جميع فصول : الفصل -الفصل 90

100 فصول

الفصل 81

"لعلّكم قد أدركتم عَجائبَ قصرِ الحُلْمِ العُلويّ." فقال عبدُ الرقيبِ مُتردِّدًا: "يا الشيخَ غَيْث، إن كان قصرُ الحُلْمِ العُلويّ بهذه العَجائبيّة، أَلا يُغري أطماعَ سائرِ الناس؟" فابتسمَ غَيْثٌ وقال: "سؤالُكَ على غيرِ وجهِه، لأنّ لهذا السِّرِّ علّةً." "وهي أنّ هذا المخبإَ لا يدخُلُهُ إلا أبناءُ طورِ التهذيب، وما يُستَخْرَجُ منه في كلِّ مرّةٍ قلّ أن يعلوَ ذُروةَ الجُمانِ الذّهبيّ." "فهو إذن قليلُ الجدوى لأهلِ المراتبِ العُلا." "ولكنّه موضعُ ابتلاءٍ صالحٌ لأبناءِ الطائفة، وخطرُهُ دونَ ذلكَ بكثير." فأومأ عبدُ الرقيبِ إيماءةَ الفَهْم. "فلذلكَ لم يُنازِعْهُ أحدٌ — لقِلّةِ الغَناء…" وفي تلكَ السّاعةِ دوّى صوتُ روحِ السّيفِ في خاطرِ عبدِ الرقيب. "أوه؟ مقامُ المِئةِ الوِصالِ الصغير — طريفٌ." فسألَهُ بلسانِ القلب: "وما مقامُ المِئةِ الوِصال؟" فأتاهُ صوتُها الوادعُ: "هو نفسُ ما تسمّونه قصرَ الحُلْمِ العُلويّ." "أثرُ قُدرةٍ لِعالٍ من أهلِ العالمِ العُلويّ خلّفَ مثلَ هذا السِّرّ." "فتنجذبُ هذه الأسرارُ طبعًا إلى فُتاتِ الفضاء في العدمِ فتتّصلُ بها." فعقَدَ عبدُ الرقيبِ حاجبَيْه؛ وإن
اقرأ المزيد

الفصل 82

غَيْثُ اللُّجّيّ بوجهٍ جَمْديٍّ بَسَطَ كفَّه وزجرَ في الفضاء: "رُقيةُ الرُّوح! مائتانِ واثنتانِ وثمانونَ سوطُ الرَّعد!" "طَقّ!" فسوطٌ أُرْجُوانيٌّ مُتَقَرْقِعٌ هَوَى بغيرِ إشفاقٍ على وجهِ المُتَلَفِّظِ! "دَوِيّ!" فاجتاحَه بأسُ السوطِ فرُفِعَ عشرة أذرع وطُرِحَ، وتشقّقَ خدُّهُ واسودَّ حَرْقًا! أشارَ إلى غَيْثٍ وهَيَجُ الدمِ يغلي، وأصابِعُهُ ترتعشُ رجفًا. فطوى غَيْثٌ السوطَ ومضى بالرفقةِ مُجتازًا جانبَه. "مأمورٌ حقيرٌ من جزيرةِ التِّنينِ الأزرق، ويجترئُ أن يُسرفَ في الهُجْرِ عليّ!" "هَه! هذهِ وَقْعةٌ تُؤدِّبُكَ، لئلّا تُجرِمَ فاكَ بعدَ اليوم." فاقشعرَّ وجهُهُ قُبْحًا ولم يَسَعْهُ نُطْقٌ. ونظرةُ المرأةِ أوحتْ إليه: إنْ يزدْ لفظًا واحدًا بادرتْهُ باليَد! حتى إذا بَعُدَ عبدُ الرقيبِ ومن معهُ، تجرّأ فنهضَ يَسُبُّ غيظًا. "يا خبيثة! إذا دخلوا قصرَ الحُلْمِ العُلويّ فاحتالوا على قتلِهم!" وكان عبدُ الرقيبِ في آخرِ الصفِّ، فلما سمعَ تبسّمَ باردًا. "هَه، يقتلونَنا؟" سرعانَ ما استقبلَهم أهلُ جبلِ السَّنَد. وكان تلامذةُ الجبلِ في لِباسِ الطائفةِ الصُّفْرِ قد انتظروا هاهنا. فلما رأى ش
اقرأ المزيد

الفصل 83

"باركَ اللهُ لكم جميعًا في حُسنِ العاقبة!" هُمْ! فلمّا استقرَّ شقُّ الفضاءِ تمامًا، وثبَ القومُ طيرانًا وتعاقبوا دخولًا إلى السِّرِّ. وقال غَيْثُ اللُّجّيّ خافتًا: "ادخلوا أنتم أيضًا." فهزَّ عبدُ الرقيبِ رأسَه يسيرًا وقادَ أصحابَهُ اندفاقًا إلى الداخل. وكان اختراقُ السِّرِّ كأنّ الجسدَ قد غُمِسَ في الماءِ، والعقلُ يَغِيبُ قليلًا. شِحّ شِحّ شِحّ! وانبعثَ الصَّفِيرُ القاطعُ مُتتابعًا! طَقّ طَقّ طَقّ! وخاوى ما تحتَ قدمَيْ عبدِ الرقيبِ فهبطَ الجسدُ بغتةً! وفي الآنِ نفسِه سَلَّ السيفَ في لَحْظةٍ فقطعَ الأسلحةَ الخفيّةَ المُندفعةَ أمامَه! "احذروا جميعًا!" سَرْسَرَةٌ سَرْسَرَةٌ سَرْسَرَةٌ! وهوَوْا من علوٍّ يقاربُ مائة ذراع، فتجمّدَتْ على الوجوهِ أماراتُ الجِدّ. ولم يَكَدْ عبدُ الرقيبِ يَمَسُّ الأرضَ حتى انطلقَ جسدُهُ اندفاعةً. ولقد سمعوا عندَ آذانِهم دَوِيًّا كاتمًا، وإذا بالأرضِ عند قدمَيْه قَدِ انخسفتْ قليلًا. واندفَعَ كالفهدِ في لَحْظةٍ. وسارَ قيسُ القُنَنِ بسيفِه، وأجرى طريقةَ السَّيْرِ مُتَّبِعًا أَثَرَه. وأخذَ الثلاثةُ الباقونَ أسلحتَهم وأحدّوا الأطرَافَ حذرًا لما حولَ
اقرأ المزيد

الفصل 84

كانت رَبابُ قد جَمُدَتْ فوقفَتْ مكانَها لا تَتَحَرّك. "بَخّ!" وفي تلكَ اللَّحظةِ الحرِجةِ قَبَضَتْ كفٌّ على نَصْلِ الخنجرِ قبضًا مُحْكَمًا! وجَرَى الدمُ من كفِّ عبدِ الرقيبِ، ومشى بغيرِ تبدُّلِ وجهٍ إلى أمامِ رَبابَ، ثمّ قلبَ الخنجرَ ورماهُ عائدًا. "دَوِيّ!" فنفذَ الخنجرُ كفَّ الشابِّ وثبّتَهُ بالأرضِ تثبيتًا. وحدّقَ عبدُ الرقيبِ بعينَيْه السّاكنتَيْنِ في رَبابَ، غيرَ مُباليَ بصفرةِ لونِها وقال غليظًا. "هذهِ مرّتُكَ الوحيدةُ التي يجوزُ لكِ فيها الرِّقّةُ؛ لأنّي أنا أحتملُ وَبالَها." "فإنْ عادَ مثلُها ألقيتُكِ وخَلّيتُكِ وهَلَكَتِك." "وأقولُ لكِ: ما دامَ السرُّ قد قُرِّرَ فيه لا يُسألُ فيه عن الحياةِ والموت، فلا تَحْسِبِيهِ لَعِبًا!" "النَّفْسُ واحدةٌ! ولا أرتضي أن يحملني رقيقُ القلبِ عِبْئًا!" "بَخّ!" فلما قالَ ذلكَ لَمَعَ السيفُ في يدهِ لَمْعةً، فإذا فتى بابِ السُّبعِ أوتار جُثّةٌ بلا رأس! وأتمَّ عبدُ الرقيبِ ذلكَ بوجهٍ لا يتغيّرُ وقال: "لنُسْرِعِ الرَّحيلَ؛ فقومُهُ سيَهتدونَ إلى الموضعِ عن قريب." ثمّ أخَذَ كيسَ الحِفظِ ورُقيمَ الهُويّةِ من على القتيلِ كِلَيْهِما. وكانَ
اقرأ المزيد

الفصل 85

‎حتى هو لم يقدرْ إلّا على دفعِه دفعًا، فطُرِحَ بعيدًا نحوَ عشرة أذرع. وقبلَ أن يستقيمَ قائمُهُ كان عبدُ الرقيبِ قد أَلْفاهُ على حينِ غِرّة! وسرّعَ قوّةَ الجوهر في قدميه فصارَ عَدْوُهُ كعصفِ الرّيح. "بَخّ!" وتخالفتِ السيوفُ، فانغرسَ حدُّ سيفِه في صدرِ خصمِه! وأصابَ سيفُ الخصمِ عاتقَه. ولم يتغيّرْ لونُ عبدِ الرقيبِ، وانعطفَ في لَحْظةٍ إلى ساحةِ سَهْلٍ. وكان سَهْلٌ ورَبابُ لم يَقْتُلا قطّ، فكانا وهما اثنانِ لا يزيدانِ على أَنْ يُحْكِما عليه الطَّوْق. فلمّا رأى الثاني صَرْعَ أخيهِ اضطربَ اضطرابًا شديدًا. "أنا من أبناءِ البابِ الداخليّ في بابِ السُّبعِ أوتار! لا يحلّ لكم قتلي!" فلمّا قالَ ذلكَ وَهَتْ في يدَيْ سَهْلٍ ورَبابَ قبضتاهما. "سوءٌ!" واندفَعَ عبدُ الرقيبِ إليهما في لَحْظة. وفي تلكَ الأثناءِ كان قيسٌ ومُنذِرٌ قد أقبلا من الخلف، فلمّا أبصرا الحالَ عجزا عن حيلةٍ تُدْرِك. وكان في يدِ الخصمِ حبتانِ أرجوانيّتانِ قاتمتان! فعندَ العَجَلَةِ رمى عبدُ الرقيبِ سيفَهُ دفعةً! فانطلقَ السيفُ مُشْحَنٌ ببأسِ الرعد كالشعاع. "بَخّ!" فخرقَ السيفُ هامَتهُ، وكان بينَ حدِّه وبينَ وجهِ رَ
اقرأ المزيد

الفصل 86

تَعَالَتْ زئيرُ الوحوشِ الروحيّةِ مُتتابعةً فملأتْ أسماعَ القوم. فأشارَ عبدُ الرقيبِ بيدهِ مُسْرعًا إلى القومِ أن يقفوا. وكانوا إذ ذاكَ عندَ حافّةِ الغابة، وخارجَها مرجٌ ناضرٌ وجبالٌ شامخة. وبرزَ أمامَ عبدِ الرقيبِ سِترٌ ضوئيٌّ رقيقٌ كأنّه شِفّاف. وحولَ ذلكَ البركانِ العظيمِ كان أبناءُ طائفةِ سيفِ أُلوفِ الخالدين ورَواقِ سيفِ الأُفُقِ الأُرجوانيّ يَفِرّونَ في كلِّ وجه. وكان خِيزُرانُ الزاهريّ في يدهِ عُشْبةٌ روحانيّةٌ ذاتُ هيئةٍ نادرة. أوراقُها كقوادمِ الحافر، وأصولُها سوداءُ قاتمةٌ، وحولَها وميضٌ ورديٌّ خافتٌ يتلألأ. وفي أيدي أبناءِ الرَّواقِ كذلك عِدّةُ أعشابٍ روحانيّة. "جذرُ مَطَرِ الأشباح، وفُطْرُ السِّرِّ الأُرجوانيّ!" فعَجِبَ عبدُ الرقيبِ لظهورِها، فكلُّها ذخائرُ أرضٍ وسَماءٍ من الدرجةِ الثانيةِ في غايتِها. غيرَ أنّ أشدَّ ما شغلَهُ ما هناكَ من دابّتَيْنِ عظيمتَيْنِ من الوحوشِ الروحيّة. خُفّاشٌ مُظْلِمٌ بَسْطُ جناحَيْهِ نحوُ ستين ذراعًا، وقِرْدٌ شيطانيٌّ حُمْرُ الحدقِ طولُهُ نحوُ عشرة أذرُع! ولم يَنْوِ عبدُ الرقيبِ أن يُصادِمَهما الآنَ مُصادَمةً صُراحًا. فبحسبِ أجسامِ
اقرأ المزيد

الفصل 87

تَمَدَّ الكَهفُ طولًا وعرضًا نحو ثلاثين ذراعًا لكلٍّ منهما، وأرضُهُ بالغةُ البللِ كأنّك تطأُ وحلًا فاسدًا. وكانتِ الرائحةُ الزُّفْرَةُ تملأُ الجوَّ كسمكةٍ قد ماتتْ منذُ حينٍ وتعفّنت. فقبضَ عبدُ الرقيبِ حاجبَيْه، وأطلقَ عينَ القلبِ والإدراكَ الرّوحيَّ حتى بانَ له ما في الجوفِ كلُّه. غيرَ أنّهم كانوا قد تَغَلْغَلوا مسافةً تَزيدُ على ألف ذراع، وكلّما تعمّقَ اشتدَّ خفقانُ قلبِه. وكلّما امْتَدُّوا قلّ زمانُ فِرارِهم إن هم أرادوا الرّجوع! وقَلَّتِ الحرارةُ حولَهم قليلًا قليلًا حتى صارتْ باردةً. وطلعَ ضياءٌ يسيرٌ من أمامِهم، وانكشفَ فضاءٌ داخليٌّ فسيحٌ نحوَ مائة ذراع. وإذا عُشّانِ عظيمانِ من العُشبِ مُقابلًا لوجوهِهم. فانْتَشَروا يَلْتَمِسونَ الذخائر. فصاحَ مُنذِرٌ بفرحٍ: "قَسَمًا! ههنا بُقعةٌ واسعةٌ من عُشْبِ الوادي الزُّمُرّدِيّ! وهو من أجودِ موادِّ صَنْعِ «إكسيرِ التأسيس»!" "وأقلُّهُ مِئَوِيُّ السنين!" ثمّ أقبلَ يَحْصِدُهُ حَصْدًا. وأمّا عبدُ الرقيبِ فقالَ: "فأينَ ذاكَ الذي وعدتِني به؟" ولقد علمَ أنّ روحَ السيفِ لا تلتفتُ لمثلِ هذا وحدَه. فقالتْ روحُ السيفِ خافتةً: "أرأيتِ ا
اقرأ المزيد

الفصل 88

ثمَّ اتّخذَ عبدُ الرقيبِ في لَحْظةٍ عَزْمَه! "اهربوا! ارجعوا عَوْدًا!" وفي تلكَ السّاعةِ أخرجَ الرُّقيمَ اليَشبيَّ وقالَ بصوتٍ مُنْخَفِضٍ: "يا رَباب، أعلمينا آنًا بآنٍ أين بلغتِ تلكَ الدابّتان!" "عَجِّلوا!" شَحّ! واندفعتْ أبدانُ القومِ عَدْوًا حتّى بلغوا غايةَ السُّرعة. وفي الآنِ نفسِه بدّلَ عبدُ الرقيبِ ثيابَهُ المُبتلّة. وكان صوتُ رَبابَ يتتابعُ من الرُّقيم. "بلغتْ نحوَ ثماني مائة ذراع!" وكان بينَ القومِ وبينَ فمِّ الكهفِ نحوُ ألفٍ وخمس مائة ذراع! "نحوُ ستمائة ذراع!" "نحوُ ثلاثمائة ذراع!" وقد بلغوا ذروةَ العَدْوِ، وجعلَ عبدُ الرقيبِ إدراكَهُ الرّوحيَّ يَمسحُ ما فوقَ الرؤوسِ سريعًا! "نحوُ مائة ذراع!" وحتى إنّهُ ليسمعُ خَبْطَ الأرضِ الخفيَّ. وكان بينهم وبينَ فمِّ الكهفِ منعطفٌ واحدٌ لا غيرُ، ولا يفصلُهم عنهُ إلاّ نحوُ ثلاثمائة ذراع. فتوقّفَ لَحْظةً وأرسلَ إلى السّمع: "إلى سَقْفِ الكهف!" ففَهِمَ قيسٌ مرادَهُ، وفي لَحْظةٍ تسلّقوا السَّقْف. وزلّتْ قدمُ مُنذِرٍ فهَوَى قدرَ عشرة أذرُع. فأسندَ عبدُ الرقيبِ قدمَهُ ودفعَهُ دفعةً شديدةً حتى علا. "لقد دخلوا!" وقد ولجَ القِرْ
اقرأ المزيد

الفصل 89

بلغتْ سرعةُ القومِ غايتَها، فخرجوا أخيرًا من جوفِ الكهف. وما إن برزوا حتى أبصروا رَبابَ، فلم يمهِلْهم عبدُ الرقيبِ وقال صائحًا: "امضوا! إلى الجهةِ المعاكسة!" فلم يقفِ الخمسةُ طرفةَ عينٍ، بل داروا حولَ الجبلِ واندفعوا من خلفِه عَدْوًا. وحين بلغَ عشرةٌ من أبناءُ طائفةِ سيفِ أُلوفِ الخالدين ورَواقِ سيفِ الأُفُقِ الأُرجوانيّ فمَ الكهفِ، لمحوا ظلالَ القومِ. فعقَدَ خِيزُرانُ الزاهريّ حاجبَه، وقال في سرِّه: "كيفَ يخرجُ أبناءُ طائفةِ سيفِ الصَّيفِ الأكبر من هذا الكهف؟" "غَرْر!" فإذا هما دابّتانِ كالمجانينِ من شدّةِ الغضب؛ وما إن رأتاهُم حتّى ابتدأتا شَدًّا أشدَّ من أوّلِه. وظلّ القومُ يعدونَ نحوَ الشمالِ، حتى إذا لا يدرونَ كم مضى عليهم، جرَوا قرابةَ ثلاثين ألف ذراع ثمّ وقفوا. فخرُّوا على الأرضِ إعياءً، وقد استُنفِدَتِ القُوى الروحيّةُ من أبدانِهم حتّى كادتْ. ونظرَ قيسُ القُنَنِ وهو يلهثُ إلى عبدِ الرقيبِ وهو على سَجيّتِه، وتمتمَ: "واللهِ إنّه لَمَخلوقٌ عجيب!" وحضَّ عبدُ الرقيبِ القومَ على اغتنامِ الوقتِ لاستجماعِ القوّةِ، ثمّ قالَ خافتًا: "نِلْتُ من تحتِ الغديرِ شيئين." وكان سَهْلٌ
اقرأ المزيد

الفصل 90

جرى القومُ زمنًا طويلًا حتى لاحَ لهم ذلك الطَّوْرُ العظيمُ من الطائفة. وكانتْ سعتُهُ تُقارِبُ مائة ألف ذراع في كل اتجاه، كأنّه مدينةٌ هائلةُ الأسوار. غيرَ أنّ الأُذُنَ عادتْ تسمعُ لَغَطًا يثورُ قريبًا. فرفعَ عبدُ الرقيبِ يدَهُ آمرًا بالسكون، وتوارى وراءَ صخرةٍ ثمّ أطلَّ بناظرِه. فإذا ستٌّ أو سبعٌ من دوابّ الطورِ الأوّلِ تُحاصِرُ فِتيةً في حُلَلٍ تُرابيّةِ اللون. فعقدَ حاجبَيْه — إنّهم أبناءُ جبلِ السَّنَد. ولعلّهم نالوا خيرًا فافتضحَ أمرُهم للدوابّ. وقد جُرِحَ اثنانِ منهم؛ وعلى هذا لن يثبتوا طويلًا. ووازنَ عبدُ الرقيبِ في صدرِه الربحَ والخَسْرَ، ثمّ عزمَ على النجدة. فقال قيسٌ خافتًا: "أتبادرُ إلى عونِهم يا عبد؟" فقال عبدُ الرقيبِ مسرعًا: "لا بُدَّ من العون؛ لا لِوُدٍّ خاصٍّ بينَنا وبينَ جبلِ السَّنَد. لقد قتلنا من بابِ السُّبعِ أوتار. وطائفةُ سيفِ أُلوفِ الخالدين ورَواقُ سيفِ الأُفُقِ الأُرجوانيّ قد ظَهَرَ تَحالُفُهما، وأهلُ جزيرةِ التِّنينِ الأزرق شَجَرونا أوّلَ قدومِنا. فالساعةَ نحتاجُ حليفًا لنا كذلك!" فهزُّوا الرؤوسَ إقرارًا؛ إذْ ليس عبدُ الرقيبِ مُعْجَبًا بنفسِه، بل
اقرأ المزيد
السابق
1
...
5678910
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status