LOGINعندما يبلغ الألم في الإنسان أقصى مراحله، يصبح أنانيًا إلى أقصى حدّ، لذا فأنا لم أعد أستطيع التفكير في أي شيء، حتى أنني من شدّة الألم أحكُّ نفسي: "ما شأني أنا؟؟"بينما أنا متألمة إلى هذا الحد، هل يجب أن أتحوّل إلى قدّيسة لإنقاذ الآخرين؟"طْخ——"ركعت فجأة على الأرض، ودموعها تتساقط كالمطر: "أرجوكِ، إن مرضكِ هذا لا يُشكّل خطورة، أيمكنك إنقاذ ابنتي أولًا؟"كان الناس في غرفة المحاليل ينظرون بدهشة.في هذه اللحظة، كانت هي الأم المكلومة، القلقة على حياة ابنتها، والمقطوعة بها السبل.أما أنا، فكنت الزهرة السوداء التي ترفض إنقاذ حياة إنسان بسبب مرض بسيط أصابها."لا يمكن."نظرتُ إليها ببرود، وقلتُ لزينب: "زينب، اتصلي بالشرطة، السيدة كوثر تتعمّد عرقلة علاج الآخرين، وهذا يُعتبر شروعًا في القتل."أنا أهتم بحياتي أكثر مما أهتم بما سيفكر به الآخرون عني.من هي دعاء.هي الابنة الكبرى لعائلة صالح، باستثناء أمها التي جاءت تتوسلني، فإنّ جميع أفراد عائلتي صالح وفواز بالتأكيد يبذلون كل ما بوسعهم عبر شبكة علاقاتهم لإيجاد مصدر دم.حتى لو لم أذهب، فلن يحدث لها شيء.حتى لو افترضنا أسوأ الاحتمالات، حتى لو كانت حيات
شدَدتُ على كمّي بخجل، ولما هممتُ بقول الحقيقة، سمعنا فجأةً ضجيجٌ من قاعة الحفل."يا إلهي!"صرخ أحدهم: "ابنة عائلة صالح الكبرى أُغمي عليها! أسرعوا واتصلوا بالإسعاف!"حينها فجأة نهض الرجل الذي كان يُطأطئ رأسه، وانطلق مسرعًا إلى الخارج كالريح.انخضّت الجدة سامية ثم نهضت فجأة، ولم تكن متبالية بشيء، وذهبت مسرعة بمساعدة الخادم.لم يبقَ في غرفة الاستقبال إلا أنا وزينب.قالت لي: "هيا لنذهب، لا تُتعبي نفسك بالقلق بلا داعٍ."جذبتني زينب بعيدًا، وقالت: "الجميع لديهم عائلاتهم وأحباءهم ليعتنوا بهم، أما أنتِ فعليكِ الاعتناء بنفسك، سارعي للذهاب إلى المستشفى للفحص، لئلا تسوء حالتكِ كما حدث في المرة السابقة."كانت قاعة الحفل قد تحولت إلى فوضى عارمة.البعض كان قلقًا حقًا، والبعض الآخر كان يتظاهر أمام عائلة صالح.…عند الوصول إلى المستشفى، وبعد أن سُحبت مني بضع عينات من الدم، انتظرتُ زينب في غرفة المحاليل.لكن الحكة لم تهدأ.حينما ذهبت زينب لدفع الرسوم، استغليت الفرص لأحك رقبتي لكني خدشتُ جلدي حتى تقشر من حول عنقي.ومع ذلك لم يخفّ شيء.بلغت الحكة حدًّا جعلني أتمنى الموت."يا إلهي!"رجعت زينب بعد دفع الرس
تجهم وجهه، وصوته بدا وكأنه صُقل بحصى، وقال: "أنا أعطيك الأسهم لتتمكني من عيش حياة أفضل، لا لتستخدميها للمساومة معي."قلتُ: "إذن، يا سيد فارس، هل توافق أم لا؟""…"قهقه بسخرية، وتكلم ببرود بالغ: "جرّبي إذن، أياً كان من تبيعينه له، سأقضي عليه. إن أردتِ الإضرار بالناس، فتفضلي وحاولي.""…"كانت عصبيته مرضية إلى حدٍ جنوني.في مسألة التهديد هذه، المنافسة تقوم على من يملك أدنى مستوى من الأخلاق.لا يمكنني التغلب عليه، والمزيد من الكلام لا فائدة منه.عضضت على أسناني، وذهبت مباشرة للبحث عن زينب.كانت زينب وطارق يتحدثان عن بعض الأمور غير المهمة.حين رأتني مقبلة، ابتسمت زينب لطارق وقالت: "يا سيد طارق، بعد رأس السنة حين نعود إلى مدينة هيلز سأدعوك للعشاء."أومأ طارق برأسه قليلًا، وقال: "حسناً."بعد أن حيّيته، كنت على وشك المغادرة مع زينب."السيدة سارة!"ناداني طارق فجأة، وقال متأنيًا: "هل إصرارك أنت والأخ فارس على الطلاق له علاقة بحادثة الاختطاف تلك، أو بخطوبته من نجلاء؟"أجبته بصدق: "نعم، ولكن ليس كثيرًا."قال: "في الواقع، في حادثة الاختطاف تلك، كان الأخ فارس يعلم أن المسدس لا يحتوي على رصاص، فذلك
سكتُّ قليلًا، ثم نطقتُ بسخرية خفيفة: "لم أكن أعلم من قبل أنك بهذا القدر من التسامح؟"في تلك الليلة، قبّلتُ بشير أمامه.على الرغم من أنني كنتُ في حالة سُكْر، إلا أنَّ الأمر قد حدث بالفعل.وبحسب طباعه التي يطبق القواعد على نفسه فقط ولا يسمح للآخرين بها، كان ينبغي ألّا ينظر إليّ بعد ذلك بعينه مرة أخرى.ما إن أنهيتُ كلامي حتى لم يكن الصوت الذي دوَّى هو صوت فارس، بل ضوضاء قادمة من منتصف قاعة الحفل.كانت دعاء قد غيّرت ملابسها، فارتدت فستانًا أبيض من تصميمٍ فاخر، تمسك بالميكروفون واقفةً في الوسط، مترددة قليلًا، غير أن عينيها السوداوين تتلألآن وهما تحدّقان في مكان ما.اتجاه مكان وجود بشير.قالت: "هذه السنوات التي ابتعدتُ فيها عن جدتي وأبي وأمي، أنا عانيتُ الكثير من المرارات، وتحملتُ نظرات الكثير من الناس، لكن بفضل بعض الذكريات الجميلة القليلة التي بقيت في ذاكرتي، تشبثتُ وبقيت صامدة."اختنق صوتها قليلًا وبكت قليلًا: "كما أنني محظوظة، فعائلتي... وأخي بشير، لم يتخلوا قط عن البحث عني. هذا الصباح، سألتني جدتي عن أمنيتي، ولم يخطر ببالي شيء حينها، لأن العودة إلى منزل عائلة صالح كانت بحد ذاته أمرًا عظ
قال: "سيدة كوثر،"قطّب فارس حاجبيه بلا انفعال، وصوته بارد: "بالنسبة لمسألة فسخ الخطوبة، لستِ بحاجة أن تشرحي لي شيئًا."لأن ذلك كله كان ضمن خطته.لم يُعلم إن كانت السيدة كوثر حقًّا لا تفهم، أم تتعمد التظاهر بعدم الفهم، فقالت: "بالطبع يجب أن أُفسِّر، اليوم ما إن سمعتَ أن نجلاء هي التي ذهبت لاستقبالك، حتى جئتَ خصيصًا مع السيد طارق، أنا أفهم الأمر…"تقلص شفتا طارق من سماع ذلك، فقاطعها وقد نفد صبره: "ثقتكم هذه جيدة جدا، لكن يجب علي ان اتدخل بكلمة، فحضور السيد فارس اليوم ليس له اي علاقة بالآنسة نجلاء، على الإطلاق".قالت السيدة كوثر: "كيف يمكن ألا يكون له علاقة بنجلاء، قدوم السيد فارس إلى عائلة صالح في منزلنا، أليس من أجل نجلاء…"في منتصف كلامها، ادركت السيدة كوثر الامر، فاسودت تعابيرها ونظرت نحوي فجأة!خفض فارس عينيه وهو يرتّب كمّه، وصوته بارد: "لا أخفيكِ يا سيدة كوثر، أنا اليوم جئتُ لأسعى وراء زوجتي."كان صوته معتدلا لا هادئا ولا صاخبا، لكنه نطق كل كلمة بوضوح، مما جعل الحاضرين يسمعون الامر جليا.كانت هذه الجملة كصفعة على وجهي السيدة كوثر وابنتها.فاضت دموع نجلاء من عينيها، وكأنها لاقت إهانة
بمجرد أن سمعت السيدة كوثر، جالت بنظرها في القاعة، وحدّدت بسرعة السيد مراد، ثم سحبته وذهبت معه للاستقبال.لم تمضِ لحظات حتى دوّى صخب عند باب قاعة الحفل.كان فارس وطارق وعائلة صالح المكونة من ثلاثة افراد، يدخلون الى الداخل.كان فارس مرتديًا معطفًا أسود، ملامحه نبيلة صارمة، خطواته واثقة، وهيبته كرجل متسيّد طاغية.أما طارق فكما في زيارته السابقة لشركة أمل سارة، سار متأخرًا نصف خطوة خلف فارس، لكن من النظرة الأولى بدا أن بينهما أُلفة قديمة.اضف الى ذلك ما قالته السيدة كوثر قبل ان تذهب لاستقبال الضيف.فمن في القاعة جميعهم ثعالب خبيرة، يكفي أن ينظروا ليدركوا الحقيقة دون لبس.فارس هو المدير الاعلى لشركة T.ليس شخصًا آخر.إنه فارس الذي فسخت عائلة صالح خطبته.لكن في غمضة عين، عاد لتتخذْه عائلة صالح ضيفًا مكرّمًا، لا تجرؤ على إهماله.اضطروا الى ابتلاع غيظهم رغم مرارة الالم.وبسبب هذه العلاقة، اصبح الجو غامضا في تلك اللحظة، ولم يجرؤ احد على التقرب والحديث معهم بسهولة.ظهر على افراد عائلة صالح الثلاثة تعابير مختلفة، فكانت نجلاء مبتهجة بعض الشيء، والسيدة كوثر متحمسة، بينما كان السيد مراد شديد الاحراج







