Share

ذاكرة لا تجف مثل البحر
ذاكرة لا تجف مثل البحر
Penulis: كل شيء سراب

الفصل 1

Penulis: كل شيء سراب
كان هذا التأجيل الثالث والثلاثون لحفل زفاف ريما حسان ويوسف التميمي، لأنها تعرضت لحادث السيارة عشية الزفاف.

أصيبت بتسع عشرة كسرا في جسدها، ودخلت العناية المركزة ثلاث مرات حتى استقرت حالتها أخيرا.

وحين تحسن جسدها قليلا، استندت إلى الجدار وتريد المشي في الممر، لكن ما إن وصلت عند المنعطف حتى سمعت أن خطيبها يوسف كان يتحدث مع صديقه.

"المرة الماضية كانت غرقا، وهذه المرة حادث السيارة، وتأجل الزفاف شهرين آخرين. ما الطريقة التي تنوي استخدامها في المرة القادمة؟"

عندما سمعت ريما حديثهما عند المنعطف، شعرت وكأن الدم تجمد في عروقها.

كان يوسف يرتدي معطفا أبيض طبيا، يقلب هاتفه بين أصابعه قائلا بنبرة باردة: "لن يتأخر بعد الآن."

تفاجأ صديقه: "إذن ستتقبل الزواج من ريما؟ وماذا عن تلك المتدربة عندك، رنا جمال؟"

"حينما أحضرت ريما إلى بيت عائلتنا في طفولتنا، قال لي أبي إنه علي أن أحسن إليها، لأننا سنتزوج مستقبلا. لذلك اعتنيت بها كزوجتي منذ الصغر، حتى صار الاهتمام بها عادة لي، حتى التقيت برنا." ولما قال ذلك، ارتسمت ابتسامة خفيفة في عينيه: "رغم خلفية أسرتها ليست جيدة، إلا أنها لا تستسلم للقدر أبدا، وظلت قوية. ومن أول لحظة رأيتها فيها، لفتت انتباهي."

"بما أنك معجب بها لهذا الحد، فحاول كسب قلبها إذا!" قال صديقه حائرا.

ساد الصمت لثوان، ثم خفض يوسف نظرته قائلا: "والدة ريما صاحبة فضل على عائلتي. هي مسؤوليتي. تلك الثلاث والثلاثون مرة كانت صراعي. والآن يجب أن أتحمل هذه المسؤولية. أما رنا، فمجرد أن أراقبها من بعيد يكفيني، ولا أجرؤ أن أطمع بأكثر."

كل كلمة منه كانت كخنجر ينغرس في قلب ريما، فتشبثت بالجدار وبالكاد تثبت على قدميها.

شعرت بحكة على خدها، فمدت يدها لتكتشف أنها دموع.

لم تستطع ريما سماع المزيد، فهرولت مترنحة نحو غرفتها، والدموع تغمر وجهها بصمت.

لم يخطر ببال ريما قط أن تلك الحوادث الثلاث والثلاثين كانت من تدبير يوسف نفسه.

في المرة الأولى، أصيبت بطعنة وسط شجار لا علاقة لها به.

وفي المرة الثانية، لدغتها أفعى في حديقة المنزل، فسممها السم وكادت تفارق الحياة.

وفي الثالثة، دعاها يوسف لتسلق الجبل، فسقطت من الحافة وبقيت في العناية المركزة لنصف شهر.

وكل ذلك فقط لأنه لا يريد الزواج بها.

ارتبطت ريما ويوسف بخطوبة منذ أن كانت في العاشرة، حين تورطت عائلة التميمي بقضية كادت تزج بهم في السجن، فاعترفت والدتها المحاسبة بكل التهم لتنقذهم.

فأخذها جد يوسف إلى منزله، وقرر الخطوبة بينها وبين يوسف ليضمن لها مستقبلا آمنا.

ومنذ طفولتها، أحسن الجميع معاملتها هناك، حتى يوسف نفسه، وشجعوها في كل ما أرادت فعله، حتى فرقتها الموسيقية التي كانت طبقة المجتمع الراقية تحتقرها، فقد وقفوا معها في هذا الأمر أيضا.

لذلك آمنت تماما بأنهما يحبان بعضهما البعض، ولم يخطر لها أن كل ذلك كان مجرد مسؤولية، وأن قلبه كان يخص امرأة أخرى.

وتحول الألم الكليل في صدرها إلى شفرة حادة تقلب جراحها كلها وتنهشها.

بعد عشر دقائق، دخل يوسف ليعقم جراحها. وحين رأى احمرار عينيها، توقف لحظة وسأل: "ما بك؟ هل الجرح يؤلمك مجددا؟"

لكن عندما رأت ريما شكله المهتم بها، لم تذكر إلا كلمة المسؤولية التي قالها في ذهنها، فاشتد الوجع في قلبها.

كانت أعصابها شديدة الحساسية، وحتى التعقيم يتطلب تخديرا لها.

ولما هم يوسف بحقن المخدر، رن هاتفه، فوضعه جانبا وأجاب.

نظرت ريما إلى السلسة الكرتونية المعلقة بهاتفه، فتذكرت ماضيهما.

كان ذلك أول فوز لفرقتها، وكانت السلسلة هي الجائزة. أهدته إياها بفرح، لكنه رماها في درج بلا مبالاة.

"إنها طفولية جدا"، قال هذا بعبسة ضجر.

أما الآن، فهاتفه يحمل نفس السلسة لدى رنا التي تتأرجح أمام عيني ريما، وجعلتها تشعر بوجع لاذع.

تسرب صوت من الهاتف في هدوء الغرفة، جاء صوت رنا: "أستاذ، لدي مريض هنا ولست متأكدة من حالته، هل يمكنك الحضور؟"

بمجرد سماعها، شعرت ريما بأن مزاج يوسف قد تحسن فورا بأكمله.

"حسنا، سآتي فورا"، قالها بصوت خفيف مفعم بالسعادة.

كانت تظن كل ذلك مجرد اهتمام معلم بمتدربته، لكن الآن فهمت بأنه كان شيئا آخر منذ البداية.

أنهى يوسف الاتصال، وتجاوزت يده المخدر، وأمسك أدوات التعقيم مباشرة.

اندفع الألم من جروحها كالصاعقة، فشهقت قهرا، ودار رأسها، وانهمر العرق البارد من جسدها.

تمتمت ترتجف: "يوسف، لم تضع المخدر بعد…"

تابع يوسف عمله بلا أي توقف، وربت عليها بلا مبالاة: "هكذا أفضل، المخدر يعيق فاعلية الدواء. تحملي قليلا."

ارتجف جسد ريما بسبب الألم، وقبضت أصابعها على الملاءة بشدة حتى كادت تمزقها.

رجته بصوت مكسور: "يوسف، أرجوك، أعطني المخدر، حقا هذا مؤلم."

"اهدئي، سينتهي الأمر حالا." وأسرع بيديه أكثر.

وانتهى التعقيم بعد دقائق، فرمى يوسف الأدوات على الصينية.

وقد انهارت ريما على السرير بسبب الألم، ولمحت خطواته المستعجلة للمغادرة بزاوية نظرها المائلة.

في الحقيقة أن المخدر لن يعيق شيئا، لكنه فعل هذا ليذهب إلى رنا سريعا، فلم يرغب حتى بانتظار خمس دقائق لانفعال المخدر.

وفي تلك اللحظة، تمزق قلبها حزينة، وانحدرت دموعها فوق الملاءة البيضاء.

واستمر الألم في تعذيبها بلا توقف، حتى اسودت الدنيا أمام عينيها، وفقدت وعيها كليا.
Lanjutkan membaca buku ini secara gratis
Pindai kode untuk mengunduh Aplikasi

Bab terbaru

  • ذاكرة لا تجف مثل البحر   الفصل 20

    وأثناء مساعدتها لوالد يوسف في النزول، دخل يوسف بخطوات مترنحة ووقف في الأسفل يحدق بها مذهولا.كان المشهد مألوفا، كم مرة كانت ريما تساند والده في النزول هكذا؟ لوهلة، خُيل له أنها عادت وأن ما حدث لم يكن إلا كابوسا، وما زال لهما مستقبلا بعد.لو كان ذلك في الماضي، لألقت نظرتها فيه فورا وابتسمت له، أما الآن، فقد أصبحت نظراته الحارقة بلا معنى، كأنه هواء بالنسبة لها.كل ما حدث كان حقيقة، لن تعود، ولن يكون هناك مستقبل يجمعهما بعد الآن.أدرك يسوف ذلك، فشعر وكأن خنجرا يغوص في صدره، كل نفس يأخذه ممزوج بالعذاب.على العشاء، جلس يوسف مقابلها، يحدق بها بحرارة، ويمد بيده نحو الأطباق ليقدم لها الطعام الذي تحبه.لكنها لم ترفع رأسها ولا مرة، ظلت تتحدث مع والد يوسف، ونقلت وكل ما وُضع في صحنها إلى طبق القمامة مباشرة.بعد الطعام، جلست ريما مع والد يوسف قليلا ثم استأذنت، بينما بقي يوسف واقفا جانبا بصمت.وما إن نهضت وغادرت، حتى لحق بها فورا.كانت ريما تعلم أنه يتبعها، فواصلت السير حتى وصلت لحديقة الفيلا ثم توقفت.التفتت تعانق كتفيها ونظرت إلى يوسف الذي لحق بها بارتكاب: "إن كان لديك ما تقوله، فقله هنا، ولا تزعج

  • ذاكرة لا تجف مثل البحر   الفصل 19

    أوصلها سامي إلى المنزل كالعادة، لكنها شعرت بأن هناك ما تغير.عند نزولها، قدم سامي لها علبة هدية: "هدية عيد ميلادك."وفي الطريق من باب المجمع حتى بيتها، أسرعت أكثر من المعتاد شوقا لفتح الهدية.وعندما وصلت لأسفل المبنى ورأت يوسف، توقفت فجأة.وقفت تحدق به من بعيد، كان يحمل كعكة وهدية ويتقدم نحوها.قدم الهدية لها بتوتر وقال بصوت مبحوح: "عيد ميلاد سعيد يا ريما، قلت إنني سأرافقك في كل عيد ميلادك، لحسن الحظ أنني لم أفوت هذه المرة."حقا، لم يغب يوسف يوما عن عيد ميلادها، حتى في أصعب أيام العمليات، كان يجد وقتا للاحتفال بعيد ميلادها، ولو كان الثمن هو سهر ليلة كاملة لإجراء العمليات.لكن ذلك كان في الماضي، أخذت ريما الهدية ورمتها فورا في سلة المهملات قبل أن يظهر يوسف أي فرح في عينيه.شحب وجهه في لحظة، وشعر وكأن يدا خفية تعتصر قلبه وتمنعه من التنفس.قالت ببرود: "لم تعد مضطرا لتحمل هذه المسؤولية عديمة القيمة، ابتعد عني."قال يوسف بمرارة: "لم أفعل هذا بدافع المسؤولية، أنا آسف يا ريم، أدركت خطئي حقا وندمت حقا، أرجوك، أعطني فرصة واحدة فقط، سأكون أفضل…""لماذا؟" قاطعته ببرود.ساد الصمت ثوان، ثم ابتسمت ر

  • ذاكرة لا تجف مثل البحر   الفصل 18

    بعد أن أوصلت جميلة إلى منزلها، عادت ريما إلى بيتها.وبعد أن انتهت من الاستحمام واستلقت على السرير، تذكرت كلمة "الحب" التي قالها يوسف، فلم تستطع منع نفسها من الضحك.أن يقول يوسف إنه يحبها، كان إهانة لهذه الكلمة.في اليوم التالي، لم يكن هناك عرض، وتم إلغاء التدريب، قرأت ريما إشعار الفرقة، ثم رمت هاتفها ونظرت للسقف، فاكتشفت أنها لا تفعل شيئا سوى التدريب والعروض.وما إن تسلل الفراغ إلى قلبها قليلا، حتى اتصل سامي بها: "لا تدريب لكنم اليوم، صحيح؟ سأمر لآخذك بجولة."وافقت ريما بما أنها لا جد شيئا لفعله، ونهضت ثم رتبت نفسها بتكاسل، وعندما نزلت، كان سامي ينتظر تحت.تفاجأت قليلا ثم أسرعت إليه وجلست بالمقعد الأمامي: "هل انتظرت طويلا؟ كان يجب أن أسرع."شغل سامي السيارة بلا مبالاة: "لدي الكثير من الصبر معك، انزلي متى شئت."اعتادت ريما على حديثه المليء بالتلميحات مؤخرا، فابتسمت: "حسنا، أنزل بعد نوم طويل المرة القادمة."قال سامي دون أن يغضب: "لا مشكلة."قضى سامي اليوم كدليل سياحي، يتجول بها في الأماكن القريبة، رغم أنها عاشت هنا لعام كامل، فلم تتجول فيها بعد.وأخذها إلى مطعم قرب البحر في المساء.وعندم

  • ذاكرة لا تجف مثل البحر   الفصل 17

    توقفت ريما واستدارت ببرود: "هل أرسلك والدك للبحث عني؟"فلم تستطع تخيل سبب آخر غير ذلك.تجمد يوسف بعد سماع هذا ثم أسرع في الشرح: "لا، أنا جئت إليك بنفسي.""ماذا تريد؟" قالت ريما وتراجعت بخطوة بصوت بارد.عندما رأى موقفها المتحفظ والحذر، فشعر يوسف بالألم الذي يمزق قلبه وازداد مرارة فيه.امتلأت عيناه بالحزن والرجاء: "ريما، عودي معي، أنا…""ما زلت تريد سداد المعروف؟ لا داعي، لقد انتهى كل شيء، ارحل، لم يعد بيننا أي دين." قالتها ريما بنظرة باردة إليه.قالت ذلك وتجاوزته للمغادرة، لكن يده أمسكت بها."ليس لرد المعروف، أريد أن تعودي فقط، كنت غبيا، ولم أفهم مشاعري إلا بعد أن فقدتك!" أمسك بها بارتكاب ويريد إبقاءها بشدة.عقدت ريما حاجبيها بسبب كلامه، وضايقها لمسه، فانتزعت يدها بقوة.شعر يوسف بفراغ في كفه وقلبه، كأن آلاف الإبر تخترقه.خفض يوسف رأسه ليحدق في يده الخالية من شيء وقال بمرارة: "ريما، أحبك، ليس بسبب المعروف، كل ما فعلته لك منذ الطفولة كان بدافع الحب.""لم أفهم هذا من قبل، كنت أهرب من حقيقة مشاعري حتى لا أُقيد، فأسأت إليك كثيرا… آسف، عشت كل يوم بعد رحيلك في ندم، أرجوك، أعطيني فرصة لأعوضك."

  • ذاكرة لا تجف مثل البحر   الفصل 16

    بسبب كثرة الأشخاص، انقسموا إلى سيارتين.ركبت ريما مع جميلة في سيارة سامي، بينما ركب الآخرون سيارات أجرة.جلست ريما في المقعد الأمامي لأنها تصاب بالدوار في السيارة، بينما جميلة في الخلف وما زالت تنظر للخارج قائلة: "ذلك الشخص كان وسيما جدا! رغم الإرهاق الظاهر عليه، ما زالت وسامته بارزة! أتمنى لو حصلت على رقمه!"لم تقل ريما كلمة، فانتبه سامي لصمتها وقال لأخته في الخلف: "اصمتي أنت! تعتقدين كل من ترينه وسيما! لا أدري كيف تعمل عيناك!"فانشغلت جميلة فورا بالمشاجرة اللفظية مع سامي، ونسيت يوسف تماما.راقبت ريما ظلال الأشجار تتراجع خارج النافذة، وعقلها كله مع تلك الكلمة التي قالها يوسف، صوته لم يحمل ذرة دهشة، وهذا يعني أن لقاءهما ليس صدفة، إذا لماذا جاء إليها؟لقد مر وقت طويل، ومن المفترض أنه لقد تزوج من رنا الآن، فلماذا أتى إليها إذا؟فكرت طوال الطريق دون جدوى، فقررت طرد الأمر من رأسها، فلم يعد يخصها على أي حال.أكلت ريما العشاء شاردة الذهن، وركب السيارة بعده، أوصل سامي جميلة أولا، ثم انطلق باتجاه آخر.حينها لاحظت أنها ليست طريق المنزل، فقالت باستغراب: "إلى أين نحن الآن؟"وضع سامي يدا على المق

  • ذاكرة لا تجف مثل البحر   الفصل 15

    بعد انتهاء العملية، أقامت ريما عدة أيام في المستشفى ثم خرجت، وقد عاد صوتها كما كان.انضمت ريما إلى فرقة موسيقية بصدفة، وفيها فتاة تُدعى بجميلة، تحب التعلق بها وهي من أقنعتها بالانضمام.ولأن لديها خبرة، نظموا عرضا صغيرا في حانة بسرعة.وبعد عام كامل، عندما وقفت ريما على المسرح مجددا، شعرت أنها استعادت نفسها، وابتسامتها كثرت.وبعد العرض، بقيت ريما كأنها ما زالت في تلك اللحظات خلال العرض، لكن أصوات جميلة ارتفعت فجأة عندما وصلت إلى الكواليس: "أخي؟! لماذا أتيت؟ لم تحضر عروضي أبدا!"كانت ريما تركز على خطواتها دون أن ترفع رأسها، حتى سمعت صوتا مألوفا: "لا تقلقي، لم آت من أجلك."تجمدت لحظة، ثم رفعت رأسها ورأت سامي واقفا في الممر، وبعد كلمته تلك، حول نظراته نحو ريما."أتيت لأرى كيف تعافت مريضتي." قالها وهو يبتسم بخفة.تابعت جميلة نظراته إلى رينا بجانبها: "هل تعرفان بعضكما؟!"لم تتوقع ريما أن جميلة هي شقيقة سامي، وبسبب هذه الصلة، صارت جميلة تدعوها كثيرا للطعام، وتحضر سامي معها أحيانا، وهكذا ازدادوا قربا.وبعد نصف عام، شاركت ريما مع الفرقة بمسابقة وفازوا بالمركز الأول في النهاية، وكان الجائزة سلسلة

Bab Lainnya
Jelajahi dan baca novel bagus secara gratis
Akses gratis ke berbagai novel bagus di aplikasi GoodNovel. Unduh buku yang kamu suka dan baca di mana saja & kapan saja.
Baca buku gratis di Aplikasi
Pindai kode untuk membaca di Aplikasi
DMCA.com Protection Status