Share

الفصل2

Author: ندي عبد الرحمن
كانت تخفض رأسها وتبتسم بمرارة.

ما الذي بقى لتتمناه؟ مجرد أنها استطاعت الزواج به، كان يعني أنها قد استنفدت حظها الذي يكفي لحياة أخرى كاملة.

كان والداها موظفين عاديين في مجموعة سكاي، وأثناء نشوب حريق هناك، حوصرا داخل غرفة التحكم؛ لكن قبل أن يفارقا الحياة، أغلقا نظامًا مهمًا، مما حال دون تسرب المواد السامة، وأنقذا بذلك حياة الكثيرين.

في ذلك الوقت، كانت وسائل الإعلام تبث التقارير عن الحادث لعدة أيام متتالية، وسجلت آخر مكالمة بين والديها والعالم الخارجي.

كانت تبلغ من العمر عشر سنوات فقط، ولم يكن أمامها سوى أن تعيش مع عمتها.

لكن العمة كانت مدمنة على التدخين وشرب الخمر ولعب القمار، وفي غضون عام واحد بددت كامل التعويضات التي حصلت عليها من مجموعة سكاي في لعب القمار.

وعندما بلغت الحادية عشرة، ألقت بها عمتها مباشرة أمام بوابة مجموعة سكاي.

احتضنت يارا حقيبتها المدرسية، وظلت تنتظر أمام الشركة يومين كاملين.

كانت جائعة ومنهكة، حتى مرّ رئيس مجلس إدارة مجموعة سكاي وأخذها معه إلى منزله.

منذ ذلك الحين، تكفّل بتعليمها، واعتنى بكل تفاصيل حياتها، من مأكلها وملبسها ومسكنها.

وحين أصبحت شابة، زوّجها إلى حفيده كريم.

لم يُبدِ كريم اعتراضًا على هذا الزواج علنًا، لكنه قال لها في الخفاء: "حتى لو تزوجتكِ، لن أستطيع أن أمنحكِ مشاعري؛ عندما تلك المرأة، سينتهي زواجنا على الفور، ولن يكون لكِ حق الاعتراض."

حينها، شعرت وكأن خنجرًا قد غُرس في قلبها.

ومع ذلك، كانت تعرف أن رفضها للزواج كان سيجعل الجدة تصب اللوم كله على كريم، وربما يؤدي ذلك إلى تدهور صحتها.

لذلك، رغم الألم الذي اعتصر قلبها، لم تجد خيارًا سوى أن تبتلع ألمها، وتهز رأسها بالموافقة.

قالت له بنبرة هادئة، تحمل شيئًا من البرود: "لا بأس، فأنا أيضًا لا أراك إلا كأخ، أخبرني فقط حينما تود الطلاق مني، فلن أعترض ."

وهكذا بدأت قصتهما معًا.

بعد الزواج، كان كريم يعاملها وكأنها كنز بين كفيه.

الجميع كان يظن أن كريم يحبها، لكنها وحدها كانت تعرف أن ما يفعله لم يكن حبًا، بل كان بمحض المسئولية.

والآن انتهت هذه المسؤولية.

أكملت يارا تناول آخر قضمة من البيض، ثم وقفت قائلة: "لقد شبعت، سأعود إلى غرفتي."

نهضت، وسحبت الكرسي بخفة محاولة المغادرة.

لكنها ما إن وقفت، حتى شعرت بدوار شديد يثقل رأسها.

خطواتها كانت سريعة ومتعثرة، فانزلقت قدمها فجأة، وكادت تسقط أرضًا.

"آه!"

شهقت بفزع، وضغطت بيديها على بطنها، تحاول النهوض وسط ارتباكها.

لكن قبل أن تهوي، امتدت يد قوية وأمسكت بها، وجذبتها إلى صدر دافئ.

"مما كل هذا الفزع؟ هل تأذيتِ؟"

تفحص كريم جسدها بعناية، وحين تأكد أنها بخير، تنهد بارتياح، ثم قال بنبرة خفيفة تحمل بعض العتاب: "لا تكرري هذا مجددًا. لقد كبرتِ، ولا تزالين تتصرفين كطفلة."

قالت يارا بصوت منخفض: "أنا بخير، ربما فقط لم أنم جيدًا ليلة البارحة."

تجنبت النظر إليه، تخشى أن يقرأ في عينيها ما تخفيه.

فما فائدة اهتمامه بها؟

كانت تحاول سحب يدها من قبضته، لكن كريم بدا وكأنه أدرك شيئًا، فعقد حاجبيه فجأة، ثم حملها بين ذراعيه دون سابق إنذار.

"آه!"

شهقت يارا بدهشة، وطوقت عنقه بذراعيها لا إراديًا، ثم سألت بارتباك: "ماذا تفعل؟"

رد بهدوء: "أحملكِ حتى لا تتعثري مجددًا."

قالت بإصرار، تحاول الإفلات منه: "أنا بخير، أنزلني، هذا لا يليق."

سألها ببرود: "ولم لا يليق؟"

همست يارا، وقد خفضت عينيها: "نحن على وشك الطلاق."

توقف كريم لوهلة، يحدق بها بنظرة معقدة، عابرة، يصعب تفسيرها.

ثم قال بصوت منخفض، فيه نبرة من الجفاء الذي لم يستطع إخفاءه: "طالما أن اتفاقية الطلاق لم تُوقَّع بعد، فنحن لا نزال زوجين. أم أنكِ منذ البداية كنتِ ترفضين أن ألمسكِ، ولهذا تتعجلين في الابتعاد عني؟"

كان صوته يحمل شيئًا من البرودة المكبوتة، وكأنه يرمي اللوم عليها، وكأن الطلاق كان خيارها القاسي، بينما هو مجبر على قبوله.

Patuloy na basahin ang aklat na ito nang libre
I-scan ang code upang i-download ang App
Mga Comments (3)
goodnovel comment avatar
الحمدلله دائماً وابدا
ضصثاتةتنمنةلانةلتة
goodnovel comment avatar
سلطان حسن علي صغيرالقاره
احلا حجه هيا الحب في الحياه
goodnovel comment avatar
Nora Almajd
كريم يحب يارا
Tignan lahat ng Komento

Pinakabagong kabanata

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل408

    نظرت يارا إليه بصمت.ما الذي يريده هذا الرجل منها؟هل يريدها أن تفقد السيطرة وتصرخ به كالمجنونة؟هل عندما يرى امرأة لا يحبها تفقد عقلها من أجله، سيمنحه ذلك شعورًا برجولته وتفوّقه؟أنزل كريم يديه اللتين كان يسند بهما الحائط، وتراجع بضع خطوات، مباعدًا المسافة بينهما، كانت نظرته يغمرها كآبة عميقة لا يُمكن وصفها بالكلمات.قال بصوت منخفض مبحوح: "تلك الأمور التي لا تريدين أن تخبريني بها، دعيها إذًا تتعفّن في صدرك إلى الأبد. لقد كنتِ على حق، حتى لو أخبرتني بها، النتيجة لن تتغيّر."قبضت يارا على قبضتيها بقوة، والغضب يغلي في عروقها.شعرت وكأنها لعبة بين يديه، يفعل بها ما يشاء، يرفعها إلى السماء ثم يُسقطها في الجحيم، كان يحب العبث بمشاعرها دائمًا ثم يتظاهر بالبراءة.هذا هو كريم ، الرجل الذي أحبّته طوال هذه السنين.دوّى صوت صفعةٍ عالية صفعةٌ وجّهتها بكل قوتها.احمرّ خَدُّ كريم من شدتها، أحس بوخزٍ خفيفٍ على وجهه، فمرّر أصابعه عليه بهدوء، ثم نظر إليها بثبات دون أن يُبدِي أيّ انفعال.كان كفّ يارا ترتجف من شدّة الألم، كأن جلدها يتشقّق.كانت تودّ لو تمزّقه تمزيقًا في تلك اللحظة.استدارت بسرعة وفتحت

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل407

    رخّى كريم قبضتيه اللتين كانتا تشتدّان أكثر فأكثر، فخف ضغطهما عن كتفيها."هل حقًا تريدين أن أقطع علاقتي بها؟""ليست المسألة ما إذا كنتُ أريد أم لا، أنا فقط طرحتُ شرطًا، ستستطيع تنفيذه أم لا هذا يعود إليك."كانت يارا تعلم أن كريم يستحيل أن يفعل ذلك، ولذلك قالت ما قالت لتسدّ عليه الطريق. فهي لا يمكن أن تُطلعه على حقيقة ما في قلبها، ولا على الأمر الذي تخفيه عنه.ولو أنها قالت له الآن، فما الذي سيحدث؟ سيدير ظهره ويعود إلى رنا، وتتحوّل هي إلى مسكينة فقدت حتى آخر أسرارها.خفض كريم جفنيه، وحدّق عميقًا في المرأة القريبة منه حدّ الملامسة، ثم دنَت شفتاه من خدّها، وراح دفء أنفاسه يلامس بشرتها لمسًا خفيفًا، وقال بصوتٍ مبحوح: "إن أنا قطعتُ علاقتي بها، فهل ستعودين إليّ؟"قبضت يارا على طرفي ثوبها بكفّيها.توتّرت قليلًا، وأرادت أن تفلت من أنفاسه الحارّة، فحوّلت وجهها جانبًا."كريم، لا تعبث معي. ولا تسألني أسئلة لا معنى منها.""ولِمَ ترينها بلا معنى؟ أليس شرطكِ أن أقطع علاقتي برنا؟ إذن أخبريني إن وافقتُ على شرطك، هل تعودين إليّ زوجة من جديد؟"ارتجف قلب يارا حين سمعت الجدية في نبرته، واستدارت نحوه تحدّق

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل406

    في ذاكرته، كانت يارا لم تقل يومًا إنها لا تحبه، لكنها أيضًا لم تقل إنها تحبه.لذلك ظل الأمر بالنسبة له لغزًا، لم يكن يعرف، بل كان يُخمِّن فقط، ويظن أن يارا لا تحبه، وأنها لم تكن سعيدة معه.شعرت يارا بوخزة ألم في صدرها، رفعت رأسها بصعوبة ونظرت إليه بصمت، وابتسمت ابتسامة خفيفة تحمل شيئًا من السخرية، وقالت: "ألا ترى أنك مثير للضحك؟ تسألني هذا السؤال الآن؟ ما الذي تريده بالضبط؟"قال كريم وهو يضع كفيه على الجدار خلف أذنيها، محاصرًا إياها داخل ذراعيه واقترب منها قائلًا: "أريد أن أعرف شعورك نحوي، أريد أن أعرف الحقيقة."كان أطول منها بكثير، وحين يتكلم معها، كان ينحني قليلًا، حتى صار وجهه قريبًا جدًا من وجهها، وقال بصوت خافت: "الآن قولي لي، ما هو شعورك الحقيقي تجاهي؟ أريد أن أسمع الحقيقة.""..."في الواقع، لم يكن كريم وحده من لا يفهم يارا، بل يارا أيضًا لم تفهم كريم.لم يفهم أيٌّ منهما الآخر، وكأن بينهما شيئًا ينتظر أن يُكشَف، لكنهما يخافان من كشفه.ظلّا على هذا الحال من الجمود، حتى تراكم بينهما المزيد من سوء الفهم.قالت يارا بهدوء: "هل تريد أن تسمع الحقيقة حقاً؟ إذا قلت لك، هل سيتغير شيء؟"قال

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل405

    "كل الأطباق التي على المائدة مما تحبّه هي، أليس هناك ما أحبّه أنا؟"بدت سهير وكأنّها تشعر ببعض الغيرة.رفع كريم رأسه وقال بهدوء: "أنا لا أعرف ما الذي تحبينه، ولم تخبريني يومًا، فنحن نادرًا ما تناولنا الطعام معًا."نظر إلى والدته دون أن يظهر على وجهه أيّ تعبير.تجمدت ملامح سهير قليلًا.تابع كريم وكأنّه لم يحدث شيء، وواصل وضع الطعام في طبق يارا.التفتت يارا تنظر إلى ملامحه الجانبية الجادّة، فغمرها شعورٌ بالحزن والمرارة.هل يعاني من انفصام في الشخصية؟ يجرحها من جهة، ثم يتعامل معها بلطف من جهة أخرى.قالت وهي تنهض: "عذرًا، سأذهب إلى الحمام." وضعت العيدان جانبًا وغادرت قاعة الطعام.سألت سهير بنبرة ذات مغزى: "كريم، لماذا تتقرب بهذا الشكل من زوجتك السابقة؟"فأجاب بهدوء: "أليست هي مَن ساعدتني؟ أليس من الطبيعي أن أرد الجميل وأضع لها بعض الطعام؟ المعاملة بالمثل.""ساعدتك؟ تقصد تلك الليلة حين سهرت في بيتي وهي تراجع بيانات شركة النهضة؟"رأى كريم ابتسامة غامضة على وجه أمه، فعبس قليلًا وقال: "مجموعة سكاي تفادت خسائر ضخمة بسبب شركة النهضة، وأنا بعت أسهمها في الوقت المناسب وربحت كثيرًا، أليست تلك مساعد

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل404

    عادت يارا مرة أخرى إلى المنزل الذي كانت تقيم فيه مع كريم .كان هذا منزلهما الزوجي سابقًا، وكل تفاصيل الديكور فيه مصممة وفق ذوقها.في هذا المكان، عاشا معًا عامًا كاملًا من السعادة.البيت ما زال هو نفسه، لم يتغير شيء.لكن الناس تفرّقوا.عندما دخلت إلى الردهة، رأت سهير وائل جالس على الأريكة، فقالت بدهشة: "ما الذي تفعله هنا؟"كل مرة يرى فيها سهير، يشعر وائل بشيء من الاضطراب، فوقف على الفور وعدّل سترته، واعتدل في وقفته.حتى في منتصف عمره، لم يتخلَّ عن الاهتمام بمظهره.ولن يكون مبالغة إن قيل إن وائل لو مثّل في دراما تجسّد شخصية الأب الأنيق صاحب النفوذ، فمجرد وقوفه هناك كفيلٌ بإثارة إعجاب الجمهور.قال وائل بابتسامة: "سهير، ما الذي جاء بكما أيضًا؟"عقدت سهير حاجبيها قليلًا، وشعرت بشيء غير مطمئن، وفي تلك اللحظة خرج كريم من الداخل قائلًا: "أنا من استدعيته."ظهر كريم أمام الجميع بقميص أبيض وبنطال أسود كلاسيكي أنيق، ملابسه البسيطة والكلاسيكية لا تبلى موضتها أبدًا. رغم أن ملامحه بدت مرهقة بعض الشيء، إلا أن وسامته ما زالت واضحة لا تخفى.سقطت نظراته دون قصد على يارا، فالتقت عيناهما للحظة.أرادت يارا

  • هروب الزوجة الحامل ومطاردة حتي النهاية   الفصل403

    "أمي، لا تقولي مثل هذا الكلام مجددًا، إنه لا يحبّني" قالت يارا بانفعال، "لو كان يحبّني فعلًا، لما طلقني من أجل رنا، ولما آثر تصديقها مرّة بعد أخرى وجرحني، لذلك هو لا يحبّني أصلًا""لأن كريم أحمق" قالت سهير، "لقد عانى من نقص الحبّ في طفولته، ولهذا لا يفهم ما هو الحبّ، ولا يعرف كيف يميّزه. واليوم هدف لقائي به أن أجعلكما تتحدثا بشكل جيد وجهًا لوجه، وتسأليه بوضوح من التي يحبّها حقًا""هل دبرتِ هذا اللقاء من أجلي أنا وكريم؟" تراجعت يارا بضع خطوات إلى الوراء وقالت، "لا، لا يمكنني مقابلته، لقد اتفقنا أن يعيش كلٌّ في طريقه، لا أستطيع...""توقّفي" أمسكت سهير بذراعها، "يارا، هل إلى هذا الحدّ أنتِ جبانة؟ ما قد يحدث من مجرد لقاء؟""هو لا يحبّني، ورؤيته الآن لن تكون إلا إهانة لي. لقد طلّقني من أجل رنا، ومهما حدث، لن أستطيع الرجوع إليه أبدًا."برغم الألم الذي يوجد في قلبها، ورغم حبّها لكريم، كانت يارا تدرك في أعماقها أنّها لا يمكنها أن تحاول استعادته."إن تجرّأ على إهانتك فسأضربه بنفسي! أعطي نفسك فرصة أخيرة، أليس هذا من حقك؟ أعلم أنكِ تتألمين، ورؤيتكما أنتما الاثنان تتألمان، تجعلني أتذكر نفسي مع وال

Higit pang Kabanata
Galugarin at basahin ang magagandang nobela
Libreng basahin ang magagandang nobela sa GoodNovel app. I-download ang mga librong gusto mo at basahin kahit saan at anumang oras.
Libreng basahin ang mga aklat sa app
I-scan ang code para mabasa sa App
DMCA.com Protection Status