Share

الفصل 4

Auteur: الغابة العميقة

ابتسمت حورية أيمن وهي تقف لتحيّيه:

"التقيت للتو بدانية، فدعوتها لنتناول الغداء معًا، لن تمانع، أليس كذلك يا أدهم؟"

رمق أدهم جمال دانية يوسف بنظرة باردة وقال:

"طالما أنتِ مسرورة، فلا بأس."

جلس بجانب حورية أيمن بكل طبيعيّة، وكأن زوجته ليست موجودة أصلًا.

سكبت له الشاي مبتسمة:

"كنتُ أتحدّث مع دانية منذ قليل، قالت إنكما تنويان الطلاق. كنت أفكّر أنه بعد طلاقكما، عليّ أن أقدّم لها شابًا جيدًا، لا يصح أن تضيع معها هذه السنوات بلا مقابل."

كان من المفترض أن يجلس بجوار زوجته، ومع ذلك جلس قرب حورية أيمن بكل أريحية.

أما نظراته لدانية يوسف فكانت دائمًا كمن يتجاوز عقبة في الطريق، يتفاداها فقط.

لم تعد دانية يوسف ترغب في الحساب أو الغيرة؛ فهي لا تملك أصلًا رصيدًا يسمح لها بذلك.

كل ما شعرت به هو الإحراج.

كان ينبغي أن تتوقع أنه طالما ظهرت حورية أيمن في الشركة، فلا بد أن لقاءها به كان مُرتّبًا.

قدّم النادل قائمة الطعام لأدهم جمال، فطلب بعض الأطباق، فذكّرته حورية أيمن:

"أدهم، لا تطلب فقط ما أحبه أنا، اطلب أيضًا ما تحبه دانية."

نظر إلى دانية يوسف وهو يحمل القائمة، وبدا في عينيه أن وجودها زائد عن الحاجة.

وكانت هي نفسها تشعر أنها غريبة على هذه الطاولة، فالتقطت هاتفها بخفية.

وما إن ناولها القائمة، حتى رنّ هاتفها الموضوع على الطاولة.

أسرعت بالرد، وجاءها صوت خديجة السباعي:

"سيدة دانية، وصل السيد نادر من شركة الريادة، يقول إن إجراءات مشروع "المرحلة الثانية" لم تكتمل بعد، والسيد أدهم لم يوقّع، ولا يمكنهم بدء العمل."

قالت دانية يوسف:

"حسنًا، سأعود فورًا."

بعد أن أغلقت الخط، نظرت إلى حورية أيمن قائلة:

"أخت حورية، هناك أمر طارئ في الشركة، سأعود الآن، استمتعا بالطعام."

أمسكت حقيبتها وهاتفها، وغادرت قبل أن يبادراها بأي كلمة.

وما إن خرجت من المطعم حتى شعرت بانقباض صدرها ينفكّ.

حتى السماء فوق رأسها بدت أوسع من ذي قبل.

……

في المطعم، التفتت حورية أيمن إلى أدهم جمال قائلة:

"هل ستُطلّقها فعلًا؟"

ابتسم بسخرية:

"تُصدّقين كل ما تقوله؟"

هي أكثر من يقدّس السلطة والمكانة، وأبعد شخص عن فكرة الطلاق في نظره.

حتى لو أرادت الطلاق جدًّا، فسيكون حسابها دقيقًا، وباب تقسيم الثروة وحده يكفي لتمديد الخلاف طويلًا.

قالت حورية أيمن:

"بدت جادة جدًا في كلامها. أم أنك أنت من تراجع ولا يريد الطلاق بعد الآن؟"

ضحك:

"أنتِ تتوهّمين كثيرًا. هيا، لنتناول الطعام."

ثم غيّر الموضوع:

"كيف حال صحتك الآن؟"

قالت:

"جيدة جدًا، الأخت العزيزة ما زالت ترعاني من السماء وتحنّ عليّ."

……

في مكتب دانية يوسف.

بعد انتهاء اجتماعها مع الشريك، وقفت تُشيّعه مبتسمة:

"لا تقلق يا سيد نادر، سأجعل الرئيس أدهم جمال يوقّع الاتفاقية فورًا، لن نتسبّب لكم بأي تأخير في بدء المشروع."

قال وهو يصافحها:

"أُكلّفك العناء إذًا، سيدة دانية."

"لا عناء في ذلك، كلنا نعمل من أجل مصلحة المشروع."

ثم أضاف مبتسمًا:

"وجد الرئيس أدهم جمال زوجة مثلك تعينه في العمل، ما أجمل حظّه."

ابتسمت وهي تودّعه عند الباب.

بعد مغادرته، جاءت خديجة السباعي تحمل لها الغداء:

"سيدة دانية، كيف كانت نتائج الفحوصات اليوم؟"

فتحت دانية يوسف علبة الطعام وقالت مبتسمة:

"كل شيء طبيعي، لا مشكلة."

قالت خديجة السباعي:

"مع ذلك عليك أن تعتني بنفسك، حتى لو كنتِ صغيرة وتتحملين الآن، إلا أن الجسم يُستنزف مع الوقت."

أجابت:

"أعرف، سأنتبه."

لن تُرهق نفسها طويلًا بعد الآن—هكذا قالت.

لكن ما إن أنهت طعامها حتى غاصت مرة أخرى في العمل.

حلّ المساء، وبقيت تعمل لساعات إضافية كعادتها.

ليست عاشقة للعمل، لكنها حين تعود لا تجد سوى غرفة باردة، فاختارت أن تشغل نفسها بدل أن تشعر بالفراغ.

في تلك الأثناء، كان لدى أدهم جمال مأدبة عمل، وبينما هو على الطاولة يناقش بعض الأمور، رن هاتفه.

كانت يسرى العوضي.

أمسك هاتفه وخرج إلى الممر للرد.

قالت بصوت ممتعض:

"أدهم، هل رأيت الساعة؟ لماذا لم تعد بعد؟ ألا يمكنك أن تهدأ بضعة أيام؟ ألا يمكنك أن تكون زوجًا محترمًا ولو لفترة؟"

أطفأ نصف السيجارة المتبقي في سلة المهملات قربه، وقال بكسل:

"أمي، هل ذهبتِ إلى فيلا السدر؟"

"نعم، أنوي الإقامة هنا فترة. عد فورًا إلى البيت."

ثم أوصت:

"ما زالت دانية تعمل لوقت متأخر، خذها معك حين تعود."

صمت لحظة، ثم قال بلا اكتراث واضح:

"حسنًا، فهمت."

وبعد أن أنهت المكالمة، فرك صدغيه وكأن رأسه يؤلمه.

ثم أخذ هاتفه وبدأ يقلب في جهات الاتصال.

بحث طويلًا… ولم يجد رقم دانية يوسف.

لم يحفظه أصلًا.

وبات لا يتذكر الرقم كاملًا.

وبما أن الطريق إلى المنزل يمرّ من أمام الشركة، فقد قرّر ألّا يتّصل، بل يتوجه مباشرة إلى هناك.

……

في تلك الأثناء، كانت دانية يوسف لا تزال تعمل.

تجاوزت الساعة التاسعة، وبالنسبة لها ما زال "الدوام الليلي" في بدايته.

لم تكن منشغلة بأعمال جديدة، بل كانت تنظّم ملفات تسليم الأعمال.

فما دامت ستطلّق، فلن تبقى في منصبها.

ومنذ أن تُدير هذا الكم من المشاريع، فلا بد أن تُعدّ كل شيء مسبقًا.

غادر معظم الموظفين، ولم يبق سوى عدد قليل من المكاتب المضيئة.

المبنى كله هادئ، وقد اعتادت منذ زمن هذه العزلة.

انهمكت في الكتابة على لوحة المفاتيح وهي تُحدّق في الشاشة، حتى سمعت طرقًا على الباب.

قالت بهدوء:

"تفضل."

انفتح الباب، فرفعت رأسها لترى أدهم جمال.

تجمّدت للحظة، ثم قالت:

"لم تنتهِ من عملك بعد؟"

وقفت بسرعة، والتقطت ملفًا من على مكتبها، وتقدّمت نحوه قائلة:

"سيبدأ مشروع التعاون مع شركة الريادة قريبًا، لكن لم تكتمل إجراءات الاتفاقية. ذهبت إلى مكتبك مرتين بعد الظهر ولم أجدك.

هل يمكنك التوقيع الآن؟"

نظر إليها برهة، ثم أخذ الاتفاقية وبدأ يراجعها.

لم تعد تخاطبه إلا في العمل منذ زمن، ولا تفتح أي موضوع آخر.

لم يجد في العقد ما يستدعي المناقشة، فأخذ قلم التوقيع من فوق مكتبها، وانحنى ليوقّع اسمه تحت مواضع الطرف الأول.

استلمت منه الأوراق، وتفحّصتها سريعًا، ثم قالت بنبرة رسمية:

"أنا الآن أتابع هذا المشروع فقط، وبعدها سأسلّم مهامي لماهر قيس.

حين أنتهي من تنظيم كل ملفات التسليم، سأقدّم استقالتي لك ولأعضاء مجلس الإدارة."

ثم أضافت:

"أعددت أيضًا اتفاقية سرية، بعد خروجي من الشركة لن أعمل في أي مجال منافس، وسأحافظ على سرية جميع معلومات مجموعة الصفوة. إذا كان هناك أي بنود أخرى يجب إضافتها، سأعدّها خلال الأيام المقبلة."

لم تكن متخرّجة من المالية أو الإدارة، بل من قسم الروبوتات الصناعية في تخصص الأتمتة، مع مساقات في التحكم الذكي.

دخلت جامعة الكاظمي وهي في السادسة عشرة، محققة أعلى معدل في دفعتها، وكانت فخر أساتذتها.

في المرحلة الإعدادية كانت قادرة على تصميم نماذج روبوتات بنفسها، وشاركت في مسابقات كثيرة، ونالت جوائز وبراءات اختراع.

في سنتها الرابعة، حصلت على عروض دراسة عليا من جامعة الكاظمي ومن جامعتين محليتين، وحتى عدة جامعات أجنبية قدّمت لها دعوات لمتابعة الدراسة لديها.

لكنها رفضت كل شيء… من أجل أدهم جمال.

كانت تنوي العودة إلى مجالها الأصلي بعد الطلاق ومتابعة دراستها.

كانت تفضّل التعامل مع الروبوتات والتكنولوجيا المتقدمة، لا مع مناصب الإدارة، ولا مع الاجتماعات والابتسامات المصطنعة.

لم تكن في هيئة زوجة وهي تتحدث معه الآن، بل في هيئة موظفة تخاطب مديرها.

نظر إليها بوجه بلا تعبير، وشعر فجأة وكأن شخصًا آخر يقف أمامه.

لم تعد تلك الفتاة التي تحوم حوله، ولا تلك التي تحاول إرضاءه دومًا.

لم يُعلّق على كل ما قالته، بل اكتفى بأن يقول ببرود:

"أمي في فيلا السدر الآن، لِنعد أولًا ثم نتحدث لاحقًا."

كانت تريد أن تُكمل الحديث، لكن ما إن سمعت كلماته حتى اكتفت بـ:

"حسنًا."

ووضعت الملف من يدها ببطء:

"سأرتّب أغراضي وألحق بك."

أغلقت الكمبيوتر، جمعت الأوراق في الدرج، ثم لاحظت أنه لم يغادر بعد، فاستغربت.

لم تتوقع أن ينتظرها.

رفعت رأسها إليه، فرآه يستدير نحو الباب.

التقطت هاتفها وحقيبتها ولحقت به حين خرج.

كان يقف ويداه في جيبي بنطاله كعادته في المصعد، بينما وقفت هي إلى جانبه تحدّق في باب المصعد.

انعكست صورتهما على الباب المعدني مشوّهة… وكأنهما غريبان تمامًا.

توقفت سيارة المايباخ السوداء أمام بوابة الشركة في الطابق الأول.

اقتربا منها، ففتحت دانية يوسف باب المقعد الخلفي.

أما هو ففتح باب السائق.

جلوسها في المقعد الخلفي لم يكن صدفة؛ فقبل سنوات، في بداية زواجهما، طلبت منها الجدة أن تصحبه إلى البيت القديم لتناول العشاء.

وحين فتحت باب المقعد الأمامي لتجلس بجواره، قفل الباب في وجهها.

وقضت الطريق كلها في حرج قاتل.

ومنذ ذلك اليوم، لم تركب سيارته مجددًا.

أما الليلة… فهي مجرّد صدفة أخرى.

ما إن تحركت السيارة، حتى شبكت ذراعيها أمام صدرها، وأمسكت الهاتف بيدها الأخرى تقرأ الأخبار.

لم تنظر إليه، ولم تبادر بأي حديث.

صمت تام.

كانت في الماضي ترغب في مشاركته عن كل تفاصيل حياتها، وتودّ أن يكون أوّل من يسمع أخبارها، لكن منذ أن أدركت أنه يرفض الرد على مكالماتها عمدًا ويتجاهل رسائلها، تعلمت الصمت.

وهو كذلك لم يفتح أي موضوع، فبقي الصمت يملأ السيارة حتى وصلا إلى الفيلا ودخلا المنزل.

تغيّر الجو هناك فقط، عندما جاءت يسرى العوضي بابتسامة واسعة:

"دانية، عدتِ! أعددت لكِ حساءً ساخنًا، تعالي واشربي بعضه."

"حسنًا، أمي."

استقبلت كنّتها بحرارة، وتجاهلت ابنها تقريبًا.

أما هو فذهب مباشرة إلى غرفة الطعام، وجلس دون تكلّف.

بدأت الخادمات بإحضار الأطباق إلى الطاولة.

جلست يسرى العوضي بجوار دانية يوسف وقالت:

"دانية، أنوي البقاء في الفيلا لعدة أيام، لا مشكلة لديكِ، أليس كذلك؟"

أمسكت دانية يوسف بالإناء، ثم نظرت إليها بسرعة قائلة:

"بالطبع لا مشكلة. ابقي ما شئتِ من الوقت يا أمي."

حالما سمعت موافقتها، انفرجت أسارير يسرى العوضي.

ثم نظرت إلى أدهم جمال، الذي لم يكن يبدو سعيدًا، وقالت له:

"لا تنظر إليّ بهذه الطريقة، حتى لو لم يعجبك الأمر."

ثم أضافت بلهجة حازمة:

"من الآن فصاعدًا، انتهِ من عملك وعد إلى البيت لتناول العشاء كل ليلة. لا تبقَ خارجًا طوال الوقت."

كانت تقول إنها ستقيم هنا فترة… لكنها في الحقيقة جاءت لمراقبته.

بل وقد عقدت النية على البقاء حتى تحمل دانية يوسف.

كانت واثقة أنها قادرة على التعامل مع حورية أيمن.

رفع هو رأسه بلا مبالاة وقال ببرود:

"ومن سيجني المال إذًا؟ أنتِ لن تنفقي بعد اليوم؟"

ردت:

"ومن هذا الذي يخرج آخر الليل ليجني المال؟ لا تتحجّج، عد إلى البيت مثل أي شخص طبيعي."

كانت حازمة إلى درجة أنه لم يجد فائدة من مجادلتها.

ففي النهاية، ما إن يخرج من هذا الباب حتى يعود حرًّا كما يشاء.

نظرت دانية يوسف إليه وهي تفكّر:

ما دام الطلاق لم يتم، فلن تكون حياته سهلة.

جلس الثلاثة قليلًا في الطابق السفلي بعد العشاء، ثم طلبت يسرى العوضي من "الزوجين الشابين" الصعود للراحة، ورافقتهما بنفسها حتى باب غرفتهما، قبل أن تعود أدراجها.

ما إن أُغلق الباب، خلع أدهم جمال سترته ورماها على الأريكة، ولفّ كمّي قميصه.

بشرته بيضاء، وعروق ذراعه الزرقاء تمتد من ظاهر يده نحو الأعلى.

في تلك اللحظة، رنّ هاتفه.

لم يردّ فورًا، بل أخذ سيجارة وأشعلها، ثم اتجه نحو النافذة الطويلة وهو يحمل الهاتف.

نفث الدخان ببطء، ثم أجاب:

"جاءت أمي، لن أستطيع المجيء الليلة."

جاءه الصوت من الطرف الآخر:

"حسنًا، عدّ باكرًا للراحة إذًا."

"حسنًا، فهمت."

"حسنًا."

كان صوته لطيفًا ورقيقًا، نبرة لم يسمعها أحد منه… سوى الطرف الآخر.

أما دانية يوسف، فما عرفته يومًا بهذه الطريقة.

لم يُحاول حتى أن يخفي الموضوع عنها، بل أنهى المكالمة وعاد إلى الطاولة ليطفئ السيجارة وكأن شيئًا لم يحدث.

كانت رائحة الدخان تعبق في المكان، ودانية يوسف في وضعٍ لا تُحسد عليه—إن بقيت تشعر بالحرج، وإن خرجت تخشى أن تكتشفها يسرى العوضي.

فهي ليست سهلة الخداع مثل الخالة إلهام.

أما هو فتابع حياته كالمعتاد؛

سيجارة، مكالمة، ثم فتح الكمبيوتر ليشغل نفسه.

وجدت دانية يوسف أنها لا تستطيع البقاء في هذا الوضع المعلق، فاستجمعت شجاعتها وقالت:

"تقول الأخبار إن الطلاق الآن لا يحتاج إلى دفتر القيد العائلي. ما رأيك أن نذهب لإنهاء الإجراءات، وبعدها نخبر والديك ووالديّ؟"

صدرت السياسة الجديدة مؤخرًا.

وما إن قرأت الخبر حتى شعرت وكأن جبلًا أزيح عن صدرها.

فهذا يعني أن الأمر لم يعد بيد العائلتين، بل بقرارهما وحدهما.

رفع أدهم جمال عينيه ونظر إليها.

حدّق فيها برهة، ثم ابتسم ساخرًا وسأل بلا مبالاة:

"مستعجلة إلى هذا الحد على الطلاق؟ هل هناك رجل آخر في حياتكِ؟"

Continuez à lire ce livre gratuitement
Scanner le code pour télécharger l'application

Latest chapter

  • حبٌّ يخرج عن السيطرة، وقلبٌ يتوسل البقاء   الفصل 30

    كانت عائلة جمال ذات مكانة عالية، بينما كان جدّ دانية يوسف في الأصل مجرد سائق عند جدّ أدهم.ورغم أنه عمل بجد طوال عمره وادّخر شيئًا لحفيدته…إلا أن الفارق بين العائلتين كان كبيرًا منذ البداية.لهذا عندما نصح أدهم جمال بالطلاق، لم يقل الجدّ كلمة واحدة دفاعًا عن حفيدته، ولم يُحمِّلها شيئًا…بل أخذ كل المسؤولية على نفسه، وقال إنه لم يُحسن تربيتها بما يكفي.فقد أدرك أن المسألة لم تعد مسألة "من المخطئ".بل المهم الآن… ألّا يستمرّ الطفلان (كما يراهما) في إيذاء بعضهما.أن يصل الأمر إلى الطلاق…هذا ما لم يتوقعه أدهم جمال نهائيًا من الجدّ.استمع أدهم جمال لكلمات الجدّ، ولم يشعر إلا بأن هذا التوبيخ الذاتي من الجدّ… إهانة له هو.فمشاكل الزواج… كان هو سببها كلها.ومهما كان الزواج قد تمّ بإجباره… إلا أنه بالفعل لم يؤدِّ يومًا واجبه كزوج.ظلّ ينظر إلى الجدّ دون حركة.وحين توقّف الجد عن الكلام، ابتسم أدهم جمال ابتسامة خفيفة وقال:"جدي، أمورنا سنتعامل أنا ودانية معًا.أنت صحتك ليست جيدة… فلا تشغل بالك ولا تقلق."مهما كانت طباعه، إلا أنه يعرف حدود الأدب مع الكبار.حتى لو كان قاسيًا على دانية يوسف…لا يم

  • حبٌّ يخرج عن السيطرة، وقلبٌ يتوسل البقاء   الفصل 29

    لا يعرف كيف حدث… لكن برودة دانية يوسف وابتعادها عنه كانا يضايقانه هو.هي لم تكن هكذا من قبل.كانت تنتظر بعينين ممتلئتين كل مرة يعود فيها إلى الفيلا.اليوم… هو الذي يجلس في الممر ينتظر.بينما هي لم تعد تريده حتى أن ينظر إليها.جلس طويلًا في الممر، ثم التفت من جديد نحو باب غرفة الجد.حدّق قليلًا… ثم نهض وعاد إلى الداخل.عندما دخل، وجد دانية يوسف جالسة في مكانها، ممسكة بيد الجد.فتح الباب وكأن شيئًا لم يحدث، وجلس على نفس المقعد كما قبل.…في الأيام التالية، بقي الجد في المستشفى للمراقبة.تركت دانية يوسف عملها مؤقتًا وبقيت بجانبه طوال الوقت.أما أدهم جمال، فجاء يوميًا تقريبًا:يحادث الجد، يلاعبه الشطرنج، ويجلس معه طويلًا.وذلك جعل الجد سعيدًا جدًا.لكن دانية يوسف…كانت تتعامل معه باحترام، نعم، لكنها بقيت رسمية، بعيدة، ليست كما كانت من قبل.لم تعد تنظر إليه كما كانت، ولم تعد تهتم بأفعاله كما كانت.ظهر كل شيء بوضوح… حتى الجد لاحظ.…ذلك العصر، بينما كان الجد جالسًا مسندًا ظهره، سأل دانية يوسف وهو يراقب تصرفاتها:"دانية، رأيتك هذه الأيام لا تكادين تلتفتين لأدهم، وتزدادين مجاملةً له… هل حدث شي

  • حبٌّ يخرج عن السيطرة، وقلبٌ يتوسل البقاء   الفصل 28

    دفعت دانية يوسف الكرسي قليلًا وهي تنهض بسرعة، ونظرت إلى أدهم جمال بدهشة صادقة:"كيف… كيف جئت إلى هنا؟"لم يخطر ببالها على الإطلاق أنه سيأتي.فهي لم تخبره شيئًا عن مرض جدّها.كانت يدا أدهم جمال في جيبي بنطاله، ونظرته فاترة أمام ردّة فعلها.فهو قبل دقائق فقط تلقّى اتصالًا من إيهاب نبيل، يخبره بأن جدّ دانية يوسف أغمي عليه بعد الظهر وأنه الآن في المستشفى.وما إن سمع الخبر… حتى تغيّر وجهه فورًا.لم يكن يعلم.لم يخبره أحد.الجميع عرف…الجميع جاء لزيارة الجد…إلا هو.وكان الوحيد الذي تلقّى الخبر من شخص خارج العائلة.لم يكن مزاجه جيدًا.نظرت دانية يوسف إلى الجد، ثم عادت إليه تقول بهدوء:"جدي بخير، أفاق بعد الظهر، وأنهى كل الفحوص. الآن نائم فقط، فلا تقلق. يمكنك العودة لمتابعة عملك."هي تعرف أنه لن يقلق على الجد… كلامها مجرد مجاملة واجبة.أما وجهه فكان محمّرًا بنفاد الصبر، لا شك أنه مستاء ممن أخبره، ومستاء لأنه اضطر لترك حورية أيمن ليأتي.لا بأس.فليعد إليها بسرعة.لو استيقظ الجد ورآه غير راغب أصلًا بالحضور… سيؤلم ذلك قلبه أكثر.دخل الغرفة، ورمى نظرة خفيفة على دانية يوسف، وقال ببرود:"إنه منتصف

  • حبٌّ يخرج عن السيطرة، وقلبٌ يتوسل البقاء   الفصل 27

    كان هيثم جمال يخرج بين الحين والآخر ليردّ على مكالمات ترده من الخارج.أما عند سرير المريض، فكانت دانية يوسف تمسك بيد جدّها، وفي الوقت نفسه تنظر نحو باب الغرفة، ترى هيثم واقفًا في الخارج يتحدث بهدوء…وهذا وحده ملأ قلبها امتنانًا له.…مع حلول المساء، حضرت صفية جمال ويسرى العوضي، وكذلك جمال ربيع.عائلة جمال كبيرة، بينما عائلة يوسف قليلة الأفراد، وأصدقاؤها ليسوا كُثُر، لذلك لم يأتِ أحد لزيارته سوى أفراد عائلة جمال.ومع أن الجميع حضر…فإن أدهم جمال ظلّ غائبًا… ولم يظهر حتى الآن.وعند التاسعة تقريبًا، ولمّا رأت دانية يوسف أن هيثم بقي بجانبها كل هذا الوقت، قالت له بنبرة لطيفة:"أخي الأكبر هيثم، جدي هنا معي… عد للبيت لترتاح قليلًا."كانت تتحدث بأدب، وقد نام الجد بالفعل.فقال هيثم:"حسنًا، سأعود أولًا. وإن حدث أي شيء فاتصلي بي فورًا.""نعم." أومأت دانية يوسف.رافقت هيثم حتى مصعد المستشفى، وكانت تفكر في إنزاله إلى الطابق الأرضي، لكنه قال:"إلى هنا يكفي. عودي الآن، جَدُّك وضعه مستقر، فلا تقلقي.ارتاحي أنتِ أيضًا الليلة."هزّت رأسها بخضوع ولطف:"حسنًا."صعد المصعد، وظلت تنظر إليه حتى اختفى، قبل أ

  • حبٌّ يخرج عن السيطرة، وقلبٌ يتوسل البقاء   الفصل 26

    كانت دانية يوسف ما تزال مستديرة بظهرها نحو أدهم جمال، فأطلقت نفسًا طويلًا وهادئًا.وبعد صمت قصير، قالت:"لا، أعرف أنك قلتها من شدة الانفعال."مع أن الكلمة المهينة كانت تُوجَّه إليها، ومع أن الإحراج كان من نصيبها…هي التي تُطمئنه الآن.أعاد أدهم جمال سدّادة الأذن إلى موضعها… فعاد الصمت بينهما.…ومضت الأيام التالية كما كانت دائمًا، باهتة وباردة.كان أدهم جمال يعود إلى المنزل كل يوم، لكن أحاديثهما ظلت قليلة، مُقتضبة، بلا حرارة.…في عصر ذلك اليوم، كانت دانية يوسف قد أنهت اجتماعًا وعادت إلى مكتبها، حين تلقّت اتصالًا من الخالة آمنة.قالت الخالة بصوت قلق:"آنسة… السيد الكبير في المستشفى. أنهى الفحوص قبل قليل. إن انتهى دوامك فتعالي تريه."في الطرف الآخر، انتفضت دانية يوسف في لحظة:"جدي في المستشفى؟! لماذا لم تخبروني فورًا؟!"لم يعد شيء قادرًا على إثارة رد فعل قوي منها… إلا ما يتعلق بجدّها.قالت الخالة:"منعنا السيد الكبير… قال إنّه لا يريد التأثير على عملك."تنهدت دانية يوسف بعجز.أي عمل يمكن أن يكون أهم من جدّها؟لم تُطل الحديث، وأغلقت الخط، وانطلقت بسيارتها إلى المستشفى.…وحين وصلت، كان ا

  • حبٌّ يخرج عن السيطرة، وقلبٌ يتوسل البقاء   الفصل 25

    قالت دانية يوسف إنّها "تعرف"، لكنّها قضت الطريق كلّه عائدةً من البيت القديم بلا روح.استندت بضعف إلى المقعد، وذراعاها تعانقان نفسها بخفة، ورأسها مائل على مسند الكرسي، وعيناها شاحبتان تحدقان في الخارج.لا ضوء فيهما.متعبة.قلبها منهك.كان أدهم جمال يلمحها من المرآة بين الحين والآخر، يراها صامتة، تحدق في الفراغ… ومع ذلك لم يبادر بالكلام.حقًا كانت مجرد كلمات جاءت في لحظة غضب… لكنه يعرف أنها جرحتها.رنّ هاتفه عدة مرات في المقعد الأمامي، وردّ على عدة مكالمات، دون أن تنتبه هي.لم تلتفت، لم تتحرك، فقط واصلت النظر إلى النافذة.حتى توقفت السيارة في فناء المنزل، وحتى فتح لها أدهم جمال باب السيارة، عندها فقط انتبهت فجأة.أمسكت أشياءها بسرعة، وقالت بأدب:"شكرًا."ثم أضافت بلطف خافت:"يبدو أنك لا تزال مشغولًا… سأدخل قبلك."وقالت ذلك قبل أن تنتظر جوابه، واستدارت ودخلت المنزل مباشرة.وقف أدهم جمال ممسكًا بباب السيارة، ينظر إلى ظهرها وهي تبتعد.ولم يتحرك إلا بعد أن دخلت المنزل، فعاد إلى مقعد السائق، وأغلق الباب، وأدار المحرك وغادر.…عادت دانية يوسف إلى غرفة النوم في الطابق العلوي، وبعد أن تأكدت أن أ

Plus de chapitres
Découvrez et lisez de bons romans gratuitement
Accédez gratuitement à un grand nombre de bons romans sur GoodNovel. Téléchargez les livres que vous aimez et lisez où et quand vous voulez.
Lisez des livres gratuitement sur l'APP
Scanner le code pour lire sur l'application
DMCA.com Protection Status