Share

حين يقبلني يخفق قلبي
حين يقبلني يخفق قلبي
Author: البطلة المشاغبة

الفصل1

Author: البطلة المشاغبة
ما إن توقفت السيارة حتى هطلت أمطار غزيرة في الخارج.

بعد خمس سنوات، عادت سلوى إلى هذا المكان الذي تعرّضت فيه في أيام الثانوية لعامٍ كامل من التنمّر.

واليوم، عليها أن تواجه الشخص الذي تنمّر عليها.

حيث كان أصل تلك الحادثة، أخوها في أسرة الإيواء… سامي رياض.

مرّت أنامل سلوى بلا وعي على الندبة في داخل معصمها.

مضي خمس سنوات.

أصبحت هذه المدينة أكثر بذخًا وبريقًا من وقت رحيلها، لكن طابعها الرمادي الباهت بقي كما هي.

وكما دائمًا، تمنح المرء شعورًا بالاختناق.

استعادت سلوى وعيها، ضمّت ياقة معطفها البيج، أخذت نفسًا عميقًا، فتحت المظلّة، نزلت من السيارة، وسارت نحو قاعة الحفل.

قال لها طبيبها النفسي: إذا أرادت الشفاء التام، فعليها مواجهة أكثر ما كان يخيفها في الماضي.

لذلك، كان لا بدّ أن تأتي.

"سلوى ؟"

سمعت من ينادي اسمها.

"هذه أنتِ حقًا، سلوى!"

استدارت، فرأت فتاة ترتدي سترة بلون الكستناء تركض نحوها بخطوات سريعة.

احتاجت سلوى ثلاث ثوانٍ لتتذكر اسم الفتاة في ذاكرتها.

ريم شوقي، واحدة من القلائل الذين كانوا لطفاء معها في الثانوية.

"حقًا أنتِ! لقد تغيّرتِ كثيرًا، ظللت أنظر إليك طويلًا ولم أجرؤ على التأكد!"

أومأت سلوى برأسها.

"سمعت أنك تعملين الآن كمصممة؟ هذا رائع! كنت أتذكر في الثانوية كيف كانت يداكِ تتقنان صنع مختلف الأشياء الصغيرة!"

ابتسمت سلوى قليلًا. كانت بطبيعتها بيضاء البشرة، نحيفة، هادئة الملامح، لكن حين تبتسم تتحرك الشامة تحت عينها بخفّة، فلا يستطيع المرء صرف نظره عنها.

"تصميم التركيبات الفنية للمشاهد، إن احتجتم يومًا، يمكنكم التواصل معي."

قدّمت سلوى بطاقتها.

"ممتاز، بعد أيام لدينا عيد ميلاد نجمة شهيرة في الشركة، سنطلبك حينها!"

دفعت ريم باب الفندق، تسحب سلوى معها قائلة: "البرد قارس، هيا لندخل، سمعت أن الجميع قد وصل."

انكمشت سلوى قليلًا، نعم، خريف مدينة البحر أصبح أبرد من السابق.

دفعت الأبواب الدوّارة الفتاتين إلى الداخل الدافئ، لكن شعرت سلوى ببرودة تزحف على ظهرها.

على مدخل قاعة الحفل، كان يوجد ملصق كُتب عليه بخط ذهبي بارز عبارة "لقاء الذكرى الخامسة للتخرج"، وأسفلها صورة الصف كاملاً.

كانت سلوى في الصورة تقف في أقصى الطرف، غرتها تكاد تغطي عينيها، هزيلة وصغيرة، بينما كان الجميع يبتسم ابتسامات مشرقة.

أما شهد رمزي، فكانت تقف في المنتصف محاطة بالجميع، تمسك بذراع سامي.

سامي ، أكثر من يلفت الأنظار في الدوائر الراقية بالمدينة، زهرة الجبل العالية التي يصعب الوصول إليها، مهذّب ومنضبط، ذو مستقبل واعد، وهو اليوم كان في ذروة تألقه.

نادته سلوى أخي لثماني سنوات.

مع ذلك، كان كبرياؤه يكاد يتحطم يوما بسببها.

لذلك حين تفكّر الآن، ترى أن بروده تجاهها حينها لم يكن خطأً كبيرًا.

"سلوى؟"

جاء من خلفها صوتٌ نسائي ناعم وجاذب، كقطعة ثلج حادة اخترقت أذنها فجأة.

استدارت سلوى.

كانت شهد رمزي ترتدي فستانًا أحمر، جاذبة للأنظار، تتقدم بخطوات واثقة.

وإلى جانبها بعض الفتيات اللواتي كنّ تابعَاتٍ لها في تلك الأيام.

خمس سنوات صقلت ملامح شهد لتصبح أكثر جمالًا وبهاءً، حتى حدّتها القاسية القديمة خفّت كثيرًا.

"هل هذه حقًا أنتِ؟"

ما إن رأت شهد، حتى انقبض جسد سلوى كله تلقائيا، كأن عدد من النبضات الكهربائية الدقيقة اندفعت على امتداد عمودها الفقري.

ندوب السجائر القديمة على ظهرها التي كانت قد التأمت منذ زمن، بدأت تؤلمها من جديد.

حينها قادت شهد عدد من الفتيات وحاصرتها داخل غرفة المعدات، ثم استخدمت رؤوس السجائر لكَيّ جسدها، وترك تلك (العلامات) عليه."

والآن، الجانية تبتسم لها.

شعرت سلوى بانقباض في حلقها، وطنينٌ ملأ أذنيها، وكأنها في لحظة واحدة عادت إلى تلك الأيام التي كانت تتعرض فيها للتنمر.

"شهد رمزي؟"

سمعت سلوى صوتها يأتي من مكان بعيدًا، جافّ إلى درجة أنه لم يشبه صوتها.

اقتربت شهد وهي تبتسم، وكأنها متفاجئة: "لقد أصبحتِ جميلة جدًا، كدت لا أعرفك."

شدّت سلوى بإبهامها على راحة يدها، فساعدها الألم على استعادة تركيزها قليلًا.

أجبرت نفسها على رفع رأسها والنظر مباشرة إلى عيني شهد.

تنفّست بعمق، وعدّت بصمت.

واحد، اثنان، ثلاثة…

كما علّمها طبيبها النفسي.

"شكرًا."

سمعت نفسها تجيب بهدوء.

هذه المرة، لم تهرب مذعورة، ولم تنكمش كما كانت تفعل سابقًا.

"سمعت أنكِ سافرتِ للخارج، "قالت شهد بابتسامة مصطنعة، شفتاها الحمراوان كجرحٍ لامع، "لم أتوقع أنك ستأتين اليوم."

أومأت سلوى بهدوء: "نعم، لقد مرّ وقت طويل."

سادت لحظة صمت، ثم تنهدت شهد بتصنّع: "على ذكر الماضي، في الثانوية حصل بيننا بعض من… سوء الفهم."

بدت شهد الآن كدميةٍ منمّقة، رقيقة ومهذبة، وكأنها متفهمة.

وضعت يدها على كتف سلوى."تلك الفترة كنا صغارًا ولا نفهم، فلا تضعي الأمر في بالك."

نظرت سلوى إلى تلك اليد، وتذكرت كيف سكبت عليها الماء البارد، وكيف داست على كرامتها، وكيف كانت على وشك أن تدمّر دراستها.

توقّف قلب سلوى لحظة، لكنها حافظت على ابتسامة وجهها: "لا بأس، فأنتِ الآن لستِ صغيرة."

احمرّ وجه شهد، وتجمدت الكلمات في حلقها.

فهي أكبر من سلوى بثلاث سنوات، وهذه الثلاث سنوات بينهما كانت كأنها ثلاثون عامًا.

بردت نظرات شهد قليلًا، وهمّت بالكلام، لكن جاء صوتًا من الخلف قطعها.

"سلوى."

ساد الصمت أرجاء الطابق الأول من قاعة الحفل.

انقبض قلب سلوى بشدة.

لم تحتج أن تلتفت لتعرف من هو.

سامي ، ذلك الذي أحبّته سرًا كل سنوات مراهقتها.

والذي نادته أخي لثماني سنوات.

صحيح…لو لم تكن واقعة في حبه آنذاك، لما تعرّضت لما فعلته شهد بها.

ففي ذلك الوقت، كي لا تخبره شهد بما تعرفه، كانت سلوى تتحمل كل التنمّر مرارًا.

لكن سلوى لم تدرك إلا لاحقًا… أن سامي كان يعرف كل شيء منذ البداية.

توقفت الذكريات، التفتت سلوى لتنظر إلى سامي.

وقف سامي تحت الثريا الكريستالية، والضوء الدافئ المائل للصفرة يصنع حوله هالة ذهبية ناعمة.

كان سامي يتمتع بوسامة واضحة؛ وملامح وجهه حادة محددة، تتوسطها عينان كعينَي الخوخ، منحدرتان بخفة. وبرغم بروده الدائم، إلا أن نظرته للآخرين كانت تحمل دائمًا قدرًا لطيفًا من الود."

ظنت في صغرها أن تلك الابتسامة تخصّها، وأنها استثناء لها بمفردها.

لكن في ذلك اليوم، حين رآها مبتلة في المطر، ابتسم لها نفس الابتسامة.

ثم ابتعد عنها ببرود.

فهمت سلوى في تلك اللحظة.

تلك الابتسامة كانت مجرد تهذيب.

لم تكن حبًا.

بل البرود الذي كان يحافظ عليه متعمّدًا، كان موجهًا لها وحدها فقط.

"أخي…"

نادته بصوت منخفض، وحلقها يضيق.

في اللحظة التي رفعت فيها بصرها نحوه، بدا وكأن كل من حولها قد خرج عن نطاق التركيز، ولم ترَ سلوى إلا نظرة سامي الملتقية بعينيها.

توقفت عينا سامي على وجهها لثوانٍ، وفيهما نفس الدهشة التي ظهرت عند شهد قبل قليل، لكن ممزوجة بلمحة خفيفة من المفاجأة السارة.

وكأنه كان سيقول شيئًا، لكن شهد قاطعته فجأة.

"سامي، أختك تغيّرت كثيرًا، كدت لا أعرفها!"

خفضت سلوى نظرها، فرأت شهد تمسك بذراعه.

عاد سامي إلى وعيه، وحدّق في يد شهد بانزعاج خفيف.

توقف لحظة، ثم سأل سلوى: "سلوى، لقد عدتِ؟ لماذا لم تخبري أخوك أولًا؟"

رفعت سلوى رأسها مبتسمة بخفة: "بسبب العمل، أردت مفاجأتك أنت ووالديّ."

حين وجد سامي أنها لا تحمل أي غضب مما حدث قبل خمسة أعوام، شعر بالارتياح.

"هذه شهد، خطيبتي…أنتِ بالتأكيد تعرفينها."

توقفت سلوى للحظة.

إذًا شهد هي خطيبة سامي.

ولذلك، كان سامي يتجنب ذكر الأمر في رسائله القليلة أثناء غربتها.

لأنه كان يعرف.

يعرف ما فعلته شهد بها يومًا.
Continue to read this book for free
Scan code to download App

Latest chapter

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل30

    كان صوت سامي ونظرته باردين حدّ القسوة، فأصاب قلب سلوى بالألم.وعندما يشتد الألم بالإنسان، لا يجد إلا الرغبة في المقاومة.لماذا يُبدي سامي هذا الانفعال الشديد؟ ولماذا يستجوبها؟أليس يعلم أنها تملك "حبيبًا"؟وحين خطرت لها هذه الفكرة، نشأت في قلبها فجأة نزعة تمرّد.فلديها حياتها الخاصة، فبأي حقّ يخضعها لهذا النوع من الاستجواب؟أنزلت سلوى يدها ببطء، ورفعت رأسها لتنظر إليه، وفي عينيها سكون نادر: "أخي، هذه شؤوني الخاصة"."شؤونك الخاصة؟" بدا سامي كأنه سمع مزحة، وانخفض صوته فجأة: "أنتِ من عائلة رياض، أنتِ أختي، وما يخصك لا يُعدّ شأناً خاصًا!"لم تفهم سلوى.لماذا بعد خمس سنوات، يتقلّب مزاج سامي الذي كان دائمًا باردًا ومتحفّظًا، إلى هذا الحد؟ولِمَ يكون دائمًا هذا الانفعال موجّهًا نحوها فقط؟أيعقل أنه يكرهها إلى هذا الحد؟ففي نظره، حتى لو كانت شهد متنمّرة معروفة، فإنها تبدو دائمًا مشرقة وجاذبة للعطف.أما هي، فمجرد أن تقوم بأمر لا يوافق توقعاته، يصبح أمرًا غير مقبول على الإطلاق.استمر سامي في مطالبتها بالإجابة بنظراته. لكنها لم تُجب.أليس يعرف الجواب أصلًا؟إنها تملك "حبيبًا"!تجمد جوّ المكان، و

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل29

    هزّت سلوى رأسها بهدوء، ونبرة صوتها خافتة.لا يوجد أي داعٍ لهذا مطلقًا.لكن شيئًا من الدفء تسلل إلى قلبها.فعندما يتعلق الأمر بمن نُكنّ لهم الاهتمام، حتى لو ظننا أننا لم نعد نهتم، يكفي أن نحصل على قدر بسيط من اللطف لنتناسى الجراح.اتضح أنه لم ينسَ أفكارها تمامًا، بل إنه سيأخذها بالفعل لشراء واحد جديدة."لا داعي يا أخي، لقد قلتُ لك البارحة إنني كنت أمزح معكم فحسب."مرّ في قلبها خاطر خفيّ يحمل قليلًا من الشر— ففي النهاية، شهد لم تستطع الاحتفاظ بذلك العقد، فلم يعد هناك ما يستدعي أن تتعلّق به.إلا أنّ سامي لم ينوِ التوقف عند هذا الحد، فغيّر اتجاه الحديث قائلًا: "لا بأس، خاتم زفافي لم أختَرْه بعد، رافقيني لنراه سويًا وتساعديني في الاختيار."وحين نطق بكلمتا "خاتم الزفاف" انغرستا في قلب سلوى كإبرة رفيعة.تجمّدت نظرتها للحظة، وتبدّد الدفء الذي كان يتصاعد في عينيها، ولم تستعد توازنها إلا بعد وقت.لم تكن ترغب في الذهاب، فبحثت عن عذر قائلة بصوت منخفض: "لديّ عمل اليوم، قد لا يسمح وقتي..."قاطَعها سامي مباشرة، وبنبرة لا تقبل رفضًا: "لا تشغلي بالك بالعمل. لقد قابلتُ سابقًا رئيس مجلس إدارة شركتكم، سأُ

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل28

    في ذلك الوقت، لم تكن سلوى قد تعرّفت بعد إلى تامر.لكن تامر، بعد أن استمع إلى سلوى وهي تذكر تلك الأمور ببساطة، كان يستطيع أن يتخيل بوضوح عمق الآثار النفسية التي تركتها فيها.قال تامر بصوت يحمل شيئًا من الفهم المتوقع: "نامي، سأبقى إلى جوارك."ضمت سلوى شفتيها قليلًا، وشعرت وكأن دفئًا لطيفًا يغمر قلبها.أغمضت عينيها، وبدأ القلق الذي كان دائمًا يزداد ليلًا يتبدد شيئًا فشيئًا، ولم يمض وقت طويل حتى غفت بسلام.كانت تلك هي المرة الأولى التي تنام فيها بطمأنينة من دون الاعتماد على الدواء.جلس تامر إلى جانبها، يتأمل ملامح نومها الهادئة، رموشها المائلة إلى الأسفل تلقي ظلًا رقيقًا تحت عينيها، فامتلأ قلبه برقّة لا توصف.نهض يستعد للمغادرة.لكن بصره وقع فجأة على زجاجات الدواء الموضوعة فوق خزانة السرير.كانت عدة زجاجات مصطفّة، وقد انتُزعت ملصقاتها كلها بعناية.أخذ تامر إحدى الزجاجات، وأخرج منها حبة دواء بيضاء، وراح يقلبها بين أصابعه وقد ازداد نظره عمقاً.أعاد الحبة إلى الزجاجة، وغادر غرفة النوم، ثم أخرج هاتفه وأرسل رسالة إلى مساعده."تعال وخذ هذا الدواء، وافحصه، وأخبرني النتيجة في أسرع وقت."——في صباح

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل27

    كان تامر ينظر إلى أطراف عيني سلوى المحمرة، وهو على يقين في داخله أنها لا بد أن تكون ثملة.فلو لم تكن ثملة، وبحسب جرأتها المعتادة، لما كانت لتجرؤ على قول إنها تريد تقبيله، بل لم تكن لتتجرّأ حتى للتحدث معه ببضع جمل إضافية يحتاج منها إلىط تردد طويل و تفكّير حذر. فمن أين جاءتها كل هذه الجرأة اليوم.لم يُظهر تامر أي رحمة في كلماته، إذ قال بنبرته المعتادة التي تحمل شيئًا من الاستفزاز: "ماذا؟ حتى الأشياء التي أهديتك إياها لا تستطيعين الحفاظ عليها؟"انقبضت أنامل سلوى قليلًا، ولم ترد.هي أيضًا كانت تشعر بأنها عديمة الجدوى، حتى قلادة أهديت إليها لم تستطع حمايتها.لكن قبل أن تسترسل في التفكير، كان تامر قد مد يده وحملها من تحت ذراعيها فجأة.تصلّبت أطرافها كلها، كأرنبٍ مذعور، وأمسكت بخفة بحافة خزانة الأحذية محاولةً الاتزان.وقالت بصوتٍ يحمل خوفًا وحذر: "أنت… ماذا تنوي أن تفعل؟""النوم."قالها تامر وكأن الأمر بديهي، وذراعاه ثابتتان لا ترتجفان.اشتعل وجه سلوى خجلًا، واحمرّ حتى أطراف أذنيها، واشتدت قبضتها أكثر على الخزانة: "أنا… أنا قلتُ فقط إني أريد تقبيلك، لم أقل إنني…"ولم تستطع إكمال الجملة، لكن ا

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل26

    ركضت شهد إلى الطاولة بملامح يملؤها الضيق، وأمسكت بذراع سامي وقد احمرّت عيناها قائلة: "سامي، اختفى العقد! قبل قليل صدمني رجل سكران فاختفى! أرجوك أرسل أحدًا للبحث عنه!" كان سامي يحمل كأسًا بيده، فما إن سمع كلامها حتى رفع عينيه قليلًا وقال بصوت خالٍ من الانفعال: "فليضع… لا بأس." تجمدت شهد للحظة، فلم تكن تتوقع هذا الرد. لم تكن تعلم أن سامي لم يعطِ ذلك العقد قيمة منذ البداية، ولم يكن مصرًّا على إهدائه لها، بل فقط لم يكن يريد أن يبقى مع سلوى.والآن بعدما فُقد، لم يُبدِ أي اهتمام إضافي.عادت سلوی إلى المنزل. خلعت حذاءها دون تشغيل الأضواء، وتوجّهت مباشرة إلى الحمّام. انهمر الماء بقوة، فنزعت ملابسها ودخلت حوض الاستحمام.عندما غمرت المياه الدافئة صدرها، شعرت أنها كسمكة على وشك الموت، ثم عادت فجأة إلى الماء بعد الاختناق، فالتقطت خيطًا ضعيفًا من الشعور بالأمان.حدّقت في الفقاعات فوق سطح الماء، بينما كانت وصايا الطبيب تتردد في ذهنها.إن شرب الكحول يمنعها من تناول الأدوية.لكن ألم صدرها كان يتصاعد، وأطرافها كلها ينهشها الوهن. قبضت على حافة الحوض حتى شحبَت أطراف أصابعها، وعيناها غارقتان في شرود.

  • حين يقبلني يخفق قلبي   الفصل25

    لئلّا تُهجر مرة أخرى من أسرتها.أخذت سلوى نفسًا عميقًا، ورمشت بقوة لتُزيح الرطوبة التي تجمّعت في عينيها، ثم شدّت طرفي شفتيها في ابتسامة متيبّسة.قالت: "أخي سامي، لا تغضب، كنت أمزح معك فحسب."القشرة التي ولدت فيها رغبتها في المقاومة تَصدّعت من جديد، فعادت سلوى إلى قوقعتها الخائفة المطيعة.قدّمت علبة الحلي إلى شهد، محاولة أن تُلطّف نبرة صوتها: أختي شهد، انظري، هذه السلسلة تليق بكِ كثيرًا، كنت أمازحكِ فقط."لمعت في عيني شهد لمعة انتصار، لكنها تقمّصت مظهر المندهشة، وهي تستلم العلبة قائلة: شكرًا لكِ، يا سلوى، كم أنتِ لطيفة!"ثم أمسكت بذراع سامي وتدلّلت: انظر كيف أرعبتَ أختك الصغيرة، إنها مجرد قلادة."وعندما رأى سامي أنها هدأت، لانت ملامحه قليلًا، فربّت على كتف سلوى وقال: نحن أسرة واحدة، لا حاجة لكل هذا التشدد."ابتسمت سلوى ولم تقل شيئًا.أسرة واحدة…وحين هبّت نسمة باردة، فأحسّت بحرقة أشد في عينيها.اختبأت شهد خلف سامي، وغمزت لصديقتها، ولوّحت لها بالسلسلة التي صارت غنيمتها.شعر سامي أن الجو بارد، وأدرك أن سلوى ترتدي ما هو خفيف.مدّ ذراعه ليحميها ويقودها إلى الداخل: هيا ندخل، الجو هنا بارد.ت

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status