الفصل 4‬

ظهرت قطرات عرق دقيقة على جبين سيف، وأشار إلى تاليا موضحًا:

"تاليا هي إحدى المساهمين في دار الرعاية الاجتماعية هذه، وقد صادف أن التقيت بها اليوم."

سألته ميرا: "وما علاقة هذا بتبنّي ريما؟"

اسودّ وجه سيف وقال: "ميرا، كيف لم أكتشف من قبل أنك قاسية وعديمة الرحمة إلى هذا الحد؟ ريما طفلة لطيفة ومسكينة، ألا يوجعك قلبك من أجلها؟"

قاسية؟ عديمة الرحمة؟

هي التي خُدعت وخُذلت، والآن تُصوَّر كأنها هي المذنبة.

تقدّمت تاليا بابتسامة ودودة، وأمسكت بيد ميرا وجذبتها برفق قائلة:

"ميرا، سمعت من سيف أنكما تنويان تبنّي ريما، أنا سعيدة جداً من أجلكما. ريما هي أكثر طفلة مطيعة في دار الرعاية الاجتماعية."

لم تتمالك ميرا نفسها وسألتها: "بما أن ريما بهذا القدر من اللطف، لماذا لا تتبنينها أنتِ إذن؟"

تلعثمت تاليا قليلاً وابتسمت ابتسامة محرجة.

تقدّم سيف ليحمي تاليا خلفه وقال بامتعاض: "ماذا تهذرين يا ميرا؟ تاليا غير متزوجة، فكيف لها أن تتبنّى طفلاً؟"

شعرت ميرا بألم يخترق صدرها كالإبر.

سيف يستطيع أن يراعي مشاعر تاليا، لكنه لا يفكر كيف سينظر الناس إلى ميرا إن تبنت ريما؟

خمس سنوات من الزواج، وكان سيف يمنعها من الحمل بحجة أن عمله في مرحلة التوسّع.

ولهذا السبب كثرت الأقاويل في الخارج.

منهم من قال إن ميرا كانت متهوّرة في شبابها، خضعت لعمليات إجهاض متكررة فلم تعد قادرة على الحمل،

ومنهم من قال إنها مصابة بالعقم منذ البداية.

حتى حماتها لم تخفِ سخريتها، وكانت تلمّح بأنها "دجاجة لا تبيض".

وفي كل مرة كانت ميرا تشتكي، كان سيف يشتري لها الهدايا الفاخرة ليُسكِتها، دون أن يدافع عنها بكلمة واحدة.

لو كان يحبها حقاً، كيف يسكت وهي غارقة في دوامة الشائعات؟

لو تبنّت طفلاً من دار الرعاية الاجتماعية، ألن يثبت ذلك للناس أنها لا تستطيع الإنجاب؟

تمسكت ميرا ببصيص أمل وسألته ببطء:

"سيف، ألا ترغب في أن يكون لنا طفل من دمنا ولحمنا؟"

خفض سيف نظره وقال: "لننتظر بضع سنوات قبل أن ننجب طفلاً، حسناً؟ أنتِ تعرفين أن الشركة الآن في طور التوسّع..."

قالت: "حسناً، كما تشاء."

قاطعت ميرا كلامه وهي تقول ذلك.

لقد مات قلبها، فليكن كما يريد.

فرح سيف حين سمع جوابها، واحتضنها قائلاً: "ميرا، كنت أعلم أنك الأطيب والأرقّ قلبًا."

مرت ميرا عبر خصلات شعره المتناثرة قرب أذنه، فرأت في عيني تاليا غيرة صريحة.

في تلك اللحظة أدركت أن تاليا لم تعد تكتفي بأن تكون زوجته على الورق، بل تريد أن تكون زوجة سيف أمام الجميع.

وفجأة، خطرت في ذهن ميرا كلمات أغنية مجهولة لمغنّ غير معروف، تحمل عنوان يوم غائم:

"عندما تُقال الحقيقة في الحب، يكون أحدهما منسحبا، والآخر هو من يلتقط ما تبقّى."

قررت أن ترمي هذه العلاقة الممزقة، ومن يلتقطها بعد ذلك فليتحمل القمامة بنفسه.

ذهب سيف مع المديرة لإتمام الإجراءات، تاركا ميرا وتاليا عند مدخل الدرج.

قالت تاليا بابتسامة ذات مغزى: "ميرا، ألا تظنين أن ريما تشبه سيف قليلا؟ من لا يعرف قد يظنها ابنته فعلا."

التقطت ميرا الإشارة من كلامها وقالت بهدوء: "حقا؟ يبدو أنهما مرتبطان بقدر غريب إذن."

تابعت تاليا قائلة: "لا أحد يعرف من هي والدة ريما، لكنها حتماً كانت امرأة جميلة."

ثم رفعت شعرها عمدا لتكشف عن آثار قبلات واضحة عند عظم الترقوة.

وقالت: "عذرا، زوجي غالبا ما يتعجّل هكذا. هل سيف يتصرّف معكِ بهذه الطريقة أيضا؟"

أخذت ميرا نفساً عميقا وقالت: "هل سمعتِ من قبل عن الكلاب الشرسة التي تنقضّ على الطعام؟"

تغيّر وجه تاليا، وهمّت بالرد، لكنها لمحت ظلاً عند زاوية الممر.

فقالت: "فلنر إذن، هل الكلب ينقضّ على الطعام أم على صاحبه؟"

وقبل أن تدرك ميرا معنى كلامها، وفي اللحظة التالية تحديدًا، كانت تاليا تسقط إلى الخلف وهي تدير ظهرها نحو مدخل الدرج.