دخلت وهي تحمل أشياء كثيرة.نظرت نور لسالي وكأنها رأت ملاكًا منقذًا، فألقت بنفسها في حضنها قائلة: "الحمد لله أنك جئتِ، وإلا ما كنتُ لأهنأ في نومي الليلة".سألتها سالي: "ما الذي جرى بالضبط؟ لا عجب أن سمير اتصل بي وطلب مني أن آتي إليك، اتضح أنك هناك شيءٌ بالفعل".طلب سمير من سالي أن تأتي إلى نور، يعني أنّ أمرًا جللًا قد وقع.قلقت عليها، ولذا أتت.تفاجأت نور قليلًا، وقالت: "سمير اتصل بكِ؟"قالت سالي: "يبدو أنه لم يستطع أن يجيء بنفسه، فطلب مني أن أبقى معك".ثم مسحت بيدها على وجه نور وقالت: "أنظري إليك، وجهك شاحب، هل فزِعتِ؟"أمسكت نور بيدها، وقالت لها: "لا أدري مَن عاديت، كدتُ أُختطَف اليوم".شهقت سالي مذهولة: "ماذا؟ لماذا لم تخبري سمير؟ لو علم لثار لأجلك، وأمسك بالذين حاولوا خطفك! ومن ثمَّ، لماذا قد يختطفكِ أحد؟ فكّري جيّدًا، مَن يمكن أن يكون وراء هذا؟"فكرت نور قليلًا، منذ زواجها بسمير، كثرت خصوماتها، سواء في العمل أو في حياتها الخاصة، قالت: "سيحتاج الأمر إلى التحقق من كل شخص".سألت سالي: "لكن كيف نجوتِ إذًا؟"تذكّرت نور حازم، فانعقد قلبها قلقًا، لا تدري أهو شخصٌ طيبٌ أم سيء، فقالت: "تتذك
"مرحبا."كان سمير جالسًا، وما إن سمع صوت نور حتى ارتجّت نظراته على نحوٍ غريب، وقال في الهاتف بصوتٍ مبحوح: "اشتقتُ إليك".في تلك اللحظة، قبضت نور على الهاتف بقوّة، لكن لسانها عجز عن النطق.فاليوم كادت تُختطَف، وما زال الرعب يعصف بقلبها، خصوصًا وأن حازم يقيم في الجوار، ولا تدري إن كان مكانها آمنًا أم لا، فكان الحديث مع سمير وسيلةً تُبعد بها تركيزها عن الخوف.ففكَّرت أنه لا ضير من بعض الحديث معه، قالت: "أين أنت الآن؟"التفت سمير إلى الخارج، حيث دوّى صوت الجنود وهم يتدرّبون ويردّدون الأوامر بصوتٍ عالٍ، فأسرع وأغلق النافذة قبل أن يجيب: "أنا في خارج المدينة"."ذهبت إلى خارج المدينة؟" تذكّرت نور يوم ودَّعها، وكيف غادر مشغولًا بأمرٍ ما. لكنّها لم تتوقّع أنّه ابتعد إلى خارج المدينة."نعم، لدي بعض الأشغال." ولم يُخبرها بالضبط عن أشغاله. لا يريد أن يُثقل قلبها بالقلق.سألها برفق: "كيف حالك هذه الأيام؟ هل تحافظين على طعامك في أوقاته؟"كان يكترث لأمرها.أجابت بعد تردّدٍ وقلق: "كل شيءٍ بخير".كان سمير يتمنّى لو تُطيل الكلام قليلًا، يكفيه أن يسمع صوتها عبر الهاتف فقط.ثم نظر إلى الساعة وسألها: "هل
"ما زلت أذكر أنّك كنتَ أقصر منّي قليلًا في ذلك الوقت، أمّا الآن فقد صرت أطول منّي برأسٍ كامل، ووجهك قد انفتح، وصرتَ أكثر وسامة، رؤيتي لك تُسعدني حقًا، كأنّي أرى ابني." كان من الواضح أن عطيَّة ما يزال يحب سمير، فربّت على كتفه، وألقى عليه نظرةً من أعلى إلى أسفل.كان سمير أحد اللذين قادهم عطيَّة بنفسه في الماضي.حينها لم يكن عطيَّة يحمل رتبة عقيد. بل كان مجرّد عريف صغير.وذاقا معًا طعم الحياة والموت، فانعقدت بينهما رابطةٌ عميقة.ورغم ابتعاد سمير عن الجيش سنواتٍ طويلة، إلا أنّ تلك المشاعر القديمة ظلّت محفورةً في قلبيهما.والعمر بينهما متباعد، بحيث يمكن أن يكون سمير ابنًا له.لذلك كان عطيَّة يعامله كابنه تمامًا.جلس الاثنان يتبادلان أطراف الحديث، مسترجعين الذكريات القديمة وما مرّ بهما، حتّى رأى سمير أنّ الوقت قد حان، فقال: "جئتُ لطلب أمرٍ أحتاج أن تساعدني فيه".بادره عطيَّة قائلًا: "قل ما تشاء، لن أقصِّر إن كنت أستطيع مساعدتك. لكن قل لي، ألم تخطر لك فكرة العودة إلى الجيش؟"كان يتمنّى في داخله أن يبقى سمير هنا إلى جواره.لكن سمير لم تخالجه هذه الفكرة، فقال: "لا أفكِّر في هذا الأمر الآن".فت
زمجر الرجل في منتصف العمر باحتقار، وغادر المكان.انهارت عزة على الأرض، ولم تستطع أن ترتاح إلا حين ابتعد.مسحت الدمّ من على شفتيها، وانتفخ نصف وجهها حتى فقدت ملامحها الأنيقة المعتادة، وارتجف في عينيها خوف لم يكن يظهر عليها من قبل.كان من الواضح أنها خائفة.كانوا جميعًا يختبؤون في الظلام، ولا يقدرون على مغادرة التنظيم.فمن يهرب، لا يجد إلا طريق الموت.اشتد قلقها على حازم، فقد صار فعله تحديًا صريحًا للتنظيم.وإن كُشف أمره يومًا، فأي مصير ينتظره؟ارتسم القلق على وجهها الفاتن، لا بد أن تُتمّ المهمة، مهما يحدث.ليس فقط لتُنقذ نفسها، بل لتنقذه هو أيضًا.ولم يبق لها من الوقت للتفكير إلا أسبوع واحد.وهو أيضًا العد التنازلي لمصيرها ومصير حازم.نهضت عزة، وغطّت احمرار وجهها بالمساحيق، ورتّبت شعرها حتى بدا مظهرها كما لو لم يُصبها شيء، ثم خرجت.وصلت إلى ضفاف النهر.وكان حازم ينتظر هناك.قالت بثبات: "رجل السكين أتى باحثًا عني".أدار رأسه إليها، ويداه في جيبيه: "وماذا قلتِ له؟"أخفت عينيها، وقالت: "لم أقل شيئًا. لكنك لن تستطيع حمايتها للأبد. من تُلاحقه المنظمة لا يعرف إلا طريق الموت".سألها حازم: "من
خفض حازم جفنيه، واكتفى أن قال: "لن أؤذيكِ".نهضت نور، وابتعدت عنه قليلًا، وقالت وهي تحدّق فيه: "لا أعلم إن كان عليّ أن أصدّقك، لكنك لستَ بريئًا تمامًا، وأفضّل ألا يكون بيننا كثير من التواصل".لم تجرؤ أن تقترب منه كثيرًا. فحماية نفسها كانت الأهم.ارتسمت على شفتي حازم ابتسامة مُرّة، ثم رفع بصره نحو حبات الفراولة الموضوعة إلى جانبه، تناول واحدة وقدّمها لها قائلًا: "هذه الفراولة التي تحبينها، قُطفت اليوم، خذيها".لكن نور لم تقبلها، وردّت بجفاء: "شكرًا على كرمك، لكن لا حاجة لي بها!"قالت ذلك، ثم أسرعت خارجة.كان كفها كلّه يتعرَّق في تلك اللحظة. فقبل لحظة كانت تفكّر: هل حازم يتصنّع؟ هل ينوي قتلها؟ كل شيء وارد.والآن تفكِّر إن كان يجب عليها الرحيل عن المكان أم لا.قربُه منها قد يكون بذاته خطرًا.ولا يمكنها أن تُقامر بحياتها.أسرعت في مشيتها كأنها تهرب من وباء.وبقي حازم وحيدًا في البيت، وفي يده سلة الفراولة التي لم تُؤخذ.أخذ يتأمل الفراولة الطازجة في السلة، بلا أي ملامح على وجهه، لم يعد لها أي قيمةٍ الآن، فرماها كلها في سلّة المهملات.ما دامت نور لا تريدها، فلن يريدها هو أيضًا.عادت نور إل
لم تستطع أن تفهم.عملت مع حازم سنواتٍ طويلة، وما رأتْه يومًا بهذا الحال.لم ينطق حازم، بل وضع نور في المقعد الخلفي، ثم أدار السيارة وانطلق دون أن يلتفت.راقبت عزة سيارته تختفي بعيدًا، ولم يكلّف نفسه حتى أن يوضح لها شيئًا، غمر عينيها حزنٌ خفي، أيمكن أن يكون قد وضع الحياة والموت وراء ظهره حقًّا؟لكنها لم تستطع أن تراه يُلقي بنفسه إلى التهلكة.شدّت عزة قبضتها بقوة، وهدَّأت مشاعرها طويلًا حتى سكنت، ثم أفلتتها، وأخذت تعبث بخصلات شعرها الأحمر وكأن شيئًا لم يحدث.جلست في سيارتها، ورحلت من المكان.أما حازم، فقاد مباشرة حتى أعاد نور إلى البيت.ولأنه لم يعرف رمز شقتها، حملها إلى منزله هو.وضعها على الأريكة، وبعد أن تأكد من خلو جسدها من الجروح، جلس بجانبها ينتظر بصمت.ثبت بصره على وجهها، وغاصت عيناه العسليتان فيها بعمق، فيما برز من ساعده ضماد يلف جرحًا لم يندمل.انتظر هكذا، لم يفعل شيئًا سوى الانتظار.مضت ساعة كاملة، حتى أفاقت نور.أحست بألم في عنقها. وتذكرت في اللحظة الأولى أن أحدًا ما باغتها بضربة داخل سيارة الأجرة.فزعت واستيقظت مرَّةً واحدة.لاحظ حازم حركتها سريعًا، فقال: "أفقتِ".لمّا رأت ن