مشاركة

الفصل 3‬

مؤلف: سنة بعد سنة
هل يُعقل أن تاليا عادت إلى الوطن؟

"سيف، لا أريد لريما أن تنادي أحدًا آخر بأبي وأمي."

اقترب سيف منها وهمس في أذنها بلطف: "اطمئني، سأجعل ريما تُدرج رسميا في سجل عائلة الراشدي."

توقفت تاليا عن البكاء وابتسمت وسط دموعها.

"سيف، من الناحية القانونية، نحن الزوجان الحقيقيان، أما ميرا..."

تجهم وجه سيف وقال بصرامة: "لقد تزوجتك رسميا قبل حفل زفافي فقط كي لا تتعرضي للأذى وأنتِ في الخارج."

"باستثناء لقب زوجة سيف، يمكنني أن أمنحك كل شيء. ميرا لم تخطئ، فإياكِ أن تقتربي منها."

أبدت تاليا امتعاضا، لكنها كتمت غضبها مؤقتًا لأن الأهم الآن هو أمر ريما.

"لا تقلق، لن أنافسها على لقب زوجة سيف، فأنا لا أملك ذلك الحق أصلا."

أدرك سيف أن كلماته السابقة كانت قاسية، فانحنى قليلا محاولا تهدئتها:

"ما الذي تقولينه؟ إن لم تكوني أنتِ الأحق، فمن يكون؟ أنتِ من أنجبتِ ريما لعائلة الراشدي، وأمي لا تزال تذكرك دائمًا بالخير."

كانت ميرا على وشك أن تفقد توازنها، إذ صدمها أن والدة سيف تعرف بعلاقته مع تاليا!

تراءت أمام عينيها صورة حماتها بملامحها المتعالية.

فقد كانت عائلة الراشدي مستاءة منها لأنها لم تكن تملك أيّ جهاز للعروس.

وكانت الحماة كثيرة الانتقاد، لا تُظهر لها يوما وجها طيبا.

ظنت ميرا بسذاجة أن إخلاصها في برّ حماتها سيجعلها تُقبل في النهاية.

لكن الآن أدركت أن الحماة قد قبلت منذ زمنٍ طويل بكنّة أخرى، فكيف ستراها بعد ذلك؟

تثاقلت خطوات ميرا كأن رجليها من رصاص، وتبعت سيف وتاليا إلى الطابق الثاني.

كان سيف في البداية متظاهرا بهيئة الرجل المهذّب، لكن ما إن ابتعدا عن الأنظار حتى جذب تاليا بقوة نحوه وضغطها إلى صدره.

"دعينا نؤجل أمر ريما قليلا، أليس علينا أن نحلّ مشكلتي الآن؟"

كانت تاليا تشعر بجزء من جسده يلامس أسفل بطنها، مما جعل وجهها يشتعل خجلا.

دخل الاثنان غرفة التخزين الخالية، وبعد لحظات، بدأت صرخاتهما الجنسية المكتومة والمتقطعة تصل إلى أذن ميرا.

لم يفصلها عنهما سوى جدار، ارتجف جسد ميرا كلّه، وأسندت ظهرها إلى الحائط ثم جلست ببطء على الأرض.

سمعت صوت سيف وهو يلهث: "تاليا، لقد أنجبتِ طفلة بالفعل، كيف ما زلتِ بهذا الضيق؟"

فأجابت تاليا بأنفاس متقطعة: "ولِمَ؟ هل ميرا كانت أوسع؟"

تبع ذلك صوت حركات مكتومة ومتتابعة، ثم أطلق سيف زفرة منخفضة.

"ميرا محافظة جدًا، ليست منفتحة مثلكِ بعد السنوات التي قضيتِها في الخارج."

غرست ميرا أظافرها في كفها بقوة.

لم تكن تدري أن السيد سيف، الرجل المتحفظ الذي كان يزدري جميع النساء اللواتي يحاولن التقرب منه، لم يكن سوى رجل منحطّ خلف الأبواب المغلقة.

وفي خضم تلك الصرخات الجنسية التي عادت من جديد، نهضت ميرا متكئة على الحائط وغادرت بخطوات متثاقلة.

كانت مديرة دار الرعاية الاجتماعية تنتظرها في مكتبها.

"علينا أن نؤكد، يا ميرا، هل ما زلتِ أنتِ والسيد سيف الراشدي تنويان تبنّي ريما؟"

لم تُجب ميرا فورًا، بل طلبت الاطلاع على ملف ريما الشخصي.

أظهر الملف أن ريما وُلدت في ربيع قبل خمس سنوات، أي بعد نصف عام فقط من زواج ميرا وسيف.

في تلك الفترة التي ركع فيها سيف على ركبة واحدة ليطلب يدها، كانت تاليا حاملا بطفلته.

غمرها الغضب والمرارة، ثم أعادت الملف إلى المديرة قائلة:

"لا أنوي تبنّي ريما، يمكنك بدء إجراءات تبنّيها من قِبل عائلة أخرى."

أومأت المديرة بتفكير عميق.

"ميرا!"

دخل سيف فجأة، وانتزع ملف ريما من يد المديرة.

"متى قلتُ إنني لا أريد تبنّي ريما؟ من أعطاك الحق لتقرري عني؟"

نظرت إليه ميرا ببرود وقالت: "وأنت، حين قررتَ تبنّي ريما، هل استشرتني؟"

سكت سيف للحظة، لا يجد ما يردّ به.

ظهرت تاليا فجأة من خلفه: "مرحبًا يا ميرا، مضى وقت طويل منذ آخر لقاء بيننا."‬
استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 26‬

    الفصل 26‬"والآن، لنرحب بعروسنا لهذا اليوم—ميرا الشهابي!"فُتحت أبواب قاعة الحفل ببطء، وانبعث منها شعاع ضوء ساطع.انطلقت موسيقى الزفاف، وتقدّمت ميرا حاملة باقة الزهور نحو جمال.كانت هذه المرة الثانية التي تظهر فيها ميرا بكامل أناقتها، أما المرة الأولى، فقد انتهت بخسارة مؤلمة.وهذه المرة أيضا، لم تكن واثقة تمامًا من قدرتها على نيل السعادة.في تلك اللحظة، راودها خاطر بالهرب.على المسرح، كانت أصابع جمال ترتجف بتوتر واضح."ميرا!"وعند طاولة عائلتها في الصفوف الأمامية، كان والداها يحدّقان بها ودموع الفرح تملأ أعينهما، وبجانبهم أقارب عائلة الشهابي، وزملاؤها وأقرب صديقاتها.لوّحوا لها بأيديهم وهم يبتسمون قائلين: "مبروك!"توقفت ميرا في مكانها مذهولة، وانهمرت دموعها دون أن تشعر.حاول المقدم أن يحثّها على التقدّم، لكن جمال أوقفه بإشارة من يده.عدّل جمال ربطة عنقه، وسار بخطوات ثابتة نحو عروسه.قال بصوتٍ مفعم بالصدق:"ميرا، أعلم أن في نفسك كثيرا من القلق، لكن أريد أن أقول لك، لا تقلقي."رفعت ميرا رأسها لتنظر إلى وجهه المليء بالإخلاص.وخُيّل إليها مشهد الفتى ذي القميص الأبيض أيام الثانوية، الذي كان

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 25‬

    وقف سيف مزهوا بنفسه، وأشار للجميع أن يلتزموا الصمت.قال: "حضوري اليوم دون دعوة، فقط لأقدّم تهانيّ للسيد جمال بمناسبة زواجه السعيد."ظلّ جمال محتفظا بهدوئه وأناقة تصرّفه، تاركا سيف يتصرّف بجنون.تابع سيف: "لديّ هنا بعض الصور، أودّ أن أريها لعائلة العروس وأصدقائها."ثم أخرج هاتفه، وأظهر صورا له مع ميرا في وضع حميم.ابتسم جمال بلطف وقال: "السيد سيف، شاشة هاتفك صغيرة، ما رأيك أن نعرض الصور على الشاشة الكبيرة؟"ضحك سيف بسخرية: "فكرة رائعة."وبعد أن انتهى الموظفون من إعداد الجهاز، ظهرت صور سيف على الشاشة الإلكترونية الضخمة خلفه.قال سيف بنبرة انتصار: "هل المرأة في الصورة هي عشيقة السيد جمال التي يلتقيها خفية عن خطيبته؟ ما تفسيرك يا سيد جمال؟"أطلق جمال همهمة باردة وقال: "المرأة في الصورة، هل تعرفها يا سيد سيف؟"قال سيف: "بالطبع! إنها زوجتي."ضحك جمال بصوت عال: "لكن حسب علمي، زوجتك القانونية اسمها تاليا الحيدري، وليست المرأة التي كنت ألتقيها."تفاجأ سيف بأن جمال يعرف هذه التفاصيل، فسارع لتبرير نفسه:"نعم، أنا متزوج من تاليا رسميا، ولكن ذلك فقط لأنها كانت بحاجة إلى المساعدة عندما سافرت إلى الخ

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 24‬

    في الليلة التي سبقت الزفاف، استخدمت ميرا ذريعة "لا يجوز للعروس والعريس أن يلتقيا قبل الزفاف" لطرد جمال من غرفتها.قال جمال من خلف الباب بنبرة متوسلة: "زوجتي، سننام معًا غدًا على أي حال، دعيني أدخل الليلة فقط."أغلقت ميرا الباب بإحكام.قالت بحزم: "لا، هذه عادة متوارثة. لو سمحت لك بالدخول، سيكون ذلك نذير شؤم."وما إن سمع كلمة نذير شؤم حتى وافق فورا.وأضاف بأسى: "لكنني أشتاق إليك كثيرا، ماذا أفعل؟"تنهّدت ميرا ورفعت عينيها إلى السماء قائلة: "جمال، لم نفترق إلا منذ خمس دقائق فقط!"لم تكن ميرا تتخيل أبدًا أن جمال يمكن أن يكون عاشقا مفرط التعلق إلى هذا الحد.غادر جمال على مضض، فيما تمددت ميرا على السرير دون أن يغمض لها جفن.غدًا ستتزوج من جمال، ورغم أن الأيام الماضية كانت مليئة بالسعادة، إلا أن الزواج يختلف تمامًا عن الحب، وما زال القلق يساورها.وفوق ذلك، بعد أن خذلها سيف، لم تعد تملك الجرأة لطلب مسامحة والديها.كانت تعرف أن مائدة عائلتها في حفل الغد ستبقى خالية، فغياب بركة الأهل والأصدقاء ترك في قلبها غصّة.حاولت أن تقنع نفسها بالرضا، فهي محظوظة بالزواج من جمال.وبينما كانت غارقة في أفكارها

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 23‬

    كانت ميرا تفكّر في أن مسيرة جمال المهنية تفوق مسيرة سيف بأكثر من عشرة أضعاف، كما أن ارتباطاته الاجتماعية أكثر بكثير.ولذلك لم تكن تضع أي أمل عليه، ولا على حفل الزفاف الذي يوشك أن يقترب. قالت لصديقتها المقرّبة: "إنه مجرد زواج بلا أساس من المشاعر."لكن جمال كان حاضرا في كل تفصيل من تفاصيل التحضيرات للزفاف.اختار بنفسه مكان الحفل، وأشرف على كل تفاصيل الديكور الداخلي.فهو خريج أكبر جامعة للفنون في أوروبا، جامعة النور للفنون والتصميم، ويحمل دكتوراه مزدوجة في تصميم المعارض وإدارة الصناعات الإبداعية.حتى خاتم الزواج صمّمه خصيصا، قطعة فريدة لا مثيل لها.أما فستان الزفاف، فقد منحها كامل الاحترام والمشاركة في اختياره.وكان هذا الفستان بذيل السمكة تحديدا من أعماله عندما كان طالبا في مرحلة الماجستير.جلس جمال على أريكة منخفضة، وساقاه الطويلتان لا تجد مكانا مريحا.كانت عيناه، كعيني ثعلب، تتجولان بجرأة على جسدها، تحملان رغبة واضحة لا تخفى.شعرت ميرا بالحرج من نظراته، فسحبت الفستان إلى أعلى قليلا وقالت: "ألا يعجبك شكله؟"نهض جمال واقترب منها، ووضع يديه على كتفيها وأدارها برفق.في المرآة، انعكس وجه م

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 22‬

    أسرعت تاليا في ترتيب نفسها، وابتسمت ابتسامة تظنها ساحرة.اقتربت منه، وقد انكشف جزء من صدرها.قالت بدلال: "السيد جمال، هل أنت من أنقذني؟ هل عليّ أن أُكافئك بنفسي؟"لكن السكرتير تحرك بسرعة، وأمسك ياقة ثوبها وسحبها جانبًا.جلس جمال، وقال بصوتٍ مائل إلى الكسل:"أأنتِ؟ وهل تظنين نفسكِ جديرة؟"تبدّل لون وجه تاليا.صحيح أنها ليست بجمال ميرا، لكنها تُعدّ فتاة لطيفة الملامح.فكيف يراها جمال بهذه الصورة المُهينة؟جلست مجددًا إلى المائدة وقالت: "قل لي، ماذا تريد مني أن أفعل؟"وعدها جمال بخمسة ملايين، مقابل أن تأخذ ريما من دار الرعاية الاجتماعية، وترحل معها بعيدًا.سألها: "من هو والد ريما الحقيقي؟"كان جمال يريد استغلال تاليا، هذا العنصر غير المستقر، ضد سيف، وكان لا بد أن يُمسك بخيط يُقيّدها.فمن يدري ما الذي قد تفعله هذه المرأة المجنونة إن فقدت السيطرة؟عضّت تاليا على شفتيها ولم تُجب.قال جمال بهدوء: "سكرتير، أعد الآنسة تاليا إلى مكانها."لكن مكانها في كلامه لم يكن العودة إلى العاصمة، بل إلى قبو فيلا سيف.كانت قد حُبست هناك سبعة أيام، تعيش على طعام الكلاب، وتتعرض بين الحين والآخر لضربٍ مبرح من سي

  • حب لا ينتهي، لكنه لن يعود أيضا   الفصل 21‬

    استيقظ سيف في الصباح الباكر على خبر سار.لقد حصل على بطاقة دعوة زفاف جمال.تأمل البطاقة المصنوعة من الذهب الخالص، والمطعّمة في وسطها بحجر ياقوت أزرق كامل.وقال بابتسامة خفيفة:"يبدو أن الحصول على بطاقة الزفاف لم يكن بالأمر الصعب، إذن عائلة الكيلاني ليست بتلك الغموض الذي يتحدث عنه الناس."ثم أضاف:"الغريب أن البطاقة تحمل اسم العريس فقط، دون ذكر اسم العروس."لكن سيف لم يهتم كثيرًا بمن تكون العروس، فهي في النهاية لا بد أن تكون ابنة إحدى العائلات الثرية المعروفة.ثم التفت إلى مساعده وسأله: "هل تم تجهيز كل شيء؟"أومأ المساعد برأسه مؤكدًا.كانت ميرا قد تحدّت معارضة والديها في عائلة الشهابي، وفسخت خطوبتها لتتزوج بسيف.ومنذ ذلك الحين، لم يعد لها في هذا العالم من تعتمد عليه سواه.ولو كان هناك شخص يمكن أن يتولى أمرها بعده، فسيكون جمال.ضحك سيف وقال بسخرية: "حفل زفاف أمير الأعمال في مدينة الهان لن يخلو من وسائل الإعلام، وحين تُكشف الفضيحة، سنرى كيف سيجرؤ على الاقتراب من ميرا بعد ذلك."ثم أضاف: "وحينها، لن تجد ميرا أحدًا تلجأ إليه سواي."كانت حساباته دقيقة وواثقة.ثم أمر مساعده قائلا: "اليوم هناك

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status