مشاركة

الفصل5

مؤلف: ظل الغيم الماطر
عادت إلى المخدع، فإذا بمدبرة المخدع سلامة التي كانت عابسةَ الوجه قليلةَ الكلام، تأمر في الحال بإعداد الماء لخدمة مولاتها في الاغتسال.

وزحمت لمياء جانبًا، وبسطت لليان وجهًا بشوشًا.

"يا مولاتي، طوال هذه السنين لم يدنُ السلطانُ من محظيّةٍ غير مرجانة، وأنتِ أوّل من يحظى بقُربه!"

ووقفت لمياء جانبًا، وفي نفسها على هذه المدبرة كلام.

فلم نرها من قبل بهذا التزلف، إنها تعظّم القوي وتزدري الضعيف.

وهكذا في القصر، مكانةُ المرأة بحظوة السلطان، وإلا فحتى الملكة تلاقي الجفاء.

وأكثرت سلامةُ القول، فلم تُعرها ليان اهتمامًا.

وقالت ببرود: "انصرفوا جميعًا، تكفي وصيفةٌ واحدة، لمياء في الداخل."

فلما خلا المخدع، سألت لمياء بقلق.

"يا مولاتي، إن مجيءَ السلطان حسن.

"ولكن ما فعلتِه يُعدّ إعلانًا للخصومة مع المحظية مرجانة.

"وقالت سيدةُ الدار إن علينا أن نكون منخفضات الصوت في القصر، ولا نصنع عدوًا، ولا سيّما مع المحظية مرجانة…"

فقالت ليان فجأة بصوتٍ باردٍ ونظرةٍ حادّة: "وهل كانت أمي تُعلّم روزان هذا أيضًا."

ولم تكن تستحسن هذا النهج في التربية.

فشيوخها علّموها أن تقابل الإحسان بالإحسان، والعداء بالقصاص، وأن الحياة مرّةٌ واحدة، فلا بد أن تُعاش بتمامها من غير ندم.

والحقيقة أنّ الأم كانت تسير على سنن آل الرياشي في تربية الأبناء.

وآل الرياشي يطلبون من بناتهم رفعةَ القدر، ويبالغون في الشروط.

ونساء العائلة لا يجوز أن يغبن أحدًا في العزف والرقعة والكتابة والرسم.

وعليهن مع ذلك حفظ الخصال الحسنة، وسمعةٌ طيبة.

وكم كتبت روزان تبثّ شجنها وتعبر عن غيرتها من حريتها، وأنها لا تريد دخول القصر ملكة.

والآن، لو أنها دخلت القصر ملكة، فكيف كانت لتصمد لطحن هؤلاء.

وكانت لمياء من القلائل في دار آل الرياشي الذين يعرفون هوية ليان الحقيقية.

فأغلقت النافذة فطرةً بفطنتها.

"مولاتي، قد تكون هناك آذان تستمع دون أن نراها، فانسي ما ينبغي نسيانه، ولا تعيدي ذكره."

وبدت ليان راسخةً ساكنة.

"هم على بُعدٍ لا يسمعون."

فهي ذاتُ مرانٍ في الفنون القتالية، تُحسّ أنفاس الناس.

ولو لم تكن تملك هذا القدر، لهلكت غيرَ مرّةٍ في سنتيها قبل الجندية، وفي مسيرها في الفيافي.

وطبعُ ليان صريحٌ، لا تحبّ الالتواء.

"ذهبتُ الليلة إلى قاعة السمو بذريعة إيصال الدواء، والحقّ أنّني استكشفتُ حراستها."

وسألت لمياء بحذر: "الحراسةُ يا مولاتي، ماذا تريدين أن تفعلي."

"سأقتلها بيدي."

"ماذا!" ووضعت لمياء يدها على فمها كي لا تصرخ من الفزع.

أتروم مولاتها اغتيالَ المحظية مرجانة.

فلما هدأت، أسرعت تنصح: "لا يا مولاتي، هذا خطرٌ شديد!"

فأومأت ليان إيماءةَ الجاد.

"هو خطرٌ فعلًا، ولا عجب، فهي محظيةٌ مرفوعة، وحُرّاسُ قاعة السمو متشددون، وفي طرفَي الأروقة آليّةٌ خفيّة، وحتى الآن لا منفذ لي، ولا بد أن أعود مرّاتٍ حتى أحكم العلم بها."

وبلعت لمياء ريقها توترًا.

"لكن يا مولاتي، قالت سيدةُ الدار…"

فبردت نظرةُ ليان: "ما قلتِه آنفًا صواب، ما وجب نسيانه فلْيُنسَ."

وقالت لمياء في نفسها: يا مولاتي، لم أقصد هذا.

ونظرت إليها ليان.

"لا أُكرِهك على ذلك، فإن أردتِ الثأرَ لروزان فسيري معي.

"وإن خِفتِ ولم تقدري على مؤازرتي فاعتبري أنّي لم أقل شيئًا، لكن ما أعزم عليه لا تذيعيه، وإلّا قتلتك."

ومن حولها قد لا يمدّون يدًا، لكن لا يجوز أن يثقلوا عليها.

وتصبّب جبينُ لمياء عرقًا، واضطرب قلبُها.

وبعد صراعٍ طويلٍ مع نفسها، وخيالِ روزان يبتسم في خاطرها، أغمضت عينيها قليلًا.

"يا مولاتي، لقد عاملتني السيدةُ روزان كالأخت، وقد آلمتني مصيبتُها، فإن استطعتُ أن أفعل شيئًا لها، فلن أبالي بعده."

وردّت ليان نظرها، وبقيت عيناها ساكنتين كالماء.

"إذا اخترتِ، فلا تندمي."

وبعد أن هدأت لمياء، راودها همٌّ آخر.

"يا مولاتي، هذه الليلة إن تمّ الدخول، علم السلطانُ أنكِ عفيفة، ثم تعلم المحظيةُ مرجانة فتَشُكّ، فكيف نصنع."

ولم تكن ليان قلقةً من هذا.

"أوّلًا، السلطانُ سيدُ البلاد، ولن يذيع أمرَ الفراش، ولا سيّما على مسامع محظيّته، فيثير غيرتها عبثًا.

"وثانيًا، لو قال فلن تُصدّق، ستظنّه حفظًا لوجهه، ولو خانته زوجتُه، وسيُخيّل إليها أنّنا لعبنا حيلة.

"وعلى كلّ حال، لن تُثير المحظية ضجّةً في هذا الأمر، فهو صفعةٌ علنيةٌ للسلطان."

فقالت لمياء: "لكن قبل الزفاف، كانت المحظية قد…"

"قبل الزفاف، لم أكن ملكة، وبعده صار مقامي قائمًا."

فأدركت لمياء.

"إذن، لا نخشى مجيءَ السلطان."

ولكن طال انتظارهما، حتى إذا حان منتصفُ الليل، لم يأتِ الطاغية.

وجلست ليان بثوبِ نومٍ من حريرٍ قانٍ عند حافة السرير الجديد، ووجهُها على وتيرةٍ واحدة.

"لن يأتي، فلنأوِ."

"سمعًا، يا مولاتي." وتململت نفسُ لمياء، كيف لا يفي السلطانُ بقوله.

وألِفت ليان الأخذ بما يكون، فنامت سريعًا.

وفي عتمةِ آخر الليل، ضغط جسدُ رجلٍ فوقها، ونَفَسُه غليظ، وخُطوه جافّ، وأخذ يحلّ حزامها.

فانتبهت في الحال، واستلّت خنجرها من تحت الوسادة…

وفي الظلام، أمسك الرجلُ معصمها.

وهمّت أن تردّ، فإذا بصوتٍ خفيضٍ شرس.

"يا ملكة، هل هذه محاولة لاغتيال للسلطان؟"

استمر في قراءة هذا الكتاب مجانا
امسح الكود لتنزيل التطبيق

أحدث فصل

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل30

    كانت كتف ليان مثبتة، ويدها مقبوضة.السلطان عاصم رجل في النهاية، وقوته كبيرة. إذا وقعت في يده، فلا تفكري بالفرار. قال: "يا حرس". بأمر واحد منه، اندفع الحرّاس إلى الداخل. قال: "اقبضوا على المغتالة". وإذ هم يوشكون على الإمساك بها، رفعت ليان ركبتها أولًا، مستهدفة أسفل عاصم. انحرف عاصم إلى الجانب، وضاعف ضغط يده القابضة على كتفها. ومبارزة السادة لا تحتمل ذرة تهاون. وما إن خفّ ضغطه قليلًا حتى كسرت ليان قيده، وخطفت نطاق سرواله من عند الخصر… هووف. في لحظة، أدارت الحراسات رؤوسهم غريزيًا لئلا يروا انكشاف السلطان. وفي تلك اللمحة أفرغ عاصم يدًا بسرعة، وأمسك بالسروال مانعًا انزلاقه. لكن وبسبب حفظه لكرامته بهذه الحركة أفلت قبضته تمامًا، ولم يبق إلا يد واحدة تمسك ليان. كما تعجز قبضتان عن أربع أيد، فقبضة تعجز عن يدين أيضًا. وانزلقت ليان كسمكة لزجة مراوغة، ففلتت من تحكم يده الباقية. ثم اغتنمت ذهول الحرّاس وخوفهم من مساس المهابة، وقفزت من نافذة جانبية. كان تسلسلها انسيابيًا كالغمام، ولو ترددت حركة لفشلت في الفرار. أما الحرس الداخلون متأخرًا فلم يفهموا ما جرى، إنما أحسّوا ببرد يجتاح القاع

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل29

    في منتصف الليل، في قصر النجوى. فشش سهم حاد استقر في إطار باب القاعة. في لحظة، انطلق الحرّاس جميعًا. قالوا: "هناك مغتال". القاعة الداخلية. كان عاصم يرتدي ثوب نوم من الديباج الموشى، وشعره الأسود منسدل كالشلال، يزيد وجهه وسامة فاتنة. قال: "ما الخبر؟" حمل لبيد السهم بكلتا يديه، وعلى رأسه رقعة، وتقدّم بحذر إلى الستارة. قال: "مولاي، هذا ما خلّفه المغتال". مدّ عاصم يده من داخل الستر، وأصابعه طويلة قوية. وتحت ضوء الشموع قرأ ما في الرقعة. مكتوب: "غدًا عند آخر الليل، قصر الشروق، لأجل علاج سمك". ضاقت حدقتا السلطان عاصم فجأة. ثم سحق الرقعة في يده حتى صارت فتاتًا. قال: "ما زالت تجرؤ على المجيء". يبدو أنها عرفت هويته، فأرسلت الرقعة مباشرة إلى قصر النجوى. لم يفهم لبيد المراد. قال في نفسه: "من تكون؟" أيعرف مولاي ذلك المغتال؟ … في مساء اليوم التالي. قصر الشروق. أحاط الحرس الخفي هذا القصر المهجور بطبقات من الطوق، ترقبًا لظهور المغتال. ما إن حان وقت آخر الليل، حتى دفعت باب القاعة امرأة في هيئة وصيفة ودخلت. فحاصروها على الفور. والغريب أن رد فعل المغتالة لم يكن الفرار… نظرت ليان

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل28

    ظنّت مرجانة أنها أساءت السمع. كيف يمكن للسلطان أن يذهب إلى جنان؟ قال زاهر بعد ذلك. "الأمر يقين، للتو أرسل يقول لا تنتظري، فالسلطان سيتناول العشاء عند جنان." ساور مرجانة ضيق، فانعقد حاجباها قليلًا. لكنها ما لبثت أن قالت في نفسها إنه وإن تعشّى هناك فلن يعطف على جنان قطعًا. لا يجوز أن تربك صفوفها لأمر صغير فتكون أضحوكة لغيرها. اشتهر في القصور أن السلطان قصد جنان فعمّ الذهول. وكانت نهى أشد غضبًا فرمت في الحال صحنًا فكسرته. "منذ متى دخلت جنان القصر؟ وبأي حق تسبقني إلى الحظوة!" حاولت وصيفتها أن تلطف القول. "مولاتي، إنما ذهب السلطان إلى جنان، ويقال إن أباها نال فخر النصر، فلعل السلطان يُظهر سعة فضله." قطّبت نهى جبينها بغتة. "أتُراك ترين أن عمّتي كانت محقّة وأن الملكة هي من ساعدت جنان من وراء الستار؟" أجابت الوصيفة بتحفظ. "مولاتي، الأمر مشكل الحكم فيه." "ولكن الملكة نفسها محظور خروجها أفبيدها مثل هذه القدرة؟" عادت نهى تتردد. لو كان لها ذلك لألحت لنفسها لا لتجعل النفع لجنان. هي لا تصدق أن في الحريم امرأة لا تريد الحظوة. أسعد الناس تلك الليلة جنان. فمنذ زمن وهي في القصر وهذه

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل27

    كانت جنان بين الدهشة والسرور، فمسحت دموعها سريعًا ونظرت إلى الخارج. ولما رأت ذلك المِصد الذهبي نسيت وجعها كأن جرحها قد اندمل. خمّنت الوصيفة إلى جوارها. "مولاتي، يُقال إن مولاي السلطان بعدما غادر قصر الوفاق قصد قاعة السمو، ولا بد أن مرجانة قالت فيه خيرًا فأتت هذه العطية؛ عليك أن تشكريها." هزّت جنان رأسها بقوة. "نعم، مرجانة أخت صادقة في وُدها لي، بخلاف تلك الملكة." وما إن ذُكرت الملكة حتى عاد الحقد يغلي في صدرها. هذا الثأر ستأخذه لا محالة. … قصر النجوى. القاعة العظمى ساكنة لا صوت فيها. في نصف الليل. … امتدت يد من الداخل فأزاحت ستر السرير بعصبية. تسللت أشعة القمر عبر شقوق الضوء إلى داخل الستر. جلس عاصم هناك ورداؤه الواسع مفتوح يكشف صدرًا ممشوقًا. وضع يده على جبهته يعرك ما بين حاجبيه بضيق. لم يستطع النوم. كان يعيد حديث قصر الوفاق في ذهنه. ليس صحيحًا. لقد همّ آنذاك أن يجلد وصيفات الملكة زجرًا لهن. فكيف انقطع الأمر بلا تتمة. في أي موضع استدرجته الملكة وأدرجته في قولها. منذ ذكرت أبَا جنان وإخوتها مضى معها في الحديث، بل تحققت صحّة ما سمته برسالة الأهل… وفي النهاية لم يع

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل26

    رفعت ليان رأسها ببطء وعيناها هادئتان كبركة ميتة لا تموّج فيها. "مولاي السلطان، لقد زل لساني من قبل فأسخط المقام، وأنا منذئذ أحاسب نفسي ليلًا ونهارًا بذنوب معلقة، ولست أهلًا لخدمة المقام السلطاني." تلألأت عينا عاصم ببرودة عميقة تحمل خطرًا مكتومًا. "الملكة تعرف قدر نفسها." "هيئوا الموكب، إلى قاعة السمو." … بعد انصراف السلطان بدت لمياء كأنها انهارت تمامًا، فاتكأت مترنحة على حافة الطاولة. "مولاتي، لقد أفزعتِني حتى الموت…" ولما تأكدت أن لا أحد حولهما قالت لمياء بقلق تنصح. "مولاتي، لم يُدنِ السلطان جنان من وصاله، فإن كنتِ تريدين بها كسر انفراد مرجانة فقد أخفقتِ." "بل وأغضبتِ السلطان وزدتِ الشقاق مع مرجانة وجنان؛ أليس في ذلك جعلٌ لوضعنا أسوأ؟" لم ترَ ليان أنها خسرت. قالت بسكينة. "جنان قريبة من مرجانة ومن يقرب من الماء يسبق إلى الارتواء، فلو كان السلطان مائلًا إليها لكان قد آثرها منذ زمن." "آه؟ إذن أنتِ تعلمين أن السلطان لن يدنو من جنان ومع هذا رتبتِ لها مبيت الليلة؟" ثم قالت لمياء وقد خطر لها أمر آخر: "وأنتِ أيضًا تعلمين أنه لا يحب ذلك فأرسلتِها عمدًا إلى قصر النجوى، أليس كذلك؟"

  • عروس الحرملك... التي قهرت الطاغية   الفصل25

    كانت ليان تُقبَض على عنقها، وقد احمّرت ملامحها قليلًا. "هذه كلها مذكورة في رسالة أسرية …" قال السلطان عاصم: " رسالة أسرية؟" ولم يصدق. وأمرها أن تُخرج تلك الرسالة المزعومة. وخارجًا ذُهلت سلامة. من أين أتت تلك الرسالة؟ وما إن استدارت… يا ساتر، أفزعها ذلك! متى عادت لمياء يا ترى؟ ثم ما الذي تحمله في يدها؟ تجاوزت لمياء ذهول سلامة، وأسرعت إلى المخدع. قالت: "يا مولاي، هذه رسالة بعث بها السيد حسام اليوم." أرخى عاصم قبضته وتناولها ليتفحصها بنفسه. وكانت مكتوبة بلهجة أب إلى ابنته. وفيها: "روزان يا ابنتي، قلتِ من قبل إنك تريدين القيام بحق الملكة وأن تعدّي المحظيات أخوات فتُحسني إليهن، فسرّني ذلك. لهذا جمعتُ شيئًا من الأخبار لعلها تعينك…" وكان فيما بعد ذكرٌ لجنان ولغيرها من المحظيات. وأبرز ما فيه مواقيت دخولهن القصر، وصلات أهلهن، وميولهن. ومن سياق الكتاب يُرى حرص الملكة على شأن الحريم. كأنها حقًا تعدّهن أخوات وتريد معرفتهن. لما فرغ السلطان عاصم من القراءة بقي وجهه جليديًا. قال: "نِعْمَ الملكة أنتِ، أحسنتِ الإحاطة بكل شيء." ولم يكن ليُخدع، فأمر بمضاهاة الخط حالًا. وبينما ينتظر

فصول أخرى
استكشاف وقراءة روايات جيدة مجانية
الوصول المجاني إلى عدد كبير من الروايات الجيدة على تطبيق GoodNovel. تنزيل الكتب التي تحبها وقراءتها كلما وأينما أردت
اقرأ الكتب مجانا في التطبيق
امسح الكود للقراءة على التطبيق
DMCA.com Protection Status