Share

مكبّلة في المخاض
مكبّلة في المخاض
Author: مربى الكوكو

الفصل 1

Author: مربى الكوكو
زحفتُ وأنا أتألّم نحو قضبان القفص الفضيّ، وبينما كان الباب يُغلق، انطبقت القضبان على أصابعي، سمعتُ صوتًا مروعًا لعظامي وهي تُسحق.

ذلك الألمُ الجديد، مع عذاب المخاض، انتزع صرخة مدوية من أعماقي.

لكن داميان، الذي كان عقلُه منشغلًا بفيكتوريا، لم يكن يُبالي بصراخي.

شعرتُ بتدفّقٍ دافئٍ بين ساقَيَّ، فقد تمزّق كيسُ الماء للتوّ، فتملّكني الذعر.

أجبرتُ نفسي على التماسك، وحاولتُ التواصلَ عبر الرابطِ الذهنيّ طلبًا للمساعدة، لكن داميان... كان قد قطع رابطي الذهنيَّ عن بقيّة أفراد القطيع.

كان الجنينُ بداخلي يركل بلا هوادة، وكأنّه يحاول تمزيقَ طريقه إلى الخارج.

كنتُ أغرق في عرقي، أو ربّما في دمي.

شعرتُ بكياني كلّه، بذئبتي وجوهري، يُختم عليه بسمِّ الفضة.

صرختُ بكلّ ما تبقّى لي من قوّة، متشبّثةً بشرارةِ أمل أخيرة.

وأخيرًا، سمعتُ وقعَ أقدامٍ في الخارج.

صرختُ: "أرجوك، ساعدني! أنا محبوسةٌ في القفصِ الفضيّ! أنا على وشكِ الولادة!"

كرّرتُها مرارًا وتكرارًا، ظنًّا منّي أنّني قد نجوتُ، لكنني سمعتُ صوتًا يقطرُ بالشماتة:

"يا للعجب، إيلينا. انظري إلى حالكِ. كان على داميان أن يضعكِ في مكانكِ الحقيقي منذ زمن."

كانت تلك صوفيا، أختَ داميان.

أغمضتُ عينيّ محاوِلةً السيطرةَ على صوتي: "صوفيا... أرجوكِ، أخرجيني من هنا. الطفل قادم، لا أستطيع الانتظار."

فتحت صوفيا بابَ القبو وحدّقت فيَّ. للحظةٍ ظننتُ أنّها ستمد لي يد العون.

لكنها ركلت القفصَ بعنفٍ، فدوى صداه في الغرفة، وقالت بصوتٍ أحدَّ من نصلِ السيف:

"أُخرجكِ؟! لتعرقلي ولادةَ فيكتوريا؟! لقد أرسلني داميان لمراقبتك، لأنّه علم أنّكِ ستحاولين خدعة كهذه!"

"امنحي داميان بعضَ الراحة يا إيلينا، فلديه ما يكفيه من المشاغل دون أن تزيدي الطين بلة!"

"وريثُ هذا القطيع سيكون طفلَ فيكتوريا! فلا تظنّي أنّ حيَلكِ التافهة ستغيّر هذا الأمر!"

مزّقني تقلص عنيف أخر، انتزع منّي صرخةً مُدوية.

انهمرت دموعي وأنا ألهث: "طفلي لن يكترث بلقب الألفا! لا أريد شيئًا من الثروة! فقط أخبري داميان أن يطلق سراحي، وأقسم أنّني سأختفي من حياتكم إلى الأبد!"

بدا أنّ صرختي أثارت سخطها، فعبست وتمتمت: "أيتها الوضيعة، مَن تحاولين استدعاءه بهذا الصراخ؟ أنتِ تثيرين غثياني."

ثم فتحت رابطًا ذهنيًّا مع داميان.

كان سمُّ الفضة والألمُ الحارقُ يجرّانني نحو الهاوية.

سمعتُها تقول: "نعم، يا داميان، لا تقلق. سأظل أراقبها."

وحين شعرتُ بوجود داميان عبر رابطِ الرفيق بيننا، اشتعل في قلبي بصيصُ أمل.

صرختُ بكلّ ما في وسعي: "داميان! الطفل قادم الآن! أرجوك، أخبر صوفيا أن تأخذني إلى المستوصف! بسرعة!"

كنتُ أعوي من شدّة الألم، عاجزةً عن السيطرة على نفسي.

تردّدت صوفيا، وسمعتُها تهمس في الرابط: "داميان، أعتقد أنّها قد تكون في المخاض فعلًا. لا يبدو الأمر وكأنها تتظاهر."

"ربّما ينبغي أن آخذها إلى المستوصف؛ فهي تحمل طفلكَ الوحيد، في النهاية. لو حدث لها شيء..."

صمت داميان برهةً، وكأنّه يفكّر، ثم لان صوته: "حسنًا، خذيها..."

لكنّ صوتًا رقيقًا قاطع كلامه من جانبه:

"داميان، حبيبي، أنا عطشى لرحيقِ زهرةِ القمر. قالت المعالجة إنني أحتاج طاقةَ القمر الإضافية لأمتلك القوةَ للدفع."

ثم أضافت فيكتوريا: "هل إيلينا على وشك الولادة؟ لا تقلق، فالألم لا يُذكر! بالكاد أشعر بشيء. انظر، يمكنني النهوض والرقص لك الآن! إيلينا ذاتُ سلالةٍ نقية؛ ستكون بخير."

بالطبع لم تكن تتألّم، فقد نُقل المرفقُ الطبيّ الكاملُ للقطيع إلى جناحِ ولادتها الخاصّ والفاخر، الذي جُهّز بأحدث التقنيات، وكانت تتلقّى كلَّ أنواع الرعاية.

كلماتُ فيكتوريا وحدَها كانت كافية، إذ أصبح صوتُ داميان قاسيًا كالصخر:

"أيُّ مكروهٍ يمكن أن يحدث لها؟ إنها محتالَةٌ محترفة. لن تسمح لنفسها بالوقوع في خطر حقيقي."

"إنها تصرخ فقط لتخدعكِ، لتسمحي لها بالخروج. لا تنخدعي بذلك!"

وانقطع الرابط فجأةً.

وتحت تأثير الغضب من توبيخ داميان لها، انقلبت عليَّ بوجهها الغاضب وسحبت خنجرًا من الفضة الخالصة، وسارت نحو القفص.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • مكبّلة في المخاض   الفصل 8

    من منظور إيلينا.ارتجف صوته خوفًا، فخانته ساقاه وخرّ على ركبتيه، يضرب جبينه بالرخام مرَّة بعد مرّّة. تلاشت كلّ ذرةٍ من كبريائه كألفا.قال متلعثمًا: "لم أقصد أي أذى، أقسم لك. إيلينا وأنا رفيقي درب، أردتُ فقط أن أعيدها إلى القطيع. أنا آسف، يا سيد ستيرلينغ، لم أكن أعلم أنّها تنتمي إلى أسرةٍ بهذا النفوذ."في تلك اللحظة، بدا داميان ككلبٍ بائسٍ ينتحب عند قدمي، وقد نُزعت عنه كل هيبته كألفا.ركله والدي الذي كان يشع غضبًا بعنفٍ، فأصابته الركلة في أضلاعه، وقال بصوتٍ يتفجّر غضبًا: "تعيدها إلى القطيع؟ لتُعذّبها حتى الموت من جديد؟ دعني أخبرك، إفلاس قطيعك سيكون عقوبةً رحيمة مقارنةً بما تستحقه! أنا اريد أن أمزّقك إربًا! أريدك أن تشعر بنفس الألم الذي شعرت به ابنتي."ربتُّ على كتف والدي محاوِلةً تهدئته، فيما كان داميان، بعينين متورّمتين من البكاء، يزحف نحوي كالكلب متوسّلًا: "إيلينا، أقسم أنّني أردتُ إعادتك معي لأحسن معاملتك. كنتُ أعمى تحت وطأة الذنب تجاه أخي، ولهذا كنتُ قاسيًا. حين ظننتكِ متِّ، مات جزء مني أيضًا. أراد ذئبي اللحاق بكِ، لم أعد أستطيع العيش من دون رفيقتي. أرجوكِ، سامحيني هذه المرة فقط، ال

  • مكبّلة في المخاض   الفصل 7

    من منظور إيلينا.ارتبك داميان من ضحكي للغاية، للمرة الأولى وجدني اتحدي سلطته كألفا.ابتسمتُ بسخرية ورفعتُ حاجبيّ، وقلت له بازدراء: "يا لك من وغد متغطرس وأناني."اشتعل وجه داميان غضبًا حتى فقد النطق.ظلّ واقفًا أمامي يُشير إليّ بإصبعه، لكنه لم يجرؤ على أن يمدّ يده ليضرب رفيقته.كنتُ على وشك المغادرة حين قبض على معصمي مجددًا بقبضةٍ ساحقة."إيلينا، لن أسمح لكِ بأن تتركينِي مرةً أخرى. مهمّتي الوحيدة اليوم هي أن أعيد رفيقتي إلى المنزل.""أنتِ لا تفهمين. حين ظننتُ أنني فقدتُكِ، كان ذئبي يتعذّب. كدتُ أجنّ من التفكير بكِ.""لا يهمّني ما الذي تحاولين فعله لإغاظتي هذه المرة. فأنا لن أتراجع."كم كان مثيرًا للشفقة! ولمن كان يُحاول أن يبدو مخلصًا بهذه الصورة المفاجئة؟انتزعتُ ذراعي بعنف وصرخت: "من تظنّ نفسك؟! وبأيّ حقٍّ تأمرني أو تتحكّم بي؟"ضحك داميان باستهزاء، واشتعلت فيه غطرسة الألفا مجددًا."أنا الألفا. أنا من يقرّر ما لي من حقوق."وقبل أن أتمكّن من رفع عينيّ نحوه، حملني على كتفه."سآخذكِ إلى القطيع الآن. قد ترفضين أن تخبريني أين الطفل، لكن عندما يجوع، ستخضعين وتعيدينه يا إيلينا."وركلتُه ولكمت

  • مكبّلة في المخاض   الفصل 6

    من منظور إيلينا.حين رأيت الخبر، ظننتُ أنه جُنّ تمامًا.لكن ليفعل ما يفعل، فجزيرة والدي تقع في شمال الأطلسي، محمية بتعاويذ قوية، ولن يكون من السهل عليه أن يجدني.لم أُعِر الأمر اهتمامًا، وواصلتُ تعلّم كيفية إدارة قطيع عائلتي وأعمالها.كنتُ أتعلم بسرعة. ففي غضون شهر، بدأتُ أشرف على الصفقات الكبرى لإمبراطورية العائلة، وأحلّ النزاعات بين القطعان الحليفة.وفي يومٍ ما، كنتُ قد انتهيتُ للتو من اجتماعٍ لمجلس الإدارة، حين اقتحم أحدهم قاعة المؤتمرات.كان داميان.لوّحتُ بيدي، مشيرةً إلى القادة الآخرين بالانصراف.وما إن وقعت عيناه عليّ، حتى احمرّتا كالجمر، وانفجرت منه غريزة الألفا المتملّكة.اندفع نحوي وأمسك بمعصمي بقوة."إيلينا، لماذا زيفتِ موتك؟! هل تدركين ما فعلتِ بذئبي؟ لقد ظلّ يحاول تمزيق صدري، كنتُ أعلم أنكِ تحبين الحياة أكثر من أن تستسلمي للموت بهذه ببساطة."ثم تغيّر تعبير وجهه، ومسحت حواسه الحادة المكان بعينيه."كيف وصلتِ إلى هنا؟! ألا تعلمين أن معظم المستذئبين لا يمكنهم حتى الاقتراب من هذا المكان؟ لقد بذلتُ كلّ ما في وسعي لمجرد اختراق الحاجز."لكنه سرعان ما بدا منهكًا، ولوّح بيده كمن يتن

  • مكبّلة في المخاض   الفصل 5

    من منظور إيلينا."لكنّكِ استطعتِ مقابلتَه، ولو لوقتٍ قصير. ولتلك اللحظات القليلة، كنتِ أمَّه.""لا بأس، ستحظين بأطفالٍ آخرين. نسل آل ستيرلينغ لن ينقطع أبدًا."تنهد أبي، وقد ارتسم على وجهه أثر الألم لأجلي."لكن إن كانت أيٌّ من تلك الدموع تُذرف من أجل ذلك الوغد، فاعلمي أنها دموع مهدورة."ثم تابع بمرارة: "لقد حذّرتُكِ من الارتباط به، لكنك كنتِ عنيدة. كنتِ مستعدةً حتى لقطع صلتك بي لتكوني بقربه."أخرجتُ رأسي من تحت الغطاء، وحين رأيتُ وجه أبي وقد غزته السنوات، انفجرتُ بالبكاء مجددًا."كنتُ مخطئة، يا أبي،" شهقتُ وسط دموعي. "أرجوك سامحني على طيشي.""أنا لا أبكي عليه، بل على فلذة كبدي الذي فقدتُه."مسح والدي دموعي برفق، وقد لان حضوره القوي كألفا أمام حنانه لابنته."آه يا صغيرتي، أنتِ ابنتي الوحيدة وأثمن ما أملك. بالطبع أسامحك."ثم قست عيناه فجأة، وعاد ذاك البريق المتوحش إلى عينيه، بريق الألفا المنتقم الحامي.قبض يده وقال بصرامة: "لقد تجرأ داميان على إيذائكِ إلى هذا الحد؟ لا بد أنه يتمنى الموت.""لا تقلقي يا إيلينا. والدك سيجعله يدفع الثمن. سأجعله عبرةً لغيره، وسيتعلم عالم المستذئبين بأسره عاقبة

  • مكبّلة في المخاض   الفصل 4

    من منظور داميان.ضاقت عينا داميان حتى كادتا تبلغان حجم رأس الدبوس، واعتصَر أنفاسه شعورٌ كما لو أنه أصيب بطلقة من الفضة.ترنح متراجعًا خطوة للخلف، غير أنّ غريزته كألفا انتفضت كزئيرٍ هادر، فأجبرته على التماسك.زأر غاضبًا: "هذا مستحيل! كانت بخير حين تركتُها! لا يُعقل أن تكون قد ماتت!"ثم تابع، وصوته يزداد حدة: "لابدّ أنّها حيلة أخرى لتلفت انتباهي! ألم أقل لك ألّا تنخدع بألاعيبها؟!"انكمش البيتا تحت وطأة غضب الألفا، وارتجف صوته وهو يقول: "أيها الألفا... جثة اللونا خارج القفص الفضي. أجرينا فحص الحمض النووي... وتأكدنا إنّها اللونا بحق."تصاعد في صدر داميان زئيرٌ خوفٍ بدائي اجتاح كيانه، وغمرت عينيه موجة جامحة من الهلع؛ ذلك الرعب الذي لا يعرفه إلا من فقد رفيقة حياته.انتزع المفاتيح من يد البيتا، وانطلق يعدو بأقصى سرعته: "إلى القبو! الآن!"لم يجرؤ البيتا على التردّد، وانطلق محاولًا اللحاق به.ضغط داميان على دواسة الوقود بعنف، وجعلت ردود أفعاله كمستذئب من تلك السرعة الخطيرة أمرًا هيّنًا.وصل إلى القبو في أقل من عشرين دقيقة.حيث كانت حشود من أعضاء القطيع متجمّعة هناك. دفعهم بحدة وشق طريقه بينهم،

  • مكبّلة في المخاض   الفصل 3

    أدركَ المعالج، وهو يشهدُ اقترابي من حافةِ الهلاك، أنّ عليه نقلي إلى مرفقٍ طبيٍّ حقيقي. وعلى الفور أرسلَ رابطًا ذهنيًّا عاجلًا إلى داميان."أيها الألفا داميان، إنها حالة طارئة! أرجوك، تعالَ إلى المشفى الخاص! حالة اللونا سيئة للغاية، وهناك خطر من انتشار تسمّم الفضة!"غير أنَّ صوتَ داميان دوّى بنفاد صبرٍ واضح: "إيلينا! لم أتوقّع أنك بهذا الدهاء. لقد تمكنتِ بالفعل من الخروج ووجدتِ من يساعدك! لن آتي، أيًّا تكن حيلكِ! أنا أدرى بجسدك منك، ولا يوجد أيّ خطرٍ عليكِ."ثم أردف قائلًا: "لقد أخبرتكِ من قبل، ذاك الطفل طفلي أيضًا! ما أن تلد فيكتوريا يأتي دورك، فلماذا كلّ هذه العجلة؟!"نظر إليّ المعالج بعينين يملؤهما الأسف، ثم التفت إلى إحدى الممرّضات قائلًا: "انقليها إلى العيادة الخاصة، علينا المحاولة."لم أكن أتصوّر قط أنّهم سيأخذونني إلى العيادة نفسها حيث توجد فيكتوريا.توسّل المعالج إلى الطاقم الطبي، لكن داميان كان قد أصدر أوامره الصارمة.لم يُبقوا لي ولا عشبة واحدة. ومن خلف الجدار، سمعتُ كلمات داميان الباردة القاسية: "لا يهمّني لمن هي. لن أخاطر بحياة فيكتوريا. أريد أن يكون كلّ شيء مضمونًا بالكامل.

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status