LOGIN
تقدم نبيل خطوة، وقال بصوت مبحوح للغاية: "نادين... لقد وجدتكِ أخيرًا."رفعت نادين عينيها أخيرًا، ونظرت إليه مباشرة.كانت عيناها صافيتين، لكنهما خاليتان من أي اضطراب.نظر نبيل إليها أيضًا.كانت الفتاة التي أمامه لا تزال هي المرأة الجميلة التي يتذكرها. ولو أنها ابتسمت وتحدثت إليه بعينين تلمعان، لظنّ حتمًا أن هذا الشهر وأكثر لم يكن سوى حلم طويل بالنسبة له."المحامي نبيل،" بدأت تتحدث بصوت ثابت لا يحمل أيّ انفعال: "هل تبحث عني لأمر ما؟"كانت كلمتي "المحامي نبيل"، بمثابة إبرتين باردتين، غُرست بعمق في قلب نبيل.كانت في السابق، تناديه دائمًا باسمه الكامل "نبيل الصاوي" في الحياة الخاصة، تناديه عندما تكون غاضبة، وعندما تكون سعيدة، وتناديه بنبرة ناعمة في لحظات دلعها النادرة...وكانت تناديه بـ"المحامي نبيل" فقط أثناء العمل لتجنب الريبة."أنا..." توقفت آلاف الكلمات في حلقه، تحرَّك تفاحة آدم، وفي النهاية لم يستطع إخراج سوى بضع كلمات جافة: "نادين، لقد بحثت عنكِ طويلاً..."أراد أن يمسك معصم نادين لا شعوريًا.تجنّبت نادين يده على الفور تقريبًا، وقالت: "ماذا تريد مني؟ لقد انفصلنا بالفعل."ارتعش وجه نبيل
أخيرًا، ساد الهدوء.اتكأت نادين على ظهر الكرسي، ودلكت صدغيها.وبينما كانت تحاول تهدئة نفسها والعودة إلى العمل، انبعث فجأة من خارج المكتب صوت صراخ راشد المبالغ فيه."يا مديرة! يا مديرة! تعالي وشاهدي مَن جاء!"انزعجت نادين من صراخه، وظنت أنه جلب عميلاً مهمًا غير متوقع، فجمعت ما تبقّى لها من طاقة بصعوبة، ونهضت لتفتح باب المكتب.في تلك اللحظة، خارج باب المكتب--ابتعد راشد بابتسامة حماسية، ليظهر الرجل الذي كان يقف خلفه فجأة في مرمى بصرها.لقد كان... نبيل.بدا أكثر نحافة، فازدادت حدة خط فكه، وكان طرفا سترته مفتوحين قليلاً، بدت ياقة قميصه مرتّب ولكن يشوبها شيء من الفوضى.تجمد تعبير نادين على الفور، شدّت قبضتها على مقبض الباب، وتدفقت الدماء في لحظة واحدة إلى أطرافها وجسدها كله، فشعرت بدوار غريب إلى حدّ لا يصدّق.توقف العالم عن الحركة في تلك اللحظة.تلاشت جميع الأصوات، ولم يبق سوى صوت دقات قلبها التي خرجت عن السيطرة فجأة.دقة.دقة.تقرع طبلة أذنها.كان راشد لا يزال يتحدث بكلمات متقطعة ومتحمسة من الجانب: "مديرتي! إنه المحامي نبيل! مثلي الأعلى..."بدا صوته وكأنه يأتي من مكان بعيد جدًا، غامضًا وغي
"نادين..."جاء صوت سلمى وفيه شيء من التحفّظ، لكن كلماتها بدت بوضوح محاولة للتظاهر بالاسترخاء: "يا ابنتي، لماذا رحلتِ هكذا دون أن تقولي شيئًا؟ لم تُخبِريني حتى قبل أن ترحلي...متى ستعودين؟ أشتاق إليك..."هذه الأسئلة المفاجئة المتتالية جعلت نادين تشعر ببعض الغرابة.خلال السنوات الخمس الماضية، رغم اعتراف سلمى بها كحبيبة نبيل، إلا أن موقفها ظل دائمًا متحفظًا، بل مشوبًا بعض الانتقاد، ولم يسبق لها أن أظهرت مثل هذا الدفء على الإطلاق.حتى عدم انتقادها لعيوبها، كان يعتبر لطفًا في نظر نادين.لو أنها سمعت هذه الكلمات قبل شهر، لكانت تأثّرت حتى البكاء.أما الآن.فإنها لا تشعر سوى بالسخرية فحسب."أنا بخير، شكرًا لاهتمامكِ يا خالة." كان صوت نادين باردًا ومهذبًا. " تفضّلي وقولي ما لديكِ مباشرة."تجمّد وجه سلمى لحظة، فلم تكن تتوقّع أنّها بعدما خفّضت من شأنها إلى هذا الحدّ، لن تلقى أي تجاوب. فشعرت بالحرج في تلك اللحظة، وبردت نبرتها شيئًا فشيئًا."نبيل هكذا طبعه، عنيد ولا يُحسن الكلامألستِ تعرفينه منذ اليوم الأول؟ فلماذا تتعاملين معه بهذه الحدة؟ ؟ وسمعتُ أنكِ بِعت بيتك أيضًا؟ هذا تصرّف متهوّر جدًّا ولا د
لم يكن فخر يصدّق أبدًا أن الأم وابنتها قد صحا ضميرهما فجأة...ربما كان لحادث السيارة الذي وقع في ذلك العام خفايا أخرى."تلك الحقيرة نادين لا تُقارن بي على الإطلاق؟!" صرخت هالة وكأنها قطة داس أحدهم على ذيلها. "أنا من نشأت معه منذ الطفولة! سيعرف نبيل عاجلاً أم آجلاً من هي المرأة المناسبة له حقًا!""مناسبة؟" سخر فخر وقال ببرود: "مناسبة للمشاحنات اليومية؟ أم مناسبة لمحاولة الانتحار في يوم زفاف شخص آخر؟"ارتعشت شفتا هالة غضبًا: "أنت... ما هذا الهراء الذي تقوله.""أنا أقول الهراء؟" كانت نظرة فخر جليدية: "هالة، حافظي على ما تبقى من كرامتك. هل حقًا لا تفهمين لماذا يتجنبك نبيل؟ تسامحه معك سابقًا كان بفضل إنقاذ والدتك لحياته، والآن بعدما غادرت نادين، لقد أضعتِ كل ما تبقى من هذا الفضل بتصرفاتك. لا تُهيني نفسك أكثر."اخترقت هذه الكلمات قلب هالة كأنها سكاكين حادة.ارتعش جسدها بالكامل من الغضب، وأشارت إلى فخر، تردّد كلمة "أنت..." لبعض الوقت دون أن تستطيع إخراج عبارة سباب كاملة.ماذا يعرف فخر أصلاً؟علاقتها بنبيل هي علاقة نشأت منذ الطفولة!هي ونبيل فقط ينتميان إلى العالم نفسه، أمّا نادين، فلا تفهم
حاولت هالة الاتصال به مرة أخرى، غير مستسلمة...(عذرًا، الرقم الذي طلبته...)"آه!" صرخت هالة غاضبة، وكادت أن تسقط وعاء الطعام الحراري الذي كانت تحمله.شدّت يديها بقوّة، وغرست أظافرها في راحتيها، وكان صدرها يرتفع ويهبط بعنف.تلك الحقيرة نادين، حتى بعد رحيلها، لا تدَع الناس يعيشون في سلام، كأن روحها الشريرة ما زالت تلاحقهم!لا، هذا غير مقبول!اليوم…لا بدّ لها أن تنتظر نبيل! "أحضري لي كوبًا من القهوة... " اتجهت مباشرة نحو الأريكة في منطقة الاستقبال وجلست متخذة وضع سيّدة المكان، وتحدثت بنبرة آمرة إلى موظفة الاستقبال: "أريدها مطحونة طازجة، بدون سكر أو حليب."عرفت موظفة الاستقبال هالة بالطبع؛ فقد كانت تأتي إلى المكتب باستمرار لرؤية المحامي نبيل، ويقال إنهما أصدقاء طفولة، والأهم من ذلك، أن المحامية نادين قد أُجبرت على الرحيل بسبب هذه المرأة!رغم شعورها بالاشمئزاز، إلا أنها لم تجرؤ على إغضابها، فاكتفت بالردّ بصوت خافت وذهبت للتحضير.مر الوقت دقيقة تلو الأخرى.شعرت هالة بالقلق وعدم الصبر، واستهلكت كوبًا تلو الآخر من القهوة، لكن ظل نبيل غائبًا.عندما كادت تفقد صبرها، انفتح باب المصعد مع رنين الج
"غدًا... في التاسعة صباحًا؟" كاد معتز أن يفقد وعيه من الصدمة، إذ اسودّت الدنيا أمام عينيه لحظة.لدى القسم القانوني سبع أو ثماني قضايا رئيسية قيد المتابعة، وعشرات من قضايا الدفاع عن الحقوق العادية. كيف يمكن مراجعة كل هذه القضايا وتقديم تقارير مفصلة عنها في ليلة واحدة؟!هذا ببساطة جدول موتٍ بالإرهاق حتى الفجر!قال معتز محاولاً الاعتراض قليلاً: "سيد ماجد، أليس… أليس الوقت ضيّقًا بعض الشيء؟"رفع ماجد عينيه ونظر إليه، ولم يكن في نظراته أي دفء: "هل تواجه صعوبة؟"ابتلع معتز الكلمات على الفور، وشعر بقشعريرة تسري في فروة رأسه: "لا... لا! سننجز المهمة بالتأكيد!"كاد يبكي، وصرخ في داخله بجنون: من الذي أغضب هذا السيد الجليل مرة أخرى؟!لماذا هذا الجحيم المفاجئ من العمل الإضافي؟!لم يقل ماجد شيئا آخر، ونهض ورتب بدلته، ثم غادر غرفة الاجتماعات بخطوات ثابتة، تاركًا معتز ومجموعة من نخبة القسم القانوني خلفه، غارقين في موجة من العويل الصامت....مدينة الزهرة، الطريق السريع المؤدي إلى المطار.كان فخر يقود السيارة بسرعة جنونية في طريقه إلى المطار.نظر عبر المرآة إلى نبيل الجالس في المقعد الخلفي صامتًا بملام







