الفصل 4

استيقظت نورا في الصباح لتجد رسالة جديدة على هاتفها.

"هل لمسك زوجك البارحة "

منذ أن انفصلت عن جاسم قبل عام، حظرت رقمه ولم تتوسل إليه أبدًا.

الآن أرسل لها من رقم جديد، رفرفت رموشها قليلًا، ثم حذفت الرسالة بعد تردد بسيط.

لكن وصلتها رسالة أخرى فورًا.

"أليس حازم ثريًا؟ فلماذا ترتدين ملابس رخيصة؟ تظنين نفسك في قصور الأثرياء بينما هو يبخل عليك. "

"خلال تلك الست سنوات معي، لم أجعلكِ ترتدين إلا الماركات، حتى قلادتكِ كانت مطلية بالماس."

لم يعد ذلك المدير الجبار، بل تحول إلى كلب ضال يتوسل للاهتمام والحب.

"أجبي، لماذا لا تخرجيني من قائمة الحظر؟"

قررت نورا حظر هذا الرقم أيضًا، لكن وصلتها رسائل جديدة من أرقام مجهولة: "أتجرئين على حظري مرة أخرى؟"

حتى اتصل بها من رقم ثالث، فرفعت السماعة غاضبة: "ماذا تريد يا جاسم؟"

ردّ بهوس: "متى ستتطلقين من ذلك العاجز؟"

استغربت: "ولماذا أتطلق منه؟"

صوته يقطر سُمًّا وهو يستهزأ.

"كيف تتحملين العيش مع عاجز بخيل؟ هل أنتِ حقًا من النوع الذي يستمتع بالذل؟"

انطلقت ضحكته القاسية كسكين في الهواء: "مجرد سماع صوت هذا العاجز يُشعرني أن النحس يلاحقني."

"ألستَ أنت من يعرف إجابتي؟" ارتسمت ابتسامةٌ مُرّةٌ على شفتي نورا بينما احمرّت أجفانها كالشفق الغاضب: "لطالما امتلكتُ صبرَ الجبال، ألم تكن أنت أوّل من صبرت لأجله؟"

ومضت ذكرى عابرة، فتحركت حنجرة جاسم في عنقه كأنها شرارة غضب محبوسة، بينما اشتعلت في أعماق عينيه سُحُبٌ من حقدٍ دفين، تلوح كالبرق الأسود قبل العاصفة.

"ما الذي يجعل منه رجلًا؟ كيف قبلتِ به زوجًا؟"

"لقد انتهى كل شيء بيننا."

صاحت نورا: "حياتي لم تعد تعنيك."

لكنه تظاهر بعدم الاستماع، وقال: "فلماذا تزوجتِ؟" في أعماقه كان يتساءل: لماذا لم أكن أنا؟

فأجابته بصرخة: "هل كنتَ ستتزوجني؟"

أصابه الصمت، بينما واصلت بصوت مرتجف.

"لم أخنك قط من الثانوية للجامعة. أنت من رفضني، أنت من انفصل. لا ندم لديّ."

تشنجت أصابعه، وشعر بألم غريب في صدره ثم ابتلع ريقه وقال: "ستندمين، زواجكما لن يدوم، سنراكِ قريبًا مطرودة من تلك العائلة."

أغلقت الخط وحظرت الرقم الثالث.

...

عندما وصلت نورا إلى مقر مجموعة حازم، كانت حماتها، وهي أحد المساهمين في الشركة، تنتظرها في مكتبها الخاص.

"أخيرًا وصلتِ." بدت سهيلة وهي في منتصف العمر ذات هيبة واضحة، ابتسمت ابتسامة خفيفة، "كيف حالكما أنتِ وحازم مؤخرًا؟"

وضعت نورا حقيبتها جانبًا، "أمي، حازم لم يبيت معي منذ أيام."

قالت سهيلة بضحكة باردة "ألا تستطيعين حتى السيطرة على زوجكِ؟"

في عالم الأثرياء، يندر أن تكون الحماه عطوفة على زوجة ابنها. بينما كان حازم يقضي لياليه خارج المنزل مع العشيقات، كانت سهيلة توجه اللوم لنورا أولًا.

لم تحاول نورا التظاهر، "لا أستطيع."

أحست سهيلة بأن كبرياءها قد جرح، فسعلت لتغير الموضوع، "كزوجة، ألا تخجلين من عدم قدرتكِ على الاحتفاظ بقلب زوجكِ؟"

"حاولت يا أمي، لكني فشلت. ربما يمكنكِ مساعدتي في ذلك؟"

ساد الصمت للحظة. سهيلة التي دللت ابنها منذ الصغر، تعرف جيدًا كم هو أناني. لكن كيف تتجرأ زوجته على مواجهتها بهذه الجرأة؟

"بغض النظر عن سبب زواجكِ منه، لكن إهمالكِ له ليس تصرف زوجة صالحة."

"أنا لست زوجة صالحة بالفعل." لم تغضب نورا، "لدي اجتماع الآن، لنتحدث لاحقًا."

منذ أن أصبحت زوجة لحازم، قضت وقتًا في إدارة الشركة أكثر منه، كأنها سيدة أعمال بكل معنى الكلمة. فشلت في إدارة منزلها، لكنها أدارت أقسام الشركة ببراعة.

حاولت سهيلة الاعتراض، لكن مساعدة نورا دخلت، "سيدة نورا، العملاء الحاضرون اجتماع الأمس على وشك الوصول."

أومأت نورا، ثم ربَّتت على كتف حماتها مبتسمة قبل أن تخرج، تاركة إياها في حيرة. لقد جاءت لتوبيخها، فإذا بها تتلقى تهدئة!

في قاعة الاجتماعات، كان جاسم ينتظر بوجهه الشاحب، يشرب القهوة التي قدمتها موظفة أخرى، "مذاقها سيء."

أسرعت الموظفة تقول بخجل: "سيدي، هل تريدني أن أحضر لك فنجانًا آخر؟"

قال ببرود "أعيدي تحضيرها من جديد."

خرجت الموظفة بين الخوف والإثارة. نظر جاسم حوله باستياء، "ديكورات هذه الشركة لا تضاهي شركتنا."

عندها عادت نورا حاملة الفنجان نفسه ووضعته أمامه بقوة، "تفضل سيدي."

حدق جاسم في الفنجان، إنها القهوة نفسها لكن لأن نورا هي من قدمتها، شربها دون تذمر.

"يبدو منصبكِ هنا مهمًا." قال بصوته الجذاب، "هل هذه مكاسب زواجكِ منه؟"

"بالضبط." جلست مقابله، ساقاها النحيلتان تبرزان تحت الكعب العالي، مما أثار نظراته العميقة.

"لم تكوني هكذا من قبل في الماضي."

"في الماضي؟" ضحكت ساخرة، "كنت ساذجة جدًا. من يعرف أن من يقدّر المشاعر ينتهي به الأمر خاسرًا."

تجلّت الصدمة في عيني جاسم.