Share

الفصل 11

Author: قيد على الحسن
خرجت ليلى من مكتب عمر، فتقدّم إليها باقي السكرتيرات باحترام، إحداهن حملت حقيبتها وقالت:

"الآنسة ليلى، السيد عمر الراسني بانتظارك في المطعم لتناول الغداء معه، وقال إنكِ حين ترتاحين سنرافقك إليه."

ثم قدّمت لها كوب قهوة وأضافت: "هذه قهوة حضّرها السيد عمر الراسني لك، لتشربيها في الطريق."

ابتسمت ليلى ابتسامة رقيقة وهادئة، وتقبّلت ذلك الاهتمام وكأنها معتادة عليه.

ثقتها بنفسها وهدوؤها جعلاها تبدو وكأنها بالفعل صاحبة المكان.

الجميع عاملها كأنها السيدة الراسني.

أما ياسمين فقد بدت متفاجئة.

مكتب عمر المليء بالملفات السرية، فتحه لليلى لتستريح فيه، واعتنى بأدق التفاصيل.

بينما في البيت، حتى مكتبه الخاص، لم يسمح لها بالدخول طوال ثلاث سنوات.

الحب أو عدمه...أحيانًا لا يحتاج إلى تأكيد متكرر.

أبدى كريم امتعاضه من قلّة فطنة ياسمين، فنبّهها: "المديرة ياسمين، لو سمحتِ ابتعدي قليلًا، أنتِ تحجبين طريق الآنسة ليلى."

عضّت ياسمين على شفتيها، ورغم أنها لم تعد تكترث، إلا أن هذا التفاوت في المعاملة وخز قلبها، مذكّرًا إياها بأنها قضت ثلاث سنوات دون أن تُرى أو تُقدّر.

خفضت رأسها وتراجعت جانبًا، ثم التفتت إلى كريم قائلة: "إذا أنهى عمر عمله، هل يمكنك أن تذكّره من فضلك أن يوافق على طلبي بالاستقا..."

"عمر؟"

عندما وصلت ليلى إلى باب المصعد، بدا وكأنها لم تنتبه إلى وجود ياسمين إلا بعد سماعها تلك الكلمة.

نظرت إليها بهدوء وسألت وكأنها تفكر: "هل هي أيضًا موظفة في الشركة؟"

تجهم وجه ياسمين قليلًا، فليلى تعرف من هي، لكن ربما لا تدري أنها تعمل في شركة الأفق الأزرق.

تقدّم كريم وقال: "نعم، هي المديرة ياسمين من قسم العلاقات العامة."

أعادت ليلى نظرها، وقالت ببرود: "ليس غريبًا إذن."

ليس غريبًا أن قسم العلاقات العامة لم يرغب في التعامل مع أزمتها الإعلامية.

وحين عرفت أنها ياسمين، بدا الأمر منطقيًا.

ثم سحبت نظراتها جانبًا، ابتسمت بخفة وقالت: "يبدو أن أجواء شركة الأفق الأزرق مريحة جدًا، حتى إن الموظفين ينادون الرئيس باسمه مباشرة."

كانت كلماتها موجهة إلى الجميع، لم تكن موجّهة لياسمين بالتحديد.

تغيّر وجه كريم قليلًا.

أما ليلى فدخلت المصعد غير عابئة بالموضوع.

لكن كريم، قبل أن تُغلق الأبواب، التفت نحو ياسمين وقال: "ألا تعرفين الأصول يا مديرة ياسمين؟ شركة الأفق الأزرق ليست ورشة صغيرة. رجاءً توقفي عن هذه التصرفات، فمناداتك المستمرة باسم السيد عمر الراسني قد توحي للآخرين أن بينكما علاقة خاصة!"

ثم أضاف: "من الآن فصاعدًا، ناديه بالسيد عمر الراسني! إلا إذا كنتِ ترغبين فعلًا أن تُطردي!"

تجهم وجه ياسمين. في الماضي، كانت تلبي كل ما يطلبه عمر، حتى صار لا يأخذ طلب استقالتها على محمل الجد، ولا أحد من حوله أيضًا.

كانوا جميعًا يظنون أنها فقط تحاول لفت انتباهه.

أما ليلى، فلم تضعها في حسبانها قط.

ولم تخف يومًا من أن تفضح العلاقة أمام الآخرين، ولماذا؟ لأنّ ثقتها نابعة من كونها هي المحبوبة!

حتى لو افتضح الأمر، فلن تكون الفضيحة إلا عليها هي، "التي صعدت إلى السرير لتفرض الزواج" و"التي فرّقت بين عاشقين"!

بعد الظهر.

جمعت ياسمين أغراضها، ولم تنتظر قرار عمر.

سبقت الجميع ووصلت قبل الخامسة إلى موقع مسابقة التحكم بالدرونز.

وبفضل بطاقة الدعوة من سارة، دخلت بسهولة.

وكان حظها جيدًا، فما إن دخلت حتى رأت وائل محاطًا بمجموعة من الشخصيات البارزة.

حين وقعت عيناه عليها، تغير وجهه فجأة، وتجاهلها كأنه لم يرها، واستمر في حديثه مع الحاضرين.

ترددت ياسمين ولم تجرؤ على الاقتراب حتى لا تزعجه.

تجولت قليلًا في المكان، فالمسابقة كانت ضخمة، وحضرها كبار الشخصيات في المجال.

أما وائل، كأصغر نجم صاعد في مجال التكنولوجيا المبتكرة، فكان محط الأنظار.

شعرت ياسمين بالفرح لأجله.

بعد نصف ساعة تقريبًا، تعبت ولم تعد كما كانت من قبل، فاضطرت للجلوس قليلًا.

وفجأة توقفت أمامها حذاء جلدي لامع. رفعت رأسها لترى وائل واقفًا بوجه متجهم وعينين غاضبتين، وقال ساخرًا:

"هاه؟ أسيرة الغرام لم تعد منشغلة بحبها الأعمى؟ هل قررتِ تغيير مهنتك؟"‬
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 30

    أعاد عمر نظره سريعًا، ووضع الملعقة جانبًا ثم نهض قائلاً: "لدي أمر أحتاج إلى معالجته، كُلوا أنتم."لم يلتفت إلى ياسمين مرة أخرى، وصعد الدرج بخطوات واسعة.كانت ياسمين قد التقطت للتو تلك النظرة الغامضة منه، فلم تستطع أن تفهم مقصده، لكن القلق تسلل إلى قلبها.متى ينوي عمر أن يخبر جدته بالأمر؟تمتمت رنا بجانبهما وهي تشد شفتيها: "حتى أخي فقد شهيته، إذن أنا أيضًا لن آكل."ثم ذهبت لتلعب ألعاب الفيديو.أما ياسمين فبقيت هادئة، تكمل طعامها غير مبالية بنظرات الآخرين.فما حاجتها أن تستهلك نفسها داخليًا؟بعد انتهاء العشاء، أمسكت الجدة بيد ياسمين وتنهدت بأسى: "يا ابنتي، عمر بطبعه هكذا، لكنني أعرف أنك مظلومة. اطمئني، فأنا دائمًا في صفك، ولن أسمح له أن يخذلك."نظرت ياسمين إلى ملامح القلق على وجه العجوز، فشعرت بغصة في قلبها. لطالما عاملتها الجدة بحنان، وسعت أن تساعدها على تدفئة قلب عمر، على أمل أن يعيشا حياة مستقرة.لكن...لم يعد بإمكانهما الاستمرار.فهو قد منح قلبه وجسده لامرأة أخرى.وياسمين لم تعد تريد أن تعيش على فتات علاقة باردة.وفوق ذلك، فإن مرضها كقنبلة موقوتة، ولا تريد أن تكون عبئًا على أحد.قالت

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 29

    "أصولك ليست جيدة، وخلفيتك التعليمية عادية جدًا، هل تريدين من عمر أن يقول للناس إن زوجته مجرد ربة بيت؟"قالت شذى بنبرة ممتلئة بالازدراء، وقد بدا عليها النفور الشديد.فهي لا تطيق هذه الكنة أبدًا!لكن في ذلك الوقت لم يكن أمامهم خيار سوى القبول بها، وحتى الآن ما زالت ترى أن ابنها قد خسر كثيرًا بزواجه منها.أما تلك الفتاة ليلى، التي صارت في الآونة الأخيرة قريبة من عمر، فهي على الأقل تليق بالظهور أمام الناس.صحيح أن أصلها لا يرقى إلى مستوى عائلة الراسني، لكن تعليمها عالٍ، وياسمين لا يمكنها أن تضاهيها أبدًا.أدركت ياسمين تمامًا ما يدور في ذهن شذى، فقالت بهدوء: "هذا الأمر الذي يزعجك، لن يطول كثيرًا."عبست شذى وقالت: "ماذا تقصدين؟"وقبل أن تجيب ياسمين، دوّى صوت بوق السيارة من الخارج.دخلت القاعة الرئيسية قامة طويلة شامخة، وألقى عمر بعينيه السوداوين نظرة شاملة على المكان. طوال السنوات الثلاث الماضية لم يكن غريبًا عليه أن يرى أمه وهي تحرج ياسمين، وهي بدورها لا تعترض، بل تظل صامتة مطأطئة الرأس، وكأنها لم تشعر يومًا بالظلم.فلماذا يتدخل إذن؟قال وهو يقترب: "تأخرت بسبب بعض الأمور." ألقى نظره على ياس

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 28

    لم يتكلم إياد، لكن من خلال حديث فارس، وجد نفسه يوافقه بعض الشيء.التفت فارس نحو عمر وقال بثقة: "برأيي، ياسمين في الحقيقة فقط تريد منافسة ليلى، فكل ما تهتم به ليلى، تُبدي هي اهتمامًا به أيضًا. ليلى تهتم بالدرونز، فتتظاهر ياسمين بالاهتمام. ليلى تهتم بوائل، فتذهب ياسمين للعمل في شركة الريادة. الهدف الأساسي هو لفت انتباهك أنت!"كان فارس يعتقد أنه يفهم جيدًا ألاعيب النساء الصغيرة؛ فالمرأة التي لا تجد الحب، لا تكف عن إثارة المتاعب والضجيج.عمر لم يعلّق، لكن هاتفه رنّ، كانت جدة عمر المتصلة. فنهض وخرج ليرد عليها.قال باحترام: "أما زلتِ مستيقظة في هذا الوقت المتأخر؟"تمتمت الحاجة الراسني بغضب: "وأنت؟ ألم تكن مع ياسمين؟"رفع عمر يده إلى جبينه وقال بهدوء: "كنت مشغولًا بالعمل.""كف عن هذا الكلام! لا تظن أنني لم أسمع ما يقال! من هي التي تقترب منك هذه الأيام؟ هل هذا يليق بك؟" قالت الجدة بغضب شديد.رفع عمر عينيه وسأل: "ومن أخبرك بهذا؟""إذن فعلاً هناك امرأة أخرى؟" أصدرت الجدة عدة تنهيدات: "يا إلهي يا عمر! ياسمين فتاة رائعة، وإن خذلتها فلن تسلم من عقاب الله؟!"ردّ عمر بلا مبالاة: "هل الأمر بهذه الخطور

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 27

    شعرت ياسمين بانقباض في صدرها، مزيج من الدهشة وعدم التصديق.وبعد لحظة طويلة تمالكت نفسها وقالت: "بما أن الأمر كذلك، فمتى سنذهب للحصول على..." شهادة الطلاق.لكنها لم تستطع أن تنطق الكلمات الأخيرة.رن هاتف عمر.ألقى نظرة على ياسمين، ثم استدار قليلًا ليرد، وصوته بدا أكثر رقة من المعتاد: "نعم، سأعود حالًا."لم يهتم إن كانت ياسمين ما زالت تريد الحديث، بل استدار فجأة وغادر بخطوات سريعة.بنفس البرود المعتاد في التعامل معها.كانت ياسمين تنوي أن تغتنم الفرصة وتسأله متى يمكن أن يرافقها لرؤية جدتها قمر لتوضيح الأمر،لكنها رأت عمر يهرع بلا تردد نحو ليلى، فصعدت إلى سيارتها.انتهى الأمر.ليكن في المرة القادمة.فهي لم تعد تملك القوة ولا الطاقة لتتشابك معه أكثر.فتحت علبة الدواء، وضعت الحبوب في قارورة زجاجية شفافة، ثم رمت العلبة الفارغة وعادت إلى شركة الريادة للابتكار والتكنولوجيا.لم تخبر ياسمين أحدًا أنها ذهبت إلى المستشفى للكشف، فظنت سارة أنها ذهبت لزيارة خالها، فسألتها عن حاله.تذكرت ياسمين ملامح خالها وهو يتألم، فأغمضت عينيها وهزت رأسها: "ما زال كما هو."تألمت سارة وعانقتها بحزن.فبادلتها ياسمين ا

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 26

    التفتت ياسمين لتقع عيناها على نظرات عمر المليئة بالكآبة. كان يمسك بين أصابعه الطويلة تقريرًا مطويًا، فارتجف قلبها بقوة، وخطفت الورقة من يده دون وعي."هل قرأته؟"نظر إليها عمر بهدوء، متأملًا وجهها الشاحب: "لماذا أنتِ متوترة؟"حين أتى، رآه يسقط من جيبها فالتقطه، ولم يكن قد فتحه بعد.تنفست ياسمين الصعداء قليلًا: "لقد بالغت في التفكير، السيد عمر الراسني."تأملها عمر مليًا وقال: "ياسمين، في الآونة الأخيرة صرتِ تحبين مناداتي بالسيد عمر الراسني."أعادت ياسمين التقرير إلى جيب حقيبتها وقالت: "هل جئت لأمر يخصني؟"لم تفسر له، فقد كانت ليلى قد لمحت لها بهذا الأمر من قبل.وفوق ذلك، هما على وشك الطلاق، ومناداته بالسيد عمر الراسني أنسب."هل تشعرين بوعكة ما؟" لم يشغل عمر نفسه بهذه المسألة، مرّ بعينين باردتين عليها، وكان اهتمامه نادرًا، لكن ياسمين كانت تعرف أن الأمر لا علاقة له بالاهتمام الحقيقي.خاصة بعدما رأت بأم عينها كيف ارتبك لأجل نزلة برد أصابت ليلى، فأدركت أن كلماته معها لا تعني شيئًا سوى مجاملة فارغة.فهو بطبعه لا يمنح قلبه، لكنه يملك قدرًا من التربية تجعله يحافظ على مظاهر اللباقة.كانت ياسمين

  • بعد مرضها القاتل، الآنسة ياسمين تحل مكان حبه الأول   الفصل 25

    كان صوت ياسمين هادئًا للغاية، حتى وإن كان الأمر يتعلق بحق الإنجاب، وهو الأهم بالنسبة لأي امرأة، بدت وكأنها لم تعد تكترث.قالت في نفسها: "أبذل جهدي وأترك الباقي لمشيئة الله."كم ستعيش؟ لا أحد يعرف، أما مسألة إنجاب الأطفال فلم تعد تعني لها شيئًا.تفهم الطبيب مشاعر ياسمين، فقال لها: "ومتى تفكرين في بدء العلاج الكيميائي؟ أنصحك ألا تؤجليه أكثر من ثلاثة أشهر."شدّت ياسمين أصابعها وقالت: "حسنًا، سأرتب أموري في أقرب وقت ممكن."وبالنهاية، اتفقت ياسمين مع الطبيب على خطة علاجية تحفظية مؤقتة.تبدأ أولًا بالعلاج الإشعاعي، ثم تتناول دواءً مستوردًا فعّالًا للحد من انتشار الخلايا السرطانية قدر المستطاع.أخذت الوصفة الطبية، لكنها لم تذهب مباشرة للصيدلية، بل غيّرت وجهتها إلي المصحّة خلف المستشفى.فمهما كانت قوتها وعزيمتها، فقد بدت كطفلة تائهة تبحث عن ملاذ أمام شبح الموت.وفجأة أرادت أن ترى خالها، سامر الحليمي.كانت غرفة خالها في الطابق الثاني عشر، وحين وصلت وجدتها خالية.سألت في مكتب الاستعلامات، فأخبروها أنه ذهب للعلاج الكيميائي.فاتجهت إلى الطابق المخصص للعلاج الكيميائي، وبمجرد أن سألت المرافقين، سمعت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status