قالت آيلين بحدة: "جميع أفراد القبيلة اعترفوا بي، أنا أختك التي فقدتها منذ سنوات!"ردّ همام: "أنت قُلتها بنفسك، فقدتها منذ سنوات، فمن عاد الآن قد يكون مزيفًا. إذا لم ترغبي في تفاقم الأمور، فلا تعبثي بحياتي!"أحكمت آيلين قبضتها بإحكام. فهي تسمع هذا النبرة الجادة من همام لأول مرة منذ عودتها.إنه يشك فيها!وجعلها تشعر بالتوتر.لم يبالِ همام بها، لكنه لا يريدها أن تؤثر على حياته.وهو كان يتعمَّد ألا يعود إلا قليلًا، لأنه يريد أن يبتعد عنها، لتجنب الاحتكاك المستمر الذي قد يثير ضجره.لكنها لا تفهم.ابتعد همام. تاركًا وجه آيلين المتجهم لدرجة التشوه، ويدها التي كانت مشدودة ترتجف من شدة الغضب."آنستي، لا تأخذي كلام السيد الشاب على محمل الجد..."قاطعت آيلين أحمد، وأخذت تشتمه: "اصمت! أنت المسؤول عن كل هذا! لو قتلت نور لما حصل كل هذا، لكن النتيجة أنك فشلت في قتلها، بل تسبَّبت في جعل أخي يوبخني، أنت مجرد قمامة!"خفض أحمد رأسه، ولم يستطع سوى السكوت أمام توبيخها.صرخت آيلين بهذا الاسم وهي تصرّ على أسنانها حقدًا: "نور! لماذا لا تتركيني وشأني؟ لماذا تتورَّطين معي في كل مكان؟""اذهب وافعَل شيئًا من أجل
أزعج هذا سمير، فقال: "ما الذي جعلك تقضين فترة بعد الظهر كلها معه؟"أجابت نور بهدوء: "ألم أقل لك؟ كنت نائمة هناك".تجهم سمير بغير فهم: "لماذا لم تعودي للنوم إن كنت نعسة؟ امرأة ورجلٌ وحدهما هناك في مكانٍ خالٍ، قد يقول الناس كلامًا سيئًا عنكما".لم تعجب نور هذه الكلمات، فقالت: "كيف تقول ذلك؟ أليس هناك أطفال؟ كما أن علاقتي بهمام بريئة تمامًا، وماذا يهم إذا تحدث الناس؟ لم نعد في العصور القديمة، لماذا لا تزال أفكارك متخلفة؟"أطبق سمير على شفتيه، وأظلم وجهه بالكامل."وبالإضافة إلى ذلك، أنت كنت غائبًا منذ الصباح الباكر، وحتى أتباعك لم يجدوك، لذا فضّلت أن أقوم بأموري، أليس من حقّي ذلك؟""انسي الأمر، دعينا نتجنب الجدال".أدركت نور أن استمرار النقاش سيؤدي إلى توتر الجميع.قال سمير: "لا أرغب في الشجار معك".أصبحت نبرة صوته لطيفة، لأنه لم يكن يريد أن يغضب على نور.أصاب كلامه وترًا حساسًا عند نور، وأثار غضبها، إلا أنّ لا أحد يضرب وجهًا مبتسمًا، فحين أبدى خضوعه وتواضعه، لم تعد غاضبة بذلك القدر، وقالت: "ذهبتُ مع أبيبا، وعندما غادر همام القرية طلب مني أن أبقى لأُعلِّم الأطفال. أنا أُعَدُّ بمثابة نصف مُ
أدرك ذلك منذ اللحظة التي شعر فيها بالأمر.نبهها همام: "المعرفة المفرطة ليست دائمًا خيرًا". وأضاف: "لكنني جزءٌ من سبب تعرضك للأذى، ولن أسمح بتكرار مثل هذا مرة أخرى".لم يرغب همام أن تتأثر حياة نور. فكرت نور قليلًا، ثم ردت: "لا بأس، لن أموت بسهولة في مثل هذا المكان".ابتسم همام وقال وهو يواصل مرافقتها: "فلنذهب".عقدت نور حاجبيها قليلًا، لاحظت أنه لم يذكر أمر فرعون، ويبدو أنه تجنب الحديث عنه متعمِّدًا.ربما همام لا يثق بها لتلك الدرجة. ورغم ذلك، لم يظهر أي رد فعل كبير عند ذكر اسم فرعون، ربما لأن لديه علاقة به فعلًا. ولا يريد كشف ذلك لها.رأت نور في همام مفتاحًا لمعرفة الكثير. فقررت أن تراقب تحركاته بحذر، دون أن تصدر أي علامة أو تحرك الشكوك.وصلت نور وهمام إلى القرية، فإذا بالنداء يحييها، إذ كانوا في انتظارها: "ها قد عادت الآنسة نور".كان من الطبيعي أن يشعر القرويون بالقلق، فقد طال غيابها بعد أن ذهبت إلى المدرسة.وفي تلك اللحظة خرج سمير من الداخل، فرأى نور وهمام وقد عادا معًا.حدّق سمير بهمام بعينٍ متحفظة، ثم تقدم وسأل: "لماذا تأخرتِ كل هذا الوقت؟ كنت على وشك المجيء لأخذك".أجابت نور ب
استقر السهم بثبات في الشجرة.لكن الرعب تمكَّن من نور.ولم تكن قادرة على استجماع نفسها لوقت طويل.عبس همام ونظر نحو أعماق الغابة، أما الشخص المختبئ هناك، فعندما علم بفشل خطته، بدأ على الفور بالانسحاب دون تردد.خاف أن يكتشفه همام."هل أنت بخير؟"لم يهتم همام به، بل سأل نور بقلق.فتحت نور عينيها على اتساعهما، فذلك السهم أُطلق نحو رأسها، مما يعني أنه من أطلقه يريد قتلها.وجود كل هؤلاء الناس في القرية يكفي لضمان الأمان.لكن هناك من غامر بحياته فقط ليأخذ حياتها.من أغضبت نور يا تُرى؟ يبدو أنها أصبحت قذىً في عين أحدهم."نور." ناداها همام مرة أخرى عندما لم ترد.استعادت نور وعيها، ونظرت نحو المكان الذي أُطلق منه السهم. كان مظلمًا جدًا، لم تر أي شيء، وحتى لو كان هناك أحد، فلابد أنه هرب بالفعل.قالت نور: "أنا بخير".أفلت همام حينها نور من يده.نظرت نور إلى الشجرة، وسارت نحوها والتقطت السهم.كان سهمًا عاديًا جدًا. ولم يكن يمكن تمييز شيء خاص فيه.سألت نور همام: "هل شعرت بشيء غريب للتو؟" وكلماتُه السابقة كانت تلميحًا ضمنيًا بعدم تذكيره لها مرة أخرى.أجاب همام: "شعرت أن هناك شيئًا مريبًا، لكن لحسن
"ليس بالضرورة أن تكون هذه الحميمية حقيقية." قال أحمد وهو يحاول مواساتها دون تفكير.كانت عينا آيلين باردة وهي تقول: "وماذا لو كانت حقيقية؟ حتى أن والدي بنفسه اعترف بي، وهو لم يعترف بي؟ هل نسي كم كانت علاقتنا رائعة عندما كنا صغارًا؟ لماذا تغير كل شيء عندما كبرنا!""ربما ما زال السيد الشاب لم يتسوعب امر عودتكِ." واصل أحمد يحاول أن يقول عنه كلامًا حسنًا: "لقد كان يبحث عنك طوال هذه السنوات".ضحكت آيلين بسخرية: "أرى أنه لا يعتبرني أخته!"حاول أحمد التوضيح: "ليس هذا...""هو ليس لطيفًا فقط مع تلك المرأة، بل أهدى لها هدية كذلك، ولم يهدني حتى أي شيء، لكنه يهديها هي!" قالت آيلين بوجه مظلم، وبصوت بارد: "لماذا؟ أريد أن أرى كيف سيعاملها بلطف بعد أن أقتلها، ما لا أستطيع الحصول عليه، لن يحلم غيري بالحصول عليه أيضًا!""حاضر!"شدّت آيلين قبضتيها بإحكام وهي تنظر إليهما، وامتلأت عيونها بالحقد، وكأنها أفعى سامة تنتظر الفرصة لتهاجم.أما همام، فلديه أموره الخاصة.قبلت نور هدية همام، وجلست لمراقبة الأطفال يلعبون. أحبها الأطفال أيضًا، وقبلوها، وأخذوا يسألونها من وقتٍ لآخر، كأن لديهم عشرات الآلاف من الأسئلة.ر
شعرن بعض القلق على همام.لكن همام قال: "لا داعي للقلق عليّ".نظرت نور إلى همام، ولم يظهر عليه أي شعور تجاه ما حدث من مذبحة للقرويين على يد قوات التحالف.يبدو أنه كان على علم بالأمر مسبقًا.نظر همام إلى نور وقال: "كيف حالك هنا؟ هل اعتدتِ على المكان؟"قالت نور: "نعم، اعتدت عليه، وأصبحت منسجمة مع الجميع"."هذا جيد."ثم تغيرت عينا همام قليلًا، وسأل: "القائد سمير الذي ذُكر للتو من دولتكم، رأيتهم وهم يساعدون في بناء المدرسة".ثم أردف: "الجنود من دولتكم متعاونون جدًا، يساعدون القرويين دون أي شروط أو مقابل".كانت كلماته تحمل نوعًا من الاستفهام العكسي، ما يوحي بأنه لا يصدّق وجود جيش من هذا النوع حقًا. لكنه فتح أيضًا وعي الآخرين تجاه الأمر.وساعدت نور في قول جملة أيضًا: "في بلدنا، الجيش ليس موجودًا للقتل أو لاغتصاب الممتلكات، بل لحماية الشعب، ففقط هكذا يمكن بناء دولة متماسكة ومتناغمة!"قالت هذه الكلمات بثقة تامة.عندما رأت الفوضى هنا، أدركت كم أن وطنها جميل حقًا.ربما كان همام مندهشًا من كلامها، فتوقف للحظة، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال: "هذا رائع حقًا، لابد أنكم جميعًا سعداء".من المفترض أن مس