جميع فصول : الفصل -الفصل 80

100 فصول

الفصل71

"هاهاها، أفيكَ خوفٌ؟"وانبعثتْ ضحكةٌ مُنْكَرةٌ كأنّها حاكمُ الهاويةِ يدعو إلى الأجلِ عندَ أُذُنَيِ الرجل.واتّسعتْ عيناه كجرسَيْ نحاسٍ، وشَحُبَتْ شَفَتاه، وتفصّدَ جبينُه عرقًا باردًا.ورعشةُ جسدِه لم تسترْ ما في صدرِه من رَهَب.ورفعَ يمناه القابضةَ السِّكِّينَ رويدًا، وكادتْ أن تهوي!فجأةً!فانبعثَ من ظلِّ الغرفةِ صوتٌ غريبٌ بغتةً."أأدعوكِ ليلى الزهراء… أم… زهراءَ بنتَ صَفْوٍ؟""مَن هناك!"والغُولَةُ المُجلَّلةُ بالدُّخانِ الأسودِ استدارتْ فجأةً إلى زاويةِ الجدار!وانطلقَ صوتُها بالغضب!"ما أنا بتلكَ البَغِيِّ زهراءِ بنتِ صَفْوٍ!""بَغِيّة! بَغِيّة!!"وهاجَ السَّوادُ حولَها واضطربَ وجدانُها أشدَّ الاضطرابِ حينَ سمعتِ الاسم.ونهضَ عبدُ الرقيبِ رويدًا ونزعَ عن صدرِه رُقيةَ كَتْمِ الأثر.فلمّا أبصرتِ الشَّبحُ وجهَ الفتى توقّفَ الدُّخانُ السَّابغُ عليها لَحْظة!وفي تلكَ اللَّحْظةِ رأى عبدُ الرقيبِ بعينِ القلبِ محيّا المرأةِ جليًّا.هي بعينِها التي لَقِيَها أمسِ في المعبدِ الخَرِبِ بينَ الجبال!غيرَ أنّ نَفَسَها اليومَ غيرُ نَفَسِ الأمسِ بُعدَ ما بينَ السَّماءِ والأرض.وحدّجتْهُ بنظرةٍ جلي
اقرأ المزيد

الفصل72

هزَّ عبدُ الرقيبِ رأسَه وقال خافتًا: "ليسَ باللازم." ثمّ قال وهو يُثبّتُ وثاقَ الرّوحِ الذَّهبيَّ بيدِه. "إنّ لي في الحقيقةِ مسائلَ." فالتي ظهرتْ في المعبدِ الخَرِبِ في الجبلِ كانتِ الغُولَةَ الحسناء نفسَها: ليلى الزهراء. غيرَ أنّ في الرُّفاةِ نفسِه نَفَسَ ليلى الزهراءِ حقًّا. لكنّ دقائقَ من الأمرِ أنبأتهُ بأنّ ثمّةَ خللًا. وجثا عبدُ الرقيبِ أمامَ الغُولَةِ وقال كلامًا لنفسِه. "يبدو أنّ رُفاةَ الجبلِ ليستْ لكِ، بل لتلكَ الأرملةِ زهراءِ بنتِ صَفْوٍ." فرفعتِ الغُولَةُ رأسَها إليه وحدّجتْهُ عُدوانًا وقالت: "لا تذكرْ تلكَ البَغِيّةَ أمامي!" "نعم! أنا التي قتلتُهم جميعًا!" "وزكوانُ الثَّوْرُ آخرُ من وجبَ هلاكُه!" "يا فتى، إنْ حُلْتَ بيني وبينَهم فلا تَلُمْنِي إنْ لم أُجاملْ!" وزَفَرَ عبدُ الرقيبِ قليلًا؛ فقد سَمِعَ عشيّةَ اليومِ من امرأتَيْنِ أمرًا من السِّرّ. وهذا في بلدةِ نَهْضِ السَّحابِ فِضيحةٌ قديمةٌ طالتْ بها الأعوامُ حتى كاد الناسُ يطوونَ ذكرَها. حتى إذا توالتِ القتلاتُ أخيرًا تذكّر كثيرونَ خبرَ الأيّامِ الأُوَل. وأمّا هذه الغُولَةُ تحتَه فهي صاحبةُ القصّةِ كلِّها. لي
اقرأ المزيد

الفصل 73

بدَوِيٍّ واحدٍ سقطَ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ عنيفًا إلى الأرضِ فَهَشَّ من تحتِه اللَّبِنَ الأزرقَ قِطَعًا. قَبَضَتْ ليلى الزهراءُ بكلتا يديها على ذراعَيْه وقَصَعَتْ صائحةً بجنون: "نعم! لقد مزّقتُ روحَ تلكَ البَغِيَّةِ تمزيقًا!" "لقمةً بعدَ لقمةٍ مَضَغْتُها! وما ظننتُ أنّي بذلكَ أزدادُ قوّةً!" "أُريدُ الثأر! أُريدُ ألا يطيبَ عيشُ أحدٍ منهم!" "إنْ حُلْتَ بيني وبينَهم، قتلتُكَ أنتَ أيضًا!" وكان عبدُ الرقيبِ في تلكَ السّاعةِ تحتَها، غيرَ أنّه زَفَرَ في سرِّه زفرةً. "عاقبةُ أمرِها أنّها مسكينةٌ؛ نصفُ عمرٍ عذابٌ ونصفُهُ نَصَبٌ، ما ذاقتْ من النِّعَمِ شيئًا، ثمّ لُصِقَ بها سُبَّةُ الفُجور." فإنّهُ منذُ البدءِ لم يَجِدْ في نَفْسِها ذرّةً من قصدِ القتل. غيرَ أنّ صندوقَ السّيفِ من خلفِه تحرّكَ في هذهِ اللَّحظة. وزَفَرَ عبدُ الرقيبِ ثانيةً، فقد آذِنَ لروحِ السّيفِ أن تَعمَلَ أخيرًا. فلمعَ شعاعُ سيفٍ، فانْشَقَّ جسمُ الغُولَةِ كأنّه قُسِمَ في لَحْظةٍ. وتحوّلَ نَفَسُ الضَّغينةِ الحالكُ دخانًا دَفّاقًا اندفعَ إلى صندوقِ السّيف. وفي طَرْفةِ عينٍ غدا روحُ ليلى الزهراءِ شفافًا غايةَ الشفافي
اقرأ المزيد

الفصل 74

سادَ سكونٌ طويلٌ في البلدةِ، ومضتْ هُنيهةٌ أخرى لا يُسمَعُ فيها أدنى صوت. وفي تلكَ السّاعةِ كان كثيرٌ من الناسِ لم يَناموا، فأطلَّ أجرؤُهم من عندِ شبابيكِهم يَتَلصَّصون إلى الخارج. فرأوا الفتى جالسًا إلى الجانبِ يلتقطُ لُبًّا ويأكلُه. وعلى الأرضِ جثمانٌ ساكنٌ لا نَفَسَ فيه. وقد تهدَّمَت بيوتٌ، وامتلأتِ الطُّرُقُ بالحُفَرِ وآثارِ السيوف. دَوِيٌّ! وكان عبدُ الرقيبِ قد مرَّ آنفًا بدارِ زَكوانَ الثَّوْر، فاستخرجَ من البئرِ رُفاةً. وإذا هي رُفاةُ ليلى الزهراء. فلما واراهَا مواراةً حسنةً ونهضَ رويدًا ظهرَ في أُفُقِ البعيدِ خيالٌ أسود. وبعدَ قليلٍ وثبَ نُعيمُ بنُ تَيْمٍ عن سيفٍ طائرٍ، فدارَ السيفُ دورةً ثمّ عادَ إلى غِمدِه. وخطفَ نُعيمٌ إلى جانبِ الفتى، وتفقّدَهُ، فإذا عبدُ الرقيبِ لا خَدْشَ به. بل قد ارتقَى في منزلتِه إلى السُّدسِ من طورِ التهذيب! وتلطّفَ عبدُ الرقيبِ في الجوابِ فداورَ الحديثَ حتى صرفَه. وقال إنّ جذرَ الرعدِ فيه يقهرُ الغولَ الشّريرَ، فكان الفَوزُ بشقِّ الأنفُس. فصدّقَ الشيخُ مُتردّدًا ولم يُكثِرِ الكلام. وحملَ عبدَ الرقيبِ وسارَ به على السيفِ إلى طائفةِ سيفِ
اقرأ المزيد

الفصل 75

"هاها، حقًّا ما يخرجُ البطلُ إلاّ من الفِتْيان." "هذه المرّة… الخللُ من رِواقِ المهام، فستُحسَبُ نقاطُ الطائفةِ على خمسةِ أمثال!" "وقد أُودِعَتِ النقاطُ كلُّها في رُقيمِكَ اليَشْبيّ." قال عبدُ الرقيبِ مبتسمًا: "إذًا فبِرِعايةِ القيّمِ أمين العازم أحسِنُ الظنَّ، وسأحملُ للعمِّ أمين العازم قارورتَيْنِ من نبيذٍ طيّب." فما إن سمعَ القيّمُ المنسوبُ إلى العازم هذا حتّى أشرقَ حاجباهُ ضحكًا؛ فقد كانَ منذَ الأمسِ على وجل. غيرَ أنّ عبدَ الرقيبِ قال لشيخِه كلمةً: "إن غضبتَ عليه أفلا يَنَالُ تلميذُكَ من ذلكَ العَنَتَ؟ فكيفَ أتناولُ الأعمالَ إذن؟" فلذلك بعثَ نُعيمُ بنُ تَيْمٍ من يُسْمِعُ أمين العازم تَنْبيهًا. ومن ثَمَّ كان ما ترى الآن. وكان عبدُ الرقيبِ يدري أنّ كلَّ زينةٍ لا تُرفَعُ إلا بأيدي الجماعة. وما كان من مُباسطةِ أمين العازم لعبدِ الرقيبِ فقد رآهُ كثيرٌ من أبناءِ البابِ الخارجيّ، والغيرةُ أظهرُ من أن تُذكَر. وفي الأيّامِ التاليةِ حصَّلَ عبدُ الرقيبِ نقاطًا كثيرةً، وزادَ عليها كيسُ الحِفظِ الذي بعثَه نُعيمٌ وفيه ألفُ حجرِ روحٍ من الدَّرَجَةِ الدنيا. فأصبحَ لا يَتكلّفُ ركوبَ ال
اقرأ المزيد

الفصل 76

رأى غيرُ قليلٍ من التلامذةِ عبدَ الرقيبِ الليثيَّ، وفي عيونِهم إعجابٌ وغيرة. "آهِ… لو أنّي لا أُغَمُّ كلَّ يومٍ بطلبِ موادِّ الزكاة!" "هَهْ، ولو أُعطِيتَ من المواردِ ما أُعطِيَ، ما عَسَاكَ تُسْرِعُ كهذا!" "واه! الأخُ الأكبرُ عبدُ الرقيبٍ عادَ لاقتحامِ برجِ السيوف! أتراهُ هذه المرّةَ يَسمو إلى الطبقةِ السابعة؟" وقالتْ زاهدةٌ من ذُروةِ الماءِ السماويّ وقد غَزَلَ طرفُها. وقالتْ التي إلى جانبِها وقد احمرّتْ وجنتاها: "لعلَّه… يستطيعُ. بل، لا بُدَّ أنّه يستطيعُ!" غيرَ أنّ عبدَ الرقيبِ كان مشغوفًا بالسيفِ الذي أبدتهُ روحُ السّيفِ آنِفًا، فلم يَلْفِتْ إلى ردودِ الناسِ حولَه. ولو التفتَ ما عبأَ؛ إنّما همُّهُ اليومَ: أَيَسمو إلى الطبقةِ السابعةِ أم لا. وكان يَستعيدُ في خاطره مرارًا تلكَ الضربةَ التي قَطَعَتْ بها المرأةُ. ولا يدري أنّ تلكَ الضربةَ ما كانتْ إلاّ سيفًا ألقتهُ روحُ السّيفِ رميًا على عِجَل. ولم تكنْ روحُ السّيفِ تأمُلُ أن يُدركَ عبدُ الرقيبِ منها شيئًا. ومع أنّها ضربةٌ مرسلةٌ على هَوانٍ فهي شديدَةُ البأس! ولكنْ حين أخرجَ عبدُ الرقيبِ حجرَ الروحِ ووضعَه على النِّظامِ، انفر
اقرأ المزيد

الفصل 77

وقد بدّلتْ روحُ السّيفِ الطريقةَ القتاليّةَ التي كان عبدُ الرقيبِ يُدرِّبُها. نعم، بل غيّرتْها رأسًا! فطُرِحتْ زهراتُ القَيْقَلانِ البهيّةُ كلُّها، وأُبقيَ فقط على شِقِّ السُّرعةِ من قانونِ السّيف. وأمّا لماذا، فلم تقل روحُ السّيفِ إلا جملةً واحدة. "سائرُ ذلكَ لغوٌ؛ والفتحُ بالسُّرعةِ وحدَها!" "ما دامتْ سيفُك خاطفةً سبقتَ خصمَك بخطوةٍ وغرستَها في حَلْقِه أوّلًا." وأمّا هيئةُ سَلِّ السّيفِ التي اختلسَ تعلّمَها عبدُ الرقيبِ فتمثيلُ غايةِ السُّرعةِ والدِّقّةِ والحِدّة. وحين لم يبقَ على امتحانِ الدُّخولِ إلا سبعةُ أيّامٍ كان قد بلغَ التاسعَ من طورِ التهذيب! وهذه السُّرعةُ أذهلتِ الجميعَ بل نبّهتِ السيّدَ لُكانَ بنَ كرّامٍ سيّدَ الطائفة. وكان إذا حفّزَ تلاميذه لم ينسَ أن يُثني على جِدِّ عبدِ الرقيبِ وتعبِه. وقَبِلَ الناسُ ذلكَ طائعين؛ إذ لا يَغارُ أحدٌ من موهبةٍ وُلِدَ بها غيرُه. فالطبيعةُ موهوبةٌ قِسمةٌ مُقدّرةٌ من المولدِ، ولا مقالَ فيها. وإنّما يُوجِعُك أن يكونَ غيرُك أوفى موهبةً ثمّ هو أجدُّ منك سعيًا. وفرحَ نُعيمُ بنُ تَيْمٍ كثيرًا، وتحدّثَ طويلًا ليلًا في دارِ عبدِ الرقيب
اقرأ المزيد

الفصل 78

نالَ عبدُ الرقيبِ الليثيُّ في أوّلِ امتحانِ الدُّخولِ قصَبَ السّبقِ بلا مُنازِع. وفي هذه الأيّامِ كان نُعيمُ بنُ تَيْمٍ يطوفُ في الطائفةِ مرارًا يَلتَمِسُ عبدَ الرقيب. فقد خشيَ في مثلِ هذا الوقتِ أن يعجَلَ إلى طورِ التأسيس. "آهِ… وأينَ لي أن أفكِّرَ في التأسيس…" "إنّ نَفَسَ السّماءِ والأرضِ اللازمَ لخرقِ العاشرِ من طورِ التهذيبِ عظيمٌ جدًّا." وفي الخلوةِ أسلمَ عبدُ الرقيبِ زفرةً خفيّة. وكان حقلُ الطّاقةِ عندَهُ إذ ذاكَ فسيحًا كالبحيرة. فلو حوسِبَ على قَدَرِ الجذرِ السماويِّ لكانَ ما يَسَعُهُ حقلُه من قُوّةِ الجوهرِ أضعافَ ما يَسَعُ غيرَه! أي إنّه إن أرادَ الآنَ خرقًا آخرَ وتوسيعًا لحقلِه. فمجموعُ ما يَحتاجُهُ من نَفَسٍ يُماثِلُ ما يبلغُهُ زاهدٌ في التأسيسِ إلى أواخرِه. ثمّ مضى إلى الطائفةِ فحوّلَ جميعَ نقاطِه أحجارَ رُوح. ثمّ لم يبقَ إلاّ سُآمُ الزكاةِ وطولُها. وبعدَ عشرينَ يومًا كاملةٍ غمرَ غبارُ أحجارِ الرّوحِ ما حولَ تلكَ الهيئةِ في الخلوة. فجأةً! اندفعتِ الأنفاسُ في الخلوةِ كالدُّوّامةِ إلى عبدِ الرقيب. ومع شهيقِه وزفيرِه وقعَتْ طَقّةٌ خفيفة. دَوِيّ! وفاضَ على جلد
اقرأ المزيد

الفصل 79

بلْ إنّه يَعلمُ أنّ "مَن حملَ جوهرةً كان إلى السَّلبِ أدنى". ولو رصده سُلطانٌ أشدُّ بأسًا لَمَا دَرَى كيفَ يهلك. فلذلك يطوي هذا الأمرَ في صدرِه ولا يُسِرُّ به إلى أحد. القاعةُ العظمى لذُروةِ الرَّعدِ السماويّ. كان عبدُ الرقيبِ يَحسَبُ أنّ أمرًا جللًا وَقَع، فإذا هو وحدَه لا غير. وما إن رآه نُعيمُ بنُ تَيْمٍ حتى بُهِتَ قليلًا، ثمّ خفَّ إليه في لَحْظة. وقال بلهفةٍ: "أخرقتَ طورَ التأسيس؟" وقبلَ جوابِه كان نُعيمٌ قد تفحّصَه دائرةً وقال مُسارًّا: "لا… أليس هذا بَعدُ في العاشرِ من طورِ التهذيب…" "أَهْ؟ أَخَطِئُ الإحساس؟" فحكَّ عبدُ الرقيبِ رأسَه حرجًا وقال: "ما خرقتُ التأسيس، غيرَ أنّي… لاح لي أمرٌ، ولا أدري لِمَ شعرتُ أنّ حقلَ الطّاقة قد اتّسعَ قليلًا". فاسودَّ لونُ وجهِ نُعيمٍ قليلًا عندَ سماعِه. والحقُّ أنّه لا يدري أيَّ تلميذٍ هذا الذي أخذه. فمنذُ أربعةِ أشهرِ الدُّخولِ والمراتبُ تَعلو عندَه سِراعًا. وكان على قُربٍ أن يرى تلميذَه أسرعَ من بلغَ التأسيسَ في طائفةِ سيفِ الصَّيفِ الأكبر. فكيفَ عادَ الأمرُ فجأةً إلى هذا؟ ثمّ سَمِعَ نُعيمٌ من فُطَيْمَةَ أنّ على جسدِه آثارَ غَسْل
اقرأ المزيد

الفصل 80

مع بُكرةِ اليومِ الثاني استيقظَ عبدُ الرقيبِ كعادته من الزكاة. وكانتْ منزلتُه قد رَسَخَتْ رسوخًا تامًّا في الحاديَ عشرَ. وهذا الإحساسُ بالقُوّةِ أغراهُ أيّما إغراء. وأخرجَ سيفَ العُدَدِ الذي أُهدي إليه بالأمس، فشَعَرَ عندَ جريانِ القوّةِ أنّه أَمْضى كثيرًا من سيوفِ الحديد. ثمّ كرّرَ صيغَ السيفِ عشراتِ المرّاتِ حتّى نَفِدَ آخرُ ما عندَه من جُهدٍ فترك. وكانتِ القُرونةُ في يدهِ اليسرى أغلظَ من اليُمنى. وبمَفْرِقِ الإبهامِ من اليسرى جُرْحٌ قديمٌ تكرّرَ انشقاقُه فصار قَرْنةً. ووقفتْ روحُ السّيفِ عن يمينِه تتفرّجُ عليه مُتلاعبةَ الطّرْفِ، تُدلي بين حينٍ وحينٍ بكلمةٍ أو كلمتَيْن. فلمّا أضاءَ الصُّبحُ تمامًا رتّبَ أمرَهُ ونهضَ قاصدًا ذُروةَ السيفِ السماويّ. وكان في السّاحةِ الفسيحةِ نفرٌ قليلٌ لا غير. فلمّا دنا أبصرَ وجوهًا يعرفُها. كانَ سَهْلُ بنُ رِفادةَ من قِمّة التراب السماوي يُلوِّحُ بيده نحوَ عبدِ الرقيبِ الليثي، وعلى وجهِه أماراتُ السعادة. وعلى شَفَةِ آخرَ بَسْمةٌ خفيّة. "ألم أقلْ إنّي راهنتُ صوابًا — والباقي واحدٌ، ولا يكونُ إلاّ أنت." ولم يحتجْ عبدُ الرقيبِ إلى عينِ القل
اقرأ المزيد
السابق
1
...
5678910
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status