها كله لم يكن سوى "نُسخة حية" بديلة.
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Comments (1)
goodnovel comment avatar
Asma Meciouri
Sessenne 6
VIEW ALL COMMENTS

Latest chapter

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 454

    كانت قبلته خفيفة، توقفت عند حدود التذوق، ثم أفلت شفتيها.كانت لمسة أطراف أصابعه البيضاء التي انسابت على خصلات شعرها، ثم لامست وجهها، باردة.نظرت لينا إلى إصبعه الذي كان يتتبع به حاجبيها، ثم أمالت رأسها قليلاً، متجنبةً لمساته.كانت حركتها بالكاد تُلحظ، لكنها أثارت في قلبه آلاف الشكوك، مسببة له ألمًا خانقًا على الفور.تحت جفنيه المزدوجين، كانت عيناه الجميلتان يكسوهما الألم شيئًا فشيئًا، ويغمرهما ضباب مائي، يبلل حدقتيهما المحتقنتين بالدماء."ألا توافقين؟"كان يعرف الجواب لكنه سأل."أجل."أومأت لينا برأسها، وعادت المشاعر المعقدة في عينيها الفاتحتين تدريجيًا إلى الوضوح.كان ردها هو القشة التي قصمت ظهر البعير، حطمت إيمانه فشعر بالعجز وكأنه بلغ نهاية حياته."لماذا؟"لماذا لا توافق على أن تكون معه حتى بعد أن شرح لها كل شيء بوضوح؟لماذا لا يستطع أن يظفر بها رغم بذله قصارى جهده ليفعل ذلك؟لم يُرد في حياته سواها، فلماذا لا يستطيع الحصول عليها؟أطرقت لينا رأسها، وفكرت للحظة، ثم رفعت عينيها الصافيتين اللامعتين، وحدقت فيه."هل تعرف كيف كنت قبل ثماني سنوات؟"ذلك الماضي قبل ثماني سنوات كان ملكًا لوليد

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 453

    توقف أنس عند هذا الحد، وعيناه الشبيهتان بزهر الخوخ، اللتان بالكاد نامتا منذ أيام، احمرتا مجددًا حين نظر إلى لينا."لينا، ذلك المطعم الفرنسي ليس مطعمًا مخصصًا للأزواج، بل هو مجرد مطعم غربي عادي.""ثم إن زجاج المطعم منخفض الانبعاث، وعند حلول الليل، لا يمكنك رؤية الخارج."كانت لينا تشعر بالذهول، وما إن سمعت هاتين الجملتين، لم تستطع السيطرة على رموشها، فارتجفت قليلاً.كانت أصابع أنس تلامس حاجبيها برفق ولطف، كما لو أنه يهدئ من قلقها."إن هوية جمانة مرتبطة بالعائلة المالكة البريطانية، مما يجعلها ذات طبيعة خاصة، وإذا أرادت التحرك، فلا بد من تزييف دليل على غيابها.""لقد توسلت إليّ أن أساعدها وأتظاهر أننا حبيبان، ولكنني لم أرغب في ذلك، فأدرت رأسي ونظرت من النافذة، وصادف حينها أنكِ جئتِ لرؤيتي."بعد أن أنهى كلامه، جذب جسدها الصغير إلى حضنه، وكانت عيناه الشبيهتان بزهر الخوخ تحت رموشه الكثيفة تفيضان بالاعتذار. "لينا، أنا آسف، لم أركِ حينها. لو كنت أعلم أنكِ بالخارج، لكنت خرجت بالتأكيد لرؤيتكِ."عقدت لينا حاجبيها وهي تنظر إليه بذهول، ولكنه رفع أصابعه الطويلة، ومسح على حاجبيها شيئًا فشيئًا."حين خر

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 452

    رفعت لينا رأسها قليلاً، ونظرت إلى وجهه الشاحب، ثم فتحت شفتيها قائلة:"اذهب إلى المستشفى أولاً."لقد قال من قبل عندما كان في واشنطن إنه يعاني من صداع، لكن هذه المرة، سقط على الأرض فاقدًا للوعي بمجرد أن دفعته، ولا تدري ما خطبه بالضبط."لا يوجد ما هو أهم منكِ."حملها أنس، وأجلسها فوق ساقه، ثم أسند رأسه برفق على الأريكة، ورفع رأسه لينظر إليها.كانت في الأعلى، بينما هو كان في الأسفل، كانت وضعيتهما غامضة، فحاولت لينا أن تنزل عن ساقه، لكنه أمسك بخصرها، مانعًا إياها من الحركة.شعرت لينا أن هناك خطب ما بالجزء السفلي منه، فتوقفت عن الحركة، واكتفت بالتحديق به.أمسك أنس بخصرها، وبعد أن كبح اضطرابه الداخلي، فتح شفتيه قائلاً:"لينا، في الواقع، إن السيد فراس ليس هوية مزيفة، بل هو هوية أخرى لي.""عندما كنت في السابعة من عمري، أسس لي السيد متولي منظمة، اسمها الرمزي 'إس'"."تمتد هذه المنظمة حول العالم، وكل أعضاؤها من العائلات النبيلة، وأنا قائدهم."كانت لينا تظن أن السيد فراس هو مجرد اسم وهمي، لكنها لم تتوقع أن يكون له هوية أخرى.لا عجب أنه استطاع الدخول والخروج بحرية من مبنى الكونغرس في واشنطن، وأن الم

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 451

    شدت لينا قبضتيها، وحدقت في الرجل أمامها باستياء شديد."لقد استخدمت هوية مزيفة لإجباري، وجعلتني أعتقد طوال الوقت أنني تعرضت للاعتداء من شخص غريب.""ذلك الشعور بالاشمئزاز والضيق ظل يعذبني، ولم أستطع التخلص منه لوقت طويل.""لقد تعمدت إخفاء الأمر عني ولم تذكر شيئًا، هل فكرت يومًا في مشاعري؟"وقعت كلماتها في أذن أنس كالإبر الحادّة، فاخترقت طبلة أذنه، وتسللت بداخله شيئًا فشيئًا حتى أفقدته صوابه."لينا، لم أتعمد إخفاء الأمر عنكِ، لكن بعد عودتكِ، حدثت بيننا أمور كثيرة.""كل ما كنت أفكر فيه هو كيف أستعيدكِ، ونسيت تمامًا أمر السيد فراس."وما إن أنهى حديثه، حتى ضم لينا الغاضبة بقوة إلى حضنه مجددًا."أنا آسف يا لينا، فعلى أي حال، كنت أنانيًا للغاية، ولم أراعِ مشاعركِ."حاولت لينا جاهدة أن تدفعه بعيدًا، لكنها لم تستطع التغلب على قوته، وأخذ جسدها الصغير يرتجف بالكامل.رفع أنس أصابعه ذات المفاصل البارزة ومررها على ظهرها، مهدئًا إياها بلطف مرة بعد مرة."لينا، كان هذا خطأي آنذاك، فلا بأس إن لُمتني أو كرهتني، لكن صحتكِ ليست على ما يرام، فلا تغضبي، حسنًا؟"كان يهدئها بتلك الكلمات اللطيفة، لكن لينا لم تقت

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 450

    "أنا هو السيد فراس."مسح وجهها الجميل بلطف بسبابته، وكانت عاطفته العميقة في عينيه أشد إشراقًا من ضوء الشمس في الخارج.حدّقت لينا باهتمام في الرجل النبيل الذي أمامها، رغم أن الشك ساورها منذ زمن، إلا أنها لم تستطع تصديق الأمر حتى الآن...بعد لحظة صمت، أمسكت بالقناع النحاسي الذهبي في يدها، ووقفت على أطراف أصابعها، ووضعته عليه...عندما التقى أنس بالسيد فراس الذي في ذاكرتها، شعرت لينا فجأة بالذهول والارتباك.انتقلت نظرتها ببطء إلى رقبته النحيلة، حيث وشم التنين الأزرق..."إنه مرسوم."وكأن أنس قرأ ما يدور في ذهنها، فبادر بتفسير الأمر بصوت منخفض.مرسوم؟ إذًا حتى أسلوب الملابس، وتسريحة الشعر الفوضوية، والصوت الأجش، وحتى الهالة المحيطة به كانت كلها تمثيل؟تراجعت خطوة إلى الوراء غير مصدقة: "أنت... لماذا استخدمت هوية مزيفة لإجباري وخداعي؟"كان سؤالها الهامس كسكينٍ يطعن قلبه، ملأه بالذنب والندم والخوف.كان مرعوبًا من فقدانها، فتقدم نحوها، واحتضنها بين ذراعيه، ممسكًا بها بكل قوته.ضغطت لينا بيديها على صدره الصلب، عاجزةً تمامًا عن الحركة، فتوقفت عن المقاومة، ورفعت رأسها لتنظر في عينيه."هل كنت تعتقد

  • لا تعذبها يا سيد أنس، الآنسة لينا قد تزوجت بالفعل   الفصل 449

    ذلك الباب المغلق بإحكام، سرعان ما وصلت إليه خطوات ثابتة وقوية، خطو خطوة تلو الأخرى حتى توقفت فجأة عند المدخل.توقعت لينا أن يفتح الطرف الآخر الباب فورًا، لكن لم يكن هناك أي حركة، وما إن همت بالطرق مجددًا، حتى انفتح الباب فجأة.أمسكت يد نحيلة بمعصمها وسحبتها إلى الداخل بسرعة جنونية ——خارج الباب، لم يرَ نادر سوى يد تمتد، واختفت لينا في لحظة.العصى الصغيرة التي اشتراها ورجال الشوارع الذين استأجرهم لم يُستخدم منهم أي شيء، بل وفقد لينا أيضًا...وقف هناك، فمه يرتعش، وجهه مشوه، وفجأة خرجت مجموعة من الحراس من مكان غير معروف.أشار القائد إليهم وصاح: "اقبضوا عليهم وقدموا بلاغًا بتهمة التجمع وإثارة الشغب!"عندما سمع رجال الشوارع أنهم سيؤخذون إلى الشرطة، صرخوا مذعورين، وألقوا القضبان وفروا في كل الاتجاهات!سقطت القضبان الحديدية، واصطدمت بقدمي نادر، فأحس بألم شديد، وأظهر أسنانه متألمًا، وبدأ يتصبب عرقًا باردًا.قبل أن يلتقط أنفاسه، جلس الحارس الشخصي الرئيسي أمامه وربت على كتفه بحنان."يا أخي، تعال معنا..."ثم حمله أربعة حراس شخصيين محترفين إلى المصعد الخاص، أدخلوه واقفًا وأخرجوه مستلقيًا، الأمر ال

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status