All Chapters of بعد رحيلي شابَ شعره في ليلة: Chapter 281 - Chapter 290

300 Chapters

الفصل 0281

لطالما غدت المناصب والجاه غبارا تذروه الرياح، ولم يبق في القلب اليوم سوى عبء المسؤولية.أخرج سهيل من درج مكتبه علبة سجائر، فمزق غلافها واستل منها سيجارة عض عليها برفق، وحين أشعلها ارتجفت أصابعه، غير أنه لم يعر ذلك أي اهتمام، بل جذب نفسا عميقا وقاسيا وهو يمسك السيجارة بين شفتيه.تراقص دخان خفيف رقيق الخيوط من حوله، فصبغ عينيه العميقتين بمسحة من العتمة.وما إن صدر صرير باب المكتب يفتح حتى انتفض الرجل غاضبا مذعورا وقال: "من هناك؟"وكانت سكرتيرة ياسمين هي من دخلت، فنظرت إلى سهيل وهمست: "أنا."ارتخى جسد سهيل واستند إلى ظهر الكرسي، وتمتم بتنهيدة منخفضة: "أنت… في هذا الوقت المتأخر، ما الذي جاء بك؟"تقدمت سكرتيرة ياسمين ورتبت مكتب سهيل قائلة: "لم أنته من شؤون الشركة إلا الآن، وقلقت عليك فجئت لأتأكد من أنك بخير، وها أنا أراك ما زلت غارقا في العمل."وحين لامست أناملها ذلك الدفتر الصغير، انفلتت مشاعرها دفعة واحدة.لم تجرؤ على النظر إلى ما كتب فيه، فأغلقته بلطف.ثم ترددت لحظة قبل أن تنصحه قائلة: "لا يمكنكم الاستمرار بهذا الإجهاد! طبيب هلال قال إن عليكم أن تنالوا قسطا من الراحة، أما هذا العمل ليلا
Read more

الفصل 0282

انهمرت دمعة حارة من أسفل أنف سلام، لكنه لم يمد يده ليمسحها.وقال : "تكلم بوضوح، سهيل… أريدك أن تشرح لي كل شيء!"……فقال سهيل مباشرة: "لقد أصبت بمرض… ولن أعيش طويلا."كاد كبد سلام ينشق من شدة الألم وهو يصرخ: "أنا لا أصدق!"لكن الحقيقة كانت صارخة أمامه، لا تترك له مجالا للإنكار.أخذ سهيل زجاجة الدواء الصغيرة بيده، وأمسكها بين أصابعه؛ بدا كما كان دائما… وسيما بشكل يبعث على الأسى، كزهرة ألان النقية، أو كغصن الغار المنتصب، لا يزال في كل حركة منه مهيبا كنبيل من سلالة عريقة.وقال بصوت خافت: "إنها آثار تركتها حادثة السيارة… جذور المرض منها."كان كلامه مقتضبا، لكنه وقع في أذن سلام كالصاعقة، فجعل قلبه يرتج وهو يحدق فيه بعينين محمرتين: "ولماذا لا تجري العملية؟ أنت الذي كنت دائما متهورا، لا تخاف شيئا! رجل مثلك… كيف يستسلم؟ ألم تكن غنيا؟ ألم تكن قادرا على أن تجوب العالم بحثا عن أفضل الأطباء؟ قل لي، سهيل، هل أصبحت جبانا؟"زفر سهيل نفسا طويلا وقال: "لقد أخبرت ياسمين أيضا… لا أستطيع المجازفة!"لقد أراد الانتظار حتى يولد الطفل، أراد أن يمهد الطريق لورد… ولعل نهايته كانت محسومة منذ لحظة ركوعه أمام إله ي
Read more

الفصل 0283

قال أيضا: "ورد ليس لها كثير من الأصدقاء، ولا عدد كبير من الأقارب.""فلتزيدوا التواصل فيما بينكم في الأيام القادمة!"وهكذا، مضى سهيل يوصي هذا، ويودع ذاك، ويرتب كل شأن بدقة، فيما كان جسده يخذله يوما بعد يوم؛ صار ينسى أمورا كثيرة، وأحيانا لا يتذكر ما يجري حوله لأكثر من 6 ساعات في اليوم.وبعد ذلك، بدأ يقلل من بقائه في المنزل.فقد صار كثير النسيان؛ ينسى ورد، وينسى الأطفال، ويبيت في الشركة أغلب الوقت، ولا يعود إلى المنزل إلا في الأيام التي تتحسن فيها حالته قليلا.وعندما يلتقي ورد، يعاملها برفق بالغ، وكأنها كنز يخشى عليه من أدنى خدش.أما حين يغيب، فالاتصال به يكاد يكون مستحيلا… لأنه لم يعد يتذكر شيئا.وكانت سكرتيرة ياسمين هي من ترد في معظم الأحيان، تكرر الجملة ذاتها: "الرئيس سهيل مشغول… في اجتماع أو في مناسبة."إلى أن جاء اليوم الذي لم يعد سهيل قادرا فيه على الاحتمال.فقد بات عاجزا عن تذكر أي شيء تقريبا.وصار يحمل في جيبه ورقة صغيرة كتب عليها رقم هاتف سكرتيرة ياسمين، يخشى أن ينساه… بل صار يحدث أحيانا أن ينسى ياسمين نفسها، فإذا ضاعت الورقة… ضاع معها كل ما يتبقى له من ذاكرة.حل سبتمبر، وبقي لور
Read more

الفصل 0284

ساد الليل بسكون عميق.استمعت ورد إليه بهدوء، وكأن ما تسمعه لا يفاجئها في شيء.فهذه الاتصالات التي كانت سكرتيرة ياسمين تتولاها دائما، وهذا الانشغال الدائم بالاجتماعات والعمل… كلها علامات يعرفها النساء جيدا؛ دلائل على رجل ضاق بزوجته. وقال إنه متعب… وربما كانت تلك هي الحقيقة الوحيدة.لم تتشبث ورد به، بل بدا عليها أنها وجدت نوعا من التحرر.رفعت عينيها إلى سهيل، بلا حب ولا كراهية، بل بابتسامة خفيفة: "لا بأس يا سهيل، هكذا لن نعاني بعد الآن. فقط… طفولة الأطفال لا يجب أن تخلو من حب الأب."ارتجفت يد سهيل اليسرى قليلا وهو يمسك بالشوكة.وبعد لحظة، ابتسم ابتسامة صغيرة: "طبعا."كان يحدق في ورد، يرى كيف تحاول بكل جهدها ألا تبكي. عاشا معا سنين، كيف له ألا يعرفها؟ورد تكره ما فعله، لكن القلوب لحم ودم، والرفقة الطويلة تنبت مشاعر لا يمكن تجاهلها.ولكن يا ورد… لقد خدعتك!لن أستطيع الانتظار… لن أرى أمنية تولد… لن أشهد كبر الأطفال… لن أشيخ إلى جوارك… لن أكون الرجل الذي يحميك بعد اليوم… وما أدين به لك ربما لن أستطيع سداده إلا في حياة أخرى.تعمقت نظرة الرجل، وراحت عيناه تلمعان بدمع محبوس.ربما كانت هذه آخر م
Read more

الفصل 0285

مستشفى الحنان.في مبنى صغير منفرد، لم يكن يسكنه سوى مريض واحد… سهيل.كان سهيل ما يزال فاقدا للوعي، وبجواره جلست السيدة بديعة، وقد تفكك ملفع شعرها وارتدت معطفا على عجل، واضح أنها هرعت من المنزل بلا تردد.كانت السيدة بديعة تكتم بكاءها بيدها، تخشى أن يوقظه نحيبها، تخاف أن تزيد على ابنها أي قدر من الألم.حتى هذه اللحظة، لم تستطع أن تتقبل ما قالته سكرتيرة ياسمين.سهيل… مريض.نسي أشياء كثيرة؛ لم يعد يتذكر والديه، ولا أشقاءه، ولا طفليه… بل حتى ورد، لم يعد يعرفها.وربما، في أي يوم قادم، قد تتعرض حياته نفسه للخطر.ولأن السيدة بديعة لا تملك سوى هذا الابن، فقد كان وقع المصيبة عليها لا يحتمل. لم تتوقف دموعها، كانت ترجوه أن يستيقظ، أن ينطق بكلمة… ومع ذلك، كان يعتصرها الخوف من أن يفتح عينيه ولا يعرفهم.وفي الجهة الأخرى، كان جميع أفراد عائلة عباس حاضرين.قالت سكرتيرة ياسمين كل ما تعرفه، ثم أضافت والدموع في عينيها: "الرئيس سهيل أوصاني ألا نخبر السيدة ورد… خوفا من أن يؤثر عليها وهي على وشك الولادة. كان يفكر في كل شيء نيابة عنها… وقال إنه يشعر بالذنب تجاهكما… وأنه… أنه…"ولم تستطع إكمال الجملة، فخرجت مس
Read more

الفصل 0286

فتح عينيه من جديد ببطء، ونظر إلى والديه قائلا: "عشت جولة في هذه الدنيا، ولا أشعر بذرة ندم! ولدت في منزل غارق في النعمة والثراء، وبقليل من الجهد نلت الكثير، وقد كنت أوفر حظا من كثيرين… ثم إنني التقيت بورد. لو لم أعم عيني لحظة طيش، لعلني وورد كنا سنعيش منتهى السعادة. وحتى لو غادرت هذه الدنيا وفي قلبي شيء من الأسى، فأنا مؤمن بأن حياتي كانت تستحق أن تعاش."سال دموع ناصر حتى بللت طرف أنفه، وردد مرارا: "نعم… نعم."وازدادت السيدة بديعة حزنا حتى انهارت، تكرر الاعتذار بلا توقف، وتقول إنها هي من أضرت بسهيل.مال سهيل برفق نحو أمه، وكانت تلك المرة الأخيرة.حدق في سواد الليل خلف النافذة الممتدة، وخرج صوته مبحوحا رقيقا—"أمي، لطالما ظننت أنني لا أؤمن بالقدر! كنت أعتقد أن مصير الإنسان يصنع بيديه، ولذلك تشبثت بالسلطة والمكانة والمال… حتى رحلت جدة ورد، يومها أدركت أن في هذه الدنيا ما لا يشترى.""كنت أظن أن الطفلين قد رحلا!""أقسمت أمام إله أن أتخلى عن كل رغباتي وهواجسي، وأن أبذل حياتي لأستعيد كل شيء… ثم جرت الأحداث كأن القدر قد رسمها سلفا، ولم أستطع الإفلات من أي سطر فيها.""أمي، لا تلومي نفسك بعد الآن
Read more

الفصل 0287

كان الغروب يلقي بظلاله الدافئة على المكان.خرج مهار وهو يحمل كوب ماء وبضع حبات من الدواء.اقترب من سهيل وجلس بجانبه قائلا بصوت هادئ: "سهيل، حان وقت الدواء."لكن الشاب ظل يحدق باتجاه جسر النهر الأزرق، بعينين ثابتتين، وكأنه في اللحظة التالية سيبصر تلك الفتاة القادمة نحوه بثوبها الأبيض… اسمها ورد، تحمل على ظهرها حامل الرسم.نظر مهار إلى حاله، فاشتد الألم في قلبه.لقد كانت تلك آخر مرة استعاد فيها سهيل وعيه حقا.قال يومها إنه يريد أن يعيش بقرب النهر الأزرق.قال إن هذا هو المكان الذي طلب فيه يد ورد للزواج، وإن لون الغروب فوقه ساحر ومهيب، وإنه يريد أن يقضي ما تبقى من حياته هناك… وتوسل إلى والديه أن يحققا له هذه الأمنية.فبكت السيدة بديعة بكاء غزيرا، تعجز عن احتماله.وقضى ناصر ليلة كاملة يفكر، ثم اختار أن يستجيب لرجاء ابنه.لقد كانت حياة سهيل كلها إنهاكا وصراعا، ولذلك— كأب وأم— في آخر اختارا أن يوافقا على طلبه. غير أنهما اشترطا أن يرافقه مهار ويرعاه، وأن يسعيا لدى الأطباء الكبار لعلهم يجدون فرصة لإجراء العملية يوما ما… لكن مرض سهيل كان يزداد سوءا كل يوم، ولم يجرؤ أي طبيب على التدخل.كان سهيل ي
Read more

الفصل 0288

"أنت لا تريد أن تخبرني أين هو.""لكنني أريد أن أسألك شيئا واحدا… هل ما زال موجودا؟ هل ما زال حيا؟""قل لي حقيقة واضحة، أهو حي أم ميت؟ يجب أن تعطيني جوابا يقينيا."……انحدرت دمعة حارة من زاوية عين سلام، وانخفضت روحه كما ندر أن يحدث له يوما.ارتجفت شفتا ورد بخفة.قال الرجل بصوت خافت: "اطمئني… هو بخير، يعيش حياة هادئة ومريحة."ما زالت شفتا ورد ترتعشان، ثم بعد لحظة ابتسمت ابتسامة واهنة: "شكرا لأنك أخبرتني."وكتم سلام مشاعره بقسوة، وقال بغلظة مصطنعة: "ذلك اللعين… لن يقصر في تدليل نفسه أبدا."وغادر في عمق الليل.جلس في مقعد القيادة، وأشعل سيجارة تلو أخرى بشراسة، ثم أسند رأسه إلى المقود طويلا.لم يكن رجلا عاطفيا.ومن قبل… لم يحب امرأة حبا حقيقيا، فقد قضى حياته كلها في صراع مع سهيل. أما اليوم… وقد اختفى سهيل عن الدنيا، شعر وكأن بوصلته قد انكسرت.قاد سلام سيارته في الليل حتى وصل إلى مدينة السحاب، وطرق باب شقة صغيرة.ففتحت زهرة الباب.كان سلام واقفا في الخارج، أكثر بؤسا من أي وقت مضى، عيناه محمرتان، يحدق فيها حد الاحتراق. كانت ترتدي ثوبا حريريا لا يستر الكثير، وجسدها يفيض إغراء.اشتعلت شرارة في
Read more

الفصل 0289

لم يصل ورد أي خبر عن سهيل.وكأنه اختفى من على وجه الأرض؛ وحدهما الطفلان يظنان أنه سافر إلى الخارج لسنوات، وأنه فقط ذهب للعمل.وفي كل ليلة، بعد أن تهدئ طفليها وتجعلهما يخلدان إلى النوم، تجلس ورد في غرفة المعيشة تستمع إلى أسطوانة الفونوغراف.فإلى جانب صوت جدتها… كان فيها أيضا صوت سهيل.وأحيانا— وهي تستمع— تنهمر دموعها بلا توقف.أوائل شهر أكتوبر.حتى تلك اللحظة… كانت عناقيد الوستارية في الحديقة قد تساقطت كلها.ومع ذلك، لم يعد سهيل.وضعت ورد في مستشفى النساء والولادة طفلة صغيرة.في ذلك اليوم، حضر جميع أفراد عائلة عباس، وجاء أهل عائلة نور أيضا، حتى جدة عائلة نور من مدينة السحاب وصلت على عجل لتبارك لحفيدتها وتدعو لها، وجاءت السيدة هند كذلك، تخشى أن تحتاج ورد إلى دم في طارئ.وقف الجميع عند باب غرفة الولادة، ينتظرون بقلق النتيجة.صباحا، في العاشرة وعشر دقائق—تعالى بكاء قوي لمولودة جديدة، صدح في أرجاء المبنى… وكان يحمل معه أمل عائلة عباس كلها. دم الحبل السري لتلك الطفلة هو ما ساعد على إجراء عملية أيمن.غسلت الممرضة الطفلة— أمنية— ثم لفتها ببطانية وردية، وخرجت لتريها لأفراد الأسرة."إنها أميرة
Read more

الفصل 0290

هزت السيدة بديعة رأسها موافقة.فمن أجل سهيل، ومن أجل أطفاله الثلاثة، كان عليها أن تساعد ورد في حماية هذا البيت الصغير.……وفي الليل، رأت ورد حلما.رأت تلك الليلة التي كانت فيها حياة جدتها بين الموت والحياة، ورأت نفسها وهي تقطع كل علاقة مع سهيل عند النهر الأزرق، ورأت السيارة السوداء وقد اشتعلت فيها النار، واللهب يلون ليل النهر بلون أحمر صارخ.ثم رأت المعبد الجبلي… ورأت سهيل راكعا أمام تمثال الإله. حاولت الاقتراب… حاولت مناداته، لكن ملامحه كانت ضبابية، وحين تقدمت نحوه مرت عبر جسده كأنها تعبر ظلا.استيقظت ورد غارقة في العرق البارد، تتألم من تقلصات ما بعد الولادة.إلى جانبها، استيقظت السيدة بديعة مفزوعة، فسارعت تسألها: "أين يؤلمك؟ هل تريدين أن تري أمنية؟"كان الليل ساكنا، ساكنا تماما.نظرت ورد إلى السيدة بديعة طويلا، ثم سألت بصوت واهن: "أين هو سهيل؟"ارتعش صوت السيدة بديعة وهي تقول: "سهيل مشغول… وسيعود قريبا، قريبا جدا ليراك ويرى الأطفال."هزت ورد رأسها ببطء… لم تصدق.وأدارت وجهها نحو الظلام خلف النافذة، وهمست: "حل أكتوبر… موسم تساقط الزهور من جديد."……في عمق الليل، في كوخ النهر الأزرق—ك
Read more
PREV
1
...
252627282930
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status