Share

الفصل4

Author: محمود علي
غادر حسين غاضبًا، مصطحبًا معه صوت أمي الهستيري وهي تسب وتلعن. وعندما مرت السيارة من أمامي، رأيت على وجه سهيلة نظرة انتصار حيث كانت تعتقد أنها فازت.

مرة أخرى، وجدت نفسي وحيدة ومنبوذة، كحشرة بائسة تعيش في عزلة.

لكنني لم أكن أكترث أبدًا.

والديّ، زوجي وابني... لا أريد أيًّا منهم.

إن كانت تحبهم، فليكن سأمنحهم لها جميعًا.

كنت أفكر بهذه الطريقة بلا مبالاة، لكن لا أدري لماذا، ربما في الأوقات العصيبة، لا يستطيع المرء منع نفسه من استرجاع أسوأ الذكريات؛ تلك اللحظات البغيضة بدأت تملأ رأسي، شعرت برغبة عارمة في البكاء، ليس حزنًا، بل فقط لأفرغ ما بداخلي.

لكنني لم أجرؤ على البكاء، كنت أخشى أن تحرق الدموع وجهي، ولن يكون ذلك إلا إضافة للمعاناة.

مضيت أترنح في السير، خطوة ثقيلة وأخرى أخف، حتى خَدِرَت قدماي وتوقفت أفكاري عن العمل، غير قادرة على استرجاع أي شيء آخر.

وعندما وجدت أخيرًا مكانًا احتمي فيه من الثلج، ونجحتُ في إيقاف سيارة أجرة، انزلقت السيارة في اللحظة التي توقفت فيها، واندفعت نحوي مباشرة مُصطدمةً بي.

لم تكن الصدمة قوية، لكنني سقطت على الثلج، وبسبب البرد القارس الذي تسلل إلى جسدي، أصبت بانخفاض في الحرارة، وأُغمي عليّ.

عندما استعدت وعيي، شعرت وكأن جسدي قد دهسته عجلات سيارة.

كان رأسي يدور، جفناي ثقيلين، وحرارتي مرتفعة، بينما حلقي وكأنه يحترق.

حاولت فتح عيني، فرأيت بجانبي شابًا بملامح نظيفة وهادئة.

بصوت خافت، سألته: "أين أنا؟"

بدا عليه الفرح لسماع صوتي وقال: "لقد استيقظتِ! هذا رائع!

أنتِ في المستشفى، كنتِ تعانين من حمى شديدة، وقد أغمي عليكِ لمدة يومين."

كان قريبًا جدًا، حتى أن أنفاسه الساخنة لامست وجهي، مسببة لي شعورًا خفيفًا بالدغدغة.

لم أعتد على الاقتراب من الرجال هكذا، فانتابني بعض النفور وقطبت حاجبيّ.

لاحظ ذلك فورًا، فابتعد سريعًا، واحمرت أذناه قليلًا، ثم بدأ يروي لي ما حدث.

قال إن اسمه علي، وإنه يعمل كسائق أجرة بجانب عمله الأساسي لتوفير المال لعلاج والده المريض.

لم يكن يتوقع أن تنزلق سيارته رغم حذره الشديد، لكنها خرجت عن السيطرة.

لحسن الحظ، لم تكن إصابتي خطيرة، مجرد التواء في معصمي، لكن الأطباء أخبروه أنني أعاني من فقر دم حاد، وانخفاض في السكر، إضافة إلى الحمى الشديدة، وخشوا أن تتطور حالتي إلى التهاب رئوي، لذلك بقي بجانبي طوال الوقت.

نظرت إليه، كان يبدو لطيفًا وصادقًا، بعينين واسعتين براقتين لم تلوثهما قسوة الحياة بعد.

لاحظت أيضًا معطفه الفاخر، رغم أنه لم يحمل علامة تجارية واضحة، لكن صنعه كان متقنًا.

عرفت حينها أنه يكذب بشأن وضعه المالي، لكنه لم يكن كذبًا يزعجني؛ في الواقع، كنت ممتنة لأنه بقي بجانبي.

قلت له: "شكرًا لك، لكن ليس عليك البقاء معي، يمكنك فقط استدعاء شركة التأمين."

لكنه أجاب بصدق: "في الواقع، هذا ما كنت أنوي فعله لكن الشرطة والأطباء حاولوا التواصل مع عائلتكِ، ولم يرد أحد، لذلك اضطررت للبقاء معك."

بالطبع الأمر كذلك.

لا أحد منهم يهتم بي الآن، كلهم منشغلون بالاهتمام بتلك المرأة وابنتها المخادعتين.

في هذه اللحظة، رنّ هاتفي. ناولني علي الهاتف، وكانت الشاشة تعرض اسم المتصل: "زوجي".

بدا عليه الذهول، فمن النادر أن تكون هناك امرأة متزوجة، ترقد في المستشفى ليومين دون أن يسأل عنها زوجها!

أردت منعه من الرد، لكنه كان أسرع، وضغط على زر الإجابة، بل ووضع المكالمة على مكبر الصوت.

جاء صوت حسين عبر الهاتف باردًا ونفاد صبر واضح: "جيهان، أين كنتِ طوال اليومين الماضيين؟"

قلبت عيني بضجر، غير راغبة في التحدث مع هذا الأحمق.

أصبح صوته أكثر برودة: "لا يهم أين كنتِ، عودي الآن فورًا واعتذري لسهيلة وابنتها. "

"هل تدركين أن الطبيب قال إن نرمين تعاني من صدمة نفسية منذ الحادث الذي وقع قبل سنوات، وأنها تنهار فورًا عندما تنفعل؟ لقد آذيتِ سهيلة والآن آذيتِ طفلتها أيضًا، ألا تشعرين بالذنب؟"

قطبت حاجبيّ في اشمئزاز. وقبل أن أتمكن من الرد، تابع قائلاً: "والداي هنا أيضًا، قالا إنه إذا ركعتِ أمام سهيلة واعتذرتِ، فسيغفران لك. "

"أليس هذا ما كنتِ تريدينه دائمًا؟ أن تتصالحي معهما؟ هذه فرصة لا تُعوّض، إن لم تستغليها الآن، ستندمين لاحقًا!"

أطلقت ضحكة ساخرة، كنت على وشك الرد، لكن علي سبقني إلى ذلك، بصوت هادئ لكنه لاذع:

"عذرًا، لكنها لا تستطيع العودة، لقد ماتت وجثتها في المشرحة، يمكنك الذهاب والبحث عنها، لكن، إن تأخرت قليلًا، ربما لن تجد سوى رمادها!"
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • ‎بعد أن اتهمتني صديقتي المقربة ظلما لعشر سنوات ، أهديت لها زوجي وإبني   الفصل 10

    على الرغم من أن المنشور لم يذكر اسم الشخص صراحة، إلا أنه من المدهش أن العديد من زملائي في المدرسة الثانوية بدأوا يعلقون تحته.وسرعان ما تم الكشف عن كل الأفعال القذرة التي ارتكبتها سهيلة.لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تأثر حسين ووالداي أيضًا.في الأيام القليلة التالية، كاد هاتفي ينفجر من كثرة الاتصالات.وفي هذه اللحظة، نظرتُ إلى الجاني الرئيسي الجالس أمامي، وقلتُ له بلهجة يائسة: "أيها الوغد، من سمح لك بالتدخل؟"ابتسم علي بمرح ووضع لي قطعة لحم بقر ساخنة في وعائي: "لا تغضبي يا جيهان، أنا أعرف أنكِ لا ترغبين في استغلال جراحكِ لجعل الآخرين يشعرون بالذنب.""لكنني أرى أن من تعرض للظلم له الحق في أن يتكلم! إن لم يعرفوا حجم معاناتك، فكل ما سيشعرون به هو مجرد ندم بسيط.""وهذا لا يكفي لتعويضكِ عن الأذى الذي سببوه لكِ، كما أنه لن يساعدكِ على تجاوز هذا الجراح.""لذلك، أردتُ أن أجعلهم يعيشون العذاب نفسه الذي عشتهِ أنتِ طوال هذه السنوات.""ومن الآن فصاعدًا، كلما شعرتِ بالحزن، فقط تذكري أنهم أكثر تعاسة منكِ، وستشعرين براحة أكبر."نظرتُ إليه بدهشة، وشعرت بشيء غريب في داخلي.كان محقًا... لم

  • ‎بعد أن اتهمتني صديقتي المقربة ظلما لعشر سنوات ، أهديت لها زوجي وإبني   الفصل 9

    سمعت سهيلة أنني سأقدم لها هدية، فامتلأت عيناها بالحذر.يبدو أنها كانت على دراية بنفسها، وتعلم كم أكرهها، فكيف يمكن أن أُحضِّر لها هدية؟لكن قبل أن ترفض، خرج رجل ذو شعر قصير جدا من بين حشد المتجمع.عندما رأت ذلك الرجل، تغير وجه سهيلة فجأة، وتراجعت بضع خطوات إلى الخلف بخوف، ثم نطقت باسمه لا إراديًا:"مصطفي!"نفث مصطفي دخان سيجارته، وعيناه تتجولان بلا مبالاة على وجه سهيلة:"حبيبتي السابقة، لم أركِ منذ زمن طويل؛ يبدو أنكِ تعيشين حياة جيدة، هل لا يزال وعدكِ قائمًا بأنكِ ستتزوجينني بعد حصولكِ على ثروة عائلة جيهان؟"اتسعت عينا والديّ في دهشة، ونظرا إلى سهيلة بصدمة.هزت سهيلة رأسها بسرعة محاولة التوضيح: "أبي، أمي، لا تصدقاه! إنه... إنه أحد أولئك الأوغاد من الماضي!"وبعد أن نطقت بهذه الكلمات، التفتت إليّ بغضب: "أنتِ! أنتِ من أحضرت هذا المغتصب إلى هنا؟""لماذا؟ لقد عانيتُ بما فيه الكفاية، لماذا لا تزالين تلاحقينني بهذا الشكل؟"ثم انفجرت بالبكاء.تقدم حسين لمساعدتها، ونظر إليّ بخيبة أمل قائلاً:"كيف يمكنكِ أن تكوني قاسية بهذا الشكل؟"أما أبي، فصرخ بغضب: "يا لكِ من وحش! أنتِ حقًا بلا

  • ‎بعد أن اتهمتني صديقتي المقربة ظلما لعشر سنوات ، أهديت لها زوجي وإبني   الفصل8

    قبل ثلاثة أشهر، أُطلق سراح ذلك الوغد الذي اغتصب سهيلة بعد أن أنهى مدة عقوبته.في اليوم الأول من خروجه، التقيت به.ما زلت أتذكر ما قالته سهيلة : "على ذلك الطريق، هناك صديق ينتظرني."إن كان هذا الشخص موجودًا حقًا، فربما يكون الوحيد القادر على إثبات براءتي.بحثت في شبكة علاقات سهيلة ، لكنني لم أجد شيئًا. لذا، خمّنت أن ذلك الصديق قد يكون واحدًا من هؤلاء الأوغاد.وفي النهاية، لم أكتشف فقط هوية الصديق الحقيقية، بل عرفت أيضًا الحقيقة كاملة.وغدًا، سأحمل هذه الحقيقة وأوجه الضربة القاتلة لسهيلة وسأمنح حسين مراسم طلاق لا تُنسى.بعد أن رتبت كل شيء، استغرقت في النوم من جديد.وفي الحلم، بدا لي أن هناك من يسألني: "إن كنتِ لا تكترثين حقًا، فلماذا تحتاجين إلى أدوية مضادة للاكتئاب؟"...في اليوم التالي، وبعد إنهاء إجراءات خروجي من المستشفى، أصرّ علي على إيصالي إلى إدارة الشؤون المدنية.لم أرفض، فجسدي لم يكن قد تعافى تمامًا بعد.عند وصولي، ودعته ثم دخلت المكتب.بعد ساعة، خرجت أنا و حسين بعد توقيع أوراق الطلاق، ولم يتبقَّ سوى شهر واحد لاستلام الشهادة الرسمية.لكن فور خروجي، اندفع والدي نح

  • ‎بعد أن اتهمتني صديقتي المقربة ظلما لعشر سنوات ، أهديت لها زوجي وإبني   الفصل7

    لا بد أن أعترف، مهارة علي في التمييز بين الحقيقي والمزيف تفوق حسين بكثير.تناولت التفاحة التي أعاد تقشيرها لي، وسخرت: "عجبًا، يبدوعلى الأرجح أنها تُعاني من انتكاسة في اكتئابها الحاد."توقف علي للحظة، ثم شدد على كلماته: "اكتئاب حاد جدًا."انفجر علي ضاحكًا: "هذا ليس اكتئابًا حادًا، بل انفصام في الشخصية! أنصح بإرسالها إلى مستشفى الأمراض العقلية، فالعلاج المناسب هناك سيكون أسرع!"ضحكت أنا أيضًا بصوت مسموع.نظر حسين إليّ بصدمة. لم يتخيل يومًا أنني قد أكون باردة القلب إلى هذه الدرجة، أسخر من مرض سهيلة مع شخص آخر.لكن ما لم يستطع تحمله أكثر، هو أنني أمامه كنت باردة كالجليد، بينما كنت أبتسم لهذا الرجل الآخر.اشتعلت نيران الغيرة في قلبه، فصرخ بغضب:"كفى يا جيهان! كيف أصبحتِ هكذا؟ لا عجب أن والديكِ خاب أملهما بكِ، ولا عجب أن ابننا لا يحبكِ!أنتِ امرأة شريرة، بلا قلب! كنتِ على حق، أندم على أنني لم أوافق على الطلاق منكِ من قبل.كان يجب أن أتخلص منكِ منذ وقت طويل، حتى يرى الجميع كيف سيكون مصير امرأة خبيثة مثلكِ!"في حضنه، بدت سهيلة منتشية، لكنها استمرت في التظاهر بالحكمة واللطف: "حسين،

  • ‎بعد أن اتهمتني صديقتي المقربة ظلما لعشر سنوات ، أهديت لها زوجي وإبني   الفصل 6

    عندما ناديتُه بـطليقي، عبس حسين وجه .ظننت أنه سيبدأ كالعادة في توجيه اللوم لي ويتهمني بالمراوغة.لكن على غير المتوقع تنهد فقط، ثم مد يده ليمسح قمة رأسي وقال بهدوء:"هل لا زلتِ غاضبة مني؟ يا حبيبتي، أنا اعترف أنني تجاهلتكِ في السابق، وسأهتم بك أكثر في المستقبل.""لا تغضبي بعد الآن، حسناً؟""أين ستذهبين إن انفصلتِ عني؟"على الرغم من أنني لم أفهم لماذا تغير، إلا أنني شعرت بشيء من الاستياء عندما سمعت آخر جملة منه:"العالم واسع، كيف لي أن أكون بلا مكان؟"حسين: "أنتِ تعلمين جيداً أنني لم أقصد ذلك."كنت متعبة من الحديث وأردت الصمت.على ما يبدو، هو لا يريد أن يقسم الثروة وإلا فلا أستطيع أن أفهم سبب عدم رغبته في الطلاق.في تلك اللحظة، لاحظت في زاوية عيني سهيلة، فحولت اهتمامي إليها:"يا أنتِ، هل يمكنكِ الخروج من غرفتي؟"تحولت وجه سهيلة إلى اللون الأحمر فجأة، وبدت وكأنها ستبكي، وقالت بحذر:"آسفة يا جيهان، أردت فقط البقاء هنا لأعتني بك."كانت تنظر إلى حسين، متأملة أن يتدخل ويوقفني عن الانتقاد، كما كان يفعل سابقاً.لكن حسين، مع ذلك، لم يوبخني بسببها، بل قال: "سهيلة، يمكنكِ العودة الآن،

  • ‎بعد أن اتهمتني صديقتي المقربة ظلما لعشر سنوات ، أهديت لها زوجي وإبني   الفصل 5

    كانت صدمة كلمات علي كفيلة بأن تجعلني أكاد أقفز من السرير.وعلى الطرف الآخر من الهاتف، ارتفع صوت حسين بغضبٍ مفاجيء: "ماذا قلت؟ من أنت؟"لكن علي أغلق المكالمة على الفور، ثم أطفأ الهاتف تمامًا.نظرتُ إليه بدهشة، فابتسم لي بابتسامة محرجة وقال: "لم أقصد حقًا أن أقول إنكِ متوفاة، لكن زوجكِ هذا غريب جدًا.""زوجته تعرضت لحادث، وبقيت في المستشفى ليومين، ولم يتمكن أحد من الوصول إليه؛ وعندما قرر أخيرًا الاتصال بكِ، لم يقل حتى كلمة واحدة للاطمئنان عليكِ."ثم تابع وهو يهز رأسه بأسف: "بصراحة، أختي... لديكِ ذوق سيء جدًا في اختيار الرجال."ابتسمتُ بمرارة وهمستُ: "ليس فقط الرجال، حتى في اختيار والديّ وصديقتي المقربة وحتى في ابني، فشلتُ في كل شيء."أبعدتُ عن ذهني تلك الأفكار، ثم قلت: "هل يمكنك طلب بعض الطعام لي؟"لم آكل شيئًا منذ الليلة الماضية، وبدأت أشعر بالجوع.أخرج علي هاتفه فورًا وسألني عمّا أرغب في تناوله. لم أشعر برغبة كبيرة في الطعام، فطلبتُ منه أن يحضر لي حساءً خفيفًا. لكنه لم يوافق وقال بحزم: "الطبيب قال إنكِ تعانين من سوء تغذية، كيف تكتفينِ بالحساء فقط؟"ثم أضاف بنبرة حاسمة: "لا

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status