الفصل الخامس

يمتلك زياد عدة عقارات، لكن ليان كانت تمتلك منزل واحد فقط، هذا المنزل في المجمع السكني المجاور، وقد أهداه أهل زياد لها بعد أن علموا بحملها، والآن، وهي على وشك الطلاق، أرادت بعض الهدوء، ولا تريد رؤية زياد أو نيرمين.

لذلك اقترحت: "أليس في المجمع المجاور منزل فارغ؟ لم لا تسكن نيرمين هناك؟ سيكون ذلك أنسب"، تجهم زياد متعجبًا من كرم ليان غير المتوقع: "ذاك المنزل ملككِ."

"بما أن نيرمين بحاجة إليه، فلتسكن فيه."

ثم همت بالصعود إلى الطابق العلوي.

ناداها زياد: "ألن تتناولي العصيدة؟"

أجابته: "لا".

إنها تكره المأكولات البحرية، وتحديدًا عصيدة المأكولات البحرية التي أعدها.

وحين نزلت إلى الطابق السفلي مرة أخرى، كانت غرفة المعيشة خالية من زياد ونيرمين كانت الخادمة فقط ترتب المائدة.

قالت الخادمة: "سيدتي، السيد ذهب مع السيدة نيرمين إلى المجمع المجاور."

"حسنًا."

لم تُبدِ أي انفعال بعد سماع ذلك.

بعد قليل، اتصل بها زياد: "لن أعود الليلة، نيرمين تخاف الظلام، سأبقى معها."

"حسنًا".

لم يتوقع زياد أن تكون متفهمة الأمر إلى هذا الحد، وقال وهو يشعر ببعض الندم: "آسف يا ليان ما زالت نيرمين صغيرة، وطفولية، وتخاف من الظلام والأشباح، لا يمكنني تركها وحدها، غدًا عيد ميلادك، أعدك أن أعود غدًا لأحتفل معك".

"حسناً"، لم تقل ليان شيئاً بعد ذلك، وأنهت المكالمة.

ثم نظرت حولها إلى أرجاء المنزل، وجدت على الحائط صور الأطفال معلقة في كل مكان، والدة زياد هي التي علّقتها، وقالت إنّ رؤية صور الأطفال تجلب الحظ للحمل.

كما أحضرت لها الكثير من الأعشاب التقليدية لتشربها، لأن ليان كانت تعاني من ضعف الخصوبة، وبعد فترة طويلة من تناولها لتلك الأعشاب، حملت أخيرًا.

الآن قد فقدت طفلها، وتستعد للطلاق من زوجها، فلم تعد لهذه الصور أي قيمة، نهضت ووقفت على مكان مرتفع وبدأت تمزّق الصور واحدة تلو الأخرى.

ارتبكت الخادمة وصاحت: "سيدتي! كيف تصعدين هكذا! انتبهي لطفلك!"

"لا بأس"، مزقت جميع الصور، وجمعتها في كيسٍ قمامة، وطلبت من الخادمة التخلص منه.

ثم اتصلت بمحاميها وحددت معه موعدًا في اليوم التالي.

أعد المحامي العقد كما طلبت: "سيدة ليان، هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تريدين شيئًا إطلاقًا؟"

"نعم، لا أريد شيئًا." لا تريد المنزل، ولا السيارة، ولا ممتلكات، لم ترد الدخول في نزاع مع زياد، لم يكن الأمر أنها لا تملك المال، بل إنها فقط لا تريد أموال زياد.

"حسنًا، راجعي العقد، وإذا لم يكن هناك مشكلة، سأطبعه".

"من فضلك، بعد الطباعة أخبرني للحضور إلى مكتبك للتوقيع. وأرجو ألا تخبر زياد بموضوع الطلاق حالياً."

"حسنًا يا سيدة ليان، كما تشائين."

كان يريد أن يسألها شيئًا، لكنه في النهاية التزم الصمت وغادر، وفي اللحظة التي فتح فيها الباب ليخرج، كان زياد قد عاد إلى المنزل.

كان هذا المحامي يُدير بعض الأمور لشركتهم، ورؤيته في المنزل اليوم حيرت زياد: "أستاذ شريف راشد؟ ما الذي أتى بك إلى منزلي؟"

"السيدة ليان استدعتني لبعض الأمور، فجئت فورًا"، ثم غادر مسرعًا

"لِمَ استدعيتِ المحامي؟"

"لا شيء"، نظرت ليان إليه ، بدا عليه التعب، والهالات السوداء تحت عينيه واضحة.

كان واضحاً أنه لم ينم الليلة الماضية، سألته بلا مبالاة: "ألم تنم جيدًا الليلة الماضية؟"

"تلك الصغيرة أصرت أن أشاهد معها فيلم رعب، لا تعرفين هي تخاف جدًا، لكنها مع ذلك تصر على المشاهدة!"

كان يتحدث وهو يضحك "بقينا طوال الليل مستيقظين، أنا مرهق قليلًا فقط."

وربما لم يلاحظ هو نفسه كم كان يبتسم بسعادة وهو يذكر نيرمين، لم تر ليان هذه الابتسامة منذ وقت طويل، آخر مرة رأته فيها، ربما كان اليوم الي علم فيه بحملها.