جميع فصول : الفصل -الفصل 10

30 فصول

الفصل1

"يا قائدة الفرسان، بلاغ عاجل من مسافة بعيدة، الآنسة الكبرى أُهينت وحاولت الانتحار، شمس، السيدة الكبيرة في آل الرياشي تطلب عودتك سريعًا لتدخلي القصر وتتممي مراسم الزواج بدلًا عنها!" على حدود سلطنة سراج، حوافر الخيل تخطو سريعًا فوق جدول ذاب جليده توًا، وتناثر الماء.كانت ليان الرياشي تقود جوادها في المقدمة، بثوب أسود ضيق الأكمام بسيط، وشعر أسود مشدود بدبوس خشبي واحد، تتطاير الخصل وأذيال الثوب، ملامحها باسلة وفيها حدّة ظاهرة. هي وأختها روزان الرياشي توأمان، ولأن التوأم عُدّ شؤمًا، لذلك رُبيت منذ الصغر خارج الدار. روزان وديعة لطيفة، لا تعادي أحدًا. لا تفهم من الذي يؤذي إنسانة بتلك الطهارة والطيبة. ستسلخه وتقتلع عظامه وتقطّعه لترميه للكلاب! رأى الحارس، أنه أوشك أن يعجز عن مجاراتها فصرخ. "يا قائدة الفرسان، قد أهلكنا فرسين ركضًا، أمامنا خان، فلنسترح قليلًا." لوّحت ليان بسوط الفرس. "من لا يلحق فليرجع إلى المعسكر، هيا." أحمق. لا وقت للراحة. هي الآن تحمل أرواح أكثر من مئة نفس من آل الرياشي. حاول الحارس بكل جهده اللحاق بها. لكنها أسرع قائدة فرسان خفيفة في معسكر الشمال، فهي سريعة كال
اقرأ المزيد

الفصل2

في داخل الحجرة، أغمضت ليان عينيها الجميلتين قليلًا. اليوم، مهما كان ما يسفر عن نتائج فحص اليوم، فلن يعود بالنفع على آل الرياشي. المحظية الكبرى لا بد أنها جازمة بأن روزان لم تعد على عفتها، فتتخذ من ذلك ذريعة لإثارة القلاقل. إن كُشف أن هذه البديلة عفيفة، فمع أنها قد تصد مؤامرة المحظية الكبرى، إلا أن ذلك سيستجلب شكها حتمًا. ومتى انكشف أمر الزواج بالبديلة، فجرم خداع السلطان وحده كفيل بإهلاك آل الرياشي. حدّقت ليان أمامها، وبيد اعتادت حمل الرمح الفضي، ثبّتت لنفسها زينة الخال على الجبين بهدوء. علّمها شيخها فنون الحرب ودروب الولاية في الحكم. وأما شيختها فعلّمتها شؤون تدبير البيت، ومنها فنون حُسن السياسة داخل الدار، وقد تعلمتها يومئذ، لكنها ظنّت أنها لن تحتاج إليها. لأن مقصدها كان الآفاق، لا أن تُحبس في دار واحدة، مطاوعةً لزوج تؤدي دور المرأة المطيعة. لكن، حساب المرء لا يغلب قضاء السماء. خارج الحجرة. دخل مدبرُ شؤون القصر ناظمُ الكرخي يقود سيدتين من ديوان المراسم، وبالغَ في الشدة. "يا سيدتي، هذا أمر المحظية الكبرى، أتجرئين على عصيانه؟" وقفت السيدة هالة أمام باب مخدع البنات، لا تتزحز
اقرأ المزيد

الفصل3

قصر السكينة، مقر إقامة الملكة الأم. لما بلغها أمر دار آل الرياشي، استبشرت الملكة الأم، وقالت للمربية خيرية الطائي التي تخدم بقربها. "في العام الماضي، يوم مولدي، رأيتُ تلك روزان الرياشي، وكان طبعُها لينًا أكثر مما ينبغي، وظننتُ يومئذٍ أنها لا تقوى على مقام الملكة." "وما وقع اليوم أمرٌ طريف، لقد ردّت على رجال مرجانة علنًا." "لقد جعلتني أُعيد النظر فيها." خيرية الطائي من كبار خدم الملكة الأم، خبيرة بتصاريف الحب والبغض في القصر، صبّت للملكة الأم كأسًا من الشاي الحار. "لكن، مع ما للسلطان من ميلٍ شديد إلى المحظية مرجانة، فلو كانت الملكة أذكى النساء وأجراهن، لعسر عليها أن تُنازل من في قاعة السمو، ولا يُؤمَن أن تعبث المحظية الليلة." خبت ابتسامة الملكة الأم. "صدقتِ، وما زلت أذكر أن سوار الشمسي دخلت القصر يومًا، وكان السلطان قد همّ أن يقربها، فإذا بمرجانة تتدخل وتستدعيه إليها." "مسكينة سوار، وأنا عمّتُها، لم أستطع أن أنفعها." تنهدت خيرية. "سلطانُنا يفرّق في الحب والبغض تفريقًا بيّنًا، وما استطاعت واحدة في الحريم أن تُشارك المحظية مرجانة ودَّه، وأخشى أن تبيت الملكة الليلة في خلوة." وك
اقرأ المزيد

الفصل4

الطاغية قادم، فلم تجد ليان إلا أن تدع لمياء تعيد لفة الشعر، غير أن يد لمياء ارتجفت قليلًا، ولعلها خافت من الطاغية الذي يوشك أن يصل. وبارتجاف يدها لا بد أن تخطئ. وحين انتزعت الشعرة الثالثة آلمت ليان، فلم تعد تحتمل وقالت ببرود: "تراجعي، سأقوم بنفسي." فهي تتقن فن التنكر، وإتقان لفات الشعر المختلفة من لوازمه. ثم أعادت لفة الشعر إلى حالها في لمحات، فهال ذلك لمياء. "مولاتي، ما أبرع يديك!" لكن ما إن تجهزتا لاستقبال السلطان، حتى جاء من خارج الغرفة من ينقل رسالة. "يا مولاتي، ألمّت بالمحظية مرجانة نوبة صداع، وقد مضى السلطان إلى قاعة السمو." فتحت لمياء فمها، يغلي فيها الغضب ولا تجرؤ على الكلام. ولابد أن المحظية مرجانة تتصنع، فما بال نوبة الصداع تأتي في هذا التوقيت الدقيق. لا شك أنها ما إن رأت السلطان يعود إلى القصر حتى استدعته إليها. وما إن سمعت ليان اسم المحظية حتى تذكرت أختها روزان. روزان قتلت شر قتلة، وهذا ثأر لا بد أن يستوفى. غير أنه لا يغلب من عرف نفسه وخصمه. والمحظية مرجانة في ذروة الحظوة، فلا بد أن حولها حراسًا مهرة. فلا يسوغ لها أن تتعجل في الضرب. … قصر السكينة. كانت الم
اقرأ المزيد

الفصل5

عادت إلى المخدع، فإذا بمدبرة المخدع سلامة التي كانت عابسةَ الوجه قليلةَ الكلام، تأمر في الحال بإعداد الماء لخدمة مولاتها في الاغتسال. وزحمت لمياء جانبًا، وبسطت لليان وجهًا بشوشًا. "يا مولاتي، طوال هذه السنين لم يدنُ السلطانُ من محظيّةٍ غير مرجانة، وأنتِ أوّل من يحظى بقُربه!" ووقفت لمياء جانبًا، وفي نفسها على هذه المدبرة كلام. فلم نرها من قبل بهذا التزلف، إنها تعظّم القوي وتزدري الضعيف. وهكذا في القصر، مكانةُ المرأة بحظوة السلطان، وإلا فحتى الملكة تلاقي الجفاء. وأكثرت سلامةُ القول، فلم تُعرها ليان اهتمامًا. وقالت ببرود: "انصرفوا جميعًا، تكفي وصيفةٌ واحدة، لمياء في الداخل." … فلما خلا المخدع، سألت لمياء بقلق. "يا مولاتي، إن مجيءَ السلطان حسن. "ولكن ما فعلتِه يُعدّ إعلانًا للخصومة مع المحظية مرجانة. "وقالت سيدةُ الدار إن علينا أن نكون منخفضات الصوت في القصر، ولا نصنع عدوًا، ولا سيّما مع المحظية مرجانة…" فقالت ليان فجأة بصوتٍ باردٍ ونظرةٍ حادّة: "وهل كانت أمي تُعلّم روزان هذا أيضًا." ولم تكن تستحسن هذا النهج في التربية. فشيوخها علّموها أن تقابل الإحسان بالإحسان، والعداء بالق
اقرأ المزيد

الفصل6

لمياء لمّا سمعت الحركة اندفعت إلى المخدع الداخلي. "يا مولاتي، ماذا حدث…" وقبل أن تتم كلامها خرج من ستر العرس صوت يقول: "اخرجي". وكان صوت رجل. وأدركت لمياء السوء، وأرادت أن تستدعي الناس. وفجأة دخل أمينٌ من شؤون القصر يعدو، فاعترضها مسرعًا، وخفض صوته زاجرًا. "يا عديمة البصيرة، ذاك هو السلطان!" وتسمّرت لمياء مبهوتة. السلـ… السلطان؟ ذلك الطاغية الذي يقتل دون أن يرفّ له جفن؟ وقد تأخر الليل، كيف جاء فجأة؟ داخل الستر. كانت كفُّ الرجل العريضة تضغط كتفَ ليان من جهة، ويده الأخرى تمسك معصمها الذي يقبض الخنجر، منكبًا فوقها كأنه أسدٌ ينقضُّ على فريسته. وكان بمقدور ليان أن تحاول الفكاك، غير أنها لما عرفت هوية القادم كفّت عن الحركة. وفي الظلام لم تر وجه الرجل. لكن وفي هالته رهبةٌ كثيفة. "يا ملكة، ألا تشرحين؟" وكان صوته مثقلًا يبعث على الخوف. ولو كانت امرأةٌ عادية لتلعثمت وعجزت عن البيان. وأما ليان فكان نفسُها وادعًا. "لصون نفسي أحمل هذا الخنجر معي، ولم أقصد أن أزعج السلطان." ولم تكن يومًا كأختها روزان رقةً ولينًا، فصوتها بلا تلوين كخطٍّ مستقيم. لا كأنها تخاطب زوجها، بل كأنها تواج
اقرأ المزيد

الفصل7

ليلةٌ مكتوبٌ عليها البلاء، وقد أدركت ليان ذلك. صراحةً، مقارنةً بأن يفضّها الطاغية، فأن تفعلها بنفسها أهون. فعلى الأقل لا تُسحق تحت جسد أحد. مزّقت ليان قطعة من ذيل ثوبها، وجعلتها "منديل العرس" تحتها. ثم رفعت بطرفٍ من يدها أذيالَ الثوب، وباليد الأخرى أمسكت الخنجر مقلوبًا. ومع أنها حزمت أمرها، فقد قاومتها غريزتها. وسلَّت نفسها: ليكن جرحًا من الجراح. ومنذ طفولتها، كم جُرحت. ثم شدّت يدها… وفي اللحظة نفسها اندفعت قوّة ثبتت معصمها. قطّبت ليان حاجبيها. انتزع السلطانُ الخنجرَ من يدها ثانيةً، وكان صوته أبرد من قبل. "يا لغبائك." طن طن. وارتطم الخنجر خارج ستر العرس. "طهارتك لا تعنيني أصلًا. "إذا ألقيتِ بكل شيء لتكوني ملكة، فلا تعودي إلى الحماقة. "مثل أن تعلمين أني في قاعة السمو، ثم تجرئين على قصدي." عضّت ليان شفتها. إذًا ظنّ أنها جاءت تطلب وده، فجاء يؤدّبها ليحفر في رأسها القاعدة. وإذ قال لها: أن تستعدّ للمبيت كان يخدعها، يرفع الأمل ليكسره. وكأنه بمثابة قتلٌ للنفس. غير أن هذه الحيلة لا تجدي إلا مع من يطلب حبه. وأمّا إعراضه عنها فكما تشاء. شدّت ليان رباط ثوبها سريعًا، وجثت ف
اقرأ المزيد

الفصل8

ليان لا تبدو عليها سِمة المهجورة، وقد ارتدت حُلّة الملكة، سامية كفينيقٍ هبط إلى الدنيا. وعيناها صافيتان باردتان، سواداهما خفيف، وفيهما ترفُّع نبيل كالياقوت. وبشرتها ليست بذلك البياض المَرَضي الذي تسعى إليه نساء العاصمة، بل نضرةٌ ورديّةٌ ممتلئة. مهابةُ جمالها تُلقي الهيبة بلا غضب، كأنها آيةٌ من نور. وقد ألف خدمُ القصر محظيّاتٍ يُشبهْن رُبى، فلمّا رأوا هذا الحسن اليوم انكشف أمامهم ضياء. لا عجب، فهي حسناء مشهورة في العاصمة، وفتنتها لا تُضاهى. ومنذ جابت ليان الفيافي عاشت بوجهٍ مُقنّع. فالجمال عندها وِزرٌ، لا سيّما في المعسكر. وكانت شيختها تقول إنها تُهدر وجهًا حسنًا، تعبث به تنكّرًا طول اليوم. وسارت لمياء خلف مولاتها، وفي صدرها اعتزاز. ولمّا بلغت الملكةَ الأمّ انحنت وأدّت التحية. "مولاتي الملكةَ الأم." وجلست الملكةُ الأم بوجهٍ حانٍ رقيق. "لا تتكلّفي يا ملكة، اجلسي." ثم ذكرت الملكةُ الأم السلطانَ، ونصحتها. "السلطانُ مشغولٌ بأمر الدولة، وقد يُغفل أمورًا عدة." "لا تقلقي، يا ملكة." وكان وجهُ ليان هادئًا، فأجابت: "نعم." وبعد هنيهةٍ وجدت الملكةُ الأمُّ أن هذه الملكة لا تُبدي وج
اقرأ المزيد

الفصل9

الأمير سليم رقّ له قلبه وقال ناصحًا. "فعلُ مولاي هذا قاسٍ على الملكة." ومع ذلك فقد لوّح السلطان بردائه ومضى، ولم يبق إلا ظهرٌ مهيب لا يُعصى. هزّ النسيمُ طرف ردائه، وهو يهبط الدرج ببصرٍ بعيد يلمُّ حديقة القصر وميدان الخيل السلطاني جميعًا، وفيهما تلك التي خطفت الجواد قبل قليل. وفي الذاكرة كان طيفُ فتاةٍ على صهوةٍ مثلَ هذا. … ولما فزعت الملكةُ الأم رجعت إلى قصر السكينة. وعادت ليان إلى قصر الوفاق. وبحسب النظام ينبغي للملكات أن يتلقين زيارة المحظيات. غير أنّ القادمات كنّ قليلات، بين متعللةٍ بمرض، ومعتذرةٍ بانشغال. ولم تجد ليان في نفسها ميلًا إلى مجاملةٍ فاترة، فصرفت من حضر وانصرفن. وبعد قليل ورد حاملُ أمرٍ شفاهيّ من السلطان. "يا مولاتي الملكة، قد بلغ السلطانَ ما صنعتِ صباحًا من إنقاذ مولاتنا الملكة الأم، فخصّك بمكافأة زوجٍ من صولجان اليشم، ويأمرك أن تُشرفي على قتل ذلك الجواد الهائج." فلطمت الغصّةُ صدرَ لمياء. متى صار الإشراف على التنفيذ من شأن الملكة. وعلى فرسٍ حامل أيضًا. إنه طاغيةٌ حقًّا، قاسٍ لا يعرف منطقًا. وأمّا ليان فبقي وجهُها ساكنًا بلا غضبٍ ولا شكوى. وحار الرسولُ
اقرأ المزيد

الفصل10

الأمير سليم كأنه خرج توًا من قصر السكينة، أقبل وجهًا لوجه، وانحنى لليان.يتشرف الأمير سليم، أخو السلطان الأصغر، بالمثول بين يدي مولاتي الملكة." دعاه لها "يا زوجة أخي" لا "يا ملكة" فدلّ ذلك على قربه من السلطان. حدّقت لمياء في الأمير سليم وذهلت. ما أوسم سمو الأمير سليم، أبيضُ الطلعة، رقيقٌ مؤدب، وطبعه أهون من طبع الطاغية الذي يقتل لأدنى سبب. لو أن مولاتي تزوجت… وما إن خطرت الفكرة حتى كفّت لمياء عن هذا الخاطر السخيف. فالنظامُ داخل القصر شديد، وليس كالمعسكر، فلا يجوز مخاطبة الرجال على السجية. وكانت ليان توشك أن تنصرف، فإذا بالأمير يسألها مؤنسًا.قال سليم: "أفزعكِ الإشرافُ على التنفيذ أمس يا مولاتي." حدّقت ليان وأجابت مقتصدة اللفظ: "لا." "لمّا روّضتِ الجواد رأيتُ مهارتك بعيني، والسلطان يعجب بالنساء الضابطات للفروسية، فلو أخذتِ من هذا الباب لربما نلتِ حظوته." كان صوته وديعًا كأنه صديق مخلص. ولم تسوء ليان صورتُه عندها، وذكّرها بياضُ ثوبه بذكرى قديمة اختلط فيها الحب والألم. "شكرًا." ولكنها لا تحتاج ذلك. لقد تعلّمت الركوب والرمي لا لتُرضي رجلًا. في قصر السكينة. وعظت الملكةُ الأم
اقرأ المزيد
السابق
123
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status