مشاركة

الفصل 3

مؤلف: ورق الشجر
بدأ جاسم يلاحظ غرابة تصرفي، فتوقف للحظة ثم اقترح: "هل نغادر الآن؟ فلنبحث عن مكانٍ نسترخي فيه."

رفعت نظري إليه، وارتفعت زاويتا شفتيَّ بابتسامة خفيفة: "لنذهب في جولة باليخت إذن، جولة ليلية نتابع بعدها شروق الشمس."

...

بمجرد صعودنا السيارة، بدأ يتحدث عن خططه لليوم التالي: "أعددت مفاجأة لعيد ميلادك. وبعد انتهاء فترة انشغالنا هذه، لنخطط لإنجاب طفل، هل أنت موافقة؟"

استمعت بصمت، وأنا أحدق عبر النافذة دون رد.

عند تشغيل المحرك، رن هاتفه.

أجاب على المكالمة، وتجعد وجهه، وصوته يحمل ترددًا.

التفتُ نحوه وقلت بهدوء: "إن كانت لديك أمور مهمة، اذهب."

تردد قليلًا ثم تمتم: "شجون، أنا..."

"لا بأس، سأذهب إلى اليخت وأنتظرك."

لم أتمكن من رؤية اسم المتصل، لكنني أعرف إنها هي الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يجعله يتخذ هذا التعبير.

بعد صعودي اليخت بمفردي، أخرجت هاتفي وفتحت صفحة هناء جلال على الفيسبوك.

ظهرت أمامي صورة منشورة حديثًا، مع تعليق يقول: "وجود من يقف بجانبي عند النجاح، يُحضر لي العشاء، ويخصص وقته ليجلس معي، أشكرك على رعايتك الدائمة."

في قسم التعليقات، امتلأت الصفحة بالتعليقات:

"زوجكِ رائع حقًا!"

"هذا هو الحب الحقيقي!"

لكن نظري توقف عند يد تظهر في الصورة...

المسبحة البوذية المعقودة حول المعصم كانت مألوفة للغاية، إنها لجاسم.

اتصلت به، لكن هناء هي من ردت على المكالمة: "أختي الكبرى، لماذا تتصلين في هذا الوقت المتأخر؟ أتبحثين عن جاسم؟"

"انسَيه، فلن يعود الليلة. ألم أهدِكِ إياه؟ لكنكِ فشلتِ في الاحتفاظ به."

أغلقت المكالمة ببرود، ثم التفتُ إلى طاقم اليخت: "انطلقوا."

"ألا ننتظر الباقين؟"

همست: "لا حاجة، سأكون وحدي."

بدأ اليخت بالتحرك، يشق عُباب البحر في ظلام الليل متجهًا إلى الأعماق.

وقفتُ على مقدمة اليخت، أتأمل النجوم، بينما هبت رياح البحر الباردة القارصة، وتلألأت النجوم على سطح المياه.

ليلة كاملة... لم يحضر فيها جاسم.

اتكأت على سطح اليخت، وأنا أحدق في البحر بنظرة خاوية، بينما تدفقت ذكريات السنوات الخمس الماضية في ذهني.

لطفه، مرافقته، وعوده... كل اللحظات مرت كشظايا، لكنها لم تكوّن سوى صورة محطّمة.

كل الأوهام، كل النفاق، أصبحت الآن مثيرةً للسخرية والاشمئزاز.

اتصلت به للمرة الأخيرة قبل الشروق.

هذه المرة... كان هاتفه مغلقًا.

حدقت في الشاشة، وقمت بضبط تحميل تسجيل المكالمة ولقطات الفيديو للوحة التي رسمتها مسبقًا ليتم نشرها تلقائيًا.

بعد الانتهاء، توجهت إلى مؤخرة اليخت، ونظرت للمرة الأخيرة إلى الفجر الذي بدأ بالبزوغ.

ثم قفزت في مياه البحر الجليدية.

في الجانب الآخر، كان جاسم يغادر مسرعًا من عند هناء وهو يقول: "عليّ الذهاب، فقد وعدتها بقضاء عيد ميلادها ومشاهدة الشروق."

اعترضته هناء وهي غير راضية: "آه جاسم، أنا أيضًا بحاجة إليك الآن..."

أدار رأسه: "لا، ليس الليلة."

في تلك اللحظة، وصل مساعده: "سيد عمران، زوجتك... قفزت في البحر!"
استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • عبير الزهور   الفصل 10

    كانت عيناه تعكسان توسلًا واستجداء، كأنه مستعدٌ ليقبل بأي شيءٍ طالما بقيَ بجواري. في تلك اللحظة، تحدث باسم بصوتٍ هادئٍ لكنه يحمل حدّةً خفيةً: "سيد عمران، رغم أنني لا أعرف تفاصيل ما بينكما، لكنني أعتقد أن قرار البقاء معكِ يجب أن يكون لها. أنت تتحدث عن مشاعرك فقط، لكن هل فكرتَ يومًا فيما تريده هي حقًا؟" تجمّد جاسم عمران، فتح فمه لكن لم يخرج منه أيّ صوت. ...نظرتُ إليه، بصوتٍ هادئٍ لكنه حاسم: "جاسم عمران، تلك السنوات الخمس ولّتْ. حتى لو عدتُ من الموت، فأنا لا أعتبرك خياري بعد الآن." بدأ لون الشحوب يظهر على وجهه شيئًا فشيئًا، بينما أكملتُ: "لا تُجبرني على اعتبار كل ذكرياتنا خطأً فادحًا. أم أنك تفضلُ أن أكونَ ميتةً كي تتركني؟" "لا!" قاطعني فجأةً، عيناه تفيضان بألمٍ عميق، وصوته يخنقه التوسل: "عزيزتي شجون، أخطأتُ... سأختفي من حياتكِ، فقط كوني بخير." جعلتني نظرته أتراجع قليلًا، ثم همستُ: "حسنًا، أتمنى أن تمنحني حريتي." سكتَ طويلًا، ثم انحنى برأسه وكأنه أدرك الحقيقةَ أخيرًا، وقال بصوتٍ أجشّ: "آسف." غادرَ بخطواتٍ كسيرة، يحمل على ظهره كلَّ أحزانه. أمّن باسم على الأطفال واحدًا تلو

  • عبير الزهور   الفصل 9

    لم يُبدِ جاسم عمران أدنى اهتمامٍ بكلام هناء جلال، وظلّت عيناه تحدقان بي. صوته يحمل نبرة التماس ورجاء: "شجون، أرجوكِ استمعي لي...أنا نادم حقًا، أخطأتُ في حقكِ، لم أعرف قيمتكِ، أتوسل إليكِ أن تعطيني فرصةً واحدة." ابتسمتُ ابتسامةً باردةً، نظراتي جليدية: "فرصة؟ هل ما زلت تعتقد أن لديك الحق في طلب ذلك؟" "أعرف أنني أخطأت، كان عليّ أن أنصت إليكِ، لم يكن يجب أن أصدق أقوال الآخرين. كل الذنب ذنبي، وأنا مستعد للتغيير، أتوسل إليكِ أن تغفري لي..." ازداد صوته خفوتًا، كأنه يتوسل: "سأفعل أي شيءٍ تطلبينه." لم تستطع هناء كبح غضبها، فقاطعتْه بوجهٍ شاحب: "آه جاسم! لقد قلتَ لي يومًا أنك تحبني فقط!" "اصمتي!" قاطعها بصوتٍ حاد، نظراته تحمل برودةً لم يسبق لها مثيل: "لقد أوضحتُ لكِ كل شيءٍ من قبل. كلامكِ لا يعنيني." كانت كأنما تلقّتْ صفعةً قوية، فشحب وجهها فجأة، لكنها صرختْ بغير رضًا: "لا يمكنكِ فعل هذا بي! أنسيتَ كل الذكريات بيننا؟ وهل تعلم أنها بالفعل مرتبطةٌ بشخصٍ آخر؟!" ... هزّ كلامها قلبي للحظة، لكنني تماسكتُ سريعًا وقلتُ ببرود: "جاسم، لقد متُّ مرةً بالفعل. تعامل مع الأمر كما لو أنني لم أ

  • عبير الزهور   الفصل 8

    لم تكمل كلامها حتى اندفعت نحوي فجأة. حاولت أن أحمي الأطفال خلفي غريزيًا، لكن لم يكن لدي متسع من الوقت لتجنبها. أمسكت بملابسي بقوة، مخلفة خدوشًا غائرةً بظفرها على ذراعي. "كفى!" صرخت، لكنها كانت كالمجنونة، خارجةً عن السيطرة تمامًا، فدفعتني بقوة حتى سقطت على الأرض. بدأ الأطفال يصرخون من الخوف. راشد، بعينين دامعتين، ركض خلسةً وضربها بقبضته الصغيرة: "لا تضربي المعلمة!" توقفت هناء جلال للحظة، ثم ازداد جنونها: "أيها الوغد الصغير! حتى أنت تجرؤ على ضربي؟!" رفعت يدها لتهوي عليه، فاندفعت لأحميه، متلقيةً الضربة القوية بدلًا منه. أحسست بألم حارق في كتفي، لكنني ظللت محتضنة الأطفال، وأهتف: "كفى! هناء، إن استمريت هكذا، فالقانون سيتولى أمرك!" ضحكت بسخرية، نظراتها مليئة بالازدراء: "شجون، لا يمكنك الاختباء إلى الأبد! سأجعلك تدفعين الثمن اليوم!" في تلك اللحظة، سمعنا وقع أقدام متسارع عند الباب. ...اندفع باسم إلى الداخل. وبدون تردد، أمسك هناء وجذبها بعيدًا. حاولت المقاومة، لكن عندما رأته، انفجرت بضحكةٍ باردةٍ: "أوه، شجون! كم مر من الوقت حتى تعلقت بشخص آخر؟!" نظرت إلينا بنظرة ساخرة،

  • عبير الزهور   الفصل 7

    "جربي أن ترسمي... لوحاتكِ تستحق أن يراها العالم." في تلك الليلة، أخرجتُ فرشاتي القديمة التي طالما أهملتها. بدأتِ اللوحة تتشكل شيئًا فشيئًا: بحرٌ هادئ، مع أول خيوط الفجر، تنعكس أشعتها على صفحة الماء التي تحمل ظلي. عندما أنهيتُ اللحظة الأخيرة، أدركتُ فجأةً أن هذه اللوحة لم تكن من أجله، ولا من أجل أي أحد آخر، بل من أجلي أنا. في يوم المعرض.حصلت أعمالي على إعجاب لجنة التحكيم. موهبتي التي ظللتْ مدفونةً لسنوات، عادت أخيرًا لتُبصر النور. ظننتُ أن هذه مجرد بداية جديدة، لكنني لم أكن أعلم أن هذه العودة ستقلب حياتي الهادئة رأسًا على عقب. وفي أحد أيام التدريس. كنتُ أشرح للأطفال كيفية تنسيق الألوان، بينما كانت أشعة الشمس تتسلل من النافذة، مغطيةً الغرفة بهدوءٍ نادر. فجأة... انفتح الباب بعنف، لتهرع هناء جلال إلى الداخل ببطنها المنتفخ، ووجهها الشاحب الغاضب. "شجون!"رفعتُ رأسي... وتجمدت في مكاني. "ها! كنتُ أعرف أنكِ لم تموتي! دمرتِ حياتي، ثم اختبأتِ هنا؟!" تقدّمت نحوّي بعينين مجنونتين. حجبتُ الأطفال خلفي وسألتُ ببرود: "كيف عثرتِ عليّ؟""ألا تعرفين؟ أسلوبكِ الفني لا يُخطئ! طوال

  • عبير الزهور   الفصل 6

    بدأ يسترجع الذكريات، بينما كنتُ أنا أبتعد شيئًا فشيئًا. "يا معلمتي، إلى ماذا تنظرين؟" التفت إليّ الصبي الصغير راشد بفضول. أغلقتُ شاشة الهاتف بسرعة وقلت بهدوء: "لا شيء، ألم تنهِ رسم الخطوط بعد؟ أسرع وأكملها." "يا معلمتي." أمال برأسه وسأل: "هل أنتِ حزينة؟" توقفتُ للحظة، ثم ابتسمت: "لا، لقد بالغت في تخيلك." فرحل راشد مسرعًا، بينما بقيتُ أحدق في شاشة الهاتف بذهول. نعم، كنتُ حزينة. لكن ليس بسبب أولئك الأشخاص، بل لأن هذه الأخبار جرّتني مرة أخرى إلى ذلك الماضي المليء بالأكاذيب والخيانة. في أحد الأيام، بينما كنتُ أدرّس الأطفال في الاستوديو، حضر شاب. وقف عند الباب يحمل باقة زهور كبيرة. "مرحباً، أنا عم راشد. اسمي باسم." "هذه من أجلكِ." قال بصوت حذر، "راشد يحب دروسك كثيرًا، هذه بادرة تقدير." نظرت إلى الزهور وأومأت، لكنني لم آخذها وقلت ببرود: "لا أقبل الهدايا." ارتاع قليلًا، لم يكن يتوقع رد الفعل هذا، لكنه سحب يديه بسرعة: "آسف، لم أكن أعرف هذه القاعدة." "لا بأس." التفتُ إلى لوحة الرسم، "لا داعي لذلك في المرة القادمة." لم يصرّ، وبقي يراقب راشد حتى انتهى الدرس ثم غادر.

  • عبير الزهور   الفصل 5

    لا أحد يعرف أين أختبئ، ولا أحد يعلم أنني كنت مستعدة بالفعل لأقضي حياتي وحيدة حتى الموت. عندما انتقلت إلى هذه المدينة أول مرة، رفضت التحدث مع أي أحد. شراء الخضار، استئجار المنزل، حتى دفع فواتير الماء والكهرباء، كنت أحلها بأقل كلمات ممكنة. ظن الناس أنني امرأة باردة وغريبة الأطوار، فتوقفوا عن الاهتمام بي تدريجيًّا. وهذا بالضبط ما أردته. افتتحت بمدخراتي استوديو صغير لتعليم الرسم للأطفال. في الماضي، ظننت أن موهبتي ستجعلني تحت الأضواء في معارض الفن، أحصل على التصفيق والإعجاب. أما الآن، فأنا فقط أرسم خطوطًا بسيطة بهدوء، وأعلم بعض الأطفال الابرياء. بعد شهر، أخبرني موظفو شركة الموت المزيف: "جاسم عمران يبحث عنك مؤخرًا." "يبحث عني؟" ضحكت بخفة وقلت ببرود: "أنا ميتة، فما الذي يريده مني؟" "زار معرضك الفني، وحاول الاتصال بأصدقائك القدامى." تابع الموظف: "لكن لا تقلقي، إجراءات الحماية لدينا محكمة، لن يجد شيئًا." "حسب معلوماتنا، غرق في لوم ذاتي وألم شديد بعد الحادث. أخبرته الشرطة أن تيارات المياه هناك خطيرة، واحتمال النجاة شبه معدومة. زار الموقع مرارًا وبحث عن أدلة، حتى أرسل من يتحر

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status