وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد

وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد

By:  حِبر الودّUpdated just now
Language: Arab
goodnovel4goodnovel
Not enough ratings
30Chapters
105views
Read
Add to library

Share:  

Report
Overview
Catalog
SCAN CODE TO READ ON APP

بعد خمس سنوات من حبّ مشتعل، تجد نادين التهامي نفسها تُرمى في قاعة زفافها، بعدما تركها نبيل الصاوي مسرعًا ليواسي حبيبة طفولته التي هددت بالانتحار للمرة التاسعة والتسعين. عندها أدركت أنّ قلبه المتجمّد لن يذوب لها يومًا. قطعت كل ما يربطها به، وغادرت الشمال نحو الجنوب، عازمةً على بدء حياة جديدة. ولكن بعد ليلة من السّكر، استيقظت لتجد نفسها قد نامت بالخطأ مع أخطر رجل في نخبة الساحل، العدوّ اللدود لأخيها — ماجد الحسيني! وفي الصباح، حاولت نادين الهرب على رؤوس الأصابع من مسرح الجريمة. لكن يدًا قوية أمسكت بكاحلها وسحبتها دون رحمة إلى السرير الناعم. اقترب صوته العميق المتهدّج من أذنها، وأصابعه تتحسس تلك العلامة الساخنة التي تركتها أسنانه على عنقها البارد: "يا نادين الصغيرة، تأكلين وتشربين ثم تهربين؟ بعد كل هذا ولا تنوين تحمُّل المسؤولية؟" *** كان الجميع يعرف أنّ ماجد الحسيني رجل بارد، قليل الرغبات، لا يقترب من أحد. لكن ما من أحد كان يعلم أن أخت عدوه اللدود مقيمة في قلبه طوال الوقت. ومنذ ذلك الحين، سقط السيد عن عرشه، وتحول اتزانه إلى هوسٍ جنوني بها. اشترى لها بلدة تاريخية كاملة بعشرة مليارات، وحضن الفتاة الثملة بين ذراعيه، كان رداء الحمّام مفتوح على عضلات بطنه المشدودة، حيث ينخفض صوته بإغواء خطير: "نادين الصغيرة، ألا تريدين أن تلمسي؟ إحساسه رائع." نادين: ... أين ذهب الرجل البارد الزاهد؟ قال: " الزُهد؟ هذا مع الآخرين فقط. أما أنتِ، فلا يوجد سوى الرغبة."

View More

Chapter 1

الفصل 1

"يقال إن الزفاف اليوم صاخب للغاية، هل سمعتم؟ حبيبة طفولة المحامي نبيل تحاول الانتحار فوق سطح الفندق"!

تسرّبت الهمسات من خلف الباب، فشعرت نادين التهامي بوخز مرّ في قلبها.

كانت هذه المرة التاسعة والتسعين التي تهدد فيها هالة أشرف بالانتحار.

كانت نادين تعتقد أنها اعتادت الأمر.

لكن هذا اليوم مختلف.

كان يوم زفافها هي ونبيل.

ومع كلّ فوضى تُثيرها هالة، تدرك نادين أنّ عليها التراجع من جديد.

خمس سنوات أحبت فيها نبيل البارد، وخمس سنوات كانت هالة تثير فيها الفوضى.

وفي كل مرة، كان نبيل يتركها ويركض نحو هالة أولاً.

كانت نادين تشعر أحيانًا أنها هي الطرف الخفيّ الممنوع في هذه العلاقة.

لكن في المرة الأخيرة حين تركها نبيل وذهب لهالة، أقسم لها أن تلك ستكون آخر مرة.

لقد صدَّقته، ولهذا أقامت زفاف اليوم.

"تريد أن تموت؟ فلتفعل! لماذا تخبرني؟"

رفعت نادين عينيها فجأة، إذ كان باب الشرفة غير مغلق بإحكام، فانساب صوت نبيل البارد العميق من خلف الباب.

"قفزت من السطح؟ لا تجرؤ! كم مرة ادّعت الانتحار؟ أي مرة نجحت؟"

وفي النهاية سمِعته يخفض صوته ليتمتم ببضع كلمات إضافية، لكن همسه كان منخفضًا إلى حدّ أنها لم تستطع تمييز ما قاله.

وحين أغلق الهاتف، التفت فالتقى نظره بنظرها.

خفق قلبها بقوة...لم يذهب إلى هالة هذه المرة.

هل يعني ذلك أنه لم يكذب؟

هذه المرة الأخيرة حقًا؟

"لماذا تحدقين بي؟ اقترب موعد المراسم، هل أنتِ مستعدة؟"

لم يكن على وجه نبيل أي تعبير.

ومع ذلك، كانت نادين ما زالت تشعر بالسعادة.

فهي تعرف أن نبيل بارد المشاعر بالفطرة، وأنه كثيرًا ما يعجز عن مشاركة الآخرين مشاعرهم.

لكن من إعجابٍ مراهق غامض إلى حب قدّمته بقلبها كاملًا، كانت تعتقد أنها أخيرًا وصلت إلى لحظة اكتمال القدر بينهما.

كانت تؤمن بأنها بالنسبة إلى نبيل شيء مختلف.

وإلا، فكيف وافق على الزواج منها؟

ابتسمت نادين بعينين مليئتين بالفرح، وتمسكت بذراعه،وقالت: "نبيل، سنصبح زوجين أخيرًا... "

ظلّ نبيل بلا أي تعبير، وقال: "أعلم. "

انفتح باب الاستراحة

"والآن، نستقبل العروسين." انطلق صوت المذيع الجهوري، فسيطر في لحظة على أجواء القاعة كلّها.

تقدّمت نادين التهامي إلى المنصّة وهي تمسك بذراع نبيل الصاوي بوجهٍ مليء بالسعادة.

"لنبارك لـ…"

لكن قبل أن ينهي المذيع كلمته، رنّ هاتف نبيل.

مرّت على وجهه لمحةُ حرج، بينما ضجّت القاعة بالضحك.

تجمّدت الابتسامة على وجه نادين، فذلك الرنين كان كالكابوس بالنسبة إليها، إنه نغمة هالة الخاصة.

أخرج نبيل هاتفه من جيبه وأجاب: "مرحبًا… ماذا الآن؟"

تقدّم المذيع بسرعة لإنقاذ الموقف، محاولاً إعادة ضبط أجواء، فلم يسبق له أن واجه شيئًا كهذا رغم سنوات خبرته الطويلة في تقديم المراسم.

لكن قبل أن ينطق بكلمة واحدة.

" سآتي حالًا. "

قالها نبيل جملة وهو ينزل عن المنصّة.

وفي اللحظة نفسها، عمّت الدهشة بين الحضور.

"لا تذهب…" ركضت نادين وهي ترفع ذيل فستانها، نظراتها متوسّلة حدّ الانكسار.

" قلت إنها آخر مرة!"

تجعدت حواجب نبيل قليلًا، كأنه يزن الأمر ببرود عقلاني.

وبعد ثوانٍ، قال بصوت ثابت: " قفزت هالة فعلًا، عليّ أن أرى ما جرى. هدّئي الضيوف، سأعود سريعًا."

"نبيل البارد!" تشبثت بمعصمه: "إن ذهبت، لن أتزوّجك."

سحب يده وقال: "إذًا لا تندمي."

شعرت نادين أن قلبها تحوّل إلى غبار، وانهمرت دموعها دون إرادة.

اهتز قلب نبيل للحظة عندما رأى دموعها، لكنه عرف أنها ستتنازل.

كعادتها.

فهي دائمًا تخاف فقدانه.

كان يعرف تمامًا كم تحبه؛ فبرغم كونها ابنة عائلة ثرية مدلّلة، لم تتردد في تحدي أهلها وترك كل شيء وراءها لتتبعه إلى مدينة الزهرة.

تقف خلفه في كل معاركه.

أكبر أحلامها أن تتزوجه، ولطالما كانت هي من تنظف الفوضى التي تخلّفها هالة في كل مرة.

لكن هذه المرة حين هددت بأنها لن تتزوج، يبدو أنها وصلت إلى حافّة الانهيار.

ومع ذلك، كانت هالة قد وقعت في ورطة حقيقية.

لا يمكنه ترك نادين إثارة الاضطرابات عمدا.

فتح فمه ليقول شيئًا، لكن هاتفه اهتز في جيبه. أجاب بسرعة، ثم اندفع راكضًا خارج القاعة.

تبادل الضيوف نظرات الذهول.

ماذا... يحدث؟

هل هرب العريس؟

وبينما كانت الفوضى تعمُّ القاعة، رفعت نادين يدها ومسحت دموعها، واستجمعت ما تبقّى من قوتها، ثم التفتت لتنتزع الميكروفون من يد المقدّم المذهول تمامًا، وقالت بصوت ثابت:"أعتذر للجميع، الحفل ملغى..."

وانفجرت القاعة كالبركان.

أما نادين فلم تعد تشعر بشيء.

كانت تعلم أن هذا اليوم سيحوّلها إلى أضحوكة مدينة الزهرة كلها.

كان الجميع يعلم أنها أحبت نبيل الصاوي حدّ الهلاك؛ تركت خلفها نخبة الشباب وأبناء العائلات الثرية، واختارت فقيرًا يكافح معها خطوة بخطوة، وحين ظنت أنها أخيرًا بلغت ضوء الفجر، تخلّى عنها نبيل في يوم زفافهما.

وما إن خرجت نادين من الفندق، حتى وجدت الطريق مزدحمًا بشكل خانق.

وعلى بُعد غير بعيد، رأت نبيل يحمل هالة أشرف بين ذراعيه، وهي ترتدي فستان زفاف، تبكي بعينين حمراوين.

"نبيل، كيف تركتني وحدي؟ ألم نتعاهد أن نبقى معًا دائمًا؟"

" توقفي. "

قطّب نبيل حاجبيه قليلًا، فيما ظلّ وجهه خاليًا من أي تعبير.

لكن هالة وضعت يديها على وجهه، وحدّقت في عينيه السوداوين: "لن أتوقف"!

نظرت نادين إلى تصرّفات هالة، وكانت ردة فعلها الأولى أنّ نبيل سيغضب.

كانت قد فعلت الشيء ذاته في شبابها، وسمعت منه يومها: "لا أحب أن يلمس أحد وجهي."

وكانت عيناه آنذاك بلا أي دفء.

أما الآن، لم يُبدِ أيّ ردّة فعل. ترك هالة تعبث بوجهه كما تشاء، حتى ضحكت بين دموعها.

كانت نادين تظنّ دائمًا أنّ برود نبيل العاطفي موجَّه للجميع. ولمّا رأته يحمل هالة متجّهًا بها نحو سيارة الإسعاف، أدركتْ أخيرًا أنها لم تكن سوى أضحوكة.

كانت تظن أنّها، يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، ستنجح في إذابة قلب نبيل، وأنّه سيحبّها في النهاية، وأنّ تلك العينين الباردتين الجميلتين ستفيض يومًا بالحنان والاشتياق لها وحدها.

لكنّ...لطمها الواقع لطمة قاسية.

اتّضح أنّ نبيل يملك مشاعر فعلًا، لكنّها ليست إليها.

ضحكت نادين، وانكسرت دموعها وسط ضحكتها.

خمس سنوات.

ماذا كانت تعني في النهاية؟

يا نادين، ما أغباك وأسخفك!

اتضح أن تلك السنوات الخمس لم تكن سوى حلمٍ عاشته.

والآن قد تحطم ذلك الحلم، وحان وقت استيقاظها.

عادت نادين إلى غرفة الاستراحة وخلعت فستان الزفاف، لترتدي بدلاً منه ملابسها العادية.

كانت الفوضى التي خلفها حفل الزفاف لا تزال تتردد في الأجواء، وعندما عادت إلى مكتب المحاماة، توقف زملاؤها فجأة عن النقاش الصاخب الذي كانوا متورطين فيه.

لكن نادين لم تكترث لذلك. كانت دائمًا صاحبة قلبٍ جريء، فمنذ صغرها وهي تلاحق بجرأة موهبة كلية القانون نبيل الصاوي، حتى أصبحت حديث الجامعة كلها وسخرية الجميع.

سارت بشجاعة عمياء نحو المستقبل، حتى اصطدمت بواقعٍ قاسٍ كشف لها الحقيقة، أنّ نبيل لم يحبّها قط.

عادت نادين إلى مكتبها، وطبعت من الكمبيوتر طلب استقالة، ووقعت عليه، ثم وضعته على طاولة نبيل في المكتب.

وبمجرد ما وضعته، اهتز هاتفها.

كان المتصل هو نبيل.

"سمعت أنك ألغيتِ حفل الزفاف؟ لماذا لم تستشيريني؟ ألا تدركين كيف سيؤثر هذا على سمعة مكتب المحاماة سلبًا؟"

"وماذا كان ينبغي عليّ أن أفعل؟" ردت نادين بصوت بارد، “هل كنتَ تفضّل أن ينتظر الجميع في القاعة إلى أن تنهي مهمّتك في إنقاذ الأميرة؟"

ساد صمت على الطرف الآخر لبضع ثوان، وكأنه لم يتوقع أن ترد عليه بهذه الحدة.

فمنذ بداية علاقتهما، كانت نادين تدور حوله مثل شمس صغيرة لا تتوقف عن الثرثرة، وكأنها مليئة بالحيوية دائمًا، ووجهها لا يخلو من الابتسام، ولم تغضب عليه قط.

"الخطأ خطأي." كان رد نبيل دائمًا عقلانيًا وهادئًا. "

لم أفكر بالأمر بشكل كافٍ."

انطلقت ضحكة مريرة من نادين. حقًا، كما يقول المثل: "العجل المولود حديثًا لا يخشى النمر. "

لماذا اعتقدت أن شخصًا بارد المشاعر بالفطرة سيقع في حبها؟

ألقت نادين نظرة على طلب الاستقالة على الطاولة، وقالت: " نبيل، استقالتي"...

قبل أن تكمل جملتها، انبعث صوت ناعم من السماعة: " نبيل، ظهري يؤلمني، تعال بسرعة ودلّكه لي. "

"أنا مشغول الآن، سنتحدث لاحقًا. "

وانقطع الاتصال سريعًا، تاركًا خلفه صوت الإشغال المتتابع.
Expand
Next Chapter
Download

Latest chapter

More Chapters
No Comments
30 Chapters
الفصل 1
"يقال إن الزفاف اليوم صاخب للغاية، هل سمعتم؟ حبيبة طفولة المحامي نبيل تحاول الانتحار فوق سطح الفندق"!تسرّبت الهمسات من خلف الباب، فشعرت نادين التهامي بوخز مرّ في قلبها.كانت هذه المرة التاسعة والتسعين التي تهدد فيها هالة أشرف بالانتحار.كانت نادين تعتقد أنها اعتادت الأمر.لكن هذا اليوم مختلف.كان يوم زفافها هي ونبيل.ومع كلّ فوضى تُثيرها هالة، تدرك نادين أنّ عليها التراجع من جديد.خمس سنوات أحبت فيها نبيل البارد، وخمس سنوات كانت هالة تثير فيها الفوضى.وفي كل مرة، كان نبيل يتركها ويركض نحو هالة أولاً.كانت نادين تشعر أحيانًا أنها هي الطرف الخفيّ الممنوع في هذه العلاقة. لكن في المرة الأخيرة حين تركها نبيل وذهب لهالة، أقسم لها أن تلك ستكون آخر مرة.لقد صدَّقته، ولهذا أقامت زفاف اليوم."تريد أن تموت؟ فلتفعل! لماذا تخبرني؟"رفعت نادين عينيها فجأة، إذ كان باب الشرفة غير مغلق بإحكام، فانساب صوت نبيل البارد العميق من خلف الباب."قفزت من السطح؟ لا تجرؤ! كم مرة ادّعت الانتحار؟ أي مرة نجحت؟"وفي النهاية سمِعته يخفض صوته ليتمتم ببضع كلمات إضافية، لكن همسه كان منخفضًا إلى حدّ أنها لم تستطع تمييز
Read more
الفصل 2
تنفّست نادين بعمق، تكتم غصّتها وهي تحدّق عبر النافذة الأرضية.كانت الشمس مشرقة، والسيارات تتدفق، ومدينة الزهرة المترامية تحت عينيها.تذكّرت فجأة أن مكتب نادين ونبيل للمحاماة، كان في بدايته مجرد مكتب صغير واحد.ذلك المكتب الذي استأجرته هي في بعد أن باعت منزلها الوحيد لمساعدة نبيل.اليوم، أصبح المكتب يحتل طابقًا كاملًا.وتذكرت يوم استأجرت تلك المكتب، كان يومًا مشمسًا كذلك.قالت له يومها بحماس: "لنسمي المكتب مكتب نادين ونبيل للمحاماة، ما رأيك؟""يمكنك أن تسميه بأي اسم." أجاب نبيل ببرود: " كما تريدين. "قفزت نادين نحوه لتعانقه، لكنه أمسك وجهها وسحبها بعيدًا بلا رحمة: "لا أحب أن يعانقني أحد."ضحكت ورمت بنفسها على صدره مرة أخرى: "سأعانقك رغمًا عنك."كانت قد ضحكت يومًا بثقة جامحة وقالت لنبيل إنها ستجعله أفضل محامٍ في مدينة الزهرة كلها.فأجابها بأن الشهرة لا تهمه، وإن سعادتها هي الأهم.أوفت بوعدها.أما هو فكذب.…كان لدى نادين الكثير من الأشياء في مكتبها.كثيرة لدرجة أنها أمضت وقتًا طويلًا وهي ترتّبها.منذ تأسيس المكتب وحتى الآن، كانت دائمًا اليد التي تسند نبيل وتصلح فوضاه.ورغم أن المكتب ملكً
Read more
الفصل 3
تجمّد نبيل في مكانه للحظة.لم يتخيل يومًا أن يسمع من نادين كلمات بهذه القسوة؛ فهي كانت دائمًا مطيعة له.كان يعرف جيدًا أنها تخاف الإبر، ترتجف كل مرة تُغرز فيها إبرة في جلدها، وتحتاج وقتًا طويلًا لتستعيد هدوءها...لكنها ظلت تضحي من أجله، فمنحت هالة دمها مرات عديدةظهر التردد على ملامح نبيل، ثم رفع عينيه نحوها قائلًا: "إذًا...""أختي نادين... " لكن قبل أن يكمل، قطعت هالة كلامه، والدموع تهبط قبل الكلمات:"أنت… ماذا تقصدين؟ هل تدعين عليّ بالموت؟"حدقت نادين فيها ببرود نظرةً تخترق ما تحت سطح تلك المرأة التي تتقن الخبث والتمثيل، كانت تنجح دائما في خداع نبيل وجعله يدور حولها دون وعي.وربما… كان هو يريد أن يُخدع.ارتسمت على شفتي نادين ابتسامة باردة، وقالت: "من يريد التبرع فليتبرع. أما أنا، فلن أعطيكِ دمًا مرة أخرى!"استدارت هالة وتمسكت بذراع نبيل وقد امتلأ صوتها بادّعاء العجز: "نبيل، هل رأيت، إنها تدعوعليّ بالموت، هل تريدني أن أذهب إلى العناية المركزة وأستلقي بجانب أمي لتفرح؟"كانت والدة هالة قد ضحّت بنفسها لإنقاذ نبيل في الماضي، وبقيت في العناية المركزة خمس سنوات، ولم تستفق حتى الآن.ولهذا ال
Read more
الفصل 4
"يا خالتي، هذا مستشفى، وفي بنك الدم كل الفصائل متوفّرة، ولا داعي لأن يُسحب دمي تحديدًا. "قالت نادين بصوت بارد.وبدت الحيرة على وجه سلمى: "لكن..."لم تلتفت إليها نادين، بل نظرت نحو الرجل الواقف جانبًا: "يا نبيل، قد وضعتُ استقالتي على مكتبك، وجهّزت كل أغراضي، عندما تجد وقتًا، عد إلى المكتب ووقّعها. "تقطّب نبيل حاجبيه: "أي استقالة؟""يا ابنتي! "صرخت سلمى بانزعاج: "أنتِ منزعجة منّي؟ لم أقصد شيئًا!"اكتفت نادين بابتسامة خفيفة: "يا خالة، ارتاحي جيدًا. لا تزال هناك أمور يجب أن أرتبها، سأغادر الآن."استدارت وغادرت، دون أن تلتفت لوجوههم. وما إن دخلت المصعد واقترب الباب من الإغلاق حتى امتدت يد قوية تمنع إغلاقه.انفتح الباب ببطء، فإذا بملامح نبيل الداكنة تقابل عينيها.نادرًا ما رأت نادين أي انفعال في عينيه. كانت المرة الوحيدة هي عندما أمسكه أهل القرية وطرحوه أرضًا...تلك النظرة لن تنساها طوال حياتها."لماذا الاستقالة؟" دخَل نبيل المصعد وهو يُحدق فيها بعينين متّقدتين."بسبب حفل الزفاف اليوم؟ أم مسألة نقل الدم؟"ثم أمسك يدها: "اعتذرتُ لكِ عن موضوع الزفاف. وبخصوص نقل الدم، قلت لكِ إني سأبحث عن شخص
Read more
الفصل 5
"آنسة نادين؟"أعاد صوت الممرضة وعيها.جمعت نادين ما تبقّى من قوتها ووقّعت باسمها. وسرعان ما دُفِعت نادين إلى غرفة العمليات.وحين بدأ المخدّر يسري في جسدها، شعرت وكأن الظلام يبتلعها تدريجيًا.في تلك العتمة، بدا وكأن أحدهم ينادي اسمها.مرّ الصوت عبر الضباب، ممتزجًا برائحة المعقم والدم.كأنها رأت نبيل في السابعة عشرة من عمره، ممددًا على الأرض تحت ضغط أهل القرية، وعيناه، كعيون ذئب تتجاوز الحشود لتلتقي في نظرتها.ورأت تأسيس مكتب نادين ونبيل للمحاماة، حين ارتمت في حضن نبيل وابتسمت ببهجة تشرق كضياء الربيع.ثم رأت هالة بثوب الزفاف بين ذراعي نبيل، بينما هي واقفة وصامتة بلا أي ابتسامة.وحين استعادت وعيها من جديد، سمعت صوت صفير جهاز المراقبة يرن بوضوحٍ شديد. كان ضوء القمر يتخلل الستائر، يكسو كل شيء بحدّة من الفضة الباردة. حدّقت نادين في تلك الخطوط المتموجة التي تمثّل مؤشرات حياتها.بدأ الألم يستيقظ مع انحسار المخدّر، كأن منشارًا صدئًا يقطع بطنها ذهابًا وإيابًا. تحسّست هاتفها تحت الوسادة، كانت الساعة الثالثة والسبع عشرة دقيقة فجرًا.شعرت نادين بألمٍ حاد في موضع الجرح، فضغطت على مضخة المسكّن عد
Read more
الفصل 6
"لقد قدّمتُ استقالتي بالفعل.""ماذا؟" تجمّد مدير قسم الموارد البشرية في مكانه، وبقي صامتاً لثوانٍ قبل أن يتمتم: "آه... هذا يعني أنّكِ…"كانت نادين تدرك جيدًا أن إجراءات الاستقالة الرسمية تتطلّب أسبوعين من تسليم المهام. وهي لم تكن من النوع الذي يترك عملاً ناقصًا. بما أنها اتخذت قرار الاستقالة، فلابد من إتمام إجراءات التسليم حتى لا تُثقل على أحد."سأعود إلى الشركة بعد قليل لإنهاء إجراءات التسليم.""حسنًا، حسنًا، سأنتظركِ."أغلقت نادين الهاتف، وأخذت نفسًا طويلًا. لقد باعت منزلها بالفعل، وبمجرد الانتهاء من إجراءات تسليم العمل، يمكنها المغادرة. لكن الألم العميق عند موضع العملية ما زال يذكّرها بأنها ليست بخير تمامًا. بعد قليل من الراحة، خرجت واستقلت سيارة أجرة متجهة نحو مكتب المحاماة.بمجرد دخولها المكتب، تغيّر الجو كله. "نادين..." "نادين، عدتِ..." التفّ حولها المساعدون بحماس، يثرثرون بفرحةٍ صادقة.كان في أعينهن اعتماد ومحبة حقيقية، وهذا ما جعل قلب نادين يشعر بالدفء."أتيت فقط لتسليم مهامي. " ابتسمت نادين لهم: "يا ذكية، ستتولين أعمالي الحالية.""نادين، هل سترحلين حقًا؟ "تبادلو
Read more
الفصل 7
ساد الصمت في المكتب فور انتهاء نبيل من كلماته. كان يحدق في نادين بنظرة ثاقبة، وكأنه على يقين من أنها ستنحني وتعتذر بمجرد سماع تهديده.خلال السنوات الخمس الماضية، وبغض النظر عما حدث، كانت دائمًا تتراجع وتسامحه دون قيد أو شرط.كان يراهن على أنها لن تستقيل حقًا.قد يرحل الجميع، إلا نادين.هي لن تفعل.مستحيل أن تفعل ذلك.ومع ذلك، لم يحدث ما توقعه. بل وقفت بهدوء، وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة للغاية."لقد فكرت جيدًا." وضعت نادين خطاب الاستقالة على المكتب، وصوتها هادئ لا يحمل أي اضطراب: "أيها المحامي نبيل، إذا لم يكن لديك أي شيء آخر، سأذهب الآن."بعد أن قالت ذلك، لم تنظر حتى إلى نبيل مرة أخرى، واستدارت متجهة نحو باب المكتب.كانت حركتها حاسمة وسريعة، خالية من أي تردد أو أسف.تجمّد نبيل في مكانه.لقد وضع في اعتباره احتمالات لا حصر لها، لكن هذا الاحتمال لم يكن من بينها.ألا ينبغي لها أن تتوسل إليه؟ألا ينبغي لها أن تفزع وتشرح أنها كانت مجرد نوبة غضب؟ألا ينبغي لها أن تلين وتراضيه، كما فعلت في مرات لا حصر لها من قبل بمجرد أن يغضب؟"نادين!"عندما رأى يدها تمسك بمقبض الباب، فخرج صوتُه حادًا
Read more
الفصل 8
بعد رحيل نادين، عمّ مكتب نادين ونبيل للمحاماة جوّ خانق غريب. حاول نبيل أن يغرق نفسه في العمل، لكن إنتاجيته هبطت إلى أدنى مستوى عرفه في حياته. ضغط بأصابعه على ما بين حاجبيه، محاولًا إجبار نفسه على التركيز على شاشة الحاسوب، لكن وكأن قوةً خفية تدفعه، نهض من مقعده واتجه إلى منطقة المكاتب المفتوحة في الخارج.كان مكتب نادين خاليًا.مكانها نظيف وكأن أحدًا لم يمكث فيه لخمس سنوات قط.كانت إحدى عاملات النظافة تدفع عربة التنظيف، وبدأت تفرغ سلال المهملات بجوار المكاتب.وعندما وصلت لتنظيف مكان نادين، قامت العاملة كعادتها بسكب محتويات سلة المهملات الصغيرة في كيس القمامة الكبير. وقعت عين نبيل على المشهد عن غير قصد، فتجمّد في مكانه.وسط كومة الأوراق المستهلكة وأغلفة الوجبات الخفيفة، كانت هناك بعض الأشياء تثير الانتباه بشكل خاص.تذكرة سينما باهتة...علامة مرجعية محفور عليها اسم " نادين ونبيل"...قطعة حلوى فواكه ذائبة، مشوهة، ملتصقة بغلافها...وأيضًا...العديد من الأشياء الصغيرة المماثلة.كانت هذه الأشياء متفرقة، لكنها كانت "كنوز" نادين. أما بالنسبة لـ نبيل الصاوي...فكان يتذكر بعضها بشكل مبهم، والب
Read more
الفصل 9
في شقة نادين...لماذا يوجد رجل هنا؟! ويرتدي مئزرًا؟! ويبدو وكأنه يستقر فيها ويعيش حياته اليومية؟!قفزت إلى ذهنه فكرة سخيفة لكنها أشعلت غضبه: هل وجدت شخصاً آخر بهذه السرعة؟!هل كان رحيلها الحاسم هذا بسبب أنها وجدت حبيبًا آخر بالفعل؟!ابتلعت موجة هائلة من الغضب وجنون الشعور بالخيانة كل ما تبقى من هدوء نبيل.تبخّر كل ما كان يفتخر به من ضبط للنفس وهدوء في تلك اللحظة!"أين نادين؟!" أمسك نبيل بياقة الرجل، وسأل بصوت كاد يخرج من بين أسنانه.فزع الرجل وحاول التملص: "من أنت؟ ماذا تفعل؟! اتركني!"" أين نادين؟!" فقد نبيل السيطرة تمامًا، ووجّه إليه لكمة!لقد تدرب على التايكواندو والملاكمة، والقوة التي وجه بها اللكمة في حالة غضبه الشديد لا يمكن أن يتحملها رجل عادي.تلقى الرجل اللكمة على غفلة منه، فترنح واصطدم بإطار الباب، وسال الدم من فمه على الفور، وسقطت ملعقة الطبخ على الأرض بصوت عالٍ."يا لك من مجنون! لماذا تضربني؟!" اشتعل غضب الرجل أيضًا، ومسح الدم عن فمه، ورفع قبضته للرد.في تلك اللحظة، ركضت امرأة ترتدي مئزرًا مماثلًا من المطبخ، تصرخ فزعًا، وعندما رأت المشهد، أطلقت صرخة فزع، وهرعت لحماية زوجها،
Read more
الفصل 10
بين الأغراض المتناثرة، كان صندوق مخملي صغير ملقى هناك بشكل مفاجئ، يلمع بحدة جعلت قلبه يتوقف للحظة.تجمد نَفسه، وخفتت جميع الأصوات المحيطة، ولم يتبقَّ في العالم سوى طنين صامت.إنه يعرف هذا الصندوق جيدًا.ارتعشت أصابع نبيل قليلاً وهو يمد يده داخل الكيس ليخرج الصندوق.صدر صوت "بم" خفيف، وانفتح الغطاء تلقائيًا.في الداخل، كان خاتم خطوبة مرصّع بالألماس، ذلك الذي أمضت نادين أشهرًا وهي تختار تصميمه بعناية قبل أن تستقر عليه.لكنه كان الآن ملقى هناك بهدوء، يعكس ضوءًا باردًا متلألئًا.في هذه الأثناء، وبعد أن تخلص فخر من الزوجين، استدار ليرى نبيل يحدق بعمق في صندوق الخاتم في راحة يده. كان فكُّه السفلي مشدودًا حدّ التصلّب، وتدفقت في عينيه عواصف لم يرها فيه من قبل.ارتفع شعور فخر بالنذير المشؤوم إلى الذروة على الفور، فتقدم مسرعًا، وخفض صوته: "نبيل، ما... ما هذا؟"كانت ملامح نبيل باردة، وصوته عميق: "خاتم الزواج.""هاه؟" ذُهل فخر للحظة.خاتم الزواج؟هل تخلصت أيضًا من خاتم الزواج؟أم أنها أضاعته عن طريق الخطأ أثناء الانتقال؟شعر بالذهول للحظة، ولم يتمكن من الاستيعاب، فتلعثم: "ما... ما الذي تحاول فعله
Read more
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status