جميع فصول : الفصل -الفصل 50

100 فصول

الفصل 41

في صباحِ اليومِ التالي. وكان عبدُ الرقيبِ الليثيُّ نائمًا في دارِ شيخهِ الملحقة، فانتبهَ على صليلِ ناقوسٍ مُزعِج! فلما نهضَ وجدَ الشيخَ واقفًا ينتظرُ عند الباب. فقال الشيخُ بوجهٍ مغمومٍ خافتِ الصوت: "هَلُمَّ قُم، إلى ساحةِ ذُروةِ السيفِ السماوي!" فارتبكَ عبدُ الرقيبِ الليثيّ، غيرَ أنّهُ تعجَّلَ فتهيّأ ونهض. ولمّا تبِعَ الشيخَ في الهبوطِ من الجبل رأى جميعَ تلامذةِ الباب يهرعون إلى ذُروةِ السيفِ السماوي. وكلُّ من كان في الطائفةِ من التلامذةِ كاد أن يكونَ قد قصدَ ذاك الموضع. وفي الطريقِ سأل: "يا شيخُ، ما الخبر؟ وما شأنُ ذاك النَّاقوسِ آنفًا؟" فأجابهُ الشيخُ مُغتمًّا: "ذلكم ناقوسُ الإنذارِ في طائفةِ سيفِ الصَّيفِ الأكبر، قلّما يُضرَب." "فإذا ضُرِب، وجبَ على كلِّ من في الطائفةِ من التلامذةِ أن يُسرِعوا إلى ساحةِ ذُروةِ السيفِ السماوي." "ولعلَّ تلميذًا قد خالفَ نُظُمَ الباب!" فاقشعرَّ قلبُ عبدِ الرقيبِ الليثي: أيُّ مخالفةٍ هذه تستوجبُ هذا الاستنفارَ العظيم! غيرَ أنّهُ كفَّ عن السؤال، وفي الطريقِ كان كثيرٌ من التلامذةِ يقفونَ للشيخِ مُسلِّمين. وأبدَوْا للفتى بَشاشةً ومودّة. وكان
اقرأ المزيد

الفصل 42

وكان قُتادةُ الراكعُ في الأرض لا ينطقُ بحرفٍ، إذ علمَ أنّ تلميذَه جنى جنايةً عُظمى. وبينما القومُ بعدُ في ذهولٍ، صاح الشابُّ المقيَّدُ بالأغلال في جوِّ السماءِ بوجهٍ مُستقبَحٍ غضبًا. "كوني قد رُمْتُ تلك الفتاةَ هو فيضُ نعمةٍ عليها!" "ولِمَ أُعاقَبُ أنا؟ وقد أعطيتُها مائةَ مِثقالٍ من الفضّة المضروبة! بل هي التي نالتِ الغُنمَ العظيم!" فمدَّ لُكانُ بنُ كَرَّام يدَه فقبضَ الشابَّ في كفِّه قبضًا، وشدَّ على عُنقِه شدًّا! وقرَّبَ وجهَه الصَّلدَ إلى الشابِّ وزجره ببرودٍ قائلًا: "وبعدَ هذا كلِّه أترى نفسَك غيرَ مخطئ؟" "وتتسمّى بتلميذِ الطائفة!" واحمرَّ وجهُ الشابِّ من الخنق، غيرَ أنَّ عينَيه المبحلَّتَين كانتا تُنبِئانِ الجميعَ أنّه غيرُ مُقِرّ. فضربَ لُكانُ بنُ كَرَّام بكفِّه اليمنى على بطنِ الشابِّ ضربةً عنيفة! طَراق! فرأى الناسُ بأعينِهم دَوّامةً من النَّفَس تتبدّدُ عند بطنِ الرجل. "واها! كُحّ كُحّ! آه!!" وبصقَ الشابُّ فجأةً دمًا غزيرًا. وهكذا أُبطِلَ حقلُ الطاقةِ لِغُلامٍ نابغٍ بلغَ طورَ التأسيس ابنَ عشرينَ سنة. فسَكَن التلامذةُ من تحتُ حتى صاروا يتنفّسونَ على حذرٍ شديد. ثمَّ
اقرأ المزيد

الفصل43

جاءت هذه الفتنةُ سريعًا وذهبت سريعًا، غيرَ أنّ أثرَها لم يَبرَح طويلًا. فلمّا انصرف التلامذةُ أجمعون، كادوا كلُّهم في أوّلِ وهلةٍ يُعنَون بحفظِ نُظُمِ الطائفةِ عن ظهرِ قلب. وفي الرجوعِ إلى ذُروةِ الرعدِ السماوي، قال نُعيمُ بنُ تَيْمٍ خافتًا: "لِمَ رأيتَه ممّن لا بُدَّ من قتلِه؟"أليس كثيرٌ من التلاميذ يرون أن موقف ذلك الرجل في الاعتراف بخطئه كان صادقًا جدًا؟ "ثمّ مع حالِ تلك العجوز، لو عُمِل بما قالَ ذاك التلميذُ فلعلّه لا يكونُ شرًّا." فهزَّ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ رأسَه؛ فلقد عَلِم قبلَ أن تُفتَحَ لهُ عينُ البصيرة أنّ كثيرًا من الناسِ لا يثبتونَ عند ابتلاءِ الطباع. وإنّه قد أبصرَ في صباهُ قبائحَ الطِّباعِ وعرَاها. ثمّ أفضى عبدُ الرقيبِ الليثيُّ برأيِه في هذه الواقعة. وقالَ بصوتٍ هادئٍ: "أمّا ذلك التلميذُ المسيءُ فلا يرى نفسَهُ مخطئًا." "يرى أنّه من تلامذة الطائفة، ومرتبتُهُ رفيعة." "وأنّ طمعَهُ في فتاةِ السَّفحِ نِعمةٌ لها، وقد تركَ لها مائةَ مِثقالٍ من الفضّةِ المضروبة." "وهذه الفضةُ تكفي أهلَ السَّفحِ قوتًا ونفقاتٍ لسائرِ ما بقيَ من أعمارِهم." "فلذلك قلتُ: "إنّه لا يَرى نفس
اقرأ المزيد

الفصل44

تنفّس نُعيمُ بنُ تَيْمٍ نَفَسًا عميقًا مرّاتٍ عدّة حتى سكنتْ دهشتُه قليلًا. ونظرَ إلى عبدِ الرقيبِ الليثيِّ وقال: "أفما أحسستَ بضيقٍ في حقلِ الطاقة؟" فلمّا رأى الفتى يُومِئُ برأسِه اطمأنَّ قلبُه، ولعلَّ حقلَ طاقته كان عظيمًا مذْ دَخَلَ المرتبةَ الأولى من تهذيب النَّفَس. وهكذا بانَ أنّ عبدَ الرقيبِ الليثيَّ ليس سريعَ السلوكِ فحسب، بل إنَّ حقلَ طاقته في جوفِه أوسعُ من الناس. وتأمّلَه الشيخُ، وقد عَقَدَ في صدرِه عزمًا خفيًّا بأن تكونَ مواردُ سلوكِ تلميذِه بعد اليومِ أعدادًا هائلة. ومع ذلكَ فلن يدَعَه يَهُمُّ لأجلِ تلك الشواغلِ الدُّنيا بشيء! وارتسمتْ على وجهِ الشيخِ بَسمةٌ وادعةٌ وقالَ خافتًا: "لا بأس، بل حسنٌ جدًّا!" "فإذا قد استجلبتَ النَّفَسَ إلى الجسد، وثبّتَّ لُبَّ دوّامةِ الحقل، فاذهبْ إلى ذُروةِ العمودِ السماوي إلى رِواقِ المصنّفات لتختارَ كتابَ سلوكٍ يوافقُك." "فإذا كان لك كتابُ سلوكٍ قدرتَ أن تستجلبَ رُوح العالم، وما في أحجارِ الروح من نَفَسٍ أصفى." "وعندئذٍ تُبدِّلُ ما استجلبتَه من الأنفاسِ قوّةَ أصلٍ صالحةً لك." ومشى الشيخُ والفتى نحو الجبلِ صعودًا، وكان الشيخُ يُفصِّ
اقرأ المزيد

الفصل 45

في الطريقِ أبصرَ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ كثيرًا من إخوةِ الطائفةِ وأبنائها. وكان في مواضعَ عديدةٍ قومٌ وقوفٌ، بل رأى على امتدادِ طريقِ ذُروةِ العمودِ السماوي من نصبَ دُكّانًا صغيرًا. وكانتْ معروضاتُ البُسُطِ عَجائبَ شتّى، وفيها من كلِّ شيء. وفي منصفِ الجبلِ رأى رِواقَ المهامّ يغصُّ بالناسِ موجًا بموجٍ. وقيلَ: هذا موضعُ ما يأخذهُ تلامذةُ الطائفةِ من مهامِّ الطائفةِ في قابلِ الأيّام. وجزاءُ إنجازِ المهامِّ مُختلِفٌ؛ منهُ لُجينٌ الروح، ومنهُ أمتعةٌ وأدويَةُ الإكسير. وأكثرُ المهامِّ إنّما جزاؤها نِقاطُ الطائفةِ للمساهمة. وتُبدَّلُ هذه النِّقاطُ إلى لُجينٌ داني المنزلة بنسبةِ واحدٍ إلى عشرةٍ. وهي أيضًا عُمْلةٌ صُلبةٌ في معاملاتِ الطائفةِ الداخليّة، وتستطيعُ بها شراءَ ما لا يخطرُ لك على بال. ثمَّ رأى أعلى منها قصرَ العُدَدِ المهيبَ، وبرجَ الإكسيرِ الشامخَ كصنوبرةٍ على ذُروةِ الجبل. غيرَ أنّه لم يقِفْ؛ فإنّ غرضَهُ في هذه الرِّحلةِ واضحٌ جليّ. وهو أن يَبلُغَ رِواقَ المصنّفاتِ سريعًا ليختارَ كتابَ سلوكٍ يوافقُ سَيرَه. وبعدَ نِصفِ ساعةٍ وقد ابتلَّ جسدُهُ عرقًا، بلغَ عبدُ الرقيبِ الليثي
اقرأ المزيد

الفصل46

"آه!" قالَ الفتى مذعورًا ثمّ أسرعَ ينحني معتذرًا: "عفوًا، ما قصدتُ الاستهزاءَ بك، وإنّما… باغتني الأمر." تبسّمَ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ وهزَّ كتفَيه وقال: "لا بأس، بل إنّكَ تفضّلتَ يا أخي." ابتسمَ الفتى قليلًا، ولمّا رأى على ثيابِه لِباسَ الطائفةِ بدا على وجهِه أمارةُ الفَهم. "أأنتَ تلميذُ ذُروةِ الرعدِ السماوي، عبدُ الرقيبِ الليثيّ، أليس كذلك؟" فلمّا لم يُنكرِ الفتى قالَ الشابُّ ماضيًا: "ذاك الرجلُ اسمُهُ غالي مُستنير… إيـهْ، دعْ الحديث." "وعلى أيّ حالٍ، إيّاكَ أن تُغضِبَه؛ وإلا طاردَكَ في الطائفةِ ثلاثَ جولاتٍ عِظامًا!" فلمّا مضى الرجلُ هزَّ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ رأسَه، ولم يُعْنَ بعدُ بذِكرِ ذاك الأعرج. لكنّهُ قالَ في نفسِه سرًّا: "لو علمتُ لشتمتُه كلمتَين؛ ظننتُه من أكابرِ الخُفاةِ في الطائفة." "تلقّيتُ شتيمةً ضائعةً، ولم أرُدَّ! خُسْرانٌ!" "أفلا أَكْسِرُ مِكنستَه؟" وبينما هو على ذلك، إذا هو قد دخلَ رِواقَ المصنّفاتِ رافعًا رأسَه. وما كادَ يتخطّى العَتَبةَ حتى أحسَّ بيدٍ من خلفِه قبضتْ على الكفنِ المسلولِ في ظهرِه. فانطلقتْ ساقُهُ اليمنى، على البديهة، كأنّها رُمحٌ يطعنُ
اقرأ المزيد

الفصل 47

دخلَ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ رِواقَ المصنّفات وفي قلبِه شيءٌ من العجب. "كيفَ يقعدُ جليلٌ من أهلِ الخفاء شديدُ البأسِ جَهرًا على عتبةِ الرِّواق؟" "وأمّا مَن ظننتُهُ من الأكابرِ وهو كاسحُ الدَّرَج، فإذا هو رجلٌ خاسر." وكان فضاءُ الرِّواقِ عاليًا جدًّا، والهواءُ فيه يابسٌ غايةَ اليُبوسة. "ويبدو أنّهم اتّخذوا أسبابًا لئلّا تُصيبَ الرُّطوبةُ كُتُبَ السُّلوك والذخائر." وكانتِ الطبقةُ الأولى فسيحةً جدًّا، لا فيها إلا رفوفٌ مُصطفّةٌ مكتوبٌ على كلِّ رفٍّ صنفُ السُّلوك. غيرَ أنّه لم يكن فيها إلا نَفَرٌ قليلٌ من تلامذةِ الطائفةِ يَنتقون الاختيار. فلمّا صَعِدَ إلى الطبقةِ الثانية أحسَّ بانحسارٍ شديدٍ في عددِ المصنّفات. لم يرَ إلا رُفوفًا معدودةً، وعليها اثنانِ أو ثلاثةٌ من الناس، وفيهم ذاك الأخُ الذي حادثَهُ آنفًا. فأشارَ إليهِ الأخُ بحرارةٍ مُبتسمًا وقال: "يا أخي، ههنا كُتُبٌ حسنةٌ من سُلوكِ جذرِ الرَّعد." "بل هي من الطبقةِ الصفراءِ العُليا، وتوافقُك جدًّا." فأشارَ عبدُ الرقيبِ إلى الفوقِ مُستحييًا وقال: "شكرًا لك يا أخي، غيرَ أنّي أقصدُ الطبقةَ الثالثة." فتجمّدتْ يدُ الرجلِ في الهواء؛
اقرأ المزيد

الفصل 48

"وأنا الذي قد استيقظ له الجذرُ المَلِكيّ، وقد جئتُ بعدك، فما أثرتُ أدنى ضجّة." تبسّمَ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ في الظاهر، وفي سرِّه لوى شفتَهُ استصغارًا. وهذا ممّن يلوحُ أنّه عاشقٌ للصَّوْتِ والصِّيت؛ ولمّا كان وراءَه يومَ اختبارِ الجذرِ عند الدخولِ، فلعلَّ القومَ ما رأَوْهُ عظيمًا. ثمّ أشار قيسُ القُنَن إلى أنوارِ الروحِ الطائرةِ في الجوّ وقال. "أتُراهِنُني لننظرَ أيُّنا يأخذُ كتابَ السلوكِ أعلى طبقةً؟" ولم يدرِ عبدُ الرقيبِ من أينَ جاءتْهُ رغبةُ التنافُسِ هذه على غيرِ سبب. "والوقتُ متّسِع؛ فهَلُمَّ." فأبرقَتْ عيناهُ، ولوّحَ بيدِه، فأخرجَ مئةً وزيادةً من لُجينٌ داني المنزلة.. ثمّ نظرَ إلى عبدِ الرقيبِ مبتسمًا وقال: "موهبتي دونَ موهبتِك بكثير؛ وقد أحسستُ أنفاسَ السماءِ والأرضِ الآن، وأرجو الليلةَ أن أستجلبَ النَّفَسَ إلى الجسد." وحادَ طرفُ عبدِ الرقيبِ وقالَ في سرّه. "لِمَ أراهُ يُنازِعُني المقامَ في كلِّ موضع؟" "أولم يعلَمْ أنّي في ذُروةِ الماءِ السماوي قد جاوزتُ إلى المرتبةِ الأولى من صَقلِ النَّفَسِ يومئذٍ؟" فلم يُدارِهِ عبدُ الرقيبِ، وأخرجَ كذلك من كيسِ الحفظِ مئةً ونيفًا
اقرأ المزيد

الفصل 49

سريعًا، تناولَ قيسُ القُنَن في الأسفل أوّلَ نورِ روحٍ. غيرَ أنّهُ قطَّبَ حاجبَه، ثمَّ رمى النورَ الذي في كفِّه رميًا هينًا. وبيّنٌ أنّه لم يرضَ بدرجةِ ذلك الكتابِ من السلوك. وقْتُ احتراقِ عودِ بَخورٍ أوشكَ أن ينقضي. وفي تلكَ المُدّةِ قبضَ قيسٌ نورينِ من أنوارِ الروح، غيرَ أنّهُ تَرَكَهُما. ومِثْلُهُ، لعُلوِّ نفسِه وكِبْرِها، لا يرضى بالدُّنيا ولا بالوُسطى من المرتبةِ الغامضة. خَطْف! مدَّ قيسٌ يدَهُ إلى نورٍ ذهبيّ، فانعطفَ فجأةً وتخطّى أناملَه. وما لَبِثَ أن لوى قيسٌ جسدَه في الهواءِ، مُبدّلًا هيئتَهُ قسرًا. فقبضَ النورَ بين قدمَيهِ معًا في لَمْحَة! لوى عبدُ الرقيبِ شفتَه، وظنَّ أنَّ قيسًا سيختارُ هذا الكتاب. إذ كانَ هذا الكتابُ أقوى نَفَسًا بين هذه الأضواء. وكما وُقِّع، لمّا رأى قيسٌ ما في النورِ تهلّلَ وجهُه. وانقضى وقتُ عودِ البخورِ على ذلك. ثمَّ دفعَ قيسٌ الأرضَ برجلهِ، وقفزَ في الهواءِ إلى منصّةٍ تعلو قامةً وزيادة. قال: "آهِ، هذا الأمرُ صعبٌ، والسُّرعةُ مُفرِطةٌ." "وإنّما نِلْتُ كتابًا من رتبة الغموض العُليا على كُره." ثمَّ رماهُ بطرفٍ مستفِزٍّ نحوَ عبدِ الرقيب. ف
اقرأ المزيد

الفصل50

دفعَ الأرضَ بقدمَيه، فقفزَ الفتى إلى المنصّة كأنّهُ نَسَمَةٌ رقيقة. ولوّحَ بكفِّه فالتقطَ أحجارَ الروح كلَّها، وقال مبتسمًا: "شكرًا لكَ يا أخا قيسٍ على سَخاءِ اليدِ، أعذرْ اِحراجَنا." هنالكَ انتبهَ قيسُ القُنَن، وأشارَ إلى عبدِ الرقيبِ صارخًا: "أنت… أنتَ أنتَ أنتَ!" فقالَ عبدُ الرقيبِ بوجهٍ بريء: "ما الذي كانَ منّي؟" وتنفسَ قيسٌ عميقًا مرارًا ثمّ قال: "كمْ يزنُ صندوقُ السيفِ ذاكَ على ظهرِكَ؟" فهزَّ عبدُ الرقيبِ كتفَيه وقال: "قِنطاران ونصف." "خَمْس… خَمْس! خمسُ مئةِ رِطل!" ولم يقلْ عبدُ الرقيبِ شيئًا؛ ولو كان هذا قد شهدَ القاعةَ الكبرى في ذُروةِ الماءِ السماوي يومئذٍ لرآهُ يرفعُ الرَّحى ذاتَ الخمسِ مئةِ رِطلٍ بكفٍّ واحدة. وقالَ قيسٌ مُتابعًا: "أأنتَ الآن… قد ولجتَ إلى تهذيب النَّفَس؟" فنشرَ عبدُ الرقيبِ كفَّيه وقال: "نعم، المرتبة الأولى من طورِ الصَّهر الروحيّ؛ ولولا ذلكَ ما جئتُ في هذه الساعةِ أبتغي كتابَ سلوك." "فإنّ حقلَ الطاقةِ قد امتلأَ عليَّ، ولا كتابَ سلوكٍ يحوِّلُ ما أستجلبُه من نَفَسٍ إلى قوّةِ الأصل." وشعرَ عبدُ الرقيبِ أنَّ أناملَ قيسٍ ترتجفُ ظاهرًا. "ولم تُخبِرْن
اقرأ المزيد
السابق
1
...
34567
...
10
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status