جميع فصول : الفصل -الفصل 260

300 فصول

الفصل251

شدّت يارا قبضتها وقالت: "أنا لم أحاول يوماً أن أفسد علاقتك بابنك، ولماذا سأفعل ذلك؟ لا أعلم ما الذي أصابك اليوم، حالتك النفسية ليست جيدة، أم أنّ أحداً أساء إليك، لكنني لم أرتكب أي خطأ، وأرى أنّه لا يجب أن تعامليني بهذه الطريقة."نهضت سهير من مقعدها، تخطو بحذائها ذي الكعب العالي حتى وقفت أمام يارا وقالت ببرود: "إذن، في النهاية أنا المخطئة، أليس كذلك؟"كانت سهير بطبيعتها أطول من يارا، والآن بعد أن انتعلت كعبٍ عالٍ بطول عشرة سنتيمترات بدا الفرق واضحاً، إذ راحت تنظر إليها من علٍ بحدة وقالت: "بعد الطلاق، أصبح بوسعك ألا تضعي حماتك في اعتبارك، أليس كذلك؟"عضّت يارا على شفتيها، رفعت رأسها لتقابل نظراتها بثبات وقالت: "لم يخطر لي ذلك التفكير من قبل، أرجوكِ أن تتحدثي معي بشكل أفضل."ضحكت سهير باستهزاء وقالت: "بشكل أفضل؟ أأنتِ الآن تعلّميني كيف أتحدث؟"ثم تابعت بسخرية غاضبة: "يارا، يبدو أنّ الجدة أمينة دلّلتك أكثر مما ينبغي، لقد نسيتِ حدودك بالفعل. يجب أن ألقّنك درساً اليوم!"وما إن رفعت يدها، حتى ارتجف قلب يارا دهشةً ورعباً، لم يكن يخطر ببالها أبداً أن ترى من حماتها هذه الصورة المتعسّفة.في تلك ا
اقرأ المزيد

الفصل252

اعترضت سهير قائلة: "لقد تطلقت بصمت، وذلك خطؤها الأول، وبعد الطلاق جاءت إليك لترتكب تلك التصرفات المشبوهة، وذلك خطؤها الثاني. أما تعمدها إفساد علاقتنا كأم وابن، فهذا خطؤها الثالث. فقل لي، لماذا لا يحق لي أن أعاقبها؟"عندما سمع كريم كلمات والدته المليئة بالتعسّف، تجمد وجهه ببرود واشتعلت عينيه غضباً: "أولاً، أنا من أراد الطلاق من يارا، أنا من خنت هذه الزيجة. ثانياً، ملكية هذا المنزل تعود ليارا، ليس لي، وليس لكم أيضًا؛ وجودُكم هنا لا يجعلكم سوى ضيوف، وهي صاحبة البيت. أنا من أقيم في منزلها، ومن لطفها أنها ساعدتني ووضعت لي الدواء، وما بيني وبينها لا يحمل أي شبهة. ثالثاً، هي لم تتعمد أبدا تخريب علاقتنا كأم وابن! بل أنتِ، بسبب ما جرى مع والدي، كنتِ باردة تجاهي منذ طفولتي، حتى مضت أعوام لم نلتق فيها إلا مرات قليلة. أنتِ من ابتعد عني، وأنتِ من أهملت هذه العلاقة. كم مرة تمنيت أن أراك في الأعياد، وكم تمنيت حضورك يوم ميلادي، لكنك لم تكوني موجودة قط!"ومع كلماته الأخيرة بدا صوته أكثر انفعالاً، حتى أحست يارا أن ذراعيه اشتدتا عليها أكثر، يضمها بقوة خانقة. فاضطربت أنفاسها، دفعت صدره بخفة، وهمست بصوت مب
اقرأ المزيد

الفصل253

يبدو أنّ سهير لم تتخيّل يوماً أن تسمع من ابنها مثل هذا الكلام، وأن تدرك أنّه يشعر بهذا القدر من الحزن.خيمّ الصمت على سهير، دون أن تنطق بكلمة، تحدّق في كريم بعينين مترددتين، ثم خفضت رأسها، وكأنها لا تعرف كيف تواجهه.مع أنها أم، وابنها تجاوز العشرين عاماً، إلا أنها في تلك اللحظة بدت كطفلة عاجزة، لا تعرف كيف تتصرف.وبعد صمت طويل، تكلّمت أخيراً: "ألستَ دائماً مستقلاً؟ ثم إنّ في البيت كل هؤلاء الخدم الذين يعتنون بك، من دوني كنت تعيش جيدًا."عقدت يارا حاجبيها، وقد بدت عليها علامات الغضب.كلمات سهير لم تكن مريحة على الإطلاق؛ أيُعقل أن وجود خدم يغني عن رعاية الأم؟ لم يكن ذلك مبرّراً أبداً.هي تتفهّم أنّ زواج سهير لم يكن سعيداً، لكن طالما أنها أنجبت طفلاً عليها أن تتحمل المسؤولية، فواجبها أن تمنحه الحب الكافي، وألا تُحمّله تعاسة زواجهما.لكن ما جدوى هذا الحديث الآن؟ فمثل هذه الأمور لا يمكن حلها إلا بين الأم وابنها معاً.عندها دفع كريم يارا برفق خلفه. وتقدّم خطوة للأمام نحو أمه، وعيناه الباردتان تحدّقان في سهير، وقد خفتت نبرة الغضب في صوته، لكنها ازدادت أسًى وهو يقول: "صحيح، بما أن هناك خدم يعت
اقرأ المزيد

الفصل254

ومهما كان الأمر، فقد عزمت يارا على أن تُنجب هذا الطفل سرًّا. أقسمت أن تمنحه كل ما في قلبها من حب واهتمام، وألا تدعه يكبر ليصبح هكذا.هل سيحمل طفلها حقدًا تجاهها في المستقبل، هل سيلومها يوماً؟ إذا لم يكن له أسرة كاملة، فلماذا أنجبتِه؟ارتبكت يارا، قبضت على طرف ثوبها، وقلبها يحمل مشاعر متناقضة.ارتجف وائل غضباً وصاح: "أنت…!"ثم دوّى صوت صفعة عنيفة.لقد صفعه بقوة على وجهه.ارتجف قلب يارا، فأسرعت بخطواتها لتقف حائلاً أمام كريم، باسطة ذراعيها لتحميه، وصرخت: 'أبي، إن كان هناك ما تريد قوله فقله بهدوء، لا ترفع يدك عليه!'في أحيان كثيرة، كلما ازداد شعور المرء بالذنب، ارتفع صوته وازداد غضبه. وكان وائل مثالاً لذلك، إذ انفجر غضباً، لكن تحت هذا الغضب كان يختبئ شعور دفيناً بالذنب. لذلك حين ضربه كان في غاية الانفعال، لكن ما إن فعل حتى غمره الندم.كان وجه كريم يشتعل ألماً، رفع يده ليمسح بخفة على خده المتورم، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة باردة، وخيّم على عينيه بريق ساخر.أمسك بيد يارا وأعادها خلفه، ثم واجه وائل بنظرة باردة: "اضربني مجددًا! اضربني كما فعلت الجدة من قبل حتى نزفتُ دماً من جسدي كله. فأنا
اقرأ المزيد

الفصل255

"الخطأ خطئي أنا، أنا عبء على الآخرين، لو لم أتزوج من عائلة الرشيدي لما حدث كل هذا، أنا العبء!"استدارت سهير فجأة وركضت."سهير!" نادى وائل وهو يهمّ باللحاق بها، لكنه التفت أولاً، وأشار إلى كريم بغضب قائلاً: "انظر إلى ما فعلت! جاءت أمك بنية طيبة لتراك، فقلتَ إنها لا تهتم بك! لو لم تهتم، لما قطعت كل هذا الطريق لتأتي إلى هنا! صحيح أنني أخطأت، لكن بما أن والدك قد سلك من قبل درباً خاطئاً، ما كان ينبغي لك أن تكرر خطاي. ومع ذلك، ها أنت تسير في نفس الطريق. ولحسن الحظ أن يارا لم تُنجب طفلٍ منك، وإلا لكان انتهى به الحال مثلك، كأنه لعنة!"لم يكن الغضب وحده ما يملأ عيني وائل، بل كان فيهما حزن خافت، وأشد من ذلك عجز يائس. ما إن أنهى كلماته حتى استدار مسرعاً خلف سهير."سهير! انتظريني… انتظريني… انتظريني!" صاح وهو يركض خلفها، حتى أمسك بيدها فجأة وجذبها بقوة: "لا تهربي بعد الآن!""اتركني!" صرخت وهي تحاول الإفلات، لكن وائل بدا كأنه توقع ذلك مسبقاً، فأمسك بذراعها بإحكام رافضاً أن يفلتها.حاولت سهير أن تنتزع نفسها بعنف، لكن وائل جذبها فجأة إلى صدره، وضمّها بشدة قائلاً: "لن أتركك!"صرخت وهي تضربه: "أيها الو
اقرأ المزيد

الفصل256

قالت يارا بهدوء: "لا يوجد إنسان كامل في هذا العالم، كل شخص لديه عيوبه، وأنا أيضاً ارتكب الكثير من الأخطاء. على أي حال، لقد تطلّقنا بالفعل، ويكفي أن يعيش كلٌّ منا حياته كما ينبغي، دون أن تبقي بيننا أي تعقيدات أخرى. لا يجب أن نكرر ما حدث بين والديك."عند ذكر والديه، خَيَّم على عينا كريم سوادٌ أعمق، وقال بصوت متهدّج: "كان أبي محقّاً، ففي النهاية سرتُ على نفس خطاه."انقبض قلب يارا ألماً، وخفضت رأسها صامتة.في هذا العالم، كثيراً ما لا يتعلم الناس من دروس الماضي؛ على الرغم من أن التجارب أثبتت مراراً أن الطريق خطأ وأن عواقبه وخيمة، إلا أن من يأتي بعدهم يكرر الخطأ ذاته.ربما هو ضعف متأصل في البشر، محفور في جيناتهم، حتى وإن علموا أن الفعل خطأ، فإنهم يقدمون عليه.لأن منطقهم الداخلي يقول إنه ينبغي أن يكون كذلك!واصل كريم قائلاً: "لكن ثمة فرق. في ذلك الوقت، كانت أمي تحب أبي حباً عميقاً، ولهذا الحب تمزّق قلبها بالحسرة وعاشت حزينة مكتئبة. أما نحن، فمختلفان يا يارا، أنت لا تحبينني، ولذلك بعد طلاقنا، ستستطيعين أن تحيي حياة أسعد من ذي قبل. لقد قلتِ بنفسك إنك سئمتِ من هذه الزيجة، والآن نلتِ حريتك."صُعق
اقرأ المزيد

الفصل257

شعرت يارا بألم شديد في حلقها، فاكتفت بهزّ رأسها بصعوبة وهمست: "أممم."وفجأة، أطلق كريم أنيناً مكتوماً، ومال جسده جانباً كأنه سيسقط، فهرعت يارا تمد ذراعها لتسنده.قالت بقلق: "دعني أساعدك للعودة إلى غرفتك، لا تبقَ هنا هكذا."ولئلا يزيد قلقها، استجاب كريم لقوة ذراعها، فنهض معها، وعادا إلى الغرفة وأغلقا الباب وراءهما، ولم يخرجا لوقت طويل.أما الخادم، فقد ألقى نظرة طويلة نحو باب الغرفة، ثم انصرف، وحين ابتعد إلى مكان خالٍ، أخرج هاتفه واتصل برقم ما، فجاءه صوت عجوز مهيب: "كيف جرت الأمور؟"قال بجدية: "يا سيدتي، الأمور ازدادت تعقيداً."وسرد كل ما حدث للجدة أمينة، التي اكتفت بآهة خافتة قائلة ببرود: "فهمت."وكأن الأحداث سارت على النحو الذي توقعته تماماً.ثم تابعت بصوت متزن: "إن طرأ جديد، أعلمني فوراً."فأجابها الخادم: "حسناً، يا سيدتي."أغلقت أمينة الهاتف، ووضعته جانباً، وأسندت جسدها إلى مقعدها الهزّاز، متنهدة بعمق: "آه… بعض العلل لا تُشفى إلا بالدواء المرّ."…كانت إصابة كريم في ظهره قد ازدادت سوءاً، فالكدمات اسودّت أكثر، ولم يعد قادراً على السير بثبات، حتى النهوض من الفراش صار عسيراً.وفي وقت ال
اقرأ المزيد

الفصل258

قالت يارا بهدوء:"دعني أساعدك."مدّت يدها نحو أزرار قميصه لتفكها.لكن كريم أمسك يدها بسرعة، ونبرة صوته حازمة رغم ضعفه:"لا. أستطيع ذلك بنفسي. أمر صغير كهذا، يجب أن أفعله وحدي."رفع يده المرتجفة بصعوبة، وحاول أن يفتح زرًا واحدًا، لكن أصابعه لم تطاوعه، ارتجفت طويلًا ثم سقطت يده من الإرهاق، بلا حول ولا قوة.ضغطت يارا شفتيها بأسى، وهمّت أن تعاود مد يدها، لكنه أصرّ.اقتربت منه فجأة، أمسكت يده بحنان وقالت:"دعني أساعدك، إصابتك تمنعك من ذلك، وهذا طبيعي، لا داعي أن تشعر بالحرج، فأنا رأيتك على كل حال، لا شيء تخفيه عني."هما يعرفان بعضهما منذ سنوات طويلة، وزواجهما جعلهما يتشاركان كل ما هو خاص، فلماذا هذا التحفظ؟تنهد كريم بعمق، وأرخى يده مستسلمًا، ثم أدار رأسه جانبًا، وعلى ملامحه ظلّ من الوهن والعجز.كاد قلبها يتحطم لرؤيته هكذا، وشعرت برغبة قوية في أن تضمّه إليها وتواسيه.لقد بدا كريم كطفلٍ عاجز، غير قادر حتى على فك أزراره، ما جعل المشهد يعتصر القلب.أدارته برفق نحوها، وبدأت تفك أزرار قميصه واحدًا تلو الآخر.ومع أنها اعتادت رؤية جسده، فإن وجهها لم يمنع حمرة الخجل من أن تصعد وهي تلمح عضلاته المشد
اقرأ المزيد

الفصل259

انحنى كريم رأسه بصمت، كطفلٍ ارتكب خطأ، وهمس بصوتٍ خافت: "لا ترحلي."وضع عيدانه على الوعاء بحزن، ثم شبك كفّيه فوق ركبتيه بحذرٍ شديد.هزّت يارا رأسها بلا حيلة، وجلست بجانبه، تناولت العيدان، ثم وضعت بعض الأرز في فمه: "افتح فمك."أطاعها كريم بهدوء وفتح فمه، فأدخلت يارا اللقمة، ثم ناولته قليلًا من الخضار.كانت تعتني به كما لو تعتني بطفل.امرأة رقيقة جميلة، ورجل بائس ضعيف، هذه الصورة بدت علاجًا يبعث دفئًا في القلب.ولوهلة، كل ما هو غير سار بدا وكأنه انزاح بعيدًا، ولم يبقَ سوى اللحظة الراهنة.……بقيت يارا مع كريم حتى تجاوزتِ الساعة التاسعة مساءً.نظرت إلى الساعة، فقد آن أوان العودة.لاحظ كريم أنّها تتفقد هاتفها مرارًا كأنها تتابع الوقت، فحدّق فيها بامتعاض.أعادت يارا الهاتف إلى جيبها وقالت: "لقد تأخّر الوقت، يجب أن أعود، ارتح مبكرًا، وتذكّر: لا تنم على ظهرك، نم على جنبك أو على بطنك."طأطأ كريم رأسه ولم ينطق بكلمة.رأت يارا كآبته، فتقدّمت وسألته: "ما بك؟ هل الجرح يؤلمك مجددًا؟"قال: "وإن كان يؤلمني؟ لن يغيّر ذلك شيئًا، فأنت لا تكترثين."عندما سمعت نبرته المليئة بالمرارة، قطبت يارا حاجبيها قليل
اقرأ المزيد

الفصل260

كان يفترض بها أن تمنعه، وتعيده إلى الوراء، ثم تجلسه على السرير، وتجلس بجانبه لتعتني به، بقلبٍ طريّ للغاية، فلماذا كانت نظراتها باردة هكذا؟مدت يارا يديها بعلامة الاستسلام، قائلة: "أليست أنت من تريد المغادرة؟ لماذا تسأل عن هذا؟"لقد اكتشفت يارا حيله، وبعد كل هذا الوقت، لو لم تدرك الحقيقة الآن، لكان هذا غباءً منها حقًا.في البداية صدّقت الأمر، ظنّت أن كريم يستحق الشفقة، لكنها أدركت الآن أن هذا الرجل يتظاهر، أكثر من أي امرأة ماكرة.كانا واقفين على هذا الوضع المتوتر، على مسافة بعيدة، هو ينظر إليها، وهي تنظر إليه.قال كريم: "سأرحل حقًا."بدت عليه علامات عدم التصديق لأنّها لم تمنعه، هذه المرأة قاسية القلب للغاية.قالت يارا ببرود، معتمدة على قسوتها حتى النهاية: "اذهب إذن."جلست على حافة السرير، معتمدة على حضنها، تنظر إليه ببطء وهدوء.عضَّ كريم أسنانه، واتخذ خطوة إلى الخارج بعزم، لكن المرأة خلفه لم تتحرك.أخيرًا، خرج كريم إلى الممر، وتوقف قليلاً، مصغّيًا لأي صوت من داخل الغرفة.لكن، لم يكن هناك أي صوت.لم يظهر أي دليل على أنها ستتبعه.هذه المرأة القاسية حقًا لا تهتم به!هممم، إذن سأذهب، وما الم
اقرأ المزيد
السابق
1
...
2425262728
...
30
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status