Share

الفصل 3

Author: حِبر الودّ

تجمّد نبيل في مكانه للحظة.

لم يتخيل يومًا أن يسمع من نادين كلمات بهذه القسوة؛ فهي كانت دائمًا مطيعة له.

كان يعرف جيدًا أنها تخاف الإبر، ترتجف كل مرة تُغرز فيها إبرة في جلدها، وتحتاج وقتًا طويلًا لتستعيد هدوءها...

لكنها ظلت تضحي من أجله، فمنحت هالة دمها مرات عديدة

ظهر التردد على ملامح نبيل، ثم رفع عينيه نحوها قائلًا: "إذًا..."

"أختي نادين... " لكن قبل أن يكمل، قطعت هالة كلامه، والدموع تهبط قبل الكلمات:

"أنت… ماذا تقصدين؟ هل تدعين عليّ بالموت؟"

حدقت نادين فيها ببرود نظرةً تخترق ما تحت سطح تلك المرأة التي تتقن الخبث والتمثيل، كانت تنجح دائما في خداع نبيل وجعله يدور حولها دون وعي.

وربما… كان هو يريد أن يُخدع.

ارتسمت على شفتي نادين ابتسامة باردة، وقالت: "من يريد التبرع فليتبرع. أما أنا، فلن أعطيكِ دمًا مرة أخرى!"

استدارت هالة وتمسكت بذراع نبيل وقد امتلأ صوتها بادّعاء العجز: "نبيل، هل رأيت، إنها تدعوعليّ بالموت، هل تريدني أن أذهب إلى العناية المركزة وأستلقي بجانب أمي لتفرح؟"

كانت والدة هالة قد ضحّت بنفسها لإنقاذ نبيل في الماضي، وبقيت في العناية المركزة خمس سنوات، ولم تستفق حتى الآن.

ولهذا السبب كان نبيل يحمل شعورًا عميقًا بالذنب تجاه هالة، ويعاملها بقدر كبير من التفضيل والحنان.

لكن هالة كانت تستغل هذا الأمر، فكلما افتعلت مشكلة، ذكّرت نبيل بوالدتها.

وكان نبيل يسمح بذلك في كل مرة.

مع ذلك، هذه المرة كانت مختلفة قليلًا، فعندما سمِع نبيل هالة تذكر والدتها، عقد حاجبيه بخفة.

لم ينسَ أبدًا ما حدث قبل خمس سنوات، في اللحظة التي فقدت فيها الشاحنة السيطرة وانطلقت نحوه، دفعتْه والدة هالة بقوة بعيدًا، بينما سقطت هي تحت العجلات، وانتشرت بقعة من الدم أسفل جسدها...

وأما نادين…

وحين طال صمته، لم تستطع نادين أن تمنع شرارة أمل صغيرة من الظهور في قلبها.

ولو لمرة واحدة فقط.

لو وقف نبيل إلى جانبها لمرة واحدة، لشعرت أن كل تلك السنوات التي ضحت بها كانت تستحق.

هي تعرف أنه ليس عديم المشاعر… بل فقط غير قادر على الحب.

"نادين، تبرعي لهالة مرة أخرى، أرجوكِ؟ أعِدُكِ بأنها ستكون المرة الأخيرة! "

رفع نبيل عينيه إليها، كانت عيناه الداكنتان كحبر الليل، تعكسان وجهها.

برد ذلك الأمل الذي ارتفع في قلب نادين.

ضحكت نادين بسخرية مريرة...هي حقًا غبية.

ما زالت تملك ذرة أمل فيه.

اتضح أن خيارات نبيل دائمًا واحدة.

وهي كانت دائمًا الطرف الذي يُضحّى به في حساباته...

تنفست هالة سرًا بارتياح، ثم التفتت نحو نادين، وعلى وجهها ابتسامة انتصار خفية: "أخت نادين، يبدو أننا ما زلنا سنعتمد عليكِ هذه المرة، شكرًا لكِ حقًا! "

نظرت نادين إليها من طرف عين.

نبيل حقًا يعاملها جيدًا…

كم كانت ساذجة حين اعتقدت سابقًا أن نبيل يتعلم شيئًا فشيئًا كيف يحب.

لكنه الآن يخبرها ببروده المعتاد وهدوئه الجاف، أنه لن يحبها أبدًا في هذه الحياة.

أعادت نادين نظرها إلى نبيل وقالت: "قلتُ لك، لن أتبرع لها بالدم. "

تجعد حاجبا نبيل قليلًا، فقد أزعجته تلك النظرة الباردة في عيني نادين.

وتذكر بوضوح يوم رآها لأول مرة، تحت شمس الصيف الساطعة، كانت ابتسامتها أكثر إشراقًا من الضوء نفسه.

ولكن، منذ متى توقفت عن الابتسام؟

"ماذا أفعل؟ إن لم تتبرع لي نادين بالدم، سأموت! " صرخت هالة بذعر: "نبيل، لقد وعدتَ أمي أنك ستهتم بي..."

رد نبيل بصوت بارد: "سأبحث فورًا عن شخص آخر ليتبرع لك، لن أدعك تموتين! "

اتسعت عينا هالة وهي تحدق به بعدم تصديق: "وإن لم تجد أحدًا؟ نادين أعطتني دمها مرات كثيرة، والفصيلة متطابقة… ولا يوجد أي رفض، لماذا تُغيّر الشخص الآن؟"

لم يتكلم نبيل.

وامتلأت عينا هالة بالدموع بسرعة: "حسنًا، حسنًا، بما أنك لا تهتم بي، سأذهب إلى خالتي سلمى!"

وركضت باكية نحو غرفة سلمى.

ولم تمضِ دقائق قليلة حتى خرجت سلمى مسنودة على كتف هالة.

كانت سلمى قد نامت منذ وقت قصير فقط، لذا بدا على وجهها بعض الإرهاق.

لم تكن تعرف ماذا قالت لها هالة قبل قليل، لكن حين وقع بصرها على نادين، ظهرت في عينيها لمحة خفيفة من العتاب.

"نبيل، لا تظل تظلم هالة، أمها دخلت في غيبوبة لأنها أنقذتك. والآن تطلب فقط من نادين أن تنقل إليها بعض الدم، إنه ليس شيئًَا عظيمًا على أي حال. علاوة على ذلك، لقد نقلت لها الدم كل تلك المرات، ولن يحدث لها مكروه. لكن إذا لم تنقل إلى هالة الدماء فورًا، فإنها ستموت! "

ضغط نبيل شفتيه، وظهر تجهم خفيف على جبينه: "أمي، قلت لكِ سأجد شخصًا آخر فورًا. ويحتوي بنك الدم على دم، ليس من الضروري أن يكون دم نادين."

"خالتي سلمى، انظري إليه، هو لا يعرف كيف يحنّ إلا على نادين، أما أنا فلا يشعر بي! "جرّت هالة نادين إلى قلب المشهد بكلمة واحدة.

عقدت سلمى حاجبيها بسبب الصداع، إلا أن نبيل كان في تلك اللحظة خالي التعبير، ونظراته الحادة التي لا يمكن لأحد أن يغيّر قرارًا خلفها.

لم تجد سلمى طريقًا آخر، فاستدارت نحو نادين وقالت: "نادين، ألا تعطين هالة قليلًا من الدم؟ اعتبريها رجاءً مني. "

ابتسمت نادين ابتسامة خفيفة.

كانت تعرف سيؤول الأمر إلى هذا دائمًا!

كل مرة تفتعل هالة مشكلة، التي تتنازل في النهاية هي نادين.

وكانت هذه الحماة المستقبلية تختار الخيار الذي يجرح نادين أكثر.

وهذا طبيعي.

فمنذ البداية، كانت هي من تذللت وتقرّبت إليها دون اكتراث بكرامتها.

تتذكر أنها التقت بـسلمى هادي للمرة الأولى في إجازة الشتاء قبل خمس سنوات.

كانت نادين آنذاك قد بدأت سنتها الجامعية الأولى.

في إحدى المرات، تأخرت في العودة إلى الجامعة ليلاً، فقام شخص مشاغب مخمور بجرّها إلى زقاق مظلم، وفي اللحظة الحرجة، أنقذها شاب طويل ونحيل، ورغم أنها لم ترَ وجهه، إلا أنها رأت صدره وقد شُقَّ بسكين من قبل ذلك المشاغب.

وعندما خرجت نادين من المستشفى لاحقًا، رأت الجرح نفسه على جسد نبيل.

كانت قد وقعت في حبه من النظرة الأولى، وحين عرفت أنه هو من أنقذها تلك الليلة، ازداد تعلقها به حدّ الهوس.

ورغم أنه كان دائم البرود معها، إلا أنها كانت تطارده بلا خجل.

وعلى الرغم من أنها كانت في ذلك الوقت أجمل طالبة في قسم القانون، إلا أنها تخلَّت عن كبريائها وقامت بملاحقته حتى الإرهاق.

وفي عطلة الشتاء التالية، لم تستطع نادين احتمال شهرٍ كامل بعيدًا عنه، فخبأت الأمر عن أسرتها، واشترت تذكرة قطار إلى قريته، ثم ذهبت لرؤيته.

كانت قد نشأت في مدينة كبيرة، وسط عائلة ميسورة، ولم تتذوق يومًا أي معاناة حقيقية.

حين عثرت عليه بعد أن ظلت تستفسر عنه في طريقها، رأته مثبتًا بقوة على الأرض من قبل أناس.

"يا ولدي، لِمَ لا تستمع للنصيحة هكذا! لقد قال الجميع إن الجبل مليء بالذئاب، ألم ترَ أن السيدة خديجة نفسها قد تعرّضت للعض؟ صعودك الجبل الآن للبحث عن شخص ما هو ذهاب إلى حتفك! "

"أُمك على الأرجح واجهت ذئبًا أيضًا، لقد اتصلنا بالشرطة بالفعل، فانتظر حتى وصولهم قبل أن تصعد الجبل، لا تتهوّر. "

تحدث القرويون جميعًا في آنٍ واحد بأصوات متداخلة.

أما نبيل فكان مثبتًا على الأرض، وقد تلطخ وجهه بالتراب وغُطي جسده بالكامل بقصاصات العشب.

ومع ذلك، كان يحدق بالجبل بتركيز شديد، ولا تزال ملامحه خالية من أي تعبير، لكن نظراته كانت تشبه نظرات وحش على وشك أن يُجنّ.

"أطلقوا سراحه! " اندفعت نادين مباشرة نحوه، لا تدري من أين أتت بتلك القوة، لكنها دفعت الرجلين اللذين كانا يضغطان على نبيل بيد واحدة.

"من أين أتت هذه الفتاة الصغيرة؟ أي فوضى تثيرين؟ نفعل هذا لصالحه، فالليل قادم، والصعود إلى الجبل في هذا الوقت هو بمثابة الذهاب لإطعام الذئاب!"

ظل نبيل جالسًا على الأرض بصمت، بينما كانت أصابعه الطويلة النحيلة تقبض بإحكام، لكنه لم ينطق بكلمة.

"أنتم جميعًا بهذا العدد! استغلوا الفرصة قبل أن يحل الظلام، ساعدوا في البحث على الجبل، هذا أفضل من الوقوف هنا دون فعل أي شيء!"

عندها تبادل الحاضرون النظرات دون حول ولا قوة، ولم يردّ أحد منهم.

فلو واجهوا ذئبًا حقًا، لكانت هذه مسألة حياة أو موت!

"إذا لم تساعدوا، فلا تمنعوه!" مدّت نادين يدها وأمسكت بيد نبيل.

"هيا بنا، سأصعد الجبل معك للبحث عن الخالة! "

كان نبيل جالساً على الأرض، ينظر إليها برأس مرفوع.

"هيا نذهب! "

سحبته نادين مباشرة ليقف، ثم أمسكت بيده وشرعت في الصعود نحو الجبل.

وفي تلك الأثناء، كان الليل قد خيّم بالفعل.

"نبيل، لا تقلق، سأساعدك في العثور على والدتك!" أخذت نادين نفسًا عميقًا، وهي تحدق بعينيها مباشرة في الظلام والخطر أمامهما، كأنها تحاول باستمرار أن تقوّي عزيمتها، حتى مع أن خوفها كان يجعل قلبها ينبض بعنف يكاد يجعله يقفز من صدرها.

"وعندما نجد الخالة، سنذهب معًا لنتعلم الكيك بوكسينغ والتايكواندو، ولن يتمكن أحد بعد اليوم من منعك من فعل ما تريد!"

فقد كان منظر نبيل وهو مُثبَّت على الأرض في حالة يرثى لها قد أثر في نادين بشدة.

حينها فقط، علمت أن هذا الشاب المنعزل والمتفوق يمكن أن يمر بلحظات كهذه من العجز واليأس.

لم تُرِد أن تراه في تلك الحال.

فهو يجب أن يظل يشع نورًا، يجعل الجميع يتطلعون إلى وجوده المتميز.

ولا بد من القول، أن الحظ كان لا يزال يحالفهما.

وفي اللحظة التي كاد فيها الظلام أن يطبق تمامًا، حالفهما الحظ وعثرا على سلمى، التي كانت على شفا فقدان الوعي بسبب النزيف الحاد.

لم تكن قد واجهت ذئبًا، بل سقطت فحسب، واخترق غصن شجرة ساقها، مما أدى إلى فقدانها كمية كبيرة من الدم.

على الفور، حملها نبيل على ظهره واتجه بها نزولاً نحو أسفل الجبل.

تتذكر نادين أن سلمى كانت حينها تغرقها بوابل من الشكر والامتنان، وتلحّ على نبيل ألّا يخذل أبدًا فتاةً طيبة مثلها.

ولكن اليوم...

لقد تغيّر الزمن، وتغيّرت النفوس.

فـسلمى اليوم هي من تتوسل إليها لتنقل الدم لشخص آخر.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 30

    تقدم نبيل خطوة، وقال بصوت مبحوح للغاية: "نادين... لقد وجدتكِ أخيرًا."رفعت نادين عينيها أخيرًا، ونظرت إليه مباشرة.كانت عيناها صافيتين، لكنهما خاليتان من أي اضطراب.نظر نبيل إليها أيضًا.كانت الفتاة التي أمامه لا تزال هي المرأة الجميلة التي يتذكرها. ولو أنها ابتسمت وتحدثت إليه بعينين تلمعان، لظنّ حتمًا أن هذا الشهر وأكثر لم يكن سوى حلم طويل بالنسبة له."المحامي نبيل،" بدأت تتحدث بصوت ثابت لا يحمل أيّ انفعال: "هل تبحث عني لأمر ما؟"كانت كلمتي "المحامي نبيل"، بمثابة إبرتين باردتين، غُرست بعمق في قلب نبيل.كانت في السابق، تناديه دائمًا باسمه الكامل "نبيل الصاوي" في الحياة الخاصة، تناديه عندما تكون غاضبة، وعندما تكون سعيدة، وتناديه بنبرة ناعمة في لحظات دلعها النادرة...وكانت تناديه بـ"المحامي نبيل" فقط أثناء العمل لتجنب الريبة."أنا..." توقفت آلاف الكلمات في حلقه، تحرَّك تفاحة آدم، وفي النهاية لم يستطع إخراج سوى بضع كلمات جافة: "نادين، لقد بحثت عنكِ طويلاً..."أراد أن يمسك معصم نادين لا شعوريًا.تجنّبت نادين يده على الفور تقريبًا، وقالت: "ماذا تريد مني؟ لقد انفصلنا بالفعل."ارتعش وجه نبيل

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 29

    أخيرًا، ساد الهدوء.اتكأت نادين على ظهر الكرسي، ودلكت صدغيها.وبينما كانت تحاول تهدئة نفسها والعودة إلى العمل، انبعث فجأة من خارج المكتب صوت صراخ راشد المبالغ فيه."يا مديرة! يا مديرة! تعالي وشاهدي مَن جاء!"انزعجت نادين من صراخه، وظنت أنه جلب عميلاً مهمًا غير متوقع، فجمعت ما تبقّى لها من طاقة بصعوبة، ونهضت لتفتح باب المكتب.في تلك اللحظة، خارج باب المكتب--ابتعد راشد بابتسامة حماسية، ليظهر الرجل الذي كان يقف خلفه فجأة في مرمى بصرها.لقد كان... نبيل.بدا أكثر نحافة، فازدادت حدة خط فكه، وكان طرفا سترته مفتوحين قليلاً، بدت ياقة قميصه مرتّب ولكن يشوبها شيء من الفوضى.تجمد تعبير نادين على الفور، شدّت قبضتها على مقبض الباب، وتدفقت الدماء في لحظة واحدة إلى أطرافها وجسدها كله، فشعرت بدوار غريب إلى حدّ لا يصدّق.توقف العالم عن الحركة في تلك اللحظة.تلاشت جميع الأصوات، ولم يبق سوى صوت دقات قلبها التي خرجت عن السيطرة فجأة.دقة.دقة.تقرع طبلة أذنها.كان راشد لا يزال يتحدث بكلمات متقطعة ومتحمسة من الجانب: "مديرتي! إنه المحامي نبيل! مثلي الأعلى..."بدا صوته وكأنه يأتي من مكان بعيد جدًا، غامضًا وغي

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 28

    "نادين..."جاء صوت سلمى وفيه شيء من التحفّظ، لكن كلماتها بدت بوضوح محاولة للتظاهر بالاسترخاء: "يا ابنتي، لماذا رحلتِ هكذا دون أن تقولي شيئًا؟ لم تُخبِريني حتى قبل أن ترحلي...متى ستعودين؟ أشتاق إليك..."هذه الأسئلة المفاجئة المتتالية جعلت نادين تشعر ببعض الغرابة.خلال السنوات الخمس الماضية، رغم اعتراف سلمى بها كحبيبة نبيل، إلا أن موقفها ظل دائمًا متحفظًا، بل مشوبًا بعض الانتقاد، ولم يسبق لها أن أظهرت مثل هذا الدفء على الإطلاق.حتى عدم انتقادها لعيوبها، كان يعتبر لطفًا في نظر نادين.لو أنها سمعت هذه الكلمات قبل شهر، لكانت تأثّرت حتى البكاء.أما الآن.فإنها لا تشعر سوى بالسخرية فحسب."أنا بخير، شكرًا لاهتمامكِ يا خالة." كان صوت نادين باردًا ومهذبًا. " تفضّلي وقولي ما لديكِ مباشرة."تجمّد وجه سلمى لحظة، فلم تكن تتوقّع أنّها بعدما خفّضت من شأنها إلى هذا الحدّ، لن تلقى أي تجاوب. فشعرت بالحرج في تلك اللحظة، وبردت نبرتها شيئًا فشيئًا."نبيل هكذا طبعه، عنيد ولا يُحسن الكلامألستِ تعرفينه منذ اليوم الأول؟ فلماذا تتعاملين معه بهذه الحدة؟ ؟ وسمعتُ أنكِ بِعت بيتك أيضًا؟ هذا تصرّف متهوّر جدًّا ولا د

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 27

    لم يكن فخر يصدّق أبدًا أن الأم وابنتها قد صحا ضميرهما فجأة...ربما كان لحادث السيارة الذي وقع في ذلك العام خفايا أخرى."تلك الحقيرة نادين لا تُقارن بي على الإطلاق؟!" صرخت هالة وكأنها قطة داس أحدهم على ذيلها. "أنا من نشأت معه منذ الطفولة! سيعرف نبيل عاجلاً أم آجلاً من هي المرأة المناسبة له حقًا!""مناسبة؟" سخر فخر وقال ببرود: "مناسبة للمشاحنات اليومية؟ أم مناسبة لمحاولة الانتحار في يوم زفاف شخص آخر؟"ارتعشت شفتا هالة غضبًا: "أنت... ما هذا الهراء الذي تقوله.""أنا أقول الهراء؟" كانت نظرة فخر جليدية: "هالة، حافظي على ما تبقى من كرامتك. هل حقًا لا تفهمين لماذا يتجنبك نبيل؟ تسامحه معك سابقًا كان بفضل إنقاذ والدتك لحياته، والآن بعدما غادرت نادين، لقد أضعتِ كل ما تبقى من هذا الفضل بتصرفاتك. لا تُهيني نفسك أكثر."اخترقت هذه الكلمات قلب هالة كأنها سكاكين حادة.ارتعش جسدها بالكامل من الغضب، وأشارت إلى فخر، تردّد كلمة "أنت..." لبعض الوقت دون أن تستطيع إخراج عبارة سباب كاملة.ماذا يعرف فخر أصلاً؟علاقتها بنبيل هي علاقة نشأت منذ الطفولة!هي ونبيل فقط ينتميان إلى العالم نفسه، أمّا نادين، فلا تفهم

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 26

    حاولت هالة الاتصال به مرة أخرى، غير مستسلمة...(عذرًا، الرقم الذي طلبته...)"آه!" صرخت هالة غاضبة، وكادت أن تسقط وعاء الطعام الحراري الذي كانت تحمله.شدّت يديها بقوّة، وغرست أظافرها في راحتيها، وكان صدرها يرتفع ويهبط بعنف.تلك الحقيرة نادين، حتى بعد رحيلها، لا تدَع الناس يعيشون في سلام، كأن روحها الشريرة ما زالت تلاحقهم!لا، هذا غير مقبول!اليوم…لا بدّ لها أن تنتظر نبيل! "أحضري لي كوبًا من القهوة... " اتجهت مباشرة نحو الأريكة في منطقة الاستقبال وجلست متخذة وضع سيّدة المكان، وتحدثت بنبرة آمرة إلى موظفة الاستقبال: "أريدها مطحونة طازجة، بدون سكر أو حليب."عرفت موظفة الاستقبال هالة بالطبع؛ فقد كانت تأتي إلى المكتب باستمرار لرؤية المحامي نبيل، ويقال إنهما أصدقاء طفولة، والأهم من ذلك، أن المحامية نادين قد أُجبرت على الرحيل بسبب هذه المرأة!رغم شعورها بالاشمئزاز، إلا أنها لم تجرؤ على إغضابها، فاكتفت بالردّ بصوت خافت وذهبت للتحضير.مر الوقت دقيقة تلو الأخرى.شعرت هالة بالقلق وعدم الصبر، واستهلكت كوبًا تلو الآخر من القهوة، لكن ظل نبيل غائبًا.عندما كادت تفقد صبرها، انفتح باب المصعد مع رنين الج

  • وهبتُه لحبيبة طفولته، فوجدني قمرَه الوحيد   الفصل 25

    "غدًا... في التاسعة صباحًا؟" كاد معتز أن يفقد وعيه من الصدمة، إذ اسودّت الدنيا أمام عينيه لحظة.لدى القسم القانوني سبع أو ثماني قضايا رئيسية قيد المتابعة، وعشرات من قضايا الدفاع عن الحقوق العادية. كيف يمكن مراجعة كل هذه القضايا وتقديم تقارير مفصلة عنها في ليلة واحدة؟!هذا ببساطة جدول موتٍ بالإرهاق حتى الفجر!قال معتز محاولاً الاعتراض قليلاً: "سيد ماجد، أليس… أليس الوقت ضيّقًا بعض الشيء؟"رفع ماجد عينيه ونظر إليه، ولم يكن في نظراته أي دفء: "هل تواجه صعوبة؟"ابتلع معتز الكلمات على الفور، وشعر بقشعريرة تسري في فروة رأسه: "لا... لا! سننجز المهمة بالتأكيد!"كاد يبكي، وصرخ في داخله بجنون: من الذي أغضب هذا السيد الجليل مرة أخرى؟!لماذا هذا الجحيم المفاجئ من العمل الإضافي؟!لم يقل ماجد شيئا آخر، ونهض ورتب بدلته، ثم غادر غرفة الاجتماعات بخطوات ثابتة، تاركًا معتز ومجموعة من نخبة القسم القانوني خلفه، غارقين في موجة من العويل الصامت....مدينة الزهرة، الطريق السريع المؤدي إلى المطار.كان فخر يقود السيارة بسرعة جنونية في طريقه إلى المطار.نظر عبر المرآة إلى نبيل الجالس في المقعد الخلفي صامتًا بملام

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status