حين يقبلني يخفق قلبي

حين يقبلني يخفق قلبي

By:  البطلة المشاغبةUpdated just now
Language: Arab
goodnovel4goodnovel
Not enough ratings
30Chapters
321views
Read
Add to library

Share:  

Report
Overview
Catalog
SCAN CODE TO READ ON APP

ما إن عادت سلوى سيد إلى البلاد، حتى علمت أن أخاها الذي أحبّته سرًا لسنوات سيخطب المرأة التي سبق أن تنمّرت عليها وأذتها. غادرت في حالٍ مزرٍ، وحين استدارت اصطدمت مباشرةً بحضن حبيبها السابق. تامر فراج، بطوله الذي يبلغ المتر وتسعين، أصغر رؤساء الشركات سنًا وأكثرهم نفوذًا في مدينة البحر، جامح، متغطرس، متمرد… باستثناء أن لسانه وعقله يعملان دائمًا بسرعة جنونية. — تعود الذاكرة إلى عام تخرجهما من الثانوية، في صيف خانق رطب. كانا يتبادلان قبلًا طويلة مشتعلة فى غرفة المعدات الخالية . في الثامنة عشرة، كان تامر فراج يرفع يدها أحيانًا نحو شفتيه، ويقبّل أصابعها هامسًا: "أنتِ حقًا فتاة مطيعة، أنا أحبك." لكن سلوى سيد كانت تبتسم دون أن تأخذ كلماته على محمل الجد، التفتت ثم تركته على الفور وسافرت إلى الخارج لخمس سنوات. وعندما التقيا مجددًا، ظنّت أنه نسي كل شيء منذ زمن، لذلك ما إن رأته حتى أدارت ظهرها محاولةً الرحيل. لكنّه أمسك يدها فجأة بقوة وقال ساخرًا بصوت منخفض: "لقد كنت كالكلب الذي يتبعك… فما رأيك أن تتفضَلي وتلعبي بي مرة أخرى؟" — وفي ليالٍ لا تُحصى بعد ذلك. كانا يتعانقان بحرارة شديدة، ليصبح تامر فراج ويتحوّل من جديد إلى دواءها الذي يشفيها وينقذ حياتها. كانت تظن أن العلاقة بينهما ليست إلا مجرد لهو كالمرة السابقة. غير أنّه في اليوم الذي همَت فيه الرحيل، كانت عينا تامر السوداوان تشتعلان بحرارة، يمسك خصرها متشبثًا بها، لا يريد أن يفترق عنها، وقال: "سلوى… دعينا نتزوج، حسنًا؟"

View More

Chapter 1

الفصل1

ما إن توقفت السيارة حتى هطلت أمطار غزيرة في الخارج.

بعد خمس سنوات، عادت سلوى إلى هذا المكان الذي تعرّضت فيه في أيام الثانوية لعامٍ كامل من التنمّر.

واليوم، عليها أن تواجه الشخص الذي تنمّر عليها.

حيث كان أصل تلك الحادثة، أخوها في أسرة الإيواء… سامي رياض.

مرّت أنامل سلوى بلا وعي على الندبة في داخل معصمها.

مضي خمس سنوات.

أصبحت هذه المدينة أكثر بذخًا وبريقًا من وقت رحيلها، لكن طابعها الرمادي الباهت بقي كما هي.

وكما دائمًا، تمنح المرء شعورًا بالاختناق.

استعادت سلوى وعيها، ضمّت ياقة معطفها البيج، أخذت نفسًا عميقًا، فتحت المظلّة، نزلت من السيارة، وسارت نحو قاعة الحفل.

قال لها طبيبها النفسي: إذا أرادت الشفاء التام، فعليها مواجهة أكثر ما كان يخيفها في الماضي.

لذلك، كان لا بدّ أن تأتي.

"سلوى ؟"

سمعت من ينادي اسمها.

"هذه أنتِ حقًا، سلوى!"

استدارت، فرأت فتاة ترتدي سترة بلون الكستناء تركض نحوها بخطوات سريعة.

احتاجت سلوى ثلاث ثوانٍ لتتذكر اسم الفتاة في ذاكرتها.

ريم شوقي، واحدة من القلائل الذين كانوا لطفاء معها في الثانوية.

"حقًا أنتِ! لقد تغيّرتِ كثيرًا، ظللت أنظر إليك طويلًا ولم أجرؤ على التأكد!"

أومأت سلوى برأسها.

"سمعت أنك تعملين الآن كمصممة؟ هذا رائع! كنت أتذكر في الثانوية كيف كانت يداكِ تتقنان صنع مختلف الأشياء الصغيرة!"

ابتسمت سلوى قليلًا. كانت بطبيعتها بيضاء البشرة، نحيفة، هادئة الملامح، لكن حين تبتسم تتحرك الشامة تحت عينها بخفّة، فلا يستطيع المرء صرف نظره عنها.

"تصميم التركيبات الفنية للمشاهد، إن احتجتم يومًا، يمكنكم التواصل معي."

قدّمت سلوى بطاقتها.

"ممتاز، بعد أيام لدينا عيد ميلاد نجمة شهيرة في الشركة، سنطلبك حينها!"

دفعت ريم باب الفندق، تسحب سلوى معها قائلة: "البرد قارس، هيا لندخل، سمعت أن الجميع قد وصل."

انكمشت سلوى قليلًا، نعم، خريف مدينة البحر أصبح أبرد من السابق.

دفعت الأبواب الدوّارة الفتاتين إلى الداخل الدافئ، لكن شعرت سلوى ببرودة تزحف على ظهرها.

على مدخل قاعة الحفل، كان يوجد ملصق كُتب عليه بخط ذهبي بارز عبارة "لقاء الذكرى الخامسة للتخرج"، وأسفلها صورة الصف كاملاً.

كانت سلوى في الصورة تقف في أقصى الطرف، غرتها تكاد تغطي عينيها، هزيلة وصغيرة، بينما كان الجميع يبتسم ابتسامات مشرقة.

أما شهد رمزي، فكانت تقف في المنتصف محاطة بالجميع، تمسك بذراع سامي.

سامي ، أكثر من يلفت الأنظار في الدوائر الراقية بالمدينة، زهرة الجبل العالية التي يصعب الوصول إليها، مهذّب ومنضبط، ذو مستقبل واعد، وهو اليوم كان في ذروة تألقه.

نادته سلوى أخي لثماني سنوات.

مع ذلك، كان كبرياؤه يكاد يتحطم يوما بسببها.

لذلك حين تفكّر الآن، ترى أن بروده تجاهها حينها لم يكن خطأً كبيرًا.

"سلوى؟"

جاء من خلفها صوتٌ نسائي ناعم وجاذب، كقطعة ثلج حادة اخترقت أذنها فجأة.

استدارت سلوى.

كانت شهد رمزي ترتدي فستانًا أحمر، جاذبة للأنظار، تتقدم بخطوات واثقة.

وإلى جانبها بعض الفتيات اللواتي كنّ تابعَاتٍ لها في تلك الأيام.

خمس سنوات صقلت ملامح شهد لتصبح أكثر جمالًا وبهاءً، حتى حدّتها القاسية القديمة خفّت كثيرًا.

"هل هذه حقًا أنتِ؟"

ما إن رأت شهد، حتى انقبض جسد سلوى كله تلقائيا، كأن عدد من النبضات الكهربائية الدقيقة اندفعت على امتداد عمودها الفقري.

ندوب السجائر القديمة على ظهرها التي كانت قد التأمت منذ زمن، بدأت تؤلمها من جديد.

حينها قادت شهد عدد من الفتيات وحاصرتها داخل غرفة المعدات، ثم استخدمت رؤوس السجائر لكَيّ جسدها، وترك تلك (العلامات) عليه."

والآن، الجانية تبتسم لها.

شعرت سلوى بانقباض في حلقها، وطنينٌ ملأ أذنيها، وكأنها في لحظة واحدة عادت إلى تلك الأيام التي كانت تتعرض فيها للتنمر.

"شهد رمزي؟"

سمعت سلوى صوتها يأتي من مكان بعيدًا، جافّ إلى درجة أنه لم يشبه صوتها.

اقتربت شهد وهي تبتسم، وكأنها متفاجئة: "لقد أصبحتِ جميلة جدًا، كدت لا أعرفك."

شدّت سلوى بإبهامها على راحة يدها، فساعدها الألم على استعادة تركيزها قليلًا.

أجبرت نفسها على رفع رأسها والنظر مباشرة إلى عيني شهد.

تنفّست بعمق، وعدّت بصمت.

واحد، اثنان، ثلاثة…

كما علّمها طبيبها النفسي.

"شكرًا."

سمعت نفسها تجيب بهدوء.

هذه المرة، لم تهرب مذعورة، ولم تنكمش كما كانت تفعل سابقًا.

"سمعت أنكِ سافرتِ للخارج، "قالت شهد بابتسامة مصطنعة، شفتاها الحمراوان كجرحٍ لامع، "لم أتوقع أنك ستأتين اليوم."

أومأت سلوى بهدوء: "نعم، لقد مرّ وقت طويل."

سادت لحظة صمت، ثم تنهدت شهد بتصنّع: "على ذكر الماضي، في الثانوية حصل بيننا بعض من… سوء الفهم."

بدت شهد الآن كدميةٍ منمّقة، رقيقة ومهذبة، وكأنها متفهمة.

وضعت يدها على كتف سلوى."تلك الفترة كنا صغارًا ولا نفهم، فلا تضعي الأمر في بالك."

نظرت سلوى إلى تلك اليد، وتذكرت كيف سكبت عليها الماء البارد، وكيف داست على كرامتها، وكيف كانت على وشك أن تدمّر دراستها.

توقّف قلب سلوى لحظة، لكنها حافظت على ابتسامة وجهها: "لا بأس، فأنتِ الآن لستِ صغيرة."

احمرّ وجه شهد، وتجمدت الكلمات في حلقها.

فهي أكبر من سلوى بثلاث سنوات، وهذه الثلاث سنوات بينهما كانت كأنها ثلاثون عامًا.

بردت نظرات شهد قليلًا، وهمّت بالكلام، لكن جاء صوتًا من الخلف قطعها.

"سلوى."

ساد الصمت أرجاء الطابق الأول من قاعة الحفل.

انقبض قلب سلوى بشدة.

لم تحتج أن تلتفت لتعرف من هو.

سامي ، ذلك الذي أحبّته سرًا كل سنوات مراهقتها.

والذي نادته أخي لثماني سنوات.

صحيح…لو لم تكن واقعة في حبه آنذاك، لما تعرّضت لما فعلته شهد بها.

ففي ذلك الوقت، كي لا تخبره شهد بما تعرفه، كانت سلوى تتحمل كل التنمّر مرارًا.

لكن سلوى لم تدرك إلا لاحقًا… أن سامي كان يعرف كل شيء منذ البداية.

توقفت الذكريات، التفتت سلوى لتنظر إلى سامي.

وقف سامي تحت الثريا الكريستالية، والضوء الدافئ المائل للصفرة يصنع حوله هالة ذهبية ناعمة.

كان سامي يتمتع بوسامة واضحة؛ وملامح وجهه حادة محددة، تتوسطها عينان كعينَي الخوخ، منحدرتان بخفة. وبرغم بروده الدائم، إلا أن نظرته للآخرين كانت تحمل دائمًا قدرًا لطيفًا من الود."

ظنت في صغرها أن تلك الابتسامة تخصّها، وأنها استثناء لها بمفردها.

لكن في ذلك اليوم، حين رآها مبتلة في المطر، ابتسم لها نفس الابتسامة.

ثم ابتعد عنها ببرود.

فهمت سلوى في تلك اللحظة.

تلك الابتسامة كانت مجرد تهذيب.

لم تكن حبًا.

بل البرود الذي كان يحافظ عليه متعمّدًا، كان موجهًا لها وحدها فقط.

"أخي…"

نادته بصوت منخفض، وحلقها يضيق.

في اللحظة التي رفعت فيها بصرها نحوه، بدا وكأن كل من حولها قد خرج عن نطاق التركيز، ولم ترَ سلوى إلا نظرة سامي الملتقية بعينيها.

توقفت عينا سامي على وجهها لثوانٍ، وفيهما نفس الدهشة التي ظهرت عند شهد قبل قليل، لكن ممزوجة بلمحة خفيفة من المفاجأة السارة.

وكأنه كان سيقول شيئًا، لكن شهد قاطعته فجأة.

"سامي، أختك تغيّرت كثيرًا، كدت لا أعرفها!"

خفضت سلوى نظرها، فرأت شهد تمسك بذراعه.

عاد سامي إلى وعيه، وحدّق في يد شهد بانزعاج خفيف.

توقف لحظة، ثم سأل سلوى: "سلوى، لقد عدتِ؟ لماذا لم تخبري أخوك أولًا؟"

رفعت سلوى رأسها مبتسمة بخفة: "بسبب العمل، أردت مفاجأتك أنت ووالديّ."

حين وجد سامي أنها لا تحمل أي غضب مما حدث قبل خمسة أعوام، شعر بالارتياح.

"هذه شهد، خطيبتي…أنتِ بالتأكيد تعرفينها."

توقفت سلوى للحظة.

إذًا شهد هي خطيبة سامي.

ولذلك، كان سامي يتجنب ذكر الأمر في رسائله القليلة أثناء غربتها.

لأنه كان يعرف.

يعرف ما فعلته شهد بها يومًا.
Expand
Next Chapter
Download

Latest chapter

More Chapters
No Comments
30 Chapters
الفصل1
ما إن توقفت السيارة حتى هطلت أمطار غزيرة في الخارج.بعد خمس سنوات، عادت سلوى إلى هذا المكان الذي تعرّضت فيه في أيام الثانوية لعامٍ كامل من التنمّر.واليوم، عليها أن تواجه الشخص الذي تنمّر عليها.حيث كان أصل تلك الحادثة، أخوها في أسرة الإيواء… سامي رياض.مرّت أنامل سلوى بلا وعي على الندبة في داخل معصمها.مضي خمس سنوات.أصبحت هذه المدينة أكثر بذخًا وبريقًا من وقت رحيلها، لكن طابعها الرمادي الباهت بقي كما هي.وكما دائمًا، تمنح المرء شعورًا بالاختناق.استعادت سلوى وعيها، ضمّت ياقة معطفها البيج، أخذت نفسًا عميقًا، فتحت المظلّة، نزلت من السيارة، وسارت نحو قاعة الحفل.قال لها طبيبها النفسي: إذا أرادت الشفاء التام، فعليها مواجهة أكثر ما كان يخيفها في الماضي.لذلك، كان لا بدّ أن تأتي."سلوى ؟"سمعت من ينادي اسمها."هذه أنتِ حقًا، سلوى!"استدارت، فرأت فتاة ترتدي سترة بلون الكستناء تركض نحوها بخطوات سريعة.احتاجت سلوى ثلاث ثوانٍ لتتذكر اسم الفتاة في ذاكرتها.ريم شوقي، واحدة من القلائل الذين كانوا لطفاء معها في الثانوية."حقًا أنتِ! لقد تغيّرتِ كثيرًا، ظللت أنظر إليك طويلًا ولم أجرؤ على التأكد!"
Read more
الفصل2
"كيف لا أعرفها! نحن في الحقيقة زملاء قدامي." قالت شهد مبتسمة، تنظر إلى سلوى بنظرة تحمل معنى خفيًا: "أليس كذلك؟" شعرت سلوى بأن جميع الأنظار قد تركزت عليها، تنتظر ردّ فعلها.ابتلعت مرارة في حلقها، ومدّت يدها تأخذ كأس شمبانيا من يد أحد الخدم، ثم ابتسمت قائلة: "مبارك لكما، أهلًا زوجة أخي."آخر ثلاث كلمات سمعها سامي بوضوح.عقد سامي حاجبيه قليلًا، ثم أومأ برأسه. "كانت سلوى دائمًا فتاة مطيعة."أبعدت سلوى نظرها جانبًا، وللمرة الأولى شعرت أن كلمة "مطيعة" مؤذية للأذن.تعالت حولهما ضحكات خفيفة وهمسات جانبية، كأن الجميع يسخرون أنها أخيرًا ادركت الحقيقة، وتخلّت عن أوهامها.فمجرد الإعجاب بالأخ بالتبنّي يُعَدّ أمرًا مُستنكرًا في نظر الناس. فضلاً عن أن الشخص الذي أحبته هو سامي محط أنظار الجميع.ارتشفت سلوى رشفة من الكأس، ثم حوّلت بصرها بعيدًا عنه، كأنها لا تريد أن تمنحه حتى نظرة واحدة. لاحظ سامي ذلك البرود الغريب، وتجنّبها المتعمّد، وتبدّلت تعابير وجهه للحظة.في منتصف الحفل، استأذنت سلوى بحجّة تلقّي مكالمة، وغادرت القاعة.كانت بحاجة إلى التقاط أنفاسها، ولو لدقائق قليلة. الجلوس في غرفة واحدة مع من
Read more
الفصل3
كان المطر قد توقّف في الخارج، والطريق لا يزال مبتلًا وباردًا.خرجت سلوى من الفندق، وخطت بسرعة نحو سيارتها.كل ما حدث اليوم كان ضمن توقّعاتها.باستثناء خطوبة سامي وشهد، ثم لقاؤها بتامر.وقبل أن تفتح باب السيارة، رنّ هاتفها فجأة.كان اسم سامي على الشاشة يوخز عينيها حتى شعرت بألم حاد.تردّدت لحظة، ثم ضغطت زرّ الإجابة."سلوى، أين ذهبتِ؟"جاء صوت سامي عبر السماعة، دافئًا ومهذبًا كعادته، يحمل تلك النبرة التي تعرفها جيدًا… نبرة لا تقبل الرفض، "الجميع يوزّعون قالب الحلوى، احتفظت لكِ بقطعة، هيا عودي."انقبض حلق سلوى، وعادت إلى ذهنها ذكرى لن تُمحى ما دامت حيّة.ذلك اليوم حين أمسكت شهد هي ومَن معها بمؤخرة عنقها، وضغطن وجهها بقسوة في قالب الحلوى.طعم الكريمة الذي خنق أنفها ما زال محفورًا في جسدها."أنا لا أحب الحلوى."سمعت صوتها يخرج باردًا، متباعدًا، وكأنه ليس صوتها.سادت لحظة صمت على الطرف الآخر."لكنّك كنتِ تحبينها. كل عامٍ في عيد ميلادي، كنتِ تأكلين قطعة إضافية."قالها سامي بنبرة تحمل شيء من العتاب، "سلوى، ليس وقت العناد."عناد؟"أخي، كنت أحبها سابقًا،" قالت سلوى وهي تحدّق في الأضواء النيون ا
Read more
الفصل4
"بييب—"كان صوت فتح القفل واضحًا بشكل لافت وسط سكون الليل.توقّفت سلوى في مكانها.إذن… هو يسكن هنا أيضًا؟التفت تامر نحوها، ورأى تعبيرها المذهول، فارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يقول: "جارتي، ألن تلقي التحية؟"اشتعلت حرارة خفيفة عند أطراف أذنيها.آه، لقد كانت هي من توهّمت بلا سبب."أنا…" فتّحت فمها، لكنها لم تعرف ماذا تقول.استند تامر إلى إطار الباب، وكان ضوء القمر يكسو جسده بهالة فضية.قال بصوت بطيء هادئ: "سلوى، هل كنتِ تسرحين بخيالك مرة أخرى قبل قليل؟"رفعت رأسها بسرعة، لتلتقي بنظراته الساخرة.لقد أدرك ما يدور في ذهنها مجددًا."أنا، لستُ أقصد ذلك…""تصبحين على خير، جارتي."قاطعها تامر، وابتسم لها، ثم استدار ودخل إلى البيت.وفي اللحظة التي أُغلق فيها الباب، استطاعت سلوى أن تخرج نفسًا طويلًا.يا لها من... مصادفة حقًا.تلك الليلة، لم تستطع النوم.استلقت على سريرها، تحدّق في السقف، تستمع إلى هبوب الرياح القادمة من الخارج بين الحين والآخر.خلال السنوات الخمس الماضية، ازداد أرقها سوءًا، وصارت تعتمد على الأدوية كي تنام بصعوبة.حتى إنها تناولت الليلة قرصين كاملين.ومع أول ضوء للصباح يتسر
Read more
الفصل5
"قالت سلوى بشكل تلقائي رافضة: "لا داعي لذلك، يمكنني أن أستقل سيارة أجرة."صمت سامي لبرهة، بدا وكأنه يريد قول شيء، ثم تراجع.هل ما زالت تفكّر في ما حدث البارحة؟"كيف أصبحت حسّاسة وهشّة هكذا بعد بضع سنوات من السفر؟""سلوى، أنا…"في اللحظة التي فتح فيها سامي فمه، مال تامر فجأة نحوها. قال لها بصوت منخفض: "حليبكِ… سيبرد."ارتجفت يد سلوى وكادت تُسقط الهاتف.حدّقت فيه بعينين متسعتين، بينما رفع حاجبيه ببراءة مصطنعة.لقد فعلها عن قصد!"من بجانبكِ؟""سلوى، أين أنتِ؟ ولماذا أسمع صوت رجل؟"قالت سلوى بارتباك: "لا… لا أحد…أشاهد مسلسلًا، والصوت من التلفاز…"حدّقَت سلوى في تامر بغضب، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة منتصرة، وبدأ يشرب الحليب ببطء متعمّد.قال سامي بلهجة لا تقبل الرفض: "سآتي لآخذك بنفسي. ابقي في المنزل."قالت سلوى محاولة الرفض مجددًا: "حقًا لا يوجد داعي… أخي، أستطيع العودة وحدي…"أخي…منذ عودتها هذه المرة، وهي لا تناديه إلا بلقب أخي.قاطعها سامي قائلاً بصوت منخفض: "في السابق… لم تكوني تنادينني "أخي" أبدًا.""صحيح."نعم، لقد تبنّتها عائلة سامي عندما كانت في العاشرة من عمرها. سامي يكبرها
Read more
الفصل6
ارتدت سلوى فوق فستانها الأبيض الطويل سترة رمادية، وسحبت الأكمام حتى المعصمين، لتتأكد أن تلك الندوب قد اختفت تمامًا.رنّ جرس الباب فجأة، فهرعت سلوى لفتحه.وقف سامي بثيابه البيضاء عند الباب، وكانت أشعة الشمس تسطع من خلفه، لكنها لم تستطع أن تجاوز جسده للدخول إلى المنزل.كان أشبه بجدار محكم لا ينفذ منه الضوء.قبل قليل حين جاء تامر لرؤيتها، شعرت سلوى للحظة أن سماء مدينة البحر زرقاء بشكل غير مألوف.أما الآن فقد عادت رمادية.سأل سامي بصوت هادئ، بينما تتجول عيناه داخل المنزل: "هل انتهيتِ من تجهيز نفسك؟"تراجعت سلوى خطوة إلى الخلف دون وعي، ثم أومأت برأسها.عقّد سامي حاجبيه وهو يتأمل طبقات ثيابها الكثيفة: "الطقس اليوم شديد الحرارة، ارتداؤكِ لكل هذه الملابس سيجعلكِ تتعبين."أجابت سلوى بصوت يكاد لا يُسمع: "اعتدتُ ذلك."قال سامي: "حسنًا، فلنذهب." ثم تنحّى قليلًا ليترك لها الطريق.مرّت سلوى بجانبه بحذر شديد، تخشى أي احتكاك جسدي مهما كان بسيطًا.التقط سامي رائحة النعناع الباردة تنبعث منها.لم يكن عطرها.كان أقرب إلى عطر رجالي.وعندما تذكّر صوت الرجل على الهاتف قبل قليل، انقبضت أصابعه حول مقبض الباب ب
Read more
الفصل7
لم تفهم سلوى، فمكان سكنها لا يجب أن تكون له أي علاقة بسامي.قالت بصوت منخفض: "أمي، لقد كبرت."ثم ألقت نظرة سريعة نحو شهد وأضافت: "وفوق ذلك… أخي سيتزوج قريبًا، والبيت مشغول بالتحضيرات، لا أريد أن أكون عبئًا."استوعبت نجلاء الأمر، ثم ظهرت ابتسامة رضا على وجهها، وربّتت على يد سلوى قائلة: "يبدو أن سلوى أصبحت أكثر نضجًا خلال السنوات الخمس الماضية."ثم توقفت قليلًا، وبدت في عينيها شيء من الاختبار: "بعد أيام، سأعرّفك على بعض الشبان الممتازين، ما رأيك؟"قبضت سلوى على المنديل بقوة، وردّت بسرعة: "أمي… لا يوجد داعي."ساد الصمت على المائدة فجأة.رفعت نجلاء حاجبيها بدهشة.تحول نظر شهد فورًا إلى حذر وترقب.ووضع سامي السكين والشوكة، فاصطدم المعدن بطبق البورسلان مُصدِرًا صوتًا واضحًا وحادًّا.قال سامي وهو يعقد حاجبيه: "أمي، أنتِ متعجلة. لقد عادت سلوى للتو، وهي ما زالت صغيرة..."ردّت والدته: "سلوى قاربت الثانية والعشرين، وفي محيطكم، يبدأ الارتباط في هذا العمر."نظرت سلوى إلى نجلاء، ورأت الشك يمرّ في عينيها، فغمرها شعور ببرودة شديدة.عندها فهمت، أن والدتها بالتبني كانت تختبرها، تخشى أن تكون مشاعر سلوى ن
Read more
الفصل8
عاد سامي إلى وعيه في تلك اللحظة، وتراجع نصف خطوة ليبتعد عنها، وقد عاد صوته إلى ما اعتاده من انضباط وتحفّظ.قال: "أنا فقط أخاف ألا تُحسني اختيار الناس، فيؤذيكِ أحد."تنفست سلوى بعمق: "على أي حال، هذه المرة… ليس شخصًا لا ينبغي أن أحبه، فاطمئن."كانت تريد سلوى الابتعاد عنه قدر الإمكان، حتى لا يسيء أهل البيت الظن بها مجدداً.قالت: "أخي، إن لم يكن هناك شيء آخر، سأذهب الآن."ثم مالت بجسدها لتتجاوزه، ومرّت بقربه دون أن تلمسه.عاد الممر إلى الصمت من جديد، ولم يبق سوى زاوية الكيس البني في سلة المهملات بارزة بشكل لافت.ظل سامي يحدّق فيه طويلًا، قبل أن ينحني ويلتقطه.كان الكيس أثقل مما توقع.تردّد لثانية، لكنه فتحه في النهاية.في داخله مفكرة ذات غلاف أخضر داكن، حوافها مهترئة قليلًا، ومعها عدة صور.كانت الصورة الأولى له ولـسلوى، في السادسة عشر من عمرها وهو في السابعة عشر، يلتقطان صورة في مدخل مدينة ألعاب.كانت سلوى في الصورة تبتسم بعينين منحنية كالهلال، وهو يطوّق كتفيها بذراعه، وعلى وجهه ملامح نادرة من اللين الصادق."هكذا رميتها؟"تمتم بصوت خافت، بينما مرّر إبهامه بلا وعي فوق وجه سلوى في الصورة.و
Read more
الفصل9
"تامر…… ما الذي يفعله هنا؟"ابتسم تامر بخفة، وتقدّم خطوة نحوها، حتى انكشف وجهه تمامًا تحت ضوء السلم.وقال: "أنا أيضًا متفاجئ."أمال رأسه قليلًا ونفث دائرة من الدخان، ثم وقع بصره على بطاقة العمل المعلّقة على صدرها، وقال: "اتضح أنكِ من بين الدفعة الجديدة من الموظفين، يا لها من صدفة."وأخيرًا ربط عقل سلوى شتى الخيوط ببعضها.لم يعد هناك مجالًا للشك—تامر، هو الرئيس التنفيذي الجديد للمجموعة الذي كانت زميلاتها يتهامسن بشأنه.تراجعت نصف خطوة من غير وعي، حتى ارتطم ظهرها بالجدار البارد.وفي الهاتف، ما زال صوت ريم يتردد قائلة: "سلوى؟ لماذا لا تتكلمين؟ اسمه دياب، سأرسل لكِ صورته على الواتساب——"لكن تامر مدّ يده فجأة وسحب الهاتف من يديها بخفة إصابته.ثم قال في السماعة: "هي عرفت الآن."، ثم أغلق الخط مباشرة، بسلاسة تامة."ما الذي تفعله—"ومدّت يدها لتستعيد الهاتف، لكنه تفاداها بسهولة.رفع الهاتف عاليًا، ونظر إليها من علٍ، مبتسمًا ابتسامة مراوغة، ثم انحنى قليلًا وهمس قربها: "هل بعد أن جرّبتِ رجل طوله متر وتسعون، ما زلتِ تنظرين برجل طوله متر وثمانون؟ ذوقك يتراجع كثيرًا."احمرّت أطراف أذنيها في لحظة.
Read more
الفصل10
في ذلك الصيف، كانت السماء تمطر بغزارة، وكانت سلوى موضع الاتهام من الجميع، هدفًا لكل السهام.وقف سامي بالقرب منها، يحدّق إليها ببرود، ولم يبقَ في عينيه سوى نفور فاتر، ثم التفت عنها كأنّه يتجنب عشبًا بريًا مزعجًا.هربت سلوى إلى غرفة المعدات في الصالة الرياضية، وانكمشت في أحد الأركان مختبئة.كان قميص زيّها المدرسي مشبّعًا بمياه المطر، يلتصق بجسدها بلزوجة.وخارج الباب، كان يوجد عدة فتيات يرفسن الباب الحديدي بقوة."تتظاهرين بالعفّة بماذا؟ هل تظنين أن سامي شخص يحقّ لكِ مجرد التطلّع إليه؟""اخرجي! دعينا نرى اللقيطة التي ربّتها عائلة رياض، ما الذي يؤهلكِ لتتنافسي مع شهد وتخطفي قلب حبيبها!"عضّت سلوى شفتها السفلى بقوة، حتى انتشر طعم الصدأ في فمها."تاخ——"دوّى صوتٌ عنيف آخر، وبدأ قفل الباب يتخلخل.فجأة، دوّى من الركن صوت خافت لاحتكاك الأقمشة.وقتها فقط اكتشفت سلوى أن شخصًا ما كان مستلقيًا في الظل.تسلّل الضوء من النافذة العالية مائلًا إلى الداخل، مضيئًا شعر الفتى الأسود المبعثر، والغبار المتراقص في الهواء.نهض متكئًا بكسل، ثم نظر في اتجاهها."ضجيجكم مزعج، انصرفن!"لم يكن صوته منخفضًا، فالفتيات
Read more
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status