LOGINما إن عادت سلوى سيد إلى البلاد، حتى علمت أن أخاها الذي أحبّته سرًا لسنوات سيخطب المرأة التي سبق أن تنمّرت عليها وأذتها. غادرت في حالٍ مزرٍ، وحين استدارت اصطدمت مباشرةً بحضن حبيبها السابق. تامر فراج، بطوله الذي يبلغ المتر وتسعين، أصغر رؤساء الشركات سنًا وأكثرهم نفوذًا في مدينة البحر، جامح، متغطرس، متمرد… باستثناء أن لسانه وعقله يعملان دائمًا بسرعة جنونية. — تعود الذاكرة إلى عام تخرجهما من الثانوية، في صيف خانق رطب. كانا يتبادلان قبلًا طويلة مشتعلة فى غرفة المعدات الخالية . في الثامنة عشرة، كان تامر فراج يرفع يدها أحيانًا نحو شفتيه، ويقبّل أصابعها هامسًا: "أنتِ حقًا فتاة مطيعة، أنا أحبك." لكن سلوى سيد كانت تبتسم دون أن تأخذ كلماته على محمل الجد، التفتت ثم تركته على الفور وسافرت إلى الخارج لخمس سنوات. وعندما التقيا مجددًا، ظنّت أنه نسي كل شيء منذ زمن، لذلك ما إن رأته حتى أدارت ظهرها محاولةً الرحيل. لكنّه أمسك يدها فجأة بقوة وقال ساخرًا بصوت منخفض: "لقد كنت كالكلب الذي يتبعك… فما رأيك أن تتفضَلي وتلعبي بي مرة أخرى؟" — وفي ليالٍ لا تُحصى بعد ذلك. كانا يتعانقان بحرارة شديدة، ليصبح تامر فراج ويتحوّل من جديد إلى دواءها الذي يشفيها وينقذ حياتها. كانت تظن أن العلاقة بينهما ليست إلا مجرد لهو كالمرة السابقة. غير أنّه في اليوم الذي همَت فيه الرحيل، كانت عينا تامر السوداوان تشتعلان بحرارة، يمسك خصرها متشبثًا بها، لا يريد أن يفترق عنها، وقال: "سلوى… دعينا نتزوج، حسنًا؟"
View Moreكان صوت سامي ونظرته باردين حدّ القسوة، فأصاب قلب سلوى بالألم.وعندما يشتد الألم بالإنسان، لا يجد إلا الرغبة في المقاومة.لماذا يُبدي سامي هذا الانفعال الشديد؟ ولماذا يستجوبها؟أليس يعلم أنها تملك "حبيبًا"؟وحين خطرت لها هذه الفكرة، نشأت في قلبها فجأة نزعة تمرّد.فلديها حياتها الخاصة، فبأي حقّ يخضعها لهذا النوع من الاستجواب؟أنزلت سلوى يدها ببطء، ورفعت رأسها لتنظر إليه، وفي عينيها سكون نادر: "أخي، هذه شؤوني الخاصة"."شؤونك الخاصة؟" بدا سامي كأنه سمع مزحة، وانخفض صوته فجأة: "أنتِ من عائلة رياض، أنتِ أختي، وما يخصك لا يُعدّ شأناً خاصًا!"لم تفهم سلوى.لماذا بعد خمس سنوات، يتقلّب مزاج سامي الذي كان دائمًا باردًا ومتحفّظًا، إلى هذا الحد؟ولِمَ يكون دائمًا هذا الانفعال موجّهًا نحوها فقط؟أيعقل أنه يكرهها إلى هذا الحد؟ففي نظره، حتى لو كانت شهد متنمّرة معروفة، فإنها تبدو دائمًا مشرقة وجاذبة للعطف.أما هي، فمجرد أن تقوم بأمر لا يوافق توقعاته، يصبح أمرًا غير مقبول على الإطلاق.استمر سامي في مطالبتها بالإجابة بنظراته. لكنها لم تُجب.أليس يعرف الجواب أصلًا؟إنها تملك "حبيبًا"!تجمد جوّ المكان، و
هزّت سلوى رأسها بهدوء، ونبرة صوتها خافتة.لا يوجد أي داعٍ لهذا مطلقًا.لكن شيئًا من الدفء تسلل إلى قلبها.فعندما يتعلق الأمر بمن نُكنّ لهم الاهتمام، حتى لو ظننا أننا لم نعد نهتم، يكفي أن نحصل على قدر بسيط من اللطف لنتناسى الجراح.اتضح أنه لم ينسَ أفكارها تمامًا، بل إنه سيأخذها بالفعل لشراء واحد جديدة."لا داعي يا أخي، لقد قلتُ لك البارحة إنني كنت أمزح معكم فحسب."مرّ في قلبها خاطر خفيّ يحمل قليلًا من الشر— ففي النهاية، شهد لم تستطع الاحتفاظ بذلك العقد، فلم يعد هناك ما يستدعي أن تتعلّق به.إلا أنّ سامي لم ينوِ التوقف عند هذا الحد، فغيّر اتجاه الحديث قائلًا: "لا بأس، خاتم زفافي لم أختَرْه بعد، رافقيني لنراه سويًا وتساعديني في الاختيار."وحين نطق بكلمتا "خاتم الزفاف" انغرستا في قلب سلوى كإبرة رفيعة.تجمّدت نظرتها للحظة، وتبدّد الدفء الذي كان يتصاعد في عينيها، ولم تستعد توازنها إلا بعد وقت.لم تكن ترغب في الذهاب، فبحثت عن عذر قائلة بصوت منخفض: "لديّ عمل اليوم، قد لا يسمح وقتي..."قاطَعها سامي مباشرة، وبنبرة لا تقبل رفضًا: "لا تشغلي بالك بالعمل. لقد قابلتُ سابقًا رئيس مجلس إدارة شركتكم، سأُ
في ذلك الوقت، لم تكن سلوى قد تعرّفت بعد إلى تامر.لكن تامر، بعد أن استمع إلى سلوى وهي تذكر تلك الأمور ببساطة، كان يستطيع أن يتخيل بوضوح عمق الآثار النفسية التي تركتها فيها.قال تامر بصوت يحمل شيئًا من الفهم المتوقع: "نامي، سأبقى إلى جوارك."ضمت سلوى شفتيها قليلًا، وشعرت وكأن دفئًا لطيفًا يغمر قلبها.أغمضت عينيها، وبدأ القلق الذي كان دائمًا يزداد ليلًا يتبدد شيئًا فشيئًا، ولم يمض وقت طويل حتى غفت بسلام.كانت تلك هي المرة الأولى التي تنام فيها بطمأنينة من دون الاعتماد على الدواء.جلس تامر إلى جانبها، يتأمل ملامح نومها الهادئة، رموشها المائلة إلى الأسفل تلقي ظلًا رقيقًا تحت عينيها، فامتلأ قلبه برقّة لا توصف.نهض يستعد للمغادرة.لكن بصره وقع فجأة على زجاجات الدواء الموضوعة فوق خزانة السرير.كانت عدة زجاجات مصطفّة، وقد انتُزعت ملصقاتها كلها بعناية.أخذ تامر إحدى الزجاجات، وأخرج منها حبة دواء بيضاء، وراح يقلبها بين أصابعه وقد ازداد نظره عمقاً.أعاد الحبة إلى الزجاجة، وغادر غرفة النوم، ثم أخرج هاتفه وأرسل رسالة إلى مساعده."تعال وخذ هذا الدواء، وافحصه، وأخبرني النتيجة في أسرع وقت."——في صباح
كان تامر ينظر إلى أطراف عيني سلوى المحمرة، وهو على يقين في داخله أنها لا بد أن تكون ثملة.فلو لم تكن ثملة، وبحسب جرأتها المعتادة، لما كانت لتجرؤ على قول إنها تريد تقبيله، بل لم تكن لتتجرّأ حتى للتحدث معه ببضع جمل إضافية يحتاج منها إلىط تردد طويل و تفكّير حذر. فمن أين جاءتها كل هذه الجرأة اليوم.لم يُظهر تامر أي رحمة في كلماته، إذ قال بنبرته المعتادة التي تحمل شيئًا من الاستفزاز: "ماذا؟ حتى الأشياء التي أهديتك إياها لا تستطيعين الحفاظ عليها؟"انقبضت أنامل سلوى قليلًا، ولم ترد.هي أيضًا كانت تشعر بأنها عديمة الجدوى، حتى قلادة أهديت إليها لم تستطع حمايتها.لكن قبل أن تسترسل في التفكير، كان تامر قد مد يده وحملها من تحت ذراعيها فجأة.تصلّبت أطرافها كلها، كأرنبٍ مذعور، وأمسكت بخفة بحافة خزانة الأحذية محاولةً الاتزان.وقالت بصوتٍ يحمل خوفًا وحذر: "أنت… ماذا تنوي أن تفعل؟""النوم."قالها تامر وكأن الأمر بديهي، وذراعاه ثابتتان لا ترتجفان.اشتعل وجه سلوى خجلًا، واحمرّ حتى أطراف أذنيها، واشتدت قبضتها أكثر على الخزانة: "أنا… أنا قلتُ فقط إني أريد تقبيلك، لم أقل إنني…"ولم تستطع إكمال الجملة، لكن ا





