Share

الفصل 10

Author: قيد على الحسن
عندما عاد عمر إلى الغرفة، كان وجهه الوسيم البالغ الدقة باردًا للغاية، فعرفت ليلى أنه لم يتفاهم مع تلك ياسمين، كما أن ضيقه من ياسمين لم يحاول إخفاءه.

أما رنا فبدت شاردة الذهن قليلاً، وقالت: "أخي، هل قالت لك شيئًا؟ مثلاً كلامًا سيئًا عني..."

رفع عمر نظره إليها وسألها: "هل فعلتِ ما أغضبها؟"

أجابت وهي تمسك عصيرها بتذمر: "لا طبعًا، أنا لست متفرغة لهذا الحد!"

دخل إياد، وألقى نظرة على عمر، لكنه لم يعلّق على ما حدث قبل قليل في الخارج، حتى لا تكون ليلى غير سعيدة، فليس سهلاً على أي امرأة أن ترى امرأة أخرى تلقي بنفسها في أحضان رجلها.

ضحك فارس وقال: "لماذا تسأل أختك؟ المسألة أن ياسمين تجاوزت الحدود، بل حتى تبعتك إلى هنا. قبل أن تثير المشاكل، كان عليها أن تعرف قدر نفسها."

أشعل إياد سيجارة وقال: "من الواضح أنها حتى لو طلبت الطلاق، فلن تكف عن ملاحقتك. عليك أن تكون مستعدًا نفسيًا يا عمر."

لم يرد عمر، بل ظل وجهه باردًا، ثم صبّ فنجان شاي لليلى.

اكتفت ليلى بابتسامة هادئة، لم تُعلّق ولم تُبدِ موقفًا، وكأن الأمر لم يستحق اهتمامها.

أما رنا، فشعرت للحظة بالذنب، لكنها سرعان ما غيّرت تفكيرها.

حتى لو لم يكن بسببها، فإن ياسمين بطبعها المتذلل، كان من الممكن أن تفعل مثل هذا وتأتي بنفسها.

فلماذا تبرر إذن؟

أليست ياسمين امرأة بلا قيمة في الأصل؟

هل يهم إن أساء الآخرون فهمها أم لا؟

بهذا التفكير، ارتاحت رنا واطمأنّت، ثم عادت تتحمس في الحديث مع ليلى عن أحوال جامعة الجمال.

حددت ياسمين موعدًا مع طبيبها المعالج يوم الاثنين المقبل لمناقشة خطة العلاج التحفظي.

وفي صباح الجمعة، أرسلت سارة لها رسالة تخبرها أن وائل سيحضر بعد الظهر مسابقة التحكم في الطائرات دون طيار.

وكان من المفترض أن تحضر سارة بصفتها أحد كبار المساهمين، لكنها أعطت بطاقة الدعوة لياسمين، لتمنحها فرصة للقاء وائل وتخفيف التوتر بينهما.

تأثرت ياسمين وشعرت بالذنب.

لقد أخطأت في الاختيار، وأضاعت وقتًا طويلاً وخيبت آمال الكثيرين، فضميرها لم يكن مرتاحًا.

في العاشرة صباحًا، قدّمت طلب استقالتها، وكان عليها أن تجهز لتسليم مهامها.

فهي رأت أن هناك من هو مناسب ليحل محلها في قسم العلاقات العامة، فسلمت له كل ما يخص عملها بلا تحفظ.

قال نائب المدير بأسف: "المديرة ياسمين، هل أنتِ حقًا راحلة؟"

"نعم."

كان النائب معجبًا بها، فهي رغم برودها الظاهر، إلا أنها إنسانة طيبة. فسألها: "كنتِ متعبة في الفترة الأخيرة، هل أجريتِ فحوصات؟ هل رافقك زوجك؟"

ترددت قليلاً وقالت: "أجريت الفحوصات، لا شيء خطير."

لكنها لم تذكر شيئًا عن مرافقة زوجها، فهي تعلم أنه حتى لو كانت على شفير الموت، فلن يتكلف عمر عناء الاهتمام بها.

ابتسم النائب براحة وقال: "ألم تكوني تحضرين الغداء لزوجك كل يوم؟ اليوم لن تذهبي؟"

الجميع في القسم يعرف أنها الزوجة المثالية.

كانت تقول إن زوجها يعاني أحيانًا من ألم في معدته، ويصعب إرضاؤه في الطعام، لذلك كانت تطهو له بنفسها ثلاث وجبات يوميًا، وتحضرها له وقت الاستراحة.

لكن لم يرَ أحد منهم زوجها حتى الآن.

أي حظ سعيد جعله يتزوج بامرأة مثالية مثلها!

لمع بصر ياسمين للحظة وقالت: "لا، لن أذهب."

ولن تذهب بعد اليوم.

لم يفكر النائب المدير كثيرًا، بل غيّر الموضوع وقال بإعجاب: "وجود زوج جيد يمنح الطمأنينة. أما أنا الآن، فأشعر بأن لكل إنسان قدره المختلف. ليلى، هل تعرفينها؟ انظري إلى هذه الصورة؟"

خفضت ياسمين رأسها لتنظر إلى الهاتف.

في الصورة كان عمر يمسك بيد ليلى، وفي الصورة التالية كان يحملها بين ذراعيه غير مبالٍ بنظرات الآخرين.

قال النائب: "ليلى كانت ترتدي حذاء ضيقًا، فما كان من السيد عمر الراسني إلا أن حملها فورًا إلى الأعلى، وكأنها كنزه الثمين. أليست هذه هي الأميرة المدللة بحق؟"

وأضاف: "من في الشركة لا يغبط ليلى؟ جميلة، متفوقة، تتنافس عليها شركات عالمية، وفوق كل ذلك، لديها رجل قوي مثل السيد عمر الراسني يمهد لها الطريق. أعتقد أنها ستصبح قريبًا سيدة شركة الأفق الأزرق! للأسف أنك سترحلين، وإلا لكان بإمكاننا أن نظهر أمامها لنكسب ودها."

الآن، صار جميع موظفي شركة الأفق الأزرق يعتبرون ليلى بمثابة السيدة المستقبلية للشركة بالفعل.

فالجميع يرى بوضوح أن عمر لا يخفي أبدًا تفضيله لها.

خفضت ياسمين بصرها، وذهبت إلى دورة المياه لتصلح مكياجها وتخفي شحوب وجهها.

لم ترد أن تضيع الوقت.

وبما أن طلب الاستقالة لم يُعتمد بعد، صعدت بالمصعد إلى الطابق العلوي.

التقت بكريم هناك بالصدفة.

فسألته: "أين عمر؟"

تجهم كريم وقال: "هل جئتِ مرة أخرى لإحضار الطعام؟ لم يحن وقت الاستراحة بعد! ألم أقل لكِ يا مديرة ياسمين ألا تزعجي السيد عمر الراسني إلا للضرورة؟"

وسرعان ما أدركت ياسمين سبب نفاد صبر كريم تجاهها.‬
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 30

    أعاد عمر نظره سريعًا، ووضع الملعقة جانبًا ثم نهض قائلاً: "لدي أمر أحتاج إلى معالجته، كُلوا أنتم."لم يلتفت إلى ياسمين مرة أخرى، وصعد الدرج بخطوات واسعة.كانت ياسمين قد التقطت للتو تلك النظرة الغامضة منه، فلم تستطع أن تفهم مقصده، لكن القلق تسلل إلى قلبها.متى ينوي عمر أن يخبر جدته بالأمر؟تمتمت رنا بجانبهما وهي تشد شفتيها: "حتى أخي فقد شهيته، إذن أنا أيضًا لن آكل."ثم ذهبت لتلعب ألعاب الفيديو.أما ياسمين فبقيت هادئة، تكمل طعامها غير مبالية بنظرات الآخرين.فما حاجتها أن تستهلك نفسها داخليًا؟بعد انتهاء العشاء، أمسكت الجدة بيد ياسمين وتنهدت بأسى: "يا ابنتي، عمر بطبعه هكذا، لكنني أعرف أنك مظلومة. اطمئني، فأنا دائمًا في صفك، ولن أسمح له أن يخذلك."نظرت ياسمين إلى ملامح القلق على وجه العجوز، فشعرت بغصة في قلبها. لطالما عاملتها الجدة بحنان، وسعت أن تساعدها على تدفئة قلب عمر، على أمل أن يعيشا حياة مستقرة.لكن...لم يعد بإمكانهما الاستمرار.فهو قد منح قلبه وجسده لامرأة أخرى.وياسمين لم تعد تريد أن تعيش على فتات علاقة باردة.وفوق ذلك، فإن مرضها كقنبلة موقوتة، ولا تريد أن تكون عبئًا على أحد.قالت

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 29

    "أصولك ليست جيدة، وخلفيتك التعليمية عادية جدًا، هل تريدين من عمر أن يقول للناس إن زوجته مجرد ربة بيت؟"قالت شذى بنبرة ممتلئة بالازدراء، وقد بدا عليها النفور الشديد.فهي لا تطيق هذه الكنة أبدًا!لكن في ذلك الوقت لم يكن أمامهم خيار سوى القبول بها، وحتى الآن ما زالت ترى أن ابنها قد خسر كثيرًا بزواجه منها.أما تلك الفتاة ليلى، التي صارت في الآونة الأخيرة قريبة من عمر، فهي على الأقل تليق بالظهور أمام الناس.صحيح أن أصلها لا يرقى إلى مستوى عائلة الراسني، لكن تعليمها عالٍ، وياسمين لا يمكنها أن تضاهيها أبدًا.أدركت ياسمين تمامًا ما يدور في ذهن شذى، فقالت بهدوء: "هذا الأمر الذي يزعجك، لن يطول كثيرًا."عبست شذى وقالت: "ماذا تقصدين؟"وقبل أن تجيب ياسمين، دوّى صوت بوق السيارة من الخارج.دخلت القاعة الرئيسية قامة طويلة شامخة، وألقى عمر بعينيه السوداوين نظرة شاملة على المكان. طوال السنوات الثلاث الماضية لم يكن غريبًا عليه أن يرى أمه وهي تحرج ياسمين، وهي بدورها لا تعترض، بل تظل صامتة مطأطئة الرأس، وكأنها لم تشعر يومًا بالظلم.فلماذا يتدخل إذن؟قال وهو يقترب: "تأخرت بسبب بعض الأمور." ألقى نظره على ياس

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 28

    لم يتكلم إياد، لكن من خلال حديث فارس، وجد نفسه يوافقه بعض الشيء.التفت فارس نحو عمر وقال بثقة: "برأيي، ياسمين في الحقيقة فقط تريد منافسة ليلى، فكل ما تهتم به ليلى، تُبدي هي اهتمامًا به أيضًا. ليلى تهتم بالدرونز، فتتظاهر ياسمين بالاهتمام. ليلى تهتم بوائل، فتذهب ياسمين للعمل في شركة الريادة. الهدف الأساسي هو لفت انتباهك أنت!"كان فارس يعتقد أنه يفهم جيدًا ألاعيب النساء الصغيرة؛ فالمرأة التي لا تجد الحب، لا تكف عن إثارة المتاعب والضجيج.عمر لم يعلّق، لكن هاتفه رنّ، كانت جدة عمر المتصلة. فنهض وخرج ليرد عليها.قال باحترام: "أما زلتِ مستيقظة في هذا الوقت المتأخر؟"تمتمت الحاجة الراسني بغضب: "وأنت؟ ألم تكن مع ياسمين؟"رفع عمر يده إلى جبينه وقال بهدوء: "كنت مشغولًا بالعمل.""كف عن هذا الكلام! لا تظن أنني لم أسمع ما يقال! من هي التي تقترب منك هذه الأيام؟ هل هذا يليق بك؟" قالت الجدة بغضب شديد.رفع عمر عينيه وسأل: "ومن أخبرك بهذا؟""إذن فعلاً هناك امرأة أخرى؟" أصدرت الجدة عدة تنهيدات: "يا إلهي يا عمر! ياسمين فتاة رائعة، وإن خذلتها فلن تسلم من عقاب الله؟!"ردّ عمر بلا مبالاة: "هل الأمر بهذه الخطور

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 27

    شعرت ياسمين بانقباض في صدرها، مزيج من الدهشة وعدم التصديق.وبعد لحظة طويلة تمالكت نفسها وقالت: "بما أن الأمر كذلك، فمتى سنذهب للحصول على..." شهادة الطلاق.لكنها لم تستطع أن تنطق الكلمات الأخيرة.رن هاتف عمر.ألقى نظرة على ياسمين، ثم استدار قليلًا ليرد، وصوته بدا أكثر رقة من المعتاد: "نعم، سأعود حالًا."لم يهتم إن كانت ياسمين ما زالت تريد الحديث، بل استدار فجأة وغادر بخطوات سريعة.بنفس البرود المعتاد في التعامل معها.كانت ياسمين تنوي أن تغتنم الفرصة وتسأله متى يمكن أن يرافقها لرؤية جدتها قمر لتوضيح الأمر،لكنها رأت عمر يهرع بلا تردد نحو ليلى، فصعدت إلى سيارتها.انتهى الأمر.ليكن في المرة القادمة.فهي لم تعد تملك القوة ولا الطاقة لتتشابك معه أكثر.فتحت علبة الدواء، وضعت الحبوب في قارورة زجاجية شفافة، ثم رمت العلبة الفارغة وعادت إلى شركة الريادة للابتكار والتكنولوجيا.لم تخبر ياسمين أحدًا أنها ذهبت إلى المستشفى للكشف، فظنت سارة أنها ذهبت لزيارة خالها، فسألتها عن حاله.تذكرت ياسمين ملامح خالها وهو يتألم، فأغمضت عينيها وهزت رأسها: "ما زال كما هو."تألمت سارة وعانقتها بحزن.فبادلتها ياسمين ا

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 26

    التفتت ياسمين لتقع عيناها على نظرات عمر المليئة بالكآبة. كان يمسك بين أصابعه الطويلة تقريرًا مطويًا، فارتجف قلبها بقوة، وخطفت الورقة من يده دون وعي."هل قرأته؟"نظر إليها عمر بهدوء، متأملًا وجهها الشاحب: "لماذا أنتِ متوترة؟"حين أتى، رآه يسقط من جيبها فالتقطه، ولم يكن قد فتحه بعد.تنفست ياسمين الصعداء قليلًا: "لقد بالغت في التفكير، السيد عمر الراسني."تأملها عمر مليًا وقال: "ياسمين، في الآونة الأخيرة صرتِ تحبين مناداتي بالسيد عمر الراسني."أعادت ياسمين التقرير إلى جيب حقيبتها وقالت: "هل جئت لأمر يخصني؟"لم تفسر له، فقد كانت ليلى قد لمحت لها بهذا الأمر من قبل.وفوق ذلك، هما على وشك الطلاق، ومناداته بالسيد عمر الراسني أنسب."هل تشعرين بوعكة ما؟" لم يشغل عمر نفسه بهذه المسألة، مرّ بعينين باردتين عليها، وكان اهتمامه نادرًا، لكن ياسمين كانت تعرف أن الأمر لا علاقة له بالاهتمام الحقيقي.خاصة بعدما رأت بأم عينها كيف ارتبك لأجل نزلة برد أصابت ليلى، فأدركت أن كلماته معها لا تعني شيئًا سوى مجاملة فارغة.فهو بطبعه لا يمنح قلبه، لكنه يملك قدرًا من التربية تجعله يحافظ على مظاهر اللباقة.كانت ياسمين

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 25

    كان صوت ياسمين هادئًا للغاية، حتى وإن كان الأمر يتعلق بحق الإنجاب، وهو الأهم بالنسبة لأي امرأة، بدت وكأنها لم تعد تكترث.قالت في نفسها: "أبذل جهدي وأترك الباقي لمشيئة الله."كم ستعيش؟ لا أحد يعرف، أما مسألة إنجاب الأطفال فلم تعد تعني لها شيئًا.تفهم الطبيب مشاعر ياسمين، فقال لها: "ومتى تفكرين في بدء العلاج الكيميائي؟ أنصحك ألا تؤجليه أكثر من ثلاثة أشهر."شدّت ياسمين أصابعها وقالت: "حسنًا، سأرتب أموري في أقرب وقت ممكن."وبالنهاية، اتفقت ياسمين مع الطبيب على خطة علاجية تحفظية مؤقتة.تبدأ أولًا بالعلاج الإشعاعي، ثم تتناول دواءً مستوردًا فعّالًا للحد من انتشار الخلايا السرطانية قدر المستطاع.أخذت الوصفة الطبية، لكنها لم تذهب مباشرة للصيدلية، بل غيّرت وجهتها إلي المصحّة خلف المستشفى.فمهما كانت قوتها وعزيمتها، فقد بدت كطفلة تائهة تبحث عن ملاذ أمام شبح الموت.وفجأة أرادت أن ترى خالها، سامر الحليمي.كانت غرفة خالها في الطابق الثاني عشر، وحين وصلت وجدتها خالية.سألت في مكتب الاستعلامات، فأخبروها أنه ذهب للعلاج الكيميائي.فاتجهت إلى الطابق المخصص للعلاج الكيميائي، وبمجرد أن سألت المرافقين، سمعت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status