Share

وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد
وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد
Author: حِبر الودّ

الفصل 1

Author: حِبر الودّ

"يقال إن الزفاف اليوم صاخب للغاية، هل سمعتم؟ حبيبة طفولة المحامي نبيل تحاول الانتحار فوق سطح الفندق"!

تسرّبت الهمسات من خلف الباب، فشعرت نادين التهامي بوخز مرّ في قلبها.

كانت هذه المرة التاسعة والتسعين التي تهدد فيها هالة أشرف بالانتحار.

كانت نادين تعتقد أنها اعتادت الأمر.

لكن هذا اليوم مختلف.

كان يوم زفافها هي ونبيل.

ومع كلّ فوضى تُثيرها هالة، تدرك نادين أنّ عليها التراجع من جديد.

خمس سنوات أحبت فيها نبيل البارد، وخمس سنوات كانت هالة تثير فيها الفوضى.

وفي كل مرة، كان نبيل يتركها ويركض نحو هالة أولاً.

كانت نادين تشعر أحيانًا أنها هي الطرف الخفيّ الممنوع في هذه العلاقة.

لكن في المرة الأخيرة حين تركها نبيل وذهب لهالة، أقسم لها أن تلك ستكون آخر مرة.

لقد صدَّقته، ولهذا أقامت زفاف اليوم.

"تريد أن تموت؟ فلتفعل! لماذا تخبرني؟"

رفعت نادين عينيها فجأة، إذ كان باب الشرفة غير مغلق بإحكام، فانساب صوت نبيل البارد العميق من خلف الباب.

"قفزت من السطح؟ لا تجرؤ! كم مرة ادّعت الانتحار؟ أي مرة نجحت؟"

وفي النهاية سمِعته يخفض صوته ليتمتم ببضع كلمات إضافية، لكن همسه كان منخفضًا إلى حدّ أنها لم تستطع تمييز ما قاله.

وحين أغلق الهاتف، التفت فالتقى نظره بنظرها.

خفق قلبها بقوة...لم يذهب إلى هالة هذه المرة.

هل يعني ذلك أنه لم يكذب؟

هذه المرة الأخيرة حقًا؟

"لماذا تحدقين بي؟ اقترب موعد المراسم، هل أنتِ مستعدة؟"

لم يكن على وجه نبيل أي تعبير.

ومع ذلك، كانت نادين ما زالت تشعر بالسعادة.

فهي تعرف أن نبيل بارد المشاعر بالفطرة، وأنه كثيرًا ما يعجز عن مشاركة الآخرين مشاعرهم.

لكن من إعجابٍ مراهق غامض إلى حب قدّمته بقلبها كاملًا، كانت تعتقد أنها أخيرًا وصلت إلى لحظة اكتمال القدر بينهما.

كانت تؤمن بأنها بالنسبة إلى نبيل شيء مختلف.

وإلا، فكيف وافق على الزواج منها؟

ابتسمت نادين بعينين مليئتين بالفرح، وتمسكت بذراعه،وقالت: "نبيل، سنصبح زوجين أخيرًا... "

ظلّ نبيل بلا أي تعبير، وقال: "أعلم. "

انفتح باب الاستراحة

"والآن، نستقبل العروسين." انطلق صوت المذيع الجهوري، فسيطر في لحظة على أجواء القاعة كلّها.

تقدّمت نادين التهامي إلى المنصّة وهي تمسك بذراع نبيل الصاوي بوجهٍ مليء بالسعادة.

"لنبارك لـ…"

لكن قبل أن ينهي المذيع كلمته، رنّ هاتف نبيل.

مرّت على وجهه لمحةُ حرج، بينما ضجّت القاعة بالضحك.

تجمّدت الابتسامة على وجه نادين، فذلك الرنين كان كالكابوس بالنسبة إليها، إنه نغمة هالة الخاصة.

أخرج نبيل هاتفه من جيبه وأجاب: "مرحبًا… ماذا الآن؟"

تقدّم المذيع بسرعة لإنقاذ الموقف، محاولاً إعادة ضبط أجواء، فلم يسبق له أن واجه شيئًا كهذا رغم سنوات خبرته الطويلة في تقديم المراسم.

لكن قبل أن ينطق بكلمة واحدة.

" سآتي حالًا. "

قالها نبيل جملة وهو ينزل عن المنصّة.

وفي اللحظة نفسها، عمّت الدهشة بين الحضور.

"لا تذهب…" ركضت نادين وهي ترفع ذيل فستانها، نظراتها متوسّلة حدّ الانكسار.

" قلت إنها آخر مرة!"

تجعدت حواجب نبيل قليلًا، كأنه يزن الأمر ببرود عقلاني.

وبعد ثوانٍ، قال بصوت ثابت: " قفزت هالة فعلًا، عليّ أن أرى ما جرى. هدّئي الضيوف، سأعود سريعًا."

"نبيل البارد!" تشبثت بمعصمه: "إن ذهبت، لن أتزوّجك."

سحب يده وقال: "إذًا لا تندمي."

شعرت نادين أن قلبها تحوّل إلى غبار، وانهمرت دموعها دون إرادة.

اهتز قلب نبيل للحظة عندما رأى دموعها، لكنه عرف أنها ستتنازل.

كعادتها.

فهي دائمًا تخاف فقدانه.

كان يعرف تمامًا كم تحبه؛ فبرغم كونها ابنة عائلة ثرية مدلّلة، لم تتردد في تحدي أهلها وترك كل شيء وراءها لتتبعه إلى مدينة الزهرة.

تقف خلفه في كل معاركه.

أكبر أحلامها أن تتزوجه، ولطالما كانت هي من تنظف الفوضى التي تخلّفها هالة في كل مرة.

لكن هذه المرة حين هددت بأنها لن تتزوج، يبدو أنها وصلت إلى حافّة الانهيار.

ومع ذلك، كانت هالة قد وقعت في ورطة حقيقية.

لا يمكنه ترك نادين إثارة الاضطرابات عمدا.

فتح فمه ليقول شيئًا، لكن هاتفه اهتز في جيبه. أجاب بسرعة، ثم اندفع راكضًا خارج القاعة.

تبادل الضيوف نظرات الذهول.

ماذا... يحدث؟

هل هرب العريس؟

وبينما كانت الفوضى تعمُّ القاعة، رفعت نادين يدها ومسحت دموعها، واستجمعت ما تبقّى من قوتها، ثم التفتت لتنتزع الميكروفون من يد المقدّم المذهول تمامًا، وقالت بصوت ثابت:"أعتذر للجميع، الحفل ملغى..."

وانفجرت القاعة كالبركان.

أما نادين فلم تعد تشعر بشيء.

كانت تعلم أن هذا اليوم سيحوّلها إلى أضحوكة مدينة الزهرة كلها.

كان الجميع يعلم أنها أحبت نبيل الصاوي حدّ الهلاك؛ تركت خلفها نخبة الشباب وأبناء العائلات الثرية، واختارت فقيرًا يكافح معها خطوة بخطوة، وحين ظنت أنها أخيرًا بلغت ضوء الفجر، تخلّى عنها نبيل في يوم زفافهما.

وما إن خرجت نادين من الفندق، حتى وجدت الطريق مزدحمًا بشكل خانق.

وعلى بُعد غير بعيد، رأت نبيل يحمل هالة أشرف بين ذراعيه، وهي ترتدي فستان زفاف، تبكي بعينين حمراوين.

"نبيل، كيف تركتني وحدي؟ ألم نتعاهد أن نبقى معًا دائمًا؟"

" توقفي. "

قطّب نبيل حاجبيه قليلًا، فيما ظلّ وجهه خاليًا من أي تعبير.

لكن هالة وضعت يديها على وجهه، وحدّقت في عينيه السوداوين: "لن أتوقف"!

نظرت نادين إلى تصرّفات هالة، وكانت ردة فعلها الأولى أنّ نبيل سيغضب.

كانت قد فعلت الشيء ذاته في شبابها، وسمعت منه يومها: "لا أحب أن يلمس أحد وجهي."

وكانت عيناه آنذاك بلا أي دفء.

أما الآن، لم يُبدِ أيّ ردّة فعل. ترك هالة تعبث بوجهه كما تشاء، حتى ضحكت بين دموعها.

كانت نادين تظنّ دائمًا أنّ برود نبيل العاطفي موجَّه للجميع. ولمّا رأته يحمل هالة متجّهًا بها نحو سيارة الإسعاف، أدركتْ أخيرًا أنها لم تكن سوى أضحوكة.

كانت تظن أنّها، يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، ستنجح في إذابة قلب نبيل، وأنّه سيحبّها في النهاية، وأنّ تلك العينين الباردتين الجميلتين ستفيض يومًا بالحنان والاشتياق لها وحدها.

لكنّ...لطمها الواقع لطمة قاسية.

اتّضح أنّ نبيل يملك مشاعر فعلًا، لكنّها ليست إليها.

ضحكت نادين، وانكسرت دموعها وسط ضحكتها.

خمس سنوات.

ماذا كانت تعني في النهاية؟

يا نادين، ما أغباك وأسخفك!

اتضح أن تلك السنوات الخمس لم تكن سوى حلمٍ عاشته.

والآن قد تحطم ذلك الحلم، وحان وقت استيقاظها.

عادت نادين إلى غرفة الاستراحة وخلعت فستان الزفاف، لترتدي بدلاً منه ملابسها العادية.

كانت الفوضى التي خلفها حفل الزفاف لا تزال تتردد في الأجواء، وعندما عادت إلى مكتب المحاماة، توقف زملاؤها فجأة عن النقاش الصاخب الذي كانوا متورطين فيه.

لكن نادين لم تكترث لذلك. كانت دائمًا صاحبة قلبٍ جريء، فمنذ صغرها وهي تلاحق بجرأة موهبة كلية القانون نبيل الصاوي، حتى أصبحت حديث الجامعة كلها وسخرية الجميع.

سارت بشجاعة عمياء نحو المستقبل، حتى اصطدمت بواقعٍ قاسٍ كشف لها الحقيقة، أنّ نبيل لم يحبّها قط.

عادت نادين إلى مكتبها، وطبعت من الكمبيوتر طلب استقالة، ووقعت عليه، ثم وضعته على طاولة نبيل في المكتب.

وبمجرد ما وضعته، اهتز هاتفها.

كان المتصل هو نبيل.

"سمعت أنك ألغيتِ حفل الزفاف؟ لماذا لم تستشيريني؟ ألا تدركين كيف سيؤثر هذا على سمعة مكتب المحاماة سلبًا؟"

"وماذا كان ينبغي عليّ أن أفعل؟" ردت نادين بصوت بارد، “هل كنتَ تفضّل أن ينتظر الجميع في القاعة إلى أن تنهي مهمّتك في إنقاذ الأميرة؟"

ساد صمت على الطرف الآخر لبضع ثوان، وكأنه لم يتوقع أن ترد عليه بهذه الحدة.

فمنذ بداية علاقتهما، كانت نادين تدور حوله مثل شمس صغيرة لا تتوقف عن الثرثرة، وكأنها مليئة بالحيوية دائمًا، ووجهها لا يخلو من الابتسام، ولم تغضب عليه قط.

"الخطأ خطأي." كان رد نبيل دائمًا عقلانيًا وهادئًا. "

لم أفكر بالأمر بشكل كافٍ."

انطلقت ضحكة مريرة من نادين. حقًا، كما يقول المثل: "العجل المولود حديثًا لا يخشى النمر. "

لماذا اعتقدت أن شخصًا بارد المشاعر بالفطرة سيقع في حبها؟

ألقت نادين نظرة على طلب الاستقالة على الطاولة، وقالت: " نبيل، استقالتي"...

قبل أن تكمل جملتها، انبعث صوت ناعم من السماعة: " نبيل، ظهري يؤلمني، تعال بسرعة ودلّكه لي. "

"أنا مشغول الآن، سنتحدث لاحقًا. "

وانقطع الاتصال سريعًا، تاركًا خلفه صوت الإشغال المتتابع.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 30

    تقدم نبيل خطوة، وقال بصوت مبحوح للغاية: "نادين... لقد وجدتكِ أخيرًا."رفعت نادين عينيها أخيرًا، ونظرت إليه مباشرة.كانت عيناها صافيتين، لكنهما خاليتان من أي اضطراب.نظر نبيل إليها أيضًا.كانت الفتاة التي أمامه لا تزال هي المرأة الجميلة التي يتذكرها. ولو أنها ابتسمت وتحدثت إليه بعينين تلمعان، لظنّ حتمًا أن هذا الشهر وأكثر لم يكن سوى حلم طويل بالنسبة له."المحامي نبيل،" بدأت تتحدث بصوت ثابت لا يحمل أيّ انفعال: "هل تبحث عني لأمر ما؟"كانت كلمتي "المحامي نبيل"، بمثابة إبرتين باردتين، غُرست بعمق في قلب نبيل.كانت في السابق، تناديه دائمًا باسمه الكامل "نبيل الصاوي" في الحياة الخاصة، تناديه عندما تكون غاضبة، وعندما تكون سعيدة، وتناديه بنبرة ناعمة في لحظات دلعها النادرة...وكانت تناديه بـ"المحامي نبيل" فقط أثناء العمل لتجنب الريبة."أنا..." توقفت آلاف الكلمات في حلقه، تحرَّك تفاحة آدم، وفي النهاية لم يستطع إخراج سوى بضع كلمات جافة: "نادين، لقد بحثت عنكِ طويلاً..."أراد أن يمسك معصم نادين لا شعوريًا.تجنّبت نادين يده على الفور تقريبًا، وقالت: "ماذا تريد مني؟ لقد انفصلنا بالفعل."ارتعش وجه نبيل

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 29

    أخيرًا، ساد الهدوء.اتكأت نادين على ظهر الكرسي، ودلكت صدغيها.وبينما كانت تحاول تهدئة نفسها والعودة إلى العمل، انبعث فجأة من خارج المكتب صوت صراخ راشد المبالغ فيه."يا مديرة! يا مديرة! تعالي وشاهدي مَن جاء!"انزعجت نادين من صراخه، وظنت أنه جلب عميلاً مهمًا غير متوقع، فجمعت ما تبقّى لها من طاقة بصعوبة، ونهضت لتفتح باب المكتب.في تلك اللحظة، خارج باب المكتب--ابتعد راشد بابتسامة حماسية، ليظهر الرجل الذي كان يقف خلفه فجأة في مرمى بصرها.لقد كان... نبيل.بدا أكثر نحافة، فازدادت حدة خط فكه، وكان طرفا سترته مفتوحين قليلاً، بدت ياقة قميصه مرتّب ولكن يشوبها شيء من الفوضى.تجمد تعبير نادين على الفور، شدّت قبضتها على مقبض الباب، وتدفقت الدماء في لحظة واحدة إلى أطرافها وجسدها كله، فشعرت بدوار غريب إلى حدّ لا يصدّق.توقف العالم عن الحركة في تلك اللحظة.تلاشت جميع الأصوات، ولم يبق سوى صوت دقات قلبها التي خرجت عن السيطرة فجأة.دقة.دقة.تقرع طبلة أذنها.كان راشد لا يزال يتحدث بكلمات متقطعة ومتحمسة من الجانب: "مديرتي! إنه المحامي نبيل! مثلي الأعلى..."بدا صوته وكأنه يأتي من مكان بعيد جدًا، غامضًا وغي

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 28

    "نادين..."جاء صوت سلمى وفيه شيء من التحفّظ، لكن كلماتها بدت بوضوح محاولة للتظاهر بالاسترخاء: "يا ابنتي، لماذا رحلتِ هكذا دون أن تقولي شيئًا؟ لم تُخبِريني حتى قبل أن ترحلي...متى ستعودين؟ أشتاق إليك..."هذه الأسئلة المفاجئة المتتالية جعلت نادين تشعر ببعض الغرابة.خلال السنوات الخمس الماضية، رغم اعتراف سلمى بها كحبيبة نبيل، إلا أن موقفها ظل دائمًا متحفظًا، بل مشوبًا بعض الانتقاد، ولم يسبق لها أن أظهرت مثل هذا الدفء على الإطلاق.حتى عدم انتقادها لعيوبها، كان يعتبر لطفًا في نظر نادين.لو أنها سمعت هذه الكلمات قبل شهر، لكانت تأثّرت حتى البكاء.أما الآن.فإنها لا تشعر سوى بالسخرية فحسب."أنا بخير، شكرًا لاهتمامكِ يا خالة." كان صوت نادين باردًا ومهذبًا. " تفضّلي وقولي ما لديكِ مباشرة."تجمّد وجه سلمى لحظة، فلم تكن تتوقّع أنّها بعدما خفّضت من شأنها إلى هذا الحدّ، لن تلقى أي تجاوب. فشعرت بالحرج في تلك اللحظة، وبردت نبرتها شيئًا فشيئًا."نبيل هكذا طبعه، عنيد ولا يُحسن الكلامألستِ تعرفينه منذ اليوم الأول؟ فلماذا تتعاملين معه بهذه الحدة؟ ؟ وسمعتُ أنكِ بِعت بيتك أيضًا؟ هذا تصرّف متهوّر جدًّا ولا د

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 27

    لم يكن فخر يصدّق أبدًا أن الأم وابنتها قد صحا ضميرهما فجأة...ربما كان لحادث السيارة الذي وقع في ذلك العام خفايا أخرى."تلك الحقيرة نادين لا تُقارن بي على الإطلاق؟!" صرخت هالة وكأنها قطة داس أحدهم على ذيلها. "أنا من نشأت معه منذ الطفولة! سيعرف نبيل عاجلاً أم آجلاً من هي المرأة المناسبة له حقًا!""مناسبة؟" سخر فخر وقال ببرود: "مناسبة للمشاحنات اليومية؟ أم مناسبة لمحاولة الانتحار في يوم زفاف شخص آخر؟"ارتعشت شفتا هالة غضبًا: "أنت... ما هذا الهراء الذي تقوله.""أنا أقول الهراء؟" كانت نظرة فخر جليدية: "هالة، حافظي على ما تبقى من كرامتك. هل حقًا لا تفهمين لماذا يتجنبك نبيل؟ تسامحه معك سابقًا كان بفضل إنقاذ والدتك لحياته، والآن بعدما غادرت نادين، لقد أضعتِ كل ما تبقى من هذا الفضل بتصرفاتك. لا تُهيني نفسك أكثر."اخترقت هذه الكلمات قلب هالة كأنها سكاكين حادة.ارتعش جسدها بالكامل من الغضب، وأشارت إلى فخر، تردّد كلمة "أنت..." لبعض الوقت دون أن تستطيع إخراج عبارة سباب كاملة.ماذا يعرف فخر أصلاً؟علاقتها بنبيل هي علاقة نشأت منذ الطفولة!هي ونبيل فقط ينتميان إلى العالم نفسه، أمّا نادين، فلا تفهم

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 26

    حاولت هالة الاتصال به مرة أخرى، غير مستسلمة...(عذرًا، الرقم الذي طلبته...)"آه!" صرخت هالة غاضبة، وكادت أن تسقط وعاء الطعام الحراري الذي كانت تحمله.شدّت يديها بقوّة، وغرست أظافرها في راحتيها، وكان صدرها يرتفع ويهبط بعنف.تلك الحقيرة نادين، حتى بعد رحيلها، لا تدَع الناس يعيشون في سلام، كأن روحها الشريرة ما زالت تلاحقهم!لا، هذا غير مقبول!اليوم…لا بدّ لها أن تنتظر نبيل! "أحضري لي كوبًا من القهوة... " اتجهت مباشرة نحو الأريكة في منطقة الاستقبال وجلست متخذة وضع سيّدة المكان، وتحدثت بنبرة آمرة إلى موظفة الاستقبال: "أريدها مطحونة طازجة، بدون سكر أو حليب."عرفت موظفة الاستقبال هالة بالطبع؛ فقد كانت تأتي إلى المكتب باستمرار لرؤية المحامي نبيل، ويقال إنهما أصدقاء طفولة، والأهم من ذلك، أن المحامية نادين قد أُجبرت على الرحيل بسبب هذه المرأة!رغم شعورها بالاشمئزاز، إلا أنها لم تجرؤ على إغضابها، فاكتفت بالردّ بصوت خافت وذهبت للتحضير.مر الوقت دقيقة تلو الأخرى.شعرت هالة بالقلق وعدم الصبر، واستهلكت كوبًا تلو الآخر من القهوة، لكن ظل نبيل غائبًا.عندما كادت تفقد صبرها، انفتح باب المصعد مع رنين الج

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 25

    "غدًا... في التاسعة صباحًا؟" كاد معتز أن يفقد وعيه من الصدمة، إذ اسودّت الدنيا أمام عينيه لحظة.لدى القسم القانوني سبع أو ثماني قضايا رئيسية قيد المتابعة، وعشرات من قضايا الدفاع عن الحقوق العادية. كيف يمكن مراجعة كل هذه القضايا وتقديم تقارير مفصلة عنها في ليلة واحدة؟!هذا ببساطة جدول موتٍ بالإرهاق حتى الفجر!قال معتز محاولاً الاعتراض قليلاً: "سيد ماجد، أليس… أليس الوقت ضيّقًا بعض الشيء؟"رفع ماجد عينيه ونظر إليه، ولم يكن في نظراته أي دفء: "هل تواجه صعوبة؟"ابتلع معتز الكلمات على الفور، وشعر بقشعريرة تسري في فروة رأسه: "لا... لا! سننجز المهمة بالتأكيد!"كاد يبكي، وصرخ في داخله بجنون: من الذي أغضب هذا السيد الجليل مرة أخرى؟!لماذا هذا الجحيم المفاجئ من العمل الإضافي؟!لم يقل ماجد شيئا آخر، ونهض ورتب بدلته، ثم غادر غرفة الاجتماعات بخطوات ثابتة، تاركًا معتز ومجموعة من نخبة القسم القانوني خلفه، غارقين في موجة من العويل الصامت....مدينة الزهرة، الطريق السريع المؤدي إلى المطار.كان فخر يقود السيارة بسرعة جنونية في طريقه إلى المطار.نظر عبر المرآة إلى نبيل الجالس في المقعد الخلفي صامتًا بملام

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status