All Chapters of بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة: Chapter 211 - Chapter 220

300 Chapters

الفصل 0211

في عمق الليل، في أحد مستشفيات التوليد بمدينة السحاب.كان السقف الأسود للسماء كأنه انفتح فيه ثقب هائل، وانهمرت أعمدة المطر بلا رحمة، فغسلت الأرض والسماء حتى غدت شفافة براقة، تبدو غريبة ومفعمة بالأضواء المتبدلة.في غرفة الولادة في الطابق الثاني، كانت ورد مستلقية على سرير المخاض، تخرج أنفاسها وتزفر بلا توقف تحت تشجيع الطبيبة والممرضات، محاولة بكل قوتها أن تلد طفليها.عند الساعة الثانية عشرة ليلا، انفجر ماء رحم ورد، وسرعان ما بدأ الطفل الأول يندفع نحو قناة الولادة. وعندما نقلت إلى المستشفى، كانت قد فاتتها بالفعل فرصة الخضوع لعملية قيصرية، ولم يبق أمامها الآن إلا أن تعتمد على نفسها لتلد هذين الطفلين الصغيرين طبيعيا.خارج النافذة، كان الرعد يدوي، وعلى سرير الولادة كانت ورد مبللة تماما.وبجوارها، كانت السيدة بسمة ترافق ابنتها، تمسك بكف ورد بإحكام، وتنادي اسمها بلا توقف، تمنحها دعما وقوة. فأن تلد المرأة طفلا يشبه عبور بوابة الموت، ولذلك كان القلق يعصف بقلب السيدة بسمة.وللاحتياط، كان ياسر قد جهز طائرة خاصة لنقل السيدة هند إلى مدينة السحاب.وهو الآن في المطار، ينتظر وصول السيدة هند، لكن مطر هذه
Read more

الفصل 0212

كان جسد ورد غارقا بالعرق، تتنفس بأنفاس عميقة، وقد بدأ بصرها يفقد تركيزه.صرخت السيدة بسمة باكية: "ورد! ورد! عليك أن تصمدي!"نظرت ورد إليها ببطء، جمعت ما تبقى لها من قوة، وقالت بصوت خافت: "سأصمد… سألد هذا الطفل…"وانطلقت منها صرخة حادة، تشبثت بالملاءة من شدة الألم.وفي داخل غرفة الولادة وخارجها، بدأ الجميع يتحرك في عجلة.خرجت الطبيبة بوجه متجهم لتخبرهم بالحالة: "الأم تعاني من نزيف حاد، عليكم أن تستعدوا نفسيا. إن لم نتمكن، فسنضطر للتضحية بالطفل الأول لإنقاذ حياة الأم والطفل الآخر."وقفت جدة عائلة نور مذهولة لوقت طويل، ثم أطلقت تنهيدة عميقة.كانت الدموع تملأ عيني السيدة بديعة، فأمسكت بها سكرتيرة ياسمين بإحكام لتمنحها الثبات.قبض سهيل كفه بقوة، وبرزت العروق على جبينه، وقد أصبح توتره كسهم مشدود على الوتر.لكن ما تلا ذلك كان أسوأ، فالنزيف لدى ورد لم يتوقف.وإن استمر الأمر، فلن يكفي مخزون الدم من فصيلة الدم السلبية RH في بنك الدم.وحينها… قد لا تنقذ الأرواح الثلاث.غرق نظر سهيل في عتمة عميقة، ونظر إلى الطبيبة قائلا بصوت منخفض جدا: "مهما حدث… الأهم هو أن تنقذ الأم."كان يحب الأطفال ويعشقهم، لك
Read more

الفصل 0213

قطرة بعد قطرة من الدم القاني كانت تسري عبر الأنبوب الشفاف، وتدخل إلى جسد ورد.تحت ضوء أبيض لاهب، كان جسدها كله مبللا بالعرق، كأنها مغمورة في الماء. فتحت عينيها الضعيفتين ونظرت إلى الشخص الواقف فوقها، وفي ضباب الرؤية… خيل لها أنها ترى وجه سهيل…أهو سهيل؟كيف يكون هنا؟أليس قد ذهب إلى مدينة النورين؟ أليس كان لابد أن يذهب؟رمشت ورد رمشة خفيفة، وبدأ بصرها يستعيد صفاءه شيئا فشيئا… كان ذلك وجه سهيل حقا…كانت ورد تهذي من شدة الألم، حتى ظنت نفسها قد عادت إلى خمس سنين مضت، إلى لحظة زواجهما. رفعت يدها، وأمسكت بأصابعها البيضاء الرفيعة بطرف ثياب سهيل، وقالت بصوت مبحوح مختنق بالبكاء: "سهيل… لا تذهب إلى مدينة النورين… لا تذهب… أرجوك…"تفاجأ سهيل لحظة، ثم أدرك على الفور أن ورد ليست في وعيها الكامل.جثا على ركبة واحدة، وأمسك يد ورد بقوة، وقال بصوت منخفض مبحوح: "لن أذهب… لن أذهب إلى أي مكان! سأبقى معك… ومع طفلينا. ورد، عليك أن تصمدي. إن كنت بخير وكان الطفل بخير… فأنا مستعد لأي شيء. لن آخذ الطفل منك… سيكبر على يديك… وسيظل دائما إلى جانبك."طفلينا؟بدأ بصر ورد يزداد صفاء، فقبضت بكلتا يديها على مقبضي السر
Read more

الفصل 0214

بعد عشرة أيام.في مدينة عاصمة، في مجموعة عائلة عباس.جاء سهيل إلى الشركة عند الغروب، ليعالج بضع مسائل طارئة.وما إن خرج من المصعد، حتى جاءت سكرتيرة ياسمين نحوه بملامح مترددة: "السيدة ورد جاءت."توقف سهيل عن السير.نظر إلى وجه سكرتيرة ياسمين وظل صامتا لوقت طويل.قبل عامين، حين غادرت ورد مجموعة عائلة عباس، لم تطأ هذا المكان خطوة واحدة. واليوم… لا شك أنها جاءت لأجل أيمن الصغير!وبعد لحظة صمت طويلة، سأل سهيل بصوت منخفض: "أين هي؟"قالت السكرتيرة ياسمين على عجل: "السيدة ورد، ما زالت في فترة النفاس، وقد رتبت لها أن تنتظر في مكتبكم. تبدو بشرتها شاحبة وصفراء، ويرجح أنها تعاني من ضعف في الدم والطاقة… فلو حسبنا الأيام، لم يمض على ولادتها سوى 10 أيام تقريبا."وببضع كلمات قصيرة، وصل الاثنان إلى باب المكتب، ففتحت السكرتيرة ياسمين الباب ثم انسحبت لتتركهما على انفراد.دخل سهيل بهدوء ثم أغلق الباب برفق.كان المكان غارقا في سكون تام.في أواخر مايو، كانت ورد ترتدي فستانا فضفاضا، وتلف كتفيها بشال رقيق من الصوف. يبدو عليها بوضوح أنها لم تتعاف بعد؛ فكفاها نحيفان، ووجهها يكسوه الإرهاق.اقترب سهيل وجثا نصف جث
Read more

الفصل 0215

في منتصف الليل، ارتفع الضباب الأبيض فوق الجبال، يلتف حول القمة كلها.وحين خرجت ورد، كانت شاحبة كأن روحها تائهة، وجسدها الضعيف يكاد يترنح. كانت لا تزال تهمس باسم أيمن… لا تزال غارقة في ألم لا ينتهي.ولما رأى سهيل ورد تخرج، أسرع إليها، وخلع معطفه وألقاه على كتفيها.حدقت ورد فيه بنظرة جامدة. لم يكن في عينيها أي حياة، بل كانت مليئتين بالحزن. وبحركة خفيفة، أبعدت يده عنها— لا تريد اهتمامه… لا تريد قربه.وسقط ذلك المعطف الأسود على الأرض.تحركت تفاحة آدم في حلق سهيل مرتين، وقال بصوت مبحوح: "ورد… حتى لو كنت غاضبة مني… عليك أن تحفظي صحتك."نظرت ورد إلى ظلام الليل أمامها وقالت بحدة قاطعة: "سهيل… صحتي… وسوء صحتي… لا علاقة لك بهما."انحنى سهيل والتقط المعطف، يريد أن يغطيها مجددا.لكن ورد دفعته بعنف، وبسبب تعب ما بعد الولادة وانفعالها الشديد… سقطت سقوطا مستقيما.أغمي على ورد.…ومع حلول الليل… استيقظت ورد.كانت الغرفة معتمة، وفي الهواء عبق خفيف من زهور الكالا. مدت يدها وأضاءت مصباح الجدار— إنها الغرفة التي تعرفها… وتجهلها في الوقت ذاته. فيلا قصر البلاتين.لم يكن سهيل موجودا.والطابق السفلي كان غارقا
Read more

الفصل 0216

لم تبق ورد لتناول العشاء.وطلبت من سهيل أن يعطيها هاتفها.لكن سهيل ظل صامتا لا يقول شيئا.فقالت ورد بصوت خافت وهي تكتم مشاعرها: "سهيل… هل تنوي أن تحبسني مرة أخرى؟ لكن… هذه المرة لم يعد لدي جدة."وكلمة 'جدة' طعنت قلب سهيل كالسهم.تصلبت تفاحة آدم في حلقه قليلا، وقال بصوت منخفض: "سأوصلك بنفسي… وعند باب المنزل سأعيد لك هاتفك."لم تجادله ورد أكثر. بدلت ثيابها، وناولتها إحدى الخادمات شالا سميكا لتدفئتها لأنها ما تزال في فترة النفاس، وقالت لها كلمات باكية.كان قلب ورد مكسورا، جلست في السيارة وعيناها مرطبتان بالدموع.كان سهيل منهكا جدا، لكنه أصر على إيصالها بنفسه— لأن هذه اللحظات القليلة معها… ثمينة بالنسبة إليه. وربما… لن تتكرر أبدا.غير سهيل ملابسه ونزل، فرأى ورد جالسة في المقعد الخلفي، فتح الباب وقال برجاء خافت: "هل تجلسين في المقعد الأمامي… لو سمحت؟"لقد أراد أن يتحدث معها…فقط هما الاثنان.ويريد أن يسمعها تتحدث عن بهيجة الصغيرة.لكن ورد بقيت في المقعد الخلفي، غارقة بجسدها الهزيل في الظلام. لم تجبه. تحركت تفاحة آدم في حلق سهيل، ثم أغلق الباب بهدوء، ودخل مقعد السائق.وفي الطريق إلى منزل عائل
Read more

الفصل 0217

كما حضر ناصر وزوجته أيضا.وفي داخل الحاضنة، كان أيمن الصغير يحرك جسده الهزيل بخفة، يحاول أن يتنفس… يحاول أن يعيش.جثت السيدة بديعة على الأرض.نظرت إلى الطفل، وقالت لابنها وهي تبكي: "سهيل… ألا يجب أن تخبر ورد؟ أيمن قطعة من لحمها… لا يمكنك أن تخفي عنها الأمر طول العمر. عائلة نور ستأخذها إلى الخارج… فإن حدث ما لا يمكن تداركه… فلن تراه حتى مرة واحدة…وذلك ندم يدوم العمر كله!"خفض سهيل عينيه، وكان صوته مبحوحا حد الانكسار—"نسبة نجاته واحد بالمئة فقط… كيف تريدينني أن أخبرها؟""إن أخبرتها الآن… سينهار جسدها… ستفقد نومها… وستعيش في عذاب لا نهاية له… أنا أفضل أن تكرهني… على الأقل— بعد أن تبكي— ستستطيع العيش.""والسفر للخارج… ربما يكون الأفضل… على الأقل لن تبقى حزينة هنا… على الأقل يمكنها أن تبدأ حياة جديدة."…كانت دموع السيدة بديعة تنهمر بغزارة.نظرت إلى الطفل داخل الحاضنة— بشاعة ضعفه… هزال جسده… لم يخففا من حقيقة أنه ابن عائلة عباس… وأنه حفيدها العزيز… أيمن الصغير.[يا أيتها الجدة في السماء… إن كان لك روح تبصر… فاحفظي أيمن، ودعيه يكبر بسلام.]لم يكن أحد يتوقع أن يقضي أيمن عشرة أشهر كاملة في ال
Read more

الفصل 0218

كان سفر ورد إلى دولة روماتيكية من قرار ياسر.في دولة روماتيكية، يكون شهر يونيو لطيف الطقس، مناسبا تماما للنقاهة.وسترافقها السيدة بسمة، لتساعدها في الاعتناء ببهيجة حتى تبلغ ستة أشهر. وكان ياسر قد اشترى هناك فيلا كاملة، ووضع ما يكفي من المال لضمان حياة مرفهة لزوجته وابنته.وأسبوع واحد كان كافيا لتجهيز كل ما يلزم.لقد أعدت السيدة بسمة ملابس ورد لأربعة فصول، وجمعت كل مستلزمات بهيجة— ولا تنخدع بحجمها الصغير، فهذه الطفلة وحدها احتاجت إلى أربعة حقائب سفر كاملة.السيدة بسمة تقوم بكل شيء بنفسها وبعد أن أنهت كل ذلك، نظرت إلى بهيجة الصغيرة الجميلة، ثم فركت خصرها المتعب وعادت إلى الغرفة.وما إن دخلت، حتى رأت زوجها يقف في الشرفة يدخن، وعقدة عميقة في جبينه.تجمدت السيدة بسمة في مكانها—زوجها نادرا ما يدخن في المنزل، فكيف وهو بهذا الوجه المظلم؟ هما ينعمان بزواج متحاب، فتقدمت نحوه، لمست ذراعه، وسألته بحنان: "ياسر، ماذا حدث؟"فرد ياسر وهو يفتح ذراعه ويطفئ السيجارة، ثم ابتسم كأنه لا شيء: "لا شيء… فقط ضاق صدري قليلا، فأحببت أن أدخن سيجارة. لا تشغلي بالك."فقالت السيدة بسمة: "ياسر… أنت لا تتكلم هكذا عادة
Read more

الفصل 0219

في اليوم التالي، هطلت الأمطار كالسيل المنهمر.وتوقفت سيارة سوداء ببطء أمام مبنى مجموعة عائلة عباس.دار السائق إلى الخلف وفتح الباب، فنزلت ورد وهي تمسك مظلة سوداء، لكن المطر كان شديدا حتى ابتل جزء من كتف ثوبها سريعا.وعند السيارة، كانت سكرتيرة ياسمين تنتظر منذ وقت.رافقت ورد إلى مكتب الطابق العلوي وقدمت لها الشاي، ثم قالت بخفوت: "السيد سهيل في اجتماع، وسيخرج قريبا، تفضلي بالجلوس قليلا."وما إن أنهت كلامها حتى خرجت.لكن ورد لم تجلس.وقفت أمام الجدار الزجاجي الممتد من الأرض إلى السقف، تنظر إلى نصف مدينة عاصمة المغمور بضباب المطر، يغسل الشوارع… ولا يعرف كم من طموحات الشباب قد انطفأت معه.وبقيت تحدق طويلا… حتى بدت لها اللحظة بلا زمن.وغامت بصيرتها، كأنها عادت إلى تلك الأيام— حين كانت نائبة رئيس في مجموعة عائلة عباس.وانفتح باب المكتب… دون أن تشعر.دخل سهيل وأغلق الباب، وظل واقفا هناك. كان لا يزال كما كان… شابا وسيما شامخا، وورد كذلك ما زالت تبدو شابة… غير أن الزوجية بينهما انتهت، وهما على وشك الفراق.وورد ستسافر إلى دولة روماتيكية، رحلة قد تطول… ولا أحد يعلم متى تعود.قال سهيل بصوت مبحوح قل
Read more

الفصل 0220

ذهبت إلى الحمام لترتيب ملابسها، وهذه المرة لم يزعجها سهيل.ولما خرجت ورد، قالت بصوت منخفض: "أريد أن أرى ورقة الضمان."اهتز قلب سهيل.وبعد لحظة قال بخفوت: "لقد حددت موعدا للعشاء مع مدير بنك مدينة السحاب التابع لمصرف الآفاق العالمية، وسنوقع ورقة الضمان الليلة."ابتسمت ورد ابتسامة باهتة: "فعلا… لا شيء يفلت من سيطرتك."ابتسم سهيل أيضا… ابتسامة كلها مرارة.وقد رافقها بنفسه إلى السيارة.وانغلق باب السيارة السوداء ببطء، ومن خلف الزجاج، كان سهيل يحدق في المرأة الجالسة في المقعد الخلفي، وفي عينيه نظرة رجل تحمل عمقا وملكية جارحة.تلك الليلة، طار مدير البنك من مدينة السحاب خصيصا إلى مدينة عاصمة.وفي دار الصفوة، شرب معه سهيل ما يقارب كيلوين من الخمر البيضاء، ليضمن توقيع ورقة الضمان أخيرا، وبذلك يستطيع البنك صرف القرض لمجموعة الجسر صباح الغد.وفي دورة المياه الفاخرة، كان صنبور الماء الذهبي ينساب منه الماء.أسند سهيل رأسه إلى الجدار، وجهه مائل إلى الحمرة— من الواضح أنه شرب كثيرا.وساندته سكرتيرة ياسمين بحذر، وهمست: "صحتكم لم تعد كما كانت، شربكم لهذه الكمية يؤذيكم كثيرا."أخرج سهيل علبة سجائر، ومزق ا
Read more
PREV
1
...
2021222324
...
30
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status