الفصل9

الأمير سليم رقّ له قلبه وقال ناصحًا.

"فعلُ مولاي هذا قاسٍ على الملكة."

ومع ذلك فقد لوّح السلطان بردائه ومضى، ولم يبق إلا ظهرٌ مهيب لا يُعصى.

هزّ النسيمُ طرف ردائه، وهو يهبط الدرج ببصرٍ بعيد يلمُّ حديقة القصر وميدان الخيل السلطاني جميعًا، وفيهما تلك التي خطفت الجواد قبل قليل.

وفي الذاكرة كان طيفُ فتاةٍ على صهوةٍ مثلَ هذا.

…

ولما فزعت الملكةُ الأم رجعت إلى قصر السكينة.

وعادت ليان إلى قصر الوفاق.

وبحسب النظام ينبغي للملكات أن يتلقين زيارة المحظيات.

غير أنّ القادمات كنّ قليلات، بين متعللةٍ بمرض، ومعتذرةٍ بانشغال.

ولم تجد ليان في نفسها ميلًا إلى مجاملةٍ فاترة، فصرفت من حضر وانصرفن.

وبعد قليل ورد حاملُ أمرٍ شفاهيّ من السلطان.

"يا مولاتي الملكة، قد بلغ السلطانَ ما صنعتِ صباحًا من إنقاذ مولاتنا الملكة الأم، فخصّك بمكافأة زوجٍ من صولجان اليشم، ويأمرك أن تُشرفي على قتل ذلك الجواد الهائج."

فلطمت الغصّةُ صدرَ لمياء.

متى صار الإشراف على التنفيذ من شأن الملكة.

وعلى فرسٍ حامل أيضًا.

إنه طاغيةٌ حقًّا، قاسٍ لا يعرف منطقًا.

وأمّا ليان فبقي وجهُها ساكنًا بلا غضبٍ ولا شكوى.

وحار الرسولُ في أمرها.

أيةُ صبرٍ هذا عند الملكة.

فلننظر إلى متى تمضي كأنها لا تبالي.

بعد الظهر.

ميدان الخيل السلطاني.

جاء الناظرُ بالفرس الحامل من مربطها ليُجرى الحكم.

وكانوا من عشّاق الخيل، فاسترحموا الملكة.

"يا مولاتي، ألا يُراجَع الأمر، فهذه من خيول الحرب."

وأخذت ليان باللجام، ومسّت بكفها بطن الفرس.

وكان في عينيها سكونٌ وهي تحدّق في عينيها.

ثم قالت رصينةً.

"اقتلوها."

وساق الجلّاد الفرس إلى المقصلة، فإذا انقطع الحبلُ الطويل هَوَت الشفرةُ من علٍ فشطرَتها.

وجلست ليان في منصة الإشراف، على بُعد أذرع.

وكانت عيناها صافيتين باردتين خاليتين من الرأفة، أبردَ من قلب الجلاد.

غير أنه عند هويِّ الشفرة خَدِرَ معصمُ الخادم الذي يمسك اللجام.

وما إن أفلت الحبل حتى ارتفع قائما الفرس، وانطلقت.

وجزع الجلادُ والحرس.

"اعترضوها سريعًا."

وكانت ليان تنظر صامتةً كأنها خارج المشهد.

ورأت لمياء بوضوحٍ أن مولاتها رمت بحصاةٍ خفية فأصابت معصمَ الخادم، فأعطت الفرسَ فرصةَ نجاة.

ثم إنها صارت ترمي خِلسةً نحو الحرس فتجعلهم كأنما عثرت أقدامُهم بالحجارة.

ولم يكن لهم سَبْقُ جوادٌ جوّابُ الآفاق، فما زالوا ينظرون إليه يبعد ويغيبُ في غابة القصر.

دار الكتب السلطانية.

تساقطَ الظلُّ والضوءُ طبقاتٍ حول السلطان القاعد على العرش المذهّب.

وكان بين حاجبيه وعينيه بأسٌ شديدُ البرد.

وعلى الرداء المذهّب مخالبُ مموهةٌ نافرة.

لكنها أضعفُ وقعًا من نظرة السلطان التي تَقصِمُ القلوب، فلا يجرؤ أحدٌ على مواجهتها.

وجثا الحرسُ على الركب.

"مولاي، لقد خرج الجواد من غابة القصر… وقد اختفى …"

ولم يتكلم السلطان، وسيفُ نظره يجعلهم على مثل حدِّ السكين.

ودخل خادمٌ آخر برسالة.

"مولاي، الملكة على الباب تطلب العقوبة."

فأمر السلطان أخيرًا.

"قصّرتِ الملكة في الإشراف، فتُحرم مخصّصاتها القصري سنةً كاملة، ويُعزل سواها ويُطردوا من القصر."

وخرج الخادم ثم عاد يقول.

"مولاي، تقول الملكة: أشكر نعمتك."

ثم وجد القومُ رهبةَ القاعة أشدّ.

إذ قام السلطان بعد أن كان جالسًا.

وقام معه الظلّ العظيم كشبكةٍ تُغطي من تحته، فلا يتنفس أحدٌ إلا في خفاء.

"يا ملكة، حسنًا." إن قلب الملك لا يُدرَك غوره.

فقوله حسنًا لا يعني أنه حسن.

وفي قصر السكينة غَلَت الملكةُ الأمّ غيظًا للملكة.

"لم تدخل الملكةُ القصر إلا البارحة، وعليها أن تُرتِّب فوق وتحت، ثم يحرمها السلطان مخصّصاتها، كيف ينبغي لها أن تتولى الأمور؟"

وحتى الملكةُ الأم لا تستطيع تغيّر حكم السلطان.

وفي قاعة السمو.

"يا مولاتي، لقد عوقبت الملكةُ بعد يومٍ واحدٍ من زواجها."

وأظهرت المحظية مرجانة سكينةَ العارف، فقد توقّعت هذا.

فالسلطان غليظٌ على من لا يُحب.

وفي الغد.

وعند مسير ليان إلى قصر السكينة، لزيارة الملكة الأم لَقِيَت سيّدًا بثوبٍ أبيض.

فعرفته على الفور، إنه في الحقيقة الأمير سليم الذي ناب عن السلطان يوم الزفاف.