LOGINلم تكن سارة تعرف ما هو نوع دم أحمد، فبادر خالد بالشرح: "الرئيس التنفيذي أحمد يحمل فصيلة دم نادرة تُسمّى P".بمجرد أن سمعت سارة هذا الاسم، اسودّ بصرها للحظة، وكادت تسقط مغشيًا عليها.فهي دارسة للطب، وتعلم تمام العلم كم هي نادرة تلك الفصيلة.إن نظام الدم P مختلف عن نظامي ABO وRH، وينقسم إلى خمسة أنواع P1، P2، P1k، P2k، وP.الأكثر شيوعًا هما P1 وP2، أمّا الأنواع الثلاثة الأخرى فأشدّ ندرة.غير أنّ مجرد العثور على دم من فصيلة P أمرٌ في غاية الصعوبة، فما بالك أن إصابة أحمد تستدعي كميات كبيرة من الدم، وهو ما يُحتمل ألا يتوفّر.تمتمت بذهول: "كيف يمكن أن يحدث هذا..."تراجعت خطوتين إلى الوراء، ولولا أن خالد أسرع وأمسك بها لكانت سقطت أرضًا.لو كانت تعلم أنّ النتيجة ستكون كهذه، لتمنّت أن تكون هي المصابة بدلًا منه.قال خالد مهدّئًا: "سيّدتي، لا تقلقي كثيرًا، جسد الرئيس أحمد قويّ بطبيعته، ولن يصيبه مكروه، ثمّ إنكِ لو تلقيتِ أنتِ الشظايا بدلًا عنه، لكنتِ تشوّهتِ وربما لم تنهضي ثانيةً، وأنتِ تعانين أصلًا من علّة سابقة، لذا ما فعله لم يكن خطأ."تشبّثت سارة بكمّ خالد، وكفّاها غارقتان بالعرق البارد: "هل
ما هي إلّا لحظات حتى اندفع خالد وسط زخّات الرصاص، وما إن رأى ذلك المشهد المروّع حتى ارتبك وصاح: "أيها الرئيس أحمد!"كان أحمد يتصبّب عرقًا من شدّة الألم، وكان شاحب الوجه، متيبّس الشفاه، ومع ذلك قال بصوت متهدّج: "أنقِذ سارة أولًا."باب المقعد الأمامي من جهة الراكب كان محشورًا بالجدار، وعلى اليسار شاحنة ضخمة تسدّ الطريق.لم يجد خالد بُدًّا سوى أن يتسلّل عبر فتحة الزجاج الأمامي المهشَّم، يزحف قليلًا قليلًا إلى الداخل، وهو يلهث: "سيدي أحمد، اصبر قليلًا."كانت أصابع سارة المرتجفة تلامس وجه أحمد، بينما الدموع الغزيرة تنهمر منها كحبات المطر.أما هو فابتسم لها بضعف وقال: "يا سارة، لقد صدقتِ، يبدو أنّ هذه الحياة ليست لي، بل هي دينٌ سأرده إليكِ."تابع بصوت مبحوح: "أنا لا أخشى الموت، إنما أخشى أن أرحل فلا أجد من يحميكِ ويحمي أطفالنا... سامحيني، عجزتُ أن أكون زوجًا صالحًا، ولا أبًا كما ينبغي... جعلتُكِ تتجرّعين الألم وتتحمّلين الجراح... آه..."وقبل أن يُتمّ كلماته، دوّى سعال حادّ، فاندفع الدم من زاوية فمه.رغم أنه على حافة الموت، لم يزل فكره مشغولًا بسارة وحدها.تمتم وهو يمدّ يده الملطّخة بالدماء إ
يا له من ثلجٍ يتساقط بغزارة، فَبَطَّأَ أحمد سرعَةَ السيارة قليلًا.خَلفَهُم عددٌ من السيارات، فصَارا على الطريق لوحةً من المشهد في ذلك الليل الثلجي.في عمقِ شتاءٍ قارِسٍ قلَّت حركةُ الناس، وبمناسبةِ رأسِ السنةِ كانت الأضواءُ الصغيرة معلّقةً في كلِّ مكان، فعمَّ الهدوءُ والرقةُ العالمَ بأسره.سادَ الصمتُ في حجرةِ السيارة كما لو أنَّها قبْرٌ، فلم يُدرِ أحمد ما الذي يقوله.أما سارة فكانت تنظرُ إلى الخارجِ، غارقةً في مشاعرٍ لا تعلمُها بنفسها.وعندما اقتربا من منعطفٍ، أخفضَ أحمد السرعةَ مُبكِّرًا.في تلك اللحظةِ، انقَلَبَ المشهدُ فجأةً حين هبت سيارةٌ أخرى مسرعةٌ على طريقٍ مختلفٍ، فاصطدمت مباشرةً بسيارةِ أحمد.تدخَّلَ أحمد بسرعةٍ برَكْنِ العجلاتِ ومالَ بالسيارة نحوَ رَصِيفِ المشاة إنقاذًا.رُغمَ ردةِ فعله السريعةِ، خَطَّتْ مركبةُ الخصمِ ضَرْبَةً بالقربِ من جانبِ مقصورةِ قيادته.كانت تلك المركبةُ شاحنةً متوسِّطةَ الحجمِ، فبِقُوَّةٍ عاصِفةٍ ضربَتْ سيارتَهُم مِيلًا أخرجتها عن مسارها.وقدْ فَقِدَت السيارةُ السيطرةَ، وأمامَهُم واجهةُ محلٍ زجاجيٍّ، فكان الخطرُ وشيكًا.حلَّ الفزعُ سريعًا، وما أن تَأ
حين رآها صامتة، تابع أحمد قائلًا: "أعترف أنني في الماضي ارتكبت الكثير مما جرحكِ، وإن كنتِ مصرة على الفراق فلا حيلة لي، لكنني لست مجرد طليقكِ، بل أنا أيضًا والد لطفلين، وحتى لو وصل الأمر إلى المحاكم، فسأظل أملك حق حضانتهما، أو على الأقل حق زيارتهما، فكيف بكلمة منكِ تسلبينني كل هذه الحقوق؟ أترينه عدلًا؟"بمجرد أن قال ذلك، تبدلت ملامح سارة بشدة وقالت بانفعال: "أتريد أن تخاصمني على أطفالي؟"فإن وصلت القضية فعلًا إلى المحكمة، فهي تعلم أنّ ميزان الشروط لن يميل لصالحها أمام أحمد، فارتجف ثباتها الذي اعتادت الحفاظ عليه وظهر التصدع في وجهها.سارع أحمد لطمأنتها: "سارة، لا تقلقي، إنما ضربتُ مثلًا فحسب، لم أقصد أن أنازعكِ على حضانة الأطفال."ثم أردف يهدئها: "كل ما أردت قوله أن لي واجبًا لا يمكن أن أتنصل منه، فكما أن عليّ أن أحمي الأطفال، عليّ أيضًا أن أحميكِ، هناك في الجزيرة يمكنكِ أن تستريحي وتتعافي، والأطفال سيجدون بيئة ينمون فيها بطمأنينة، ستكونون جميعًا في أمان."أطرقت سارة تفكر طويلًا، ثم رفعت رأسها وقالت: "حسنًا، سأوافقكِ، لكن لي شرط واحد."قال باهتمام: "قولي."قالت: "ليلي عانت جراحًا في مشاع
سألت سارة السؤال في موضعه، فاكتفى أحمد بالصمت.قالت: "مع أنني أعلم أنك في ذلك الوقت كنت مخدوعًا بأختك، إلا أنّ ما جرى لعائلتي كان حقيقيًّا، وما سببته لي من أذى كان حقيقيًّا أيضًا، وصورةُ لحظة إطلاقك للنار على يدي من أجل حماية أختك لا تزال ماثلة في ذاكرتي."قال بصوت مبحوح: "سارة، سامحيني."أجابت بهدوء: "كل تلك الحوادث، واحدةً تلو الأخرى، باتت عوائق بيننا، آسفة، لم أعد أملك القدرة على تجاوز تلك الضغائن القديمة لأحبك من جديد."نبرة سارة اليوم كانت متوازنة تمامًا، خالية من الغضب، كما لو كانت تجلس مع صديق قديم تستعيد معه الذكريات.قالت: "ما دُمنا فقدنا أي احتمال للعودة، فلِمَ لا نُنهِ الأمر بوضوح؟ الاستمرار معًا لن يكون إلا إعادة تكرار للمأساة، وسيجلب الأذى إليّ مرة أخرى، بل وربما إلى الأطفال أيضًا."كل كلمة نطقتها سارة لم يجد أحمد سبيلًا لدحضها، فأجاب بصوت ثقيل: "أريد فقط أن أرى الأطفال."قالت ببرود: "لا ضرورة لذلك، لقد أخبرتهم أن والدهم قد مات، فإذا لم يكن بوسعك أن تمنحهم الحب، فالأجدر ألا تلتقيهم منذ البداية."ثم تابعت بملامح هادئة: "لقد أحببتك، وكرهتك، ومع ذلك أنقذتني مرارًا من الخطر، أ
نظر أحمد إلى سارة، وقد غشي بؤبؤ عينيه حمرة خفيفة، وقال بصوت متحشرج: "أخبِريني، أأنتِ واقعة في حبّه؟"ردّت سارة بسؤال مقابل: "إن جاء يوم ووقعتُ فعلًا في حبّ رجل آخر، فماذا ستفعل؟ يا أحمد، نحن مطلّقان بالفعل."كانت أصابعه ما تزال تحتفظ بخاتم الزواج وهو مستند إلى المقود، وكأنّه في قلبه لم يعترف يومًا بانتهاء هذه الزيجة.قال بنبرة مثقلة: "سارة حبيبتي، أستطيع أن أمنحكِ حريتكِ، لكنّي أعجز أن أترككِ تحبّين غيري."سألته بحدة: "وماذا إن حدث ذلك حقًّا؟"أجاب ببطء، وهو يلفظ كلماته كما لو كان يقسم: "سأقتله، حقًّا سأقتله."هجمَت سارة عليه بعينين دامعتين: "كنتُ واثقة، لا بدّ أنّك أنت من تخلّص من حسني، هل مات فعلًا؟"لم يتخيّل أحمد أن تسير الأمور بهذا الاتجاه، فكيف له أن يثبت لسارة أنّ الرجل ما زال حيًّا وبخير؟ولكي يجعل المشهد أكثر إقناعًا، أمسك بيدها بقوة، وفي عينيه شرر: "أتظنين أنّكِ جئتِ للقائي اليوم من أجل رجل آخر؟"بينما داخله كان يصرخ بالندم: "سارة حبيبتي، لم أقصد أن أغضب في وجهك..."في البداية كانت سارة ترى ردّه البارد على ذكر حسني مثيرًا للريبة، لكنها الآن بدأت تشكّك في شكوكها.قالت بحزم: "أ







