Share

الفصل 618

Author: سيد أحمد
جلس أحمد في السيارة مغمض العينين يستعيد هدوءه، فشعر عز بأن أجواء المقصورة صامتة على نحوٍ مخيف، فسارع إلى السؤال: "سيدي الرئيس، هل فشلت المفاوضات بينكما؟"

قال أحمد ببرود: "لم تفشل المفاوضات، بل لم يكن هناك مجال لها من الأساس، تلك المرأة مريضة."

رفع يده إلى جبهته متأففًا: "مرّت كل هذه السنوات، ومع ذلك لم تتغيّر قيد أنملة، بل ازدادت سوءًا، لو كنت أعلم ما ستؤول إليه لما رقّ قلبي يومها وأنقذتها."

قبل عشرة أعوام، وبمحض المصادفة مرّ بأحد القرى الجبلية، ورأى سناء تعيش وسط معاناة قاسية، فقد كانت عائلتها من أولئك الذين يفضلون الذكور على الإناث.

كان شقيقها قد أُرسل للدراسة في الثانوية بمدينة بعيدة، بينما أراد أهلها أن تترك هي مقاعد الدراسة وتتزوج رجلاً مسنًّا أعزب من القرية. كان المال الذي سيدفعه الرجل مهرًا يُخصّص لإعانة شقيقها على إكمال دراسته، وحين حاولت الاعتراض والتمسك بحقها في التعليم، لم تجنِ سوى الضرب المبرح من والديها.

أحمد لم يكن رجلاً يتدخل في شؤون الآخرين عادة، إلا أنه يومها لمح جانب وجهها وهي تقف وحيدة.

فذكّرته بفتاة لم يلتقِ بها إلا مرة واحدة، لكنها بقيت محفورة في ذاكرته.

ولأنه هو ن
Continue to read this book for free
Scan code to download App
Locked Chapter

Latest chapter

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 890

    انقضت الليلة سريعاً، وكان الجو في الغرفة بارداً، فغطاء واحد لا يكفي لصدّ البرد.كانت سارة تظن أنّ النوم سيعاندها، غير أنّها حين ضمّت الطفل إلى صدرها غمرها شعور عميق بالطمأنينة، حتى استسلمت سريعاً للنوم.كان آدم أشبه بموقد صغير، التصق بجسدها يمنحها دفئاً لا ينقطع.رأت سارة حلماً جميلاً؛ إذ وجدت نفسها في سهول خضراء شاسعة، تمسك بيدَي طفلين وتجري معهما بحرية وسعادة.وعند نهاية الطريق وقف أحمد، مدّ يده نحوها وهو ينادي: "سارة حبيبتي..."فزعت سارة من نومها، وقد أشرق النهار منذ وقت، أما جلال فلم يكن في الغرفة.ومن النافذة الخالية من الستائر، بدا المشهد واضحاً؛ الثلج انهمر طوال الليل حتى غطّى كل شيء برداء أبيض ناصع.غادرت سارة السرير بهدوء لتتفادى إيقاظ آدم، ثم فتحت الباب، فاندفعت موجة من البرودة القارسة نحوها.لقد شاهدت الثلج كثيراً في حياتها، لكن ما وقع أمام عينيها الآن كان آية في الجمال.يا له من مشهد بديع!امتدّ البياض بلا نهاية، يغمر الأرض والسماء، يغسل ما علق بهما من شوائب، فلا يبقى سوى الصفاء والنقاء.وفي عمق الثلوج، ظهرت آثار أقدام صغيرة تركتها حيوانات الغابة، وعلى الأغصان برزت رأسا سنج

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 889

    إن مسعد قد فتح مكبّر الصوت، لذلك سمع أحمد ما قيل بوضوح، فجاء صوت سارة عبر الهاتف طبيعيًا، إلا أنّه مشوب بالحذر، فهي لم ترغب أن تُخبر حتى مسعد بمكانها.قال أحمد: "بهذه الفترة القصيرة انتقلت إلى الضاحية الغربية، من الواضح أنّ أحدهم أخذها معه، لكنها لم تطلب النجدة عبر الهاتف، ما يعني أنّ هذا الشخص لا يُشكّل عليها أي تهديد، بل لعلّه هو من تخلّص من أولئك القتلة".ارتسمت الحيرة على وجه خالد وقال: "من آثار الجروح يتبيّن أنّ كلّ قتيل سقط بضربة واحدة قاضية، واحدًا في مواجهة ثلاثة... مهارة إطلاق النار عند هذا الشخص فائقة، متى تعرّفت السيّدة على رجل بهذه القدرة؟"قال أحمد بلهجة قاطعة: "دقّة التصويب، الحسم في القتل، ومع ذلك لا يُشكّل خطرًا على سارة حبيبتي، ليس هناك سوى شخص واحد".في ذهنه طفا مشهد لقائه على السفينة منذ وقت قريب."إنه جلال!"لقد عادت سارة إلى مدينة الشمال أصلًا من أجل اللقاء بجلال، وبعد هذه الأيام الكثيرة فلا بد أنّ الإشارة التي تركتها قد التقت بإشاراته.قال أحدهم متردّدًا: "بما أنّ السيدة مع جلال فهي ليست في خطر، لكن ماذا نفعل الآن؟ هل نعيدها إلينا؟ ففي النهاية، رجل وامرأة وحيدان..

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 888

    كانت سارة على وشك أن تسأل جلال عمّا جرى قبل عامين، لكن هاتفها اهتزّ فجأة في جيبها.نظرت إلى الشاشة، فإذا بالرقم يعود إلى مسعد، أجابت بصوت متحفظ: "مرحبًا."جاءها صوته متوترًا: "سيدتي، أين أنتِ الآن؟"تذكّرت سارة أنها قبل إرسال الطفلين إلى الجزيرة كانت قد أنهت حسابه وأعطته كامل أجره، فما الذي يدفعه إلى الاتصال بها في هذه اللحظة الحرجة؟سألت ببرود: "ماذا هناك؟"قال بصوت مرتبك: "الأخ حسني أصيب بمكروه، أرجوكِ تعالي لرؤيته."تجمّد ذهنها، فما زالت لم تستوعب بعد ظهور أحمد المفاجئ في الحانة، وها هي تسمع الآن أنّ حسني في خطر، فلم تستطع إلا أن يقلق قلبها.سألت بسرعة: "ما الذي جرى له؟"أجاب: "كان مريضًا منذ فترة، واليوم شرب كثيرًا حتى أصيب بتسمم كحولي، فأسرعت به إلى المستشفى، هو الآن يصرخ طالبًا أن يراكِ، سيدتي، أين أنتِ؟ هل تقدرين أن تأتي لتطمئني عليه؟"تنفست سارة بعمق، فهي لا تعرف حتى موقعها الدقيق، وحتى لو عرفته فلن يكون بوسعها البوح به لأي أحد.قالت بحذر: "الأمر ليس ميسورًا، كيف حاله الآن؟"ردّ بصوت قلق: "حالته خطيرة، إنها حالة تسمم حاد بالكحول أدّت إلى نزيف في الجهاز الهضمي العلوي، وهو يتقيأ

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 887

    حين وقعت عينا أحمد على الدماء الملطخة عند مدخل الزقاق، اجتاح قلبه شعور ثقيل، فارتسمت في ذهنه نذر سوء لا تُحتمل. من بعيد أبصر بضع جثث مطروحة على الأرض، وسواد قاتم يغشى بصره حتى كاد يسقط من الصدمة.هل يُعقل أن سارة قد ماتت؟! هذه الفكرة المخيفة لم يجرؤ على السماح لها أن تجتاح في ذهنه.اندفع فؤاد بسرعة كبيرة حتى وصل أمامه، وبعد أن تأكد من هوية القتلى قال: "اطمئن، ليست زوجتك بينهم."تنفّس أحمد الصعداء أخيرًا، وعادت إلى جسده قوة كافية ليخطو إلى الأمام مرةً ثانية، فانحنى يتفحّص القتلى قائلًا: "قد ماتوا حديثًا."أحد الحراس تعرّف إلى الرجل الملقى أمامهم وقال: "هذا هو بالضبط من خطف السيدة سارة، كنا قد اندفعنا خلفه فورًا، لكنهم عاثوا في الحانة فوضى عارمة، وانشغلنا بقتالهم فلم نستطع اللحاق."في هذه اللحظات القصيرة اختفت سارة، بينما الرجل الخاطف قد قُتل!هل يعقل أنّها هي من قتله؟لكن السلاح لم يكن قد وصل إلى يدها بعد، فمن أين جاءت بالعتاد أصلًا؟قال فؤاد وهو يفكّر مليًّا: "الأرجح أنّ الأمر غير ممكن، فجميع الإصابات قاتلة بضربة واحدة، ما يدلّ على أنّ الفاعل متمرّس للغاية في الرماية، وهذا يعني أنّ في

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 886

    لم تكن سارة قد استوعبت ما يحدث بعد، حين جذبها الرجل بقوة ليمضي بها بعيدًا، بينما تبعه من الخلف جمعٌ من الفتيان طوال القامة.قالت باعتراض: "اتركني!"أجابها وهو يسرع أكثر: "هذا المكان خطر، وأنتِ فتاة شابة، بقاؤكِ هنا غير آمن."في الطريق ارتطم بخادم يحمل صينية، فانسكب الشراب على الأرض، وصار المكان فوضى عارمة.لقد لحق حُرّاس فؤاد هم أيضًا، فازدادت الفوضى اضطرابًا.كان الرجل يقبض على يد سارة بقوة حتى آلمها، فتجهمت قائلة ببرود: "قلتُ لكَ اتركني!"ابتسم ابتسامة باردة وقال: "فتاة شابة، إنما أفعل هذا من أجلكِ، سأقودكِ إلى مكان آمن."ثم جرّها إلى زقاق ضيق، وهناك بدأت سارة تشعر بالخطر.لقد كان قوي البنية، ولو حاولت مجابهته فلن تنتصر.لكن عينيها وقعتا على مجرفة صدئة ملقاة في الزقاق، فانتزعتها في لحظة خاطفة، وانهالت بها بكل قوتها على رأسه.كان رد فعله سريعًا، إذ أفلت يدها وتراجع بضع خطوات.قال مبررًا: "سيدتي، لا تفهمي خطأ، لم أرد إلا مساعدتكِ."أجابته بوجه بارد: "ابتعد عني."وفجأة، انبثقت من خلف حاوية القمامة القريبة ظلال سوداء، وانقضّ شخصان نحوها بضراوة.أسرعت سارة بمراوغتهما بجانب جسدها، ولوّحت ب

  • سيد أحمد، خالص التعازي في وفاة زوجتك   الفصل 885

    تجمّد أحمد قليلًا وهو يردد بدهشة: "هو من رجال منظمة أكس السوداء؟"ردّ فؤاد بهدوء: "الأدق أن نقول إنه خائن؛ قبل عامين تمرّد وترك التنظيم، فصار اسمه على قوائمهم السوداء ورأسه مطلوبًا، لذلك يعيش منذ ذلك الحين مطاردًا يهرب من مدينة إلى أخرى، ومن الصعب تعقّب مكانه الآن".صبّ فؤاد لنفسه كأسًا أخرى وقال: "لقد أخبرتُ أخي الثاني بالأمر، وطلبتُ منه أن يبقى متيقظًا، فإن وصل أي خبر فسيكون أول من يبلّغك، أما أنت، فإلى متى ستبقى أسيرًا لامرأة تدور في فلكها؟"قال أحمد وهو يمرر أصابعه على إحدى الصور، حيث بدا وجه سارة ظاهرًا بوضوح وعينيه غارقتين بالحنان: "لقد تذوّقت مرارًا مرارة فقدانها، كل ما أريده الآن أن أحميها جيدًا".استهزأ فؤاد: "يا رجل، حبك هذا لا أراه إلا ذلًّا، لقد فقدتَ كل ما كان يميزك في الماضي".ابتسم أحمد بخفة وقال: "الأفضل ألا تقع يومًا في حب امرأة"، ثم فجأة تجمّد وكأنه لمح أمرًا مريبًا: "هذه الصور..."سأله فؤاد متعجبًا: "ما بها الصور؟"اختار أحمد صورتين من بين الرزمة، ورغم أنّ بطلتها كانت سارة، إلا أن إصبعه لم يكن يشير إليها، بل إلى رجلين في خلفية الصورتين.قال بحدة: "هذا الشخص نفسه!"تم

More Chapters
Explore and read good novels for free
Free access to a vast number of good novels on GoodNovel app. Download the books you like and read anywhere & anytime.
Read books for free on the app
SCAN CODE TO READ ON APP
DMCA.com Protection Status